٣٧

وَ اذكر إِذْ تَقُولُ يا محمد الاية

و اخرج الحاكم عن انس قال جاء زيد بن حارثة يشكو الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من زينب بنت جحش فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم امسك عليك أهلك فنزلت و إذ تقول لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّه عَلَيْهِ اى هداه للاسلام و رزقه مصاحبتك و القى فى قلبك محبته و الرحمة عليه وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ بالإنفاق و الاعتاق و هو زيد بن حارثة رضى اللّه عنه أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ يعنى زينب بنت جحش وَ اتَّقِ اللّه فى أمرها فلا تطلقها فان الطلاق من ابغض المباحات وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ قوله أَمْسِكْ مقولة تقول و جملة تخفى معطوف على قوله تَقُولُ يعنى و كنت تسرّ فى نفسك ما اللّه مظهره اخرج البخاري عن انس ان هذه الاية نزلت فى شأن زينب بنت جحش و زيد بن حارثة قال الحسن أعجبه قول زيد و أخفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك فى نفسه حياء و كرما و قيل وقع فى قلبه انه لو فارقها زيد تزوجها و قال ابن عباس حبها و قال قتادة ودّ انه طلقها.

و

قال البغوي روى سفيان بن عيينة عن على بن زيد بن جدعان قال سالنى على ابن الحسين زين العابدين عليهما السلام ما يقول الحسن فى قوله عزّ و جلّ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ قلت يقول لما جاء زيد الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا نبى اللّه انى أريد ان أفارق زينب أعجبه ذلك فقال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّه قال على بن الحسين ليس كذلك كان اللّه تعالى قد اعلمه انها ستكون من أزواجه و ان زيدا سيطلقها فلما جاء زيد و قال انى أريد ان أطلقها قال أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ فعاتبه اللّه و قال لم قلت امسك عليك زوجك و قد أعلمناك انها ستكون من أزواجك- و هذا هو الاولى و الأليق بحال الأنبياء و هو مطابق للتلاوة لان اللّه تعالى اعلم ان يبدئ و يظهر ما أخفاه و لم يظهر اللّه غير تزويجها منه فقال زَوَّجْناكَها فلو كان الذي أضمره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم محبتها او ارادة طلاقها لكان يظهر ذلك و انما أخفى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم استحياء ان يقول لزيد التي تحتك و فى نكاحك ستكون امراتى-

قال البغوي و هذا قول مرضى حسن و ان كان القول الاخر و هو انه أخفى محبتها او نكاحها لو طلقها زيد لا يقدح فى حال الأنبياء لان العبد غير ملوم على ما يقع فى قلبه فان مثل هذه الأشياء ما لم يقصد لا اثم فيه لان الود و ميل النفس من طبع البشر- و قوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّه امر بالمعروف و هو حسنة لا اثم فيه-

قلت بل هو أعظم اجرا فانه امر بالمعروف على خلاف طبعه قال اللّه تعالى وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- و ما قال الحسن يؤيده قوله صلى اللّه عليه و سلم حين راى زينب سبحان اللّه مقلب القلوب فانها تدل على انه تعالى قلّب قلب النبي صلى اللّه عليه و سلم الى ان يتزوجها بعد ما كان فى قلبه ان يزوجها زيدا وَ تَخْشَى النَّاسَ عطف على تخفى يعنى تخاف لائمة الناس ان يقولوا امر رجلا ان يطلق امرأته وَ اللّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ الجملة حال من فاعل تخشى قال عمرو ابن مسعود و عائشة رضى اللّه عنهم ما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اية هى أشد من هذه الاية و روى عن مسروق قال قالت عائشة لو كتم النبي صلى اللّه عليه و سلم شيئا مما اوحى اليه لكتم وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّه مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ-

قال البغوي لم يرد اللّه بهذه الاية انه صلى اللّه عليه و سلم لم يكن يخشى اللّه فانه صلى اللّه عليه و سلم قال انى أخشاكم و أتقاكم-

قلت و قد قال اللّه تعالى فى شأن الأنبياء كلهم يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللّه و لكنه لما ذكر الخشية من الناس ذكر ان اللّه أحق بالخشية فى عموم الأحوال و فى جميع الأشياء قلت فمعنى الاية انك تخشى لائمة الناس و تخشى اللّه أشد خشية من خشية الناس فان اللّه أحق ان تخشاه فمن أجل خشية الناس و الحياء منهم أخفيت ما أضمرت و من أجل خشية اللّه أمرت بالمعروف و لم تترك شيئا مما أمرك اللّه به و لا منافاة بينهما و معنى قوله تعالى لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللّه انهم لا يخشون أحدا فيما يفضى خشيتهم ترك امتثال امر اللّه تعالى و اما خشية الناس حياء فيما عدا ذلك فحسن فان الحياء من الايمان متفق عليه مرفوعا من حديث ابن عمر و فى الصحيحين عن عمران بن حصين قوله صلى اللّه عليه و سلم الحياء خير كله- و عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم ان الحياء و الايمان قرنا جميعا فاذا رفع أحدهما رفع الاخر- و فى رواية ابن عباس فاذا سلب أحدهما تبعه الاخر- رواه البيهقي فى شعب الايمان و روى مالك عن زيد بن طلحة مرسلا و ابن ماجة و البيهقي فى شعب الايمان عن انس و ابن عباس انه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان لكل دين خلقا و خلق الإسلام الحياء و اللّه اعلم-

و اخرج مسلم و احمد و النسائي و ابو يعلى و ابن ابى حاتم و الطبراني و ابن مردوية و ذكره البغوي و هذا لفظ البغوي عن انس انه قال لمّا انقضت عدة زينب قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لزيد اذهب فاذكرها علىّ فانطلق زيد حتى أتاها و هى تخمّر عجينها قال زيد فلمّا رايتها عظمت فى صدرى حتى ما أستطيع ان انظر إليها حين علمت ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذكرها فوليتها ظهرى و نكصت على عقبى فقلت يا زينب أرسلني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بذكرك قالت ما انا بصانعة حتى او امر ربى فقامت الى مسجدها و نزل القران فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً الاية و جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و دخل عليها بغير اذن فقال لقد رايتنا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أطعمنا الخبز و اللحم حتى امتد النهار فخرج الناس و بقي رجلان يتحدثون فى البيت بعد الطعام فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتبعته فجعل يتبع حجر نسائه يسلم عليهن و يسلمن عليه و يقلن يا رسول اللّه كيف وجدت أهلك فقال ما أدرى انا أخبرت ان القوم قد خرجوا او أخبروني فانطلق حتى دخل البيت قال انس فذهبت ادخل معه فالقى السّتر بينى و بينه و نزل الحجاب- قوله تعالى فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها اى من اهله و هى زينب بنت جحش وطرا اى حاجة بحيث ملّها و لم يبق له فيها حاجة و طلقها و انقضت عدتها قيل قضاء الوطر كناية عن الطلاق زَوَّجْناكَها اى جعلنها زوجتك روى البخاري و احمد و الترمذي و الحاكم و ابن مردوية و عبد بن حميد و البيهقي فى سننه عن انس انه قال كانت زينب تفخر على ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم و تقول زوجكن اهاليكن و زوجنى اللّه من فوق سبع سماوات و فى لفظ ان اللّه تولّى نكاحى و انتنّ زوجكن اولياؤكن

قال البغوي قال الشعبي كانت زينب تقول للنبى صلى اللّه عليه و سلم انى لادل عليك بثلاث ما من نسائك امراة تدل بهن جدى و جدك واحد و انى أنكحنيك اللّه فى السماء و ان السفير لجبرئيل عليه السلام و عن انس قال ما أولم النبي ما أولم بزينب أولم بشاة و عن انس قال أولم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين ابتنى بزينب بنت جحش فاشبع المسلمين خبزا و لحما لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ اى ضيق بالتحريم فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ جمع دعىّ و هو المتبنى يعنى زوجناك زينب امرأة زيد الذي تبنيته ليعلم ان زوجة المتبنى حلال و ان كان قد دخل بها المتبنى بخلاف امراة ابن الصلب فانها لا تحل للاب- و فيه دليل على ان حكم الرسول و حكم الامة واحد ما لم يقم دليل على تخصيص الحكم بالنبي صلى اللّه عليه و سلم إِذا قَضَوْا اى الأدعياء مِنْهُنَّ اى من أزواجهم وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللّه اى قضاؤه مَفْعُولًا (٢٧) مكونا لا محالة كما كان تزويج زينب.

﴿ ٣٧