سُورَةُ فُصِّلَتْ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ آيَةً مكّيّة و هى اربع و خمسون اية ربّ يسّر و تمّم بالخير _________________________________ بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١ حم (١) ان جعلته مبتدا فخبره. ٢ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) و ان جعلته تعديد الحروف فتنزيل خبر محذوف و قال الأخفش تنزيل مبتدا لتخصيصه بالصفة و خبره. ٣ كِتابٌ و هو على الأولين بدل منه او خبر اخر او خبر محذوف و لعل افتتاح هذه السور السبع بحم و تسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة فى النظم و المعنى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أعطيت طه و الطواسين و الحواميم من الواح موسى رواه الحاكم فى المستدرك و البيهقي عن معقل بن يسار و اضافة التنزيل الرحمان الرحيم للدلالة على انه مناط المصالح الدينية و الدنيوية فُصِّلَتْ آياتُهُ اى بينت بالاحكام و القصص و المواعظ قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب على المدح او الحال من لضمير المجرور فى آياته فانه أضيف اليه فاعل فصلت مثل ميتا فى قوله تعالى يأكل لحم أخيه ميتا و فيه امتنان عليهم بسهولة قرائته و فهمه فانه لو كان بغير لغتهم لما فهموه لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) نزل منزلة اللازم اى لقوم ذوى علم و نظر لا لمن اعرض عنها او يقال مفعوله محذوف منوى اى لقوم يعلمون معانيه و يفهونه او يكون على طريقة من يسمع يخل بتقدير مفعوليه اى لقوم يعلمونه حقا و الجملة صفة اخرى لقرءانا او صلة لتنزيل او لفصلت و الاول اولى لوقوعه بين الصفات. ٤ بَشِيراً لاولياء اللّه وَ نَذِيراً لاعدائه فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ عن تدبره و قبوله عطف على فصلت فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) اى لا يستمعون تعنتا و عنادا او لا يقبلون يقال شفعت الى فلان فلم يسمع قولى يعنى لم يقبل و الجملة بيان للاعراض. «١». (١) عن عمر بن الخطاب قال اقبل قريش الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال ما يمنعكم من الإسلام فتسور و العرب قالوا يا محمد ما نفقه ما تقول و لا نسمعه و ان على قلوبنا لغلفا و أخذ ابو جهل ثوبا جما بينه و بين النبي صلى اللّه عليه و سلم و قال يا محمد قلوبنا فى اكنة ممّا تدعونا اليه و فى اذننا وقر و من بيننا و بينك حجاب فقال لهم النبي صلى اللّه عليه و سلم أدعوكم الى خصلتين ان تشهدوا ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له و انى رسول اللّه فلما سمعوا شهادة ان لا اله الا اللّه ولّوا على ادبارهم نفورا و قالوا ا جعل الالهة الها واحدا انّ هذا الشي ء عجاب و قال بعضهم لبعض امشوا و اصبروا على الهتكم انّ هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا فى الملّة الاخرة ان هذا الّا اختلاق أنزل عليه الذّكر من بيننا و هبط جبرئيل فقال يا محمد ان اللّه يقرأك السلام ا ليس يزعم هؤلاء ان على قلوبهم أكنّة ان يفقهوه و فى آذانهم و قرا فليس يسمعون قولك كيف و إذا ذكرت ربّك فى القران وحده ولّوا على ادبارهم نفورا لو كان كما زعموا لم ينفروا و لكنهم كاذبون يسمعون و لا ينتفعون بذلك كراهة له- فلما كان من الغد أقبل منهم سبعون رجلا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقالوا يا محمد اعرض عليهم الإسلام اسلموا من آخرهم فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال الحمد للّه بالأمس تزعمون ان قلوبكم فى اكنة مما ندعوكم اليه و فى اذنكم وقر أصبحتم اليوم مسلمين فقالوا يا رسول اللّه كذبنا بالأمس لو كان كذلك ما اهتدينا ابدا و لكن اللّه الصادق و العباد كاذبون عليه و هو الغنى و نحن الفقراء اليه ١٢ منه برد اللّه مضجعه-. ٥ وَ قالُوا يعنى مشركى مكة عطف على اعراض قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ اغطية جمع كنان مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ من التوحيد فلا نفقه ما تقول وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ ثقل و صمم لا نسمع ما تقول و المعنى انا فى ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم و لا يسمع وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ خلاف فى الدين يمنعنا عن التواصل و للدلالة على ان الحجاب مبتدا منهم و منه بحيث استوعب المسافة المتوسطة و لم يبق فراغ أصلا- و هذه تمثيلات لامتناع القبول و المواصلة و المعنى انا فى ترك القبول و التواصل منك بمنزلة من بينهما حاجز قوى فَاعْمَلْ على دينك او فى ابطال أمرنا إِنَّنا عامِلُونَ (٥) على ديننا او فى ابطال أمرك. ٦ قُلْ يا محمد فى جوابهم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ قال الحسن علمه اللّه التواضع يعنى ما انا الا واحد منكم لو لا الوحى لم يكن عندى من العلم ما ترونه و لكن اوحى الىّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فعليكم باصغائه و تلقيه او المعنى لست بملك و لا جنى لا يمكنكم التلقي منه و لا أد عوكم الى ما يابى عنه العقول بل أدعوكم الى التوحيد الذي يدل عليه العقل و النقل فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ اى توجهوا الى اللّه بالطاعة و لا تميلوا عن طاعته وَ اسْتَغْفِرُوهُ مما أنتم عليه من الشرك و سوء الأعمال ثم هددهم على ذلك بقوله وَ وَيْلٌ كلمة عذاب مبتدا خبره لِلْمُشْرِكِينَ (٦) ٧ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ قال ابن عباس الذين لا يقولون لا اله الا اللّه و هى زكوة الأنفس و المعنى لا يطهرون أنفسهم عن الشرك بالتوحيد و قال الحسن و قتادة لا يقرون بالزكاة و لا يرونه واجبا و كان يقال الزكوة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا و من تخالف عنها هلك و قال مقاتل و الضحاك لا ينفقون فى الطاعة و لا يتصدقون و قال مجاهد لا يزكون أعمالهم قال البيضاوي فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع و قد ذكرنا هذه المسألة فى تفسير سورة المدثر فى قوله تعالى لم نك من المصلّين الاية. وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) حال مشعر بان امتناعهم من الزكوة مبنى على انكارهم للاخرة فان من لم يعتقد بالاخرة و ثواب الزكوة فيها اعتقد إعطاء المال للفقير اضاعة لا محالة جعل اللّه سبحانه منع الزكوة مقرونا بالاشراك و الكفر بالاخرة لان المال أحب الأشياء الى الأنفس فبذله فى سبيل اللّه أول دليل على إيمانه ففيه حث للمؤمنين على إيتاء الزكوة و تهديد شديد على منعه-. ٨ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قال ابن عباس غير مقطوع و قال مقاتل غير منقوص و قيل غير ممنون لى لا يمنّ به عليهم من المن و قال مجاهد غير محسوب و قال السدى نزلت الاية فى المرضى و الزمنى و الهرمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الاجر على حسب ما كانوا يعملون فى الصحة عن عبد اللّه عمر و قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك المؤكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه- رواه البغوي فى شرح السنة و التفسير و عن ابى موسى قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا مرض العبد او سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا- رواه البخاري و عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده قال للملك اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل فان شفاه غسله و طهّره و ان قبضه غفر له و رحمه- رواه البغوي فى شرح السنة و عن ابن مسعود انه قال يكتب للعبد من الاجر إذا مرض ما كان يكتب له قبل ان يمرض فمنعه منه المرض- رواه رزين-. ٩ قُلْ أَ إِنَّكُمْ استفهام توبيخ و الجملة الاستفهامية مستأنفة فى جواب ما أقول لهم ان لم يستقيموا و لم يستغفروا لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ اى فى مقدار يومين سميا بيوم الأحد و الاثنين وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً و لا يجوز له ند ذلِكَ الذي خلق الأرض فى يومين رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) اى خالق لجميع ما وجد من الممكنات و مربّ لها- جمع العالم (لاختلاف أنواعه) بالياء و النون تغليبا للعقلاء و جملة ذلك ربّ العالمين تعليل للتوبيخ. ١٠ وَ جَعَلَ فِيها اى فى الأرض رَواسِيَ جبالا ثوابت مِنْ فَوْقِها اى فوق الأرض مرتفعة ليظهر للناظرين ما فيها من وجوه الاستبصار و يكون منافعها معرضة للطلاب وَ بارَكَ فِيها اى فى الأرض بما خلق فيها من البحار و الأنهار و الثمار و الأشجار و الحيوانات وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها اى أقوات أهلها او الاضافة لادنى ملابسة اى أقوات خلق فيها قال الحسن قسم فى الأرض أرزاق العباد و البهائم بان عيّن لكل ما يصلحه و يعيش به و قد قرا ابن مسعود و قسّم فيها أقواتها و قال عكرمة و الضحاك قدر فى كل بلد ما لم يجعل فى الاخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد الى بلد قال الكلبي قدر الخبز لاهل قطر و الذرة لاهل قطر و السمك لاهل قطر و التمر لاهل قطر فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ اى فى تتمة اربعة ايام يعنى فى يومين يوم الثلثاء و الأربعاء متصلين باليومين الأولين فهو كقولك سرت من البصرة الى بغداد فى عشرة و الى كوفة فى خمسة عشر و لم يقل فى يومين للاشعار باتصالهما باليومين الأولين سَواءً بالنصب اى استوت سواء بمعنى استواء او قدر تقديرا سواء و الجملة صفة ايام و يدل عليه قراءة يعقوب بالجر صفة لاربعة و قيل حال من الضمير فى أقواتها او فى فيها و قرا ابو جعفر سواء بالرفع على انه خبر محذوف اى هو لِلسَّائِلِينَ (١٠) متعلق بمحذوف اى هذا الحصر مبين للسائلين عن مدة خلق الأرض و ما فيها كذا قال قتادة و السدىّ او بقدّر اى قدّر فيها الأقوات للطالبين لها-. ١١ ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ اى قصد نحوها من قولهم استوى الى مكان كذا إذا توجه اليه توجها لا يلوى على غيره و الظاهر ان ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخى فى المرة لقوله تعالى وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها فان دحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها وَ هِيَ دُخانٌ لعله أراد مادتها و الاجزاء المتصغرة التي ركبت منها و كان مادة السماء دخانا بخارا للماء كذا قال البغوي فَقالَ لَها وَ لِلْأَرْضِ ائْتِيا بما خلقت فيكما من التأثير و التأثر و إبراز ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة و الكائنات المتنوعة او ليأت كل منكما فى حدوث ما أريد توليده منكما- قال طاءوس عن ابن عباس اى أعطيا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد و قال ابن عباس قال اللّه عزّ و جلّ اما أنت يا سماء فاطلعى شمسك و قمرك و نجومك و أنت يا ارض فشقى أنهارك و اخرجى ثمارك و نباتك طَوْعاً أَوْ كَرْهاً منصوب على الحال اى طائعتين او كارهتين او على الظرف اى ايتيا وقت طوع او كره او على المصدر من طريق ضربته سوطا اى ايتيا إتيان طوع او كره قال ابن عباس قال اللّه تعالى لهما افعلا ما أمرتكما و الا الجأتكما الى ذلك حتى تفعلاه كرها فاجابتا بالطوع و قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) و لم يقل طائعتين لانه ذهب به الى السماوات و الأرض و من فيهن مجازه اتينا بما فينا طائعين فيه تغليب للعقلاء او لما وصفهما بالقول اجراهما فى الجمع مجرى من يعقل و الأظهر ان الكلام وارد مورد التمثيل و أراد بقوله ايتيا طوعا او كرها اظهار كمال قدرته و وجوب وقوع مراده و بقوله قالتا اتينا طائعين سرعة تأثرهما بالذات فهو تمثيل بامر المطاع و اجابة المطيع الطائع كقوله كن فيكون .. ١٢ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ اى فخلقهن خلقا ابداعيّا و اتقن امرهن و الضمير للسماء على المعنى او مبهم و سبع سموات حال على الاول و تميز على الثاني فِي يَوْمَيْنِ يوم الخميس و الجمعة قال المحلى ففرغ منها فى اخر ساعة منه و فيها خلق آدم و لذلك لم يقل هاهنا سواء قلت لعل قول المحلى هذا مبنى على ما رواه مسلم من حديث ابى هريرة انه قال أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيدي فقال خلق اللّه التربة يوم السبت و خلق الجبال يوم الأحد و خلق الشجر يوم الاثنين و خلق المكروه يوم الثلثاء و خلق النور يوم الأربعاء و بث فيها الدواب يوم الخميس و خلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة فى اخر الخلق و اخر ساعة من النهار فيما بين العصر الى الليل- و الظاهر ان هذا الحديث و هم فيه الراوي فان الثابت بالقران خلق السماوات و الأرض فى ستة ايام و ذكر فى هذا الحديث سبعة ايام و الصحيح ان بدء الخلق من يوم الأحد و هذا الحديث يدل على انه من يوم السبت و منطوق هذه الاية ان اللّه خلق الجبال رواسى و بارك فيها و قدّر فيها أقواتها فى يوم الثالث و الرابع و هذا الحديث يدل على انه خلق الجبال يوم الأحد و خلق الشجر يوم الاثنين و الظاهر من سياق قصة آدم عليه السلام ان خلق آدم كان بعد زمان طويل من خلق السماوات و الأرض إذ قال ربّك للملائكة انّى جاعل فى الأرض خليفة الآيات و فى قصة خلق آدم تعجين طينه أربعين يوما فلو صح خلق آدم فى اخر ساعة من الجمعة فذلك الجمعة بدا الخلق و اللّه اعلم وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها قال عطاء عن ابن عباس خلق فى كل سماء خلقها من الملائكة و ما فيها من البحار و الجبال و البرد و ما لا يعلم الا اللّه و قال قتادة و السدىّ يعنى خلق فيها شمسها و قمرها و نجومها و قال مقاتل اوحى الى كل سماء ما أراد من الأمر و النهى و قيل اوحى فى كل سماء الأمر الذي امر به من فيها من الطاعة وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ اى كواكب وَ حِفْظاً اى و حفظناها من الآفات او من المسترقة حفظا و قيل مفعول له على المعنى كانه قال و خصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة و حفظا ذلِكَ الذي ذكرت من صنعه تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ فى ملكه الْعَلِيمِ (١٢) بخلقه. ١٣ فَإِنْ أَعْرَضُوا عطف على قل ا ئنّكم يعنى ان اعرضوا اى كفار مكة عن الايمان بعد هذا البيان فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً اى فحذرهم ان يصيبهم عذاب شديد مهلك و الصاعقة المهلكة من كل شى ء مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ (١٣) ١٤ إِذْ جاءَتْهُمُ يعنى عادا و ثمود الرُّسُلُ جملة إذ جاءتهم الرّسل حال من صاعقة عاد و لا يجوز جعله صفة لصاعقة او ظرفا لانذرتكم لفساد المعنى مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ اى من جميع جوانبهم و اجتهدوا بهم من كل جهة او من جهة الزمان الماضي بالإنذار عمّا جرى فيه على الكفار و من جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم فى الاخرة و كل من اللفظين يحتملهما- او من قبلهم و من بعدهم إذ قد بلغهم خبر المتقدمين و أخبرهم هود و صالح عن المتأخرين داعين الى الايمان بهم أجمعين و يحتمل ان يكون عبارة عن الكثرة كقوله يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان أَلَّا تَعْبُدُوا ان مخففة من الثقيلة بإضمار ضمير الشأن او مفسرة لانه بعد ذكر الرسالة و فيه معنى القول او مصدرية و الباء مقدرة اى بان لا تعبدوا إِلَّا اللّه قالُوا اى عاد و ثمود لَوْ شاءَ رَبُّنا إرسال الرسل لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً برسالته فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ على زعمكم كافِرُونَ (١٤) انما أنتم بشر مثلنا لافضل لكم علينا- روى البغوي عن جابر بن عبد اللّه قال قال الملأ من قريش و ابو جهل قد التبس علينا امر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالشعر و الكمانة و السحر فاتاه فكلمه ثم أتانا ببيان من امره فقال عتبة بن ربيعة و اللّه لقد سمعت الشعر و الكهانة و السحر و علمت من ذلك علما و ما يخفى علىّ ان كان كذلك فاتاه فلما خرج اليه قال أنت يا محمد خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد اللّه فبم تشتم الهتنا و تضلّل آباءنا فان كنت انما تريد الرياسة عقدنا لك اولويتنا فكنت راسا ما بقيت و ان كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من اىّ بنات قريش و ان كنت تريد المال جمعنا لك ما تستغنى أنت و عقبك من بعدك- و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ساكت فلمّا فرغ قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حم تنزيل من الرّحمن الرّحيم كتب فصّلت آياته قرءانا الى قوله فان اعرضوا فقل أنذرتكم صعقة مثل صعقة عاد و ثمود الاية فامسك عتبة على فيه فناشده بالرحم و رجع الى اهله و لم يخرج الى قريش فاحتبس عنهم فقال ابو جهل يا معشر قريش و اللّه ما نرى عتبة الا قد صبا الى محمد و قد أعجبه طعامه و ما ذاك الا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا اليه فانطلقوا اليه فقال ابو جهل و اللّه يا عتبة ما حبسك عنا الا انك صبوت الى محمد و أعجبك طعامه فان كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا يغنيك عن طعام محمد فغضب عتبة و اقسم ان لا يكلم محمدا ابدا و قال و اللّه لقد علمتم انى من اكثر قريش مالا و لكنى أتيته و قصصت عليه القصة فاجابنى بشئ و اللّه ما هو بشعر و لا كهانة و لا سحر و قرا السورة الى قوله (تعالى) فان اعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود فامسكت بغيه و ناشدته بالرحم ان يكف و لقد علمتم ان محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت ان ينزل عليكم العذاب- و قال قال محمد بن كعب القرظي حدثت ان عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما قال يوما و هو جالس فى نادى قريش و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جالس وحده فى المسجد قال يا معشر قريش الا أقوم الى محمد و أكلمه و اعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضهن فنعطيه و يكف عنا (و ذلك حين اسلم حمزة و راوا اصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم يزيدون و يكثرون) قالوا بلى يا أبا الوليد فقم اليه فكلمه فقام عتبة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا ابن أخي انك منا حيث علمت من البسطة فى العشيرة و المكان فى النسب و انك قد أتيت بامر عظيم فرقت جماعتهم و سفهت أحلامهم و عبت الهتهم و كفرت من مضى من ابائهم فاستمع منى اعرض عليك أمورا اتنظر فيها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي ان كنت انما تريد بما جئت المال جمعنا لك من أموالنا حتى تكون اكثر منّا مالا و ان كنت تريد شرفا سوّدناك علينا و ان كان هذا الذي بك رئيا تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب او لعل هذا شعر جاش به صدرك فانكم لعمرى بنى عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه غيركم حتى إذا فرغ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ا و قد فرغت يا أبا الوليد قال نعم قال فاستمع منى قال افعل فقال بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حم تنزيل من الرّحمن الرّحيم كتب فصّلت آياته قرءانا عربيّا ثم مضى فيها يقرأ فلمّا سمع عتبة انصت و القى يديه خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى السجدة فسجد ثم قال قد سمعت يا أبا الوليد فانت و ذاك فقام عتبة الى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف باللّه لقد جاءكم ابو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلمّا جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد فقال و رائ انى قد سمعت قولا و اللّه ما سمعت بمثله قط ما هو بالشعر و لا السحر و لا الكهانة يا معشر قريش أطيعوني خلوا ما بين هذا الرجل و بين ما هو فيه فاعتزلوه فو اللّه ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ فان تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم و ان يظهر على العرب به فملكه ملككم و عزّه عزّكم فانتم اسعد الناس به فقالوا سحرك و اللّه يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رائى لكم فاصنعوا ما بدا لكم .. ١٥ فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ اى تعظموا على اهل الأرض بغير استحقاق وَ قالُوا لما خوّفوا بالعقاب اغترارا بقوتهم و شوكتهم مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً يعنى ليس أحد أشد قوة منا ندفع العذاب بقوتنا كان أحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء فقال اللّه تعالى ردّا عليهم أَ وَ لَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار و العطف على محذوف تقديره أ قالوا ذلك و لم يروا اى لم يعلموا أَنَّ اللّه الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا اى بمعجزاتنا يَجْحَدُونَ (١٥) اى يعرفون انها حق و ينكرونها عطف على قالوا. ١٦ فَأَرْسَلْنا عطف على كانوا عَل َيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً عاصفا شديد الصوت شديد البرد من الصر بمعنى البرد اى يصر اى يجمع و يقبض او الصرة بمعنى الصيحة فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ قرأ ابن كثير و نافع و ابو عمرو و يعقوب بسكون الحاء و الباقون بكسرها اى مشومات ذات نحوس فى حقهم قال الضحاك امسك اللّه عنهم المطر ثلاث سنين و دامت الرياح عليهم من غير مطر قيل كان اخر شوال من الأربعاء الى الأربعاء و ما عذب قوم الا يوم الأربعاء لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ اى عذاب الهوان أضاف العذاب الى الخزي اضافة الموصوف الى الصفة مثل رجل الحرب و حاتم الجود بدليل و لعذاب الاخرة اخزى و هو فى الأصل فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى عطف على أرسلنا و هو فى الأصل صفة المعذب وصف به العذاب للمبالغة مجازا وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) بدفع العذاب عنهم. ١٧ وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ اى دللناهم على الخير و الشر بإرسال الرسل و بيّناهم سبيل الهدى كذا قال ابن عباس فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى اى اختاروا الجهل و الكفر على الايمان فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ اى صيحة من السماء مهلكة للعذاب و الهوان و الذل و اضافتها الى العذاب و وصفه بالهون للمبالغة بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) من اختيار الضلالة. ١٨ وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ (١٨) من تلك الصاعقة .. ١٩ وَ اذكر يَوْمَ يُحْشَرُ قرأ نافع و يعقوب بفتح النون و ضم الشين على صيغة المتكلم المبنى للفاعل أَعْداءُ اللّه بالنصب على المفعولية و الباقون بضم الياء و و فتح الشين على البناء للمفعول و اعداء اللّه بالرفع إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) اى يساقون و يدفعون الى النار و قال قتادة و السدىّ يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا قال البيضاوي و هى عبارة عن كثرة اهل النار. ٢٠ حَتَّى ابتدائية إِذا ما جاؤُها إذا حضروها و ما زائدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) قال السدىّ و جماعة المراد بالجلود الفروج و قال مقاتل ينطق جوارحهم روى مسلم عن انس قال كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فضحك فقال هل تدرون مما اضحك قلنا اللّه و رسوله اعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يا رب الم تجرنى من الظلم فيقول بلى قال فيقوله فانى لا أجيز على نفسى الا شاهدا منى فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا و بالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه و يقال لاركانه انطقى فينطق بأعماله ثم يخلى بينه و بين الكلام فيقول بعدا لكنّ و سحقا فعنكنّ أناضل- «اى أجادل و أخاصم- نهاية منه ره» و فى حديث ابى هريرة عند مسلم فيختم على فيه و يقول لفخذه انطق فينطق فخذه و لحمه و عظمه بعمله. ٢١ وَ قالُوا اى الذين يحشرون الى النار لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا بعدا لكن و سحقا فعنكن ا ناضل و هذا السؤال سوال توبيخ قالُوا أَنْطَقَنَا اللّه الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ ذى نطق وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) قدّم الظرف للحصر و الاهتمام و رعاية الفواصل و هذه الجملة يحتمل ان يكون من تمام كلام الجوارح و ان يكون استئنافا مثل ما بعده- روى الشيخان فى الصحيحين و البغوي عن ابن مسعود قال اجتمع عند البيت ثقفيان و قرشى او قرشيان و ثقفى كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أ ترون ان اللّه يسمع ما نقول قال الاخر يسمع ما جهرنا و لا يسمع ان أخفينا و قال الاخر ان كان يسمع إذا جهرنا فانه يسمع إذا أخفينا قال البغوي قيل الثقفي عبد ياليل و القرشيان ختنا ربيعة و صفوان ابن امية فانزل اللّه تعالى. ٢٢ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ اى اية قال البغوي معناه تستخفون عند اكثر اهل العلم و قال مجاهد تتقون و قال قتادة تظنون يعنى ما كنتم تستترون الفواحش من جوارحكم مخافة أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ كما كنتم تستترونها عن الناس مخافة الفضيحة فالمعنى ما كنتم تظنون ان جوارحكم تشهد عليكم و فيه تنبيه وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّه لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) فلذلك اجرأتم على ما فعلتم. ٢٣ وَ ذلِكُمْ اى ظنكم هذا مبتدا و قوله ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ اى أهلككم خبر ان له و يجوز ان يكون ظنّكم بدلا من اسم الاشارة و ارديكم خبره فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) ثم اخبر عن حالهم فقال. ٢٤ فَإِنْ يَصْبِرُوا فى النار فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ لاخلاص لهم عنها وَ إِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) اى ان طلبوا العتبى و هو الرجوع الى ما يحبون و يسترصون ربهم فما هم بمجابين الى ذلك. ٢٥ وَ قَيَّضْنا اى بعثنا و وكلنا و قال مقاتل هيأنا عطف على قوله فى صدر السورة فاعرض أكثرهم- و قالوا قلوبنا فى أكنّة و بينهما معترضات لَهُمْ اى للكافرين قُرَناءَ جمع قرين ككرماء جمع كريم يعنى نظراء من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض و هو القشر و قيل اصل القيض البدل و منه المقائضة للمعاوضة فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من امر الدنيا و اتباع الشهوات وَ ما خَلْفَهُمْ من امر الاخرة فدعوهم الى التكذيب و انكار البعث وَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ اى كلمة العذاب فِي أُمَمٍ حال من الضمير المجرور اى كائنين فى جملة امم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ صفة لامم مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ و قد عملوا مثل أعمالهم صفة اخرى لامم إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) بايثار موجبات العذاب على موجبات الرحمة تعليل لاستحقاقهم العذاب و الضمير لهم او للامم .. ٢٦ وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اهل مكة لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ قال ابن عباس كان بعضهم يوصى الى بعض إذا رايتم محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز و الشعر و اللغو و قال مجاهد الغوا فيه بالمكاء و الصفير و قال الضحاك أكثروا الكلام فتخلطوا عليه ما يقول و قال السدىّ صيحوا فى وجهه لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) محمدا على قراءته. ٢٧ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وضع المظهر موضع الضمير تسجيلا للكفر و للدلالة على شمول هذا الحكم لهم و لغيرهم عَذاباً شَدِيداً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) اى سيئات أعمالهم او المعنى لنجزينّهم جزاء كفرهم الذي هو أسوأ ما كانوا يعملون فى الدنيا. ٢٨ ذلِكَ مبتدا اى الاسوأ جَزاءُ أَعْداءِ اللّه خبره النَّارُ عطف بيان للجزاء او خبر محذوف لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ اى دار الاقامة جَزاءُ منصوب على المصدرية لفعله المقدر اى يجزون و الجملة تأكيد لما سبق بِما كانُوا بِآياتِنا اى القران يَجْحَدُونَ اى ينكرون الحق او المعنى يلغون عند قراءة القران و ذكر الجحود الذي هو سبب اللغو. ٢٩ وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على مضمون الكلام السابق اى عذبوا ذلك العذاب و قالوا يعنى يقولون بعد ما يلقون فى النار رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ يعنون شيطانى النوعين الحاملين إياهما على الضلال و العصيان و قيل هما إبليس و قابيل بن آدم لانهما سنا الكفر و المعصية قرا ابن عامر و ابن كثير و يعقوب و ابو بكر و السوسي أرنا بالتخفيف اى بسكون الراء هاهنا خاصة و قرا الدوري باختلاس كسرة الراء و الباقون باشباعها «اى بكسره كاملة- ابو محمد» نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا فى النار لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) اى فى الدرك الأسفل من النار قال ابن عباس ليكونا أشد عذابا منّا-. ٣٠ إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّه اعترافا بربوبيته و إقرارا بوحدانيته ثُمَّ اسْتَقامُوا اى التزموا المنهج المستقيم قال المحلى نزلت فى ابى بكر الصديق و ثم لتراخيه عن الإقرار فى الرتبة و المراد بالاستقامة الاعتدال و عدم الزيغ و الانحراف عن الحق بوجه من الوجوه لا فى الاعتقاد و لا فى الأخلاق و لا فى الأعمال قال فى القاموس استقام اعتدل و قومته عدلته فهو قويم و مستقيم و منه الصراط المستقيم للطريق السوي الذي يوصل سالكه الى المطلوب البتة. فالاستقامة لفظ مختصر شامل لجميع الشرائع من الإتيان بالمأمورات و الاجتناب عن المنهيات على سبيل الدوام و الثبات و من هاهنا أجاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سفيان بن عبد اللّه الثقفي حين قال يا رسول اللّه قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك و فى رواية غيرك قال قل امنت باللّه ثم استقم- رواه مسلم قال البغوي سئل ابو بكر الصديق عن الاستقامة فقال ان لا تشرك باللّه شيئا «١» و قال عمر بن الخطاب الاستقامة ان تستقيم على الأمر و النهى و لا تروغ روغان الثعالب و قال عثمان بن عفان أخلصوا العمل للّه و قال علىّ أدوا الفرائض و قال ابن عباس استقاموا على أداء الفرائض و قال (١) روى عن ابى بكر الصديق انه قال ما تقولون فى هاتين الآيتين انّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا و الّذين أمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم قالوا الّذين قالوا ربّنا اللّه ثم عملوا بها و استقاموا على امره فلم يذنبوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم لم يذنبوا قال لقد حملتموها على امر شديد الّذين أمنوا و لم يلبسوا ايمانهم بظلم نقول بشرك و الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا فلم يرجعوا الى عبادة الأوثان- كذا فى ازالة الخفا للشيخ ولى اللّه المحدث و روى النسائي و البزار و ابو يعلى و غيرهم عن انس قال قرا علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هذه الاية انّ الّذين قالوا ربّنا اللّه ثمّ استقاموا قد قالها ناس من الياس (ثم كف أكثرهم فمن قالها حين يموت فهو ممّن استقام علما ١٢ منه رحمه اللّه). الحسن استقاموا على امر اللّه فاعملوا بطاعته و اجتنبوا معصيته و قال مجاهد و عكرمة استقاموا على شهادة ان لا اله الّا اللّه حتى تلحقوا باللّه و قال مقاتل استقاموا على المعرفة فلم يرتدوا- فكلها عبارات عما ذكرنا فان قول عمر ليستقيم على الأمر و النهى و لا تروغ روغان الثعالب و قول على و ابن عباس و كذا قول الحسن شامل لجميع ما فرض اللّه إتيانه او الاجتناب عنه فى العقائد و الأخلاق و الأعمال- و قول ابى بكر لا تشرك باللّه شيئا و قول عثمان أخلصوا للّه العمل بيان لعدم الرياء و السمعة فى شى ء من الأعمال و هو المعنى من قول مجاهد و عكرمة- فالاستقامة لا تتصور بدون فناء القلب و النفس و حصول المعرفة باللّه على ما اصطلح عليه الصوفية و ذلك قول مقاتل و قال قتادة كان الحسن إذا تلا هذه الاية قال اللّهم أنت ربّنا فارزقنا الاستقامة و كان الحسن رأس الصوفية ينتهى اكثر السلاسل اليه- تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ عند الموت كذا قال ابن عباس و قال قتادة و مقاتل إذا قاموا من قبورهم و قال وكيع بن الجراح البشرى يكون فى ثلاثة مواطن عند الموت و فى القبر و عند البعث أَلَّا تَخافُوا ان مفسرة لان تتنزّل عليهم يتضمن معنى الوحى الذي فيه معنى القول او مخففة من الثقيلة اسمه ضمير الشأن او مصدرية يعنى لا تخافوا على ما تقدمون عليه من امر الاخرة كذا قال مجاهد وَ لا تَحْزَنُوا على ما خلفتم من اهل و ولد فانا نخلفكم فى ذلك فالخوف غم يلحق لتوقع مكروه و الحزن غم يلحق لوقوعه فى مكروه من فوات نافع او حصول ضار و قال عطاء بن ابى رباح لا تخافوا و لا تحزنوا على ذنوبكم يعنى لا تخافوا العقاب و لا تحزنوا على صدور العصيان فان اللّه يغفرها لكم وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) فى الدنيا على لسان الرسل اخرج ابو نعيم عن ثابت البناني انه قرا حم السجدة حتى بلغ الى قوله تتنزّل عليهم الملائكة فقال بلغنا ان العبد المؤمن حين يبعث من قبره يتلقاه الملكان الذان كانا معه فى الدنيا فيقولان لا تخف و لا تحزن و ابشر بالجنة التي كنت توعد قال فيأمن اللّه خوفه و يقر عينه. ٣١ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى كنا معكم فى الدنيا نحفظكم من الشياطين و نلهمكم بالخيرات وَ نحن اولياؤكم فِي الْآخِرَةِ لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة وَ لَكُمْ فِيها اى فى الجنه ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ من اللذات و الكرامات وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) اى ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب و هو أعم من الاول. ٣٢ نُزُلًا كائنا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) نزلا حال من ما تدّعون و فيه اشعار بان ما يتمنون بالنسبة الى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف اخرج البزار و ابن ابى الدنيا و البيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انك لتنظر الى الطير فى الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا- و اخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ان الرجل من اهل الجنة ليشتهى الطير فى الجنة فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه لم نصبه دخان و لا تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير- و أخرجه الترمذي و حسنه و البيهقي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤمن إذا اشتهى الولد فى الجنة كان حمله و وضعه و سنه فى ساعة كما يشتهى- و عند هناد فى الزهد عن ابى سعيد قلنا يا رسول اللّه ان الولد من قرة العين و تمام السرور فهل يولد لاهل الجنة فقال إذا اشتهى الى آخره- و اخرج الاصبهانى فى الترغيب عن ابى سعيد الخدري و لم يرفعه قال ان الرجل من اهل الجنة يتمنى الولد فيكون حمله و رضاعه و فطامه و شبابه فى ساعة واحدة- و اخرج البيهقي مرفوعا بلفظ ان الرجل يشتهى الولد فى الجنة فيكون الى آخره- و اخرج فى التاريخ و البيهقي نحوه-. ٣٣ وَ مَنْ أَحْسَنُ يعنى لا أحد احسن قَوْلًا مِمَّنْ دَعا الناس إِلَى اللّه الى عبادة اللّه و توحيده وَ عَمِلَ صالِحاً فيما بينه و بين ربه وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) تفاخرا او اتخاذا للاسلام دينا و مذهبا من قولهم هذا قول فلان لمذهبه قال محمد بن سيرين و السدىّ هو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال الحسن هو المؤمن أجاب اللّه فى دعوته و عمل صالحا فى اجابته و قال انّنى من المسلمين و قالت عائشة ارى هذه الاية نزلت فى المؤذّنين و قال ابو امامة الباهلي دعا الى اللّه يعنى اذّن و عمل صالحا صلى ركعتين بين الاذان و الاقامة قال قيس بن حازم عمل صالحا هو الصلاة بين الاذان و الاقامة عن عبد اللّه بن معقل قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين كل أذانين صلوة بين كل أذانين صلوة قال فى الثالثة بين كل أذانين صلوة لمن شاء- متفق عليه و عن انس بن مالك قال لا اعلم و قد رفعه انس الى النبي صلى اللّه عليه و سلم قال لا يرد الدعاء بين الاذان و الاقامة- رواه ابو داود و الترمذي فصل فى فضل الاذان عن معاوية قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة. رواه مسلم و عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول اللّه عليه و سلم لا يسمع مدى صوت المؤذّن جن و لا انس و لا شى ء الا شهد له يوم القيامة رواه البخاري و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الامام ضامن و المؤذن مؤتمن اللّهم ارشد الائمة و اغفر للمؤذنين- رواه احمد و ابو داود و الترمذي و الشافعي و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من اذن سنبع سنين محتسبا كتب له براءة من النار. رواه الترمذي و ابن ماجة و ابو داؤد و عن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاثة على كثبان الجنة عبد ادّى حق اللّه و حق مولاه و رجل امّ قوما و هم به راضون و رجل ينادى بالصلوات الخمس كل يوم و ليلة- رواه الترمذي و قال هذا حديث غريب و عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المؤذن يغفر له مدى صوته و يشهد له كل رطب و يابس و شاهد الصلاة يكتب له خمس و عشرون صلوة و يكفر عنه ما بينهما- رواه احمد و ابو داود و ابن ماجة و عن سهل بن سعد رضى اللّه عنهما قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثنتان لا تردان او قلما تردان الدعاء عند النداء و عند البأس حين يلحم بعضهم بعضا و عن ابن عمر رضى اللّه عنهما ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال من اذّن «١» ثنتى عشرة سنة وجبت له الجنة و كتب له بتأذينه فى كل يوم ستون حسنة و بكل اقامة ثلاثون حسنة رواه ابن ماجة و عنه قال كنا نؤمر بالدعاء عند أذان المغرب- رواه البيهقي فى الدعوات الكبير- (فصل فى جواب الاذان) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علىّ فانه من صلى علىّ صلوة صلى اللّه عليه بها عشرا ثم سلوا اللّه لى الوسيلة فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد اللّه و أرجو ان أكون انا هو فمن سال لى الوسيلة حلت عليه شفاعتى- رواه مسلم و عن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا قال المؤذن ا للّه اكبر اللّه اكبر فقال أحدكم اللّه اكبر اللّه اكبر الحديث يعنى يقول مثل ما يقول المؤذن و حين يقول حى على الصلاة و حى على الفلاح يقول لا حول و لا قوة الا باللّه دخل الجنة رواه مسلم و عن عبد اللّه بن عمر قال رجل يا رسول اللّه ان المؤذنين يفضلوننا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قل كما يقولون فاذا انتهيت فسل تعط- رواه ابو داود-. (١) عن عمر بن الخطاب انه قال لو أطقت الاذان مع الخلافة لاذّنت- منه رحمه اللّه-. ٣٤ وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ فى الجزاء و حسن العاقبة و لا الثانية مزيدة لتأكيد النفي يعنى مهما أمكن للانسان فلا بد ان يختار الخصلة الحسنة على الخصلة السيئة فليختر الصبر على الغضب و الحلم على الجهل و العفو على الانتقام و السخاء على البخل و الشجاعة على الجبن و العفة على العنت ادْفَعْ بِالَّتِي اى بالخصلة التي هِيَ أَحْسَنُ المراد بالأحسن هاهنا الزائد فى الحسن مطلقا إذ لا حسن فى السيئة أصلا قال ابن عباس امر بالصبر فى مقابلة من يغضب عليه و بالحلم فى مقابلة من يجهل عليه و بالعفو فى مقابلة من يسئ اليه و قيل معناه لا تستوى الحسنة فى جزئياتها و لا تستوى السيّئة فى جزئياتها بل بعضها فوق بعض فى الحسن و السوء فاذا اعترضك من بعض أعدائك سيّئة فادفعها بأحسن الحسنات كما لو أساء إليك رجل فالحسنة ان تعفو عنه و التي احسن ان تحسن اليه فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ إذا للمفاجاة أضيف الى الجملة و العامل فيه معنى المفاجاة و المعنى فوجى ذلك وقت صيرورة الذي بينك و بينه عداوة كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) الذي مبتدا و كانّه خبر و إذا ظرف لمعنى التشبيه و قوله ادفع الى آخره جملة مستأنفة كانه قيل كيف اصنع إذا أساء أحد الىّ فقال ادفع قال مقاتل بن حبان نزلت فى ابى سفيان بن حرب و ليس بسديد لان الاية مكية و اسلام ابى سفيان كان بعد الفتح. ٣٥ وَ ما يُلَقَّاها جملة معترضة اى ما يؤتى هذه الخصلة و هى مقابلة الاساءة بالإحسان إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا على مخالفة النفس و الهوى وَ ما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) من التجليات الصفاتية و الذاتية فان النفس إذا تجلت عليها الصفات الحسنى انسلخت من صفاتها السواى. ٣٦ وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ عطف على ادفع و ما زائدة اتصلت بان الشرطية مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ النزغ شبه النخس و الشيطان ينزع كانه ينخس و يبعث على المعصية و فى القاموس نزغه كمنعه طعن فيه و نزغ بينهم أفسد و اغرى و وسوس و هو فعل الشيطان أسند الى نزغه مجازا على طريقة جدجده و على هذا من للابتداء او أريد بالنزغ المسند اليه النازغ وصفا للشيطان بالمصدر مبالغة و من الشّيطان بيان له حال منه و المعنى و ان وسوس فيك الشيطان و حملك على الانتقام و مقابلة الاساءة بالاساءة فَاسْتَعِذْ بِاللّه من شره و لا تطعه هذا جواب الشرط و جواب الأمر محذوف اى يدفع اللّه عنك إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لاستعاذتك الْعَلِيمُ (٣٦) بنيتك و صلاحك-. ٣٧ وَ مِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَ النَّهارُ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ فان كل واحد منها تدل على وجوب وجود صانعها و صفاته الكاملة و وحدانيته لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَ لا لِلْقَمَرِ لانهما مخلوقان مأموران مثلكم وَ اسْجُدُوا للّه الَّذِي خَلَقَهُنَّ الضمير للاربعة المذكورة و المقصود تعليق الفعل بهما اشعارا بانهما من عداد ما لا يعلم و يختار إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فان السجود يختص للّه تعالى و هذا موضع السجود عند الشافعي رحمه اللّه لاقتران الأمر به و هو مروى عن ابن مسعود و ابن عمر اخرج الطحاوي بسنده عن عبد الرحمان بن يزيد يذكر ان عبد اللّه بن مسعود كان يسجد فى الاية الاولى من حم و اخرج بسنده عن نافع عن ابن عمر مثله. ٣٨ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا عن الامتثال و السجود شرط حذف جزاؤه و أقيم علته مقامه تقديره فان استكبروا لا يضره فَالَّذِينَ اى لانّ الذين عِنْدَ رَبِّكَ عندية غير متكيفة و هم الأنبياء و الملائكة و الأولياء يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) عطف او حال اى لا يملّون بل يتلذذون به قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أرحني يا بلال. قال ابو حنيفة رحمه اللّه هذا موضع السجود و هو المروي عن ابن عباس اخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه و الطحاوي عن مجاهد عن ابن عباس انه كان يسجد فى الاية الاخيرة من حم تنزيل. و زاد فى رواية راى رجلا يسجد عند قوله ان كنتم ايّاه تعبدون فقال له قد عجلت و اخرج الطحاوي عن مجاهد قال سالت عن ابن عباس عن السجود الذي فى حم قال اسجد باخر الآيتين و روى الطحاوي ايضا بسنده عن ابى وائل انه كان يسجد فى الاية الاخيرة من حم و روى عن ابن سيرين مثله و عن قتادة مثله قال صاحب الهداية هذا قول عمر قال ابن همام كونه قول عمر غريب و أخذ ابو حنيفة هذا القول للاحتياط فانه ان كان السجود عند تعبدون لا يضره التأخير الى الاية الاخيرة و ان كان عند لا يسئمون لم يكن السجود قبله مجزيّا- و قال الطحاوي ما حاصله ان السجود فى الاية الاخيرة هو مقتضى النظر و ذلك انا راينا السجود المتفق عليه هو عشر سجدات منها الأعراف و موضع السجود منها قوله انّ الّذين عند ربّك لا يستكبرون عن عبادته و يسبّحونه و له يسجدون و منها الرعد و موضع السجود منها و للّه يسجد من فى السّموت و من فى الأرض طوعا و كرها و ظللّهم بالغدوّ و الآصال و منها النحل و موضع السجود منها عند قوله و للّه يسجد ما فى السّموات و ما فى الأرض من دابّة الى قوله يؤمرون و منها بنى إسرائيل و موضع السجود منها عند قوله و يخرّون للاذقان سجّدا الى قوله خشوعا و منها مريم و موضع السجود منها عند قوله إذا تتلى عليهم ايت الرّحمن خرّوا سجّدا و بكيّا و منها الحج و المتفق عليه فيها عند قوله الم تر انّ اللّه يسجد له من فى السّموت و من فى الأرض الاية و منها الفرقان و موضع السجود منها عند قوله و إذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا و ما الرّحمن الاية و منها النمل و موضع السجود منها الّا يسجدوا للّه الّذى يخرج الخب ء الاية و منها الم تنزيل و موضع السجود منها عند قوله انّما يؤمن بايتنا الاية و منها حم تنزيل و موضع السجود منها مختلف فيه فقال بعضهم يعبدون و بعضهم و هم لا يسئمون و كان كل موضع من المواضع المذكورة موضع اخبار يعنى من استكبار المتكبرين او من خشوع الخاشعين و لزمنا مخالفة المتكبرين و موافقة الخاشعين و ليس شى ء منها بموضع امر بالسجود و قد راينا السجود مذكورا فى مواضع اخر بصيغة الأمر منها قوله تعالى اقنتى لربّك و اسجدي و منها كن من السّاجدين و ليس هناك سجود بالإجماع فالنظر يقتضى ان يكون كل موضع فيها الأمر بالسجود يحمل على الأمر بالعبادة و السجود الصلاتية و كل موضع فيها الاخبار يكون هناك سجدة التلاوة و هذا النظر يقتضى ان لا يكون فى الحج سجدة ثانية لانه بلفظ الأمر حيث قال اللّه تعالى اركعوا و اسجدوا و اعبدوا ربّكم و من ثم قال ابو حنيفة هى سجدة صلاتية يدل عليها المقارنة بالركوع و ان لا يكون فى هذه السورة عند الاية الاولى سجدة لكونه بصيغة الأمر و ان يكون عند الاية الاخيرة لكونه بصيغة الاخبار- و هذا النظر يقتضى ان يكون فى سورة ص سجدة تلاوة كما قال ابو حنيفة خلافا لغيره لان موضع السجود منها اخبار ليس بامر و هو قوله فاستغفر ربّه و خرّ راكعا و أناب و كذا فى سورة إذا السماء انشقت فى قوله فما لهم لا يؤمنون و إذا قرئ عليهم القرءان لا يسجدون فانه موضع اخبار و ليس بامر- غير ان هذا النظر يقتضى ان لا يكون فى سورة النجم و اقرأ سجدة لان موضع السجود منهما قوله تعالى فاسجدوا للّه و اعبدوا و قوله تعالى و اسجد و اقترب و هما بصيغة امر لكن ابو حنيفة رحمه اللّه ترك النظر هناك لاتباع ما قد ثبت عنده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كما ذكرنا هناك و قد قال مالك لا سجود فى المفصل- قلت و قد ذكرنا فى سورة الحج ما يدل على ان فيها سجدتين و اللّه اعلم-. ٣٩ وَ مِنْ آياتِهِ اى دلائل قدرته أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً يابسة غبراء لانبات فيها مستعار من الخشوع بمعنى التذلل فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ اى تحركت وَ رَبَتْ اى علت و انتفخت بخروج النبات إِنَّ الَّذِي أَحْياها اى أحيا نباتها لَمُحْيِ الْمَوْتى يوم القيامة إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ من الاحياء و الإماتة قَدِيرٌ (٣٩). ٤٠ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا قال مجاهد يلحدون فى آياتنا «١» بالمكاء و التصدية و اللغو و اللغط و قال قتادة يكذبون آياتنا و قال السدى يعاندون و يشاقون قال مقاتل نزلت فى ابى جهل قلت و اللفظ يعم من يلحد بالتكذيب و الإلغاء و من يلحد بالتحريف و التأويل الباطل المخالف لتأويل السلف لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا فلا يأمنوا عن الجزاء و الانتقام أَ فَمَنْ يُلْقى الهمزة للانكار و الفاء للعطف على محذوف تقديره يفتخر هؤلاء الكفار و يعجبون بانفسهم أ فمن يّلقى فِي النَّارِ ابو جهل و أمثاله خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اخرج ابن المنذر عن بشير بن فتح قال نزلت هذه الاية فى ابى جهل و عمار بن ياسر و قيل من ياتي أمنا هو حمزة و قيل عثمان و اللفظ يعمهم و غيرهم ذكر اللّه سبحانه الإتيان أمنا فى مقابلة الإلقاء فى النار مبالغة و كان القياس ان يقال أ فمن يلقى فى النار خير أم من يدخل الجنة لان مفاد الكلام ان الآتي أمنا خير ممن يلقى فى النار فكيف من يكرم و يدخل الجنة اعْمَلُوا «٢» ايها الكفار ما شِئْتُمْ من الكفر و المعاصي إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) فاجازيكم على ما تعملون فيه تهديد شديد-. (١) عن عمر بن الخطاب قال ان هذا القران كلام اللّه فضعوه فى مواضعه و لا تتبعوا فيه هواكم منه ره. (٢) عن ابن عباس فى قوله اعملوا ما شئتم قال لاهل البدر خاصة و عن ابراهيم النخعي ذكر ان السماء فرجت يوم بدر فقيل اعملوا ما شئتم. ١٢ منه رحمه اللّه. ٤١ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ اى القران لَمَّا جاءَهُمْ ان مع جملتها بدل من قوله انّ الّذين يلحدون او مستأنف و خبران محذوف مثل معاندون او هالكون او يجازيهم بكفرهم و قيل خبره قوله من بعد أولئك ينادون من مكان بعيد وَ إِنَّهُ اى القران لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) حال او استئناف قال الكلبي عن ابن عباس اى كريم على اللّه و قال قتادة أعزّه اللّه فلا يجد الباطل اليه سبيلا. ٤٢ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ قال قتادة و السدىّ الباطل هو الشيطان لا يستطيع ان يغيره او يزيد فيه او ينقص منه قلت و هو يعم شياطين الانس و الجن كما ان الروافض زاد و انى القران عشرة اجزاء فلم يستطيعوا ورد اللّه كيدهم و زادوا فى بعض الآيات و بعض الألفاظ كما قالوا فى قوله تعالى انّما أنت منذر و لكلّ قوم هاد علىّ و سيعلم الّذين ظلموا ال محمّد اىّ منقلب ينقلبون و نحو ذلك فانهم فعلوا ذلك و أبطل اللّه عملهم فلم يلتحق بالقران قال الزجاج معناه انه محفوظ من ان ينقص منه فيأتيه الباطل من بين يديه او يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه و على هذا معنى الباطل الزيادة و النقصان و قال مقاتل لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله و لا يجي ء بعده كتاب يبطله او ينسخه تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ كامل الحكمة حَمِيدٍ (٤٢) يحمده كل مخلوق بما ظهر عليه من نعمة و هو حميد فى نفسه لا يحتاج الى ان يحمده غيره. ٤٣ ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ قيل هذا تسلية للنبى صلى اللّه عليه و سلم بانه ما يقول لك كفار مكة قد قيل مثله للانبياء من قبلك انه ساحر كذاب فاصبر كما صبروا و لا تغتم به و قيل معناه ما اوحى إليك الأمثل ما اوحى إليهم من التوحيد و اصول الدين و الوعد للمؤمنين و الوعيد للكافرين و قيل مقول القول قوله إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للمومنين وَ ذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣) للكافرين و الجملة على الاول مستأنفة- و لمّا قال الكفار اقتراحا و تعنتا هل انزل القران بلغة العجم يعنون كما أنزلت التوراة و الإنجيل نزلت. ٤٤ وَ لَوْ جَعَلْناهُ اى لو جعلنا هذا الذكر الذي تقرأه على الناس قُرْآناً أَعْجَمِيًّا اى مقروا بلغة العجم لَقالُوا يعنى اهل مكة لَوْ لا هلا فُصِّلَتْ بينت آياتُهُ بلغة العرب حتى فهمناها هذه الجملة متصلة بجمل واردة فى صدر السورة فى مدح القران اعنى كتاب فصّلت آياته ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قرا هشام أعجميّ بهمزة واحدة من غير مد على الخبر يعنى كتاب أعجميّ و رسول عربىّ و الباقون بهمزتين على الاستفهام للانكار فقرأ أبو بكر و حمزة و الكسائي «و خلف و روح ابو محمد» بهمزتين محققتين و الباقون بهمزة و مدة «اى بهمزة مسهلة- ابو محمد» و قالون و ابو عمرو يشبعانها لان من قولهما إدخال الالف بين الهمزة المحققة و الملينة و ورش «بخلاف عنه ابو محمد» على أصله فى ابدال الهمزة الثانية ألفا من غير فاصل بينهما «و ورش في وجه الثانية ابو محمد» و ابن كثير ايضا على أصله فى جعل الثانية بين بين من غير فاصل و هكذا قرا حفص و ابن «و رويس بخلاف عنه ابو محمد» ذكوان فى هذا المقام خاصة قال مقاتل و ذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يدخل على يسار غلام لعامر الحضرمي و كان يهوديّا اعجميّا يكنى أبا فكيهة فقال المشركون انما يعلمه يسار فضربه سيده و قال انك تعلّم محمدا فقال يسار هو يعلّمنى فانزل اللّه هذه الاية و اخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال قالت قريش لو لا انزل هذا القران اعجميّا و عربيّا فانزل اللّه لقالوا لو لا فصّلت آياته الاية و انزل اللّه بعد هذه الاية فيه لكل لسان قال ابن جرير و القراءة على هذا أعجمي بلا استفهام قُلْ يا محمد هُوَ اى القران لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً من الضلالة وَ شِفاءٌ التنكير للتعظيم اى هدى و شفاء عظيم لما فى الصدور من الجهل و رذائل أوصاف القلب و النفس و قيل شفاء من الأمراض و الأوجاع وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ مبتدا خبره فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ اى ثقل لقوله وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى اى ظلمة و شبهة قال قتادة عموا عن القران و صموا عنه فلا ينتفعون به و الأخفش جوز العطف على معمولى عاملين و المجرور مقدم فالموصول عنده عطف على الموصول فى للّذين أمنوا هدى و شفاء أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) تمثيل لهم فى عدم قبولهم و عدم استماعهم له بمن يصاح به من مسافة بعيدة-. ٤٥ وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ جواب لقسم محذوف يعنى اختلف قوم موسى بالتصديق و التكذيب كما اختلف قريش فى القران وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ فى تأخير العذاب عن المكذبين الى يوم القيامة او الى أجل معلوم لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ لفرغ من عذابهم و عجل إهلاكهم وَ إِنَّهُمْ اى المكذبين لَفِي شَكٍّ مِنْهُ اى من التوراة او من القران مُرِيبٍ (٤٥) موقع فى الريبة. ٤٦ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ نفعه وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها مضرته وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) فلا يضيع عمل المحسنين و لا يزيد على جزاء المسيئين أورد صيغة المبالغة تعريضا على الكفار بانهم هم الظلامون المبالغون فى الظلم و اللّه سبحانه لا يتصور منه الظلم أصلا لان الظلم ان يتصرف أحد فى ملك غيره بغير اذنه-. ٤٧ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ اى علم وقت قيامها يرد اليه يعنى يجب على كل من سئل عنها ان يقول اللّه اعلم إذ لا يعلمها الا هو وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها اى من اوعيتها جمع كمّ بالكسر قرا نافع و ابن عامر و حفص «و ابو جعفر ابو محمد» ثمرات على الجمع و الباقون ثمرت على التوحيد بارادة الجنس و ما نافية و من الاولى مزيدة للاستغراق و ثمرات فى محل الرفع و يحتمل ان يكون ما موصولة معطوفة على الساعة و من بيانية بخلاف قوله وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى فانها نافية و من زائدة البتة وَ لا تَضَعُ اى أنثى إِلَّا بِعِلْمِهِ اى الا مقرونا بعلمه حسب تعلقه به و المراد انه كما لا يعلم بالساعة غيره كذلك لا يعلم بما يخرج من الثمرات و ما تحمل أنثى الا هو- قوله الّا بعلمه استثناء مفرغ يتوجه الى الافعال الثلاثة على سبيل التنازع اعمل الأخير و قدر فى الأولين وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ اى يوم ينادى اللّه المشركين بقوله أَيْنَ شُرَكائِي قرأ ابن كثير بفتح الياء و الباقون بإسكانها يسئلهم اللّه تهكما و توبيخا اين شركائى التي كنتم تزعمونها الهة قالُوا اى المشركون آذَنَّاكَ أعلمناك الان ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) اى من يشهد لهم بالشرك الجملة حال يعنى يتبرءون عنهم لمّا عاينوا العذاب او المعنى ما منا من أحد يشاهده م لانهم غابوا عنّا. ٤٨ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ يعنى لا ينفعهم او غاب عنهم فلا يرون ما كانُوا يَدْعُونَ اى يعبدون مِنْ قَبْلُ ذلك اليوم يعنى فى الدنيا وَ ظَنُّوا اى أيقنوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) اى مهرب الظن معلق عنه بحرف النفي و قيل جملة المنفي سدّ مسد المفعولين-. ٤٩ لا يَسْأَمُ اى يمل الْإِنْسانُ الكافر مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ لا يزال يسئل اللّه تعالى المال و الغنى و الصحة وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ اى الشدة من الفقر و المرض فَيَؤُسٌ اى فهو يؤس من روح اللّه قَنُوطٌ (٤٩) من رحمته. ٥٠ وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ اى الكافر جواب قسم محذوف رَحْمَةً مالا و عافية مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي جواب للقسم لفظا و للشرط معنى يعنى هذا حقى لما فىّ من الفضل و العمل و العلم، او هذا لى دائما لا يزول وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً اى تقوم وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي قرأ و ابو جعفر- ابو محمد ابو عمرو و نافع بخلاف عن قالون بفتح الياء و الباقون بإسكانها إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى يعنى لان قامت القيامة على التوهم لكان لى عند اللّه الحالة الحسنة من الكرامة و ذلك لاعتقاده ان ماله من الدنيا انما هو لاستحقاقه الكرامة الغير المنفك عنه فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا جواب قسم محذوف و الفاء للسببية بِما عَمِلُوا قال ابن عباس لنفتنهم على مساوى أعمالهم وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) لا يمكنهم التفصى عنه-. ٥١ وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ الكافر أَعْرَضَ عن الشكر وَ نَأى بِجانِبِهِ اى ثنى عطفه و قيل الجانب كناية عن النفس كالجنب فى قوله تعالى جنب اللّه يعنى ذهب بنفسه و تباعد عنه بكليته لكمال الغلفة وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) اى كثير مستعار ممّا له عرض وسيع للاشعار بكثرته و العرب يستعمل الطول و العرض فى الكثرة يقال أطال فى الكلام و الدعاء و اعرض اى اكثر و العريض ابلغ من الطويل إذ الطول أطول الامتدادين فاذا كان عرضه كذلك فما ظنك بطوله و من ثم قال اللّه تعالى جنّة عرضها السّموات- و لا منافاة بين قوله و إذا مسّه الشّرّ فيؤس قنوط و بين قوله فذو دعاء عريض لان الاولى فى قوم آخرين و لعل الاولى فى الكفار و لا يياس من روح اللّه الّا القوم الكافرون و من يّقنط من رّحمة اللّه الّا القوم الضّالّون «١» و الثانية فى الغافلين من المؤمنين. و جاز ان يكون كلا الآيتين فى الكفار و المراد انهم إذا مسّهم شر دعوا مخلصين له الدين فاذا روا تاخرا فى الاجابة يئسوا و قنطوا بخلاف المؤمنين الصالحين فانهم لا يقنطون و يرون فى تأخير الاجابة حكمة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما ان يجعلها لهم و اما ان يدخرها لهم او يقال يؤس قنوط بالقلب و ذو دعاء عريض باللسان او قنوط الصنم و ذو دعاء من اللّه تعالى (مسئلة) من أحب ان يستجاب دعاؤه فى الشدة فليكثر الدعاء فى الرخاء كذا ورد فى حديث رواه. (١) فى القران الّا الضّالّون ١٢ [.....]. ٥٢ قُلْ أَ رَأَيْتُمْ أخبروني إِنْ كانَ القران مِنْ عِنْدِ اللّه ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) هذه الجملة متصلة بقوله تعالى قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ كان الأصل من أضل منكم فوضع الموصول موضع الضمير شرحا لحالهم و تعليلا لمزيد ضلالهم لانه فى تأويل قوله ان كان القرءان من عند اللّه كان حقّا بلا شبهة و كان الكفر به شقاقا بعيدا من الحق و أنتم قد كفرتم به فلا أضل منكم. ٥٣ سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ قال ابن عباس يعنى منازل الأمم الخالية وَ فِي أَنْفُسِهِمْ يعنى يوم بدر و كذا قال قتادة و قيل فى أنفسهم البلايا و الأمراض و قال مجاهد و السدىّ فى الآفاق ما يفتح القرى على محمد صلى اللّه عليه و سلم و المسلمين و فى أنفسهم فتح مكة و قال عطاء و ابن زيد فى الآفاق يعنى فى أقطار السماوات و الأرض من الشمس و القمر و النجوم و النبات و الأشجار و الأنهار و فى أنفسهم من لطيف الصنعة و بديع الحكمة- قال البيضاوي فى الآفاق يعنى ما أخبرهم النبي صلى اللّه عليه و سلم من الحوادث الآتية و اثار النوازل الماضية و ما يسر اللّه له و لخلفائه من الفتوح و الظهور على ممالك الشرق و الغرب على وجه خارق للعادة و فى أنفسهم ما ظهر فيما بين اهل مكة و ما حلّ بهم او ما فى بدن الإنسان من عجائب الصنع الدالة على كمال القدرة حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ اى القران من عند اللّه و الرسول مؤيد من اللّه او التوحيد مؤيد من اللّه و دين اللّه حق او اللّه هو الحق أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ الباء زائدة و ربك فى محل الرفع على الفاعلية و لا تزاد الباء فى الفاعل الا مع كفى أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ (٥٣) بدل من الفاعل و المعنى او لم يكف ان ربك على كلّ شى ء شهيد و الاستفهام للانكار و الواو للعطف على محذوف تقديره أ تشك فى عاقبة أمرك و لم يكف انه تعالى على كل شى ء شهيد محقق فيحقق أمرك بإظهار الآيات الموعودة كما حقق سائر الأشياء الموعودة او انه تعالى مطلع فيعلم حالك و حالهم او المعنى ا لم ينته الإنسان عن المعاصي و لم يكف له رادعا انه تعالى مطلع على كل شى ء لا يخفى عليه خافية فيجازيه عليها و قال مقاتل او لم يكف بربك شاهدا على ان القران من اللّه شهادته على ذلك جعله معجزا و قال الزجاج معنى الكفاية ان اللّه تعالى قد بين من الدلائل ما فيه كفاية يعنى او لم يكف بربّك شاهدا لانه على كل شى ء شهيد لا يغيب عنه شى ء-. ٥٤ أَلا إِنَّهُمْ يعنى كفار مكة فِي مِرْيَةٍ اى شك مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ اى من البعث و الجزاء أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ (٥٤) علما باجمالها و تفصيلها مقتدر عليها لا يفوته شى ء منها او انه محيط بكل شى ء احاطة ذاتية غير متكيفة لا يفوته شى ء منها- |
﴿ ٠ ﴾