١٠

وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا على كثير من عباده المؤمنين يدل على ذلك قوله تعالى حكاية عن سليمان الْحَمْدُ للّه الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ و يندرج فيه النبوة و الكتاب و الملك و حسن الصوت و تلين الحديد و غير ذلك و فضلا منصوب على المفعولية و منّا حال منه يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ بدل من فضلا او من اتينا بتضمين القول اى

قلنا يلجبال اوّبى معه اى سبح معه و الإياب الرجوع اى ارجعي فى التسبيح كلما رجع داود فيه- او الإياب هو التسبيح يقال اوّب إذا سبح فان المسبح يرجع الى اللّه معرضا عن غيره و قال القتيبي أصله من التأويب فى السير و هو ان يسير النهار كله و ينزل ليلا كانه قال إذا اتى النهار سيرى بالتسبيح معه و قال وهب نوحى معه وَ الطَّيْرَ معطوف على الجبال قرا يعقوب «١» بالرفع حملا على لفظه و الباقون بالنصب حملا على محله و جازان يكون النصب عطفا على فضلا او على انه مفعول معه لاوّبى و جازان يكون بالعطف على ضميره

قال البيضاوي كان اصل النظم و لقد اتينا داود منّا فضلا و هى تأويب الجبال و الطير فبدل به هذا النظم لما فيه من الفخامة و الدلالة على عظم شأنه و كبرياء و سلطانه حيث جعل الجبال و الطيور كالعقلاء المنقادين لامره فى نفاذ مشيته فيها

قال البغوي كان داود إذا نادى بالنياحة اجابته الجبال بصداها و عكفت الطير عليه من فوقه و قيل كان داود إذا تخلل الجبال فسبح اللّه جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح و قيل كان داود إذا لحقه فتور أسمعه اللّه تسبيح الجبال تنشيطا له وَ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) حتى كان الحديد فى يده كالشمع و العجين يعمل منه ما يشأ من غير نار و لا ضرب مطرقة.

(١) و الصحيح انه قرا يعقوب بالنصب كالجماعة نعم روى الرفع عن روح ابن نهران و لا يؤخذ به ابو محمد عفا اللّه عنه.

قال البغوي كان سبب ذلك على ما روى فى الاخبار ان داود لمّا ملك بنى إسرائيل كان من عادته ان يخرج للناس متنكرا فاذا راى من لا يعرفه يقدم اليه و يسئله عن داود و يقول له ما تقول فى داود و إليكم هذا اىّ رجل هو فيثنون عليه و يقولون خيرا فقيض اللّه له ملكا فى صورة آدمي فلما راه داود تقدم اليه على عادته فساله فقال الملك نعم الرجل هو و لا خصلة فيه فراع داود ذلك و قال ما هى يا عبد اللّه قال انه يأكل و يطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك و سال اللّه ان يسبب له سببا يستغنى به عن بيت المال فيتقوت منه و يطعم عياله فالان اللّه له الحديد و علّمه صنعة الدرع و انه أول من اتخذها و يقال انه كان يبيع كل درع باربعة آلاف درهم فيأكل و يطعم منها عياله و يتصدق منها على الفقراء و المساكين و يقال انه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم فينفق منها الفين على نفسه و عياله و يتصدق باربعة آلاف على الفقراء و المساكين عن المقدام بن معديكرب قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يديه و ان نبى اللّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده- رواه البخاري و احمد و ذكر البغوي هذا الحديث بلفظ كان داود لا يأكل الا من عمل يده.

﴿ ١٠