٣

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ انكار لمجيئها معطوف على جملة مقدرة مفهومة من قوله تعالى وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ... وَ هُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ فانه يفهم منه وعد اللّه بالرحمة و المغفرة للحامدين يوم تأتى الساعة قُلْ بَلى رد لكلامهم و اثبات لما نفوه وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ تكرير لايجابه مؤكدا بالقسم و بتوصيف المقسم به بقوله عالِمِ الْغَيْبِ فان عظم المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم و فيه اشارة الى ان الساعة من الغيب و علمه مختص باللّه تعالى يكفى لاثباته شهادة تعالى و لا يجوز لاحد اثبات شي ء من الغيب و لا نفيه الا بتعليم من اللّه تعالى. قرا حمزة و الكسائي علّام الغيب على وزن فعّال للمبالغة و الباقون على وزن فاعل

و قرا نافع و ابن عامر بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره ما بعده و الباقون بالجر على انه صفة للرب ففيه تأكيد للردّ على انكارهم فان انكار هم ليس الا مبنيّا على جهلهم و استبعادهم ممكنا مثل سائر الممكنات ثابتا إتيانه بأخبار عالم الغيب لا يَعْزُبُ قرأ الكسائي بكسر الزاء و الباقون بضمها و معناهما واحد اى لا يغيب عَنْهُ مِثْقالُ اى مقدار ثقل ذَرَّةٍ اى نملة صغيرة كائنة فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ موجهة فى شي ء من الازمنة الماضية او المستقبلة او الحال و القول بان المعنى لا يعزب عنه مثقال ذرّة موجودة فى الزمان الحال كائنة فى السماوات او الأرض يأباه المقام لان الجملة واقعة تأكيدا لقوله عالم الغيب بيانا لشمول علمه جميع الكائنات ماضيا كان او مستقبلا حتى يكون مؤكدا للاخبار بإتيان الساعة. و ايضا حضور جميع الأشياء الموجودة فى الحال؟؟؟ لبعض من الخلائق كما ذكرنا فى سورة الانعام فى تفسير قوله تعالى تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا انه قيل يا رسول اللّه ملك الموت واحد و الزحفان يلتقيان من المشرق و المغرب و ما بين ذلك من السقط و الهلاك انه حوى الدنيا الملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدى فهل يفوته منها شي ء فالظاهر من هذه الاية ان الازمنة كلها و ما فيها من الزمانيات الماضية و المستقبلة حاضرة عند اللّه سبحانه و هو خارج عن الزمان كما ان الامكنة و المكانيات حاضرة عنده تعالى و هو خارج عن المكان لا يجرى عليه زمان كما لا يحويه مكان فالزمان مخلوق له تعالى حادث حدوثا ذاتيا كما ان المكان مخلوق له فالماضى و المستقبل بالنسبة اليه سواء كما ان الامكنة كلها بالاضافة اليه سواء و قد نبه على ذلك بعض الأكابر من علماء الظاهر قال الجلال الدواني رحمة اللّه عليه فى رسالته الزوراء إذا اعتبرت الامتداد الزمانى الذي هو محل التغيير و التبديل و عرض الحوادث الكونية بما يقارنه من الحوادث جملة واحدة وجدته شأنا من شيون العلة الاولى محيطا لجميع الشيون المتعاقبة- ثم ان أمعنت النظر وجدت التعاقب باعتبار حضور حدود ذلك الامتداد و غيبوبتها بالنسبة الى الزمانيات الواقعة تحت حيطته- و اما المراتب العالية عليها فلا تعاقب بالنسبة إليها بل الجميع متساوية بالنسبة إليها متحاذية فى الحضور لذاتها فما ظنك ما على شواهق العوالي ليس عند ربك صباح و الإمساء تنبيه إذا أخذت امتداد مختلف الاجزاء فى اللون كخشب اختلف اللون فى اجزائه ثم امررته فى محاذات ذرة او غيرها ممّا يضيق حدقته عن الإحاطة بجميع ذلك الامتدادات ليس تلك الألوان المختلفة متعاقبة فى الحضور لديها لضيق حدقتها متقاربة فى الحضور لديك لقوة احاطتك فاعتبروا يا أولى الابصار انتهى كلامه فائدة و قد يأتى على بعض الأكابر حالة يخرج فيه من حيز الزمان فيرى الماضي او المستقبل موجودا عنده و يشهد عليه ما رواه الشيخان فى الصحيحين عن عبد اللّه بن عباس قال انخسف الشمس على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الناس فقام قياما طويلا فذكر الحديث بطوله حتى قال قالوا يا رسول اللّه رايناك تناولت شيئا فى مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال انى رايت الجنة فتناولت منها عنقودا و لو أخذته لاكلتم منه ما بقيت الدنيا و رايت النار فلم ار كاليوم منظرا قط أفظع و رايت اكثر أهلها النساء الحديث- و لا شك ان دخول النساء فى النار لا يكون الا بعد القيامة و قد راه النبي صلى اللّه عليه و سلم موجودا لا يقال لعل النبي صلى اللّه عليه و سلم راى صورة النار و الجنة فى عالم المثال مثل ما يرى النائم فى المنام لان قوله لو أخذته لا كلتم منه ما بقيت الدنيا صريح فى انه صلى اللّه عليه و سلم راى حقيقة الجنة و النار دون مثالهما و ما روى مسلم عن جابر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال رايت الجنة فرايت امراة ابى طلحة و سمعت خشخشة امامى فاذا بلال و ما روى احمد و ابو داود و الضياء عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما عرج بي ربى عزّ و جلّ مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم و صدورهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس و يقعون فى اعراضهم و عن جابر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرضت علىّ النار فرايت فيها امراة من بنى إسرائيل تعذب فى هرة ربطها فلم تطعمها و لم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت جوعا و رايت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبه فى النار و كان أول من سيب السوائب- رواه مسلم و قال اكثر المفسرين معنى قوله تعالى لا يَعْزُبُ عَنْهُ اى علمه مِثْقالُ ذَرَّةٍ ... وَ لا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ اى من الذرة وَ لا أَكْبَرُ منه إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) حملة مؤكدة لنفى العزوب ان كان المراد بالعزوب العزوب عن علمه او المراد بالكتاب المبين علمه تعالى او اللوح المحفوظ الذي حاك عن بعض من علومه و ان كان المراد عدم عزوب شي ء من ذاته سبحانه فهذا تأسيس لا تأكيد و أصغر و اكبر مرفوعان بالابتداء و يؤيده القراءة بالفتح على اعمال لا التي لنفى الجنس- و لا يجوز العطف مرفوعا على مثقال و مفتوحا على ذرة فى محل الجر لامتناعها من الصرف لان الاستثناء عنه؟؟؟ و لا يجوزان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن لان الاستدراك و الاستثناء المنقطع بعد النفي يكون اثباتا فيكون المعنى لا يعزب مثقال ذرة و لا أصغر منه و لا اكبر و لكن يعزب فى كتاب مبين و هذا فاسد-

قال البيضاوي اللّهم إذا جعل الضمير فى يعزب للغيب و جعل المثبت فى اللوح خارجا عنه لظهوره على المطالعين له فيكون المعنى لا ينفصل عن الغيب إلا سطورا فى اللوح و هذا التوجيه ضعيف كما يشعر به كلام البيضاوي لان كونه فى اللوح لا يخرجه عن الغيب و الكلام فى شمول علمه تعالى و لا مساس لهذا التوجيه بالمدعى على انه ورد فى سورة يونس بلفظ لا يعزب عن ربّك من مّثقال ذرّة فى الأرض و لا فى السّماء و لا أصغر من ذلك و لا أكبر الّا فى كتب مبين و لا يتاتى هذا التوجيه هناك و قيل هذا على طريقة المدح بما يشبه الذم كما فى قوله تعالى وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّه كقولك فى زيد لا عيب فيه الّا انه عالم يعنى لا عيب فيه أصلا و المعنى لا يعزب عنه مثقال ذرة الا فى كتاب مبين حكمه فكيف يغب عنه.

﴿ ٣