|
٢٣ ذلِكَ الثواب الَّذِي يُبَشِّرُ قرأ ابن كثير و ابو عمرو و حمزة و الكسائي يبشر بالتخفيف من البشرة و الباقون من التفعيل اللّه به عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على ما أتعاطاه من التبليغ و البشارة أَجْراً اى نفعا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى حال من المودة اى الا ان تودونى لقرابتى منكم و الجملة معترضة روى البخاري فى الصحيح بسند عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت طاءوسا انه قال سئل ابن عباس عن المودة فى القربى فقال سعيد بن جبير القربى ال محمد فقال ابن عباس عجلت ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يكن بطن من قريش الا كان له فيهم قرابة فقال الا ان تصلوا بينى و بينكم من القرابة قال البغوي و كذلك روى الشعبي عن ابن عباس قال المودة فى القربى يعنى ان تحفظوني قرابتى و تودونى و تصلحوا رحمى- و اليه ذهب مجاهد و عكرمة و مقاتل و السدى و الضحاك قال عكرمة لا اسئلكم على ما أدعوكم اجرا الا ان تحفظوني و قرابتى بينى و بينكم و ليس كما يقول الكذابون- قال البغوي قال قوم هذه الاية منسوخة و انما نزلت بمكة و كان المشركون يؤذون رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه هذه الاية فامرهم بمودة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صلة رحمه فلمّا هاجر الى المدينة و اواه الأنصار و نصروه أحب اللّه ان يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا و ما اسئلكم عليه من اجر ان اجرى الّا على ربّ العالمين فانزل اللّه قل لا اسئلكم عليه اجرا فهى منسوخة بهذه الاية و بقوله قل لا اسئلكم عليه من اجر و ما انا من المتكلّفين و غيرها من الآيات و الى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم و الحسين بن الفضل قال البغوي و هذا قول غير مرضى لان مودة النبي صلى اللّه عليه و سلم و كف الأذى عنه و كذا مودة أقاربه من فرائض الدين قلت لا شك ان مودة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أقاربه فريضة محكمة لا يحتمل النسخ لحديث انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من والده و ولده و النّاس أجمعين- و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الايمان من كان اللّه و رسوله أحب اليه مما سواهما و من أحب عبدا لا يحبه الا للّه و من يكره ان يعود فى الكفر بعد ان أنقذه اللّه منه كما يكره ان يلقى فى النار- روى الحديثين الشيخان فى الصحيحين و على ذلك انعقد الإجماع- لكن يمكن ان يقال ان المنسوخ انما هو ما امر اللّه تعالى رسوله بسوال الاجر و روى ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس فى معنى الاية الا ان تودوا اللّه و تتقربوا اليه بطاعته- و هذا قول الحسن قال هو القربى الى اللّه يقول الا التقرب الى اللّه و التودد اليه بالطاعة و العمل الصالح- و قال بعضهم معناه الا ان تودوا قرابتى و عترتى و تحفظوني فيهم و هو قول سعيد بن جبير و عمرو بن شعيب اخرج ابن ابى حاتم و الطبراني و ابن مردوية عن ابن عباس قيل يا رسول اللّه من قرابتك هؤلاء قال على و فاطمة و ابناهما- و استدل الروافض بهذه الاية مع هذا الحديث على حصر الخلافة فى على و بطلان خلافة الخلفاء الثلاثة المرضيين رضى اللّه عنهم أجمعين وجه احتجاجهم انهم قالوا وجب حب علىّ بهذه الاية مع هذا الحديث وحب غير على ليس بواجب و وجوب المحبة يستلزم وجوب الطاعة فهو الامام لا غير- و قولهم هذا باطل بوجوه (أحدها) ان هذا الحديث غير صحيح فى اسناده حسين الأشعري شيعى غليط و هذه الاية مكية و لم يكن لفاطمة حينئذ ولد (و ثانيها) انا نسلم ان حب على و فاطمة و ابناهما واجب لكن لا نسلم ان حب غيرهم ليس بواجب كيف و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب ابى بكر و عمر ايمان و بغضهما كفر- رواه ابن عدى عن انس و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب ابى بكر و عمر من الايمان و بغضهما كفر و حب الأنصار من الايمان و بغضهم كفر و حب العرب من الايمان و بغضهم كفر و من سب أصحابي فعليه لعنة اللّه و من حفظنى فيهم فانا احفظه يوم القيامة- رواه ابن عساكر عن جابر و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب الأنصار اية الايمان و بغض الأنصار اية النفاق- رواه النسائي عن انس و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حب قريش ايمان و بغضهم كفر و حب العرب ايمان و بغضهم كفر و من أحب العرب فقد أحبني و من ابغض العرب فقد ابغضنى- رواه الطبراني فى الأوسط عن انس و قولهم ان من وجب محبته يكون اماما مفروض الطاعة باطل- و قيل هذه الاية لوجوب محبته من حرم عليهم الصدقة و هم بنوا هاشم و بنوا المطلب الذين لم يتفرقوا فى الجاهلية و لا فى الإسلام و قيل هم ال على و عقيل و جعفر و عباس و فيهم قوله صلى اللّه عليه و سلم انى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و اهل بيتي أذكركم اللّه فى اهل بيتي عن زيد بن أرقم قال قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة و المدينة فحمد اللّه و اثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال اما بعد الا يا ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتينى رسول ربى فأجيب و انا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به فحث على كتاب اللّه و رغب فيه ثم قال و اهل بيتي أذكركم اللّه فى اهل بيتي أذكركم اللّه فى اهل بيتي قال البغوي قيل لزيد بن أرقم من اهل بيته قال هم ال على و ال عقيل و ال عباس- فان قيل كيف امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بسوال مودته او مودة أقربائه اجرا على تبليغ الرسالة مع ان التبليغ كان عليه فريضة و لا يجوز طلب الاجرة على أداء الفريضة بل على العبادة النافلة ايضا لما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى من كان يريد حرث الدّنيا نؤته منها و ما له فى الاخرة من نصيب قوله صلى اللّه عليه و سلم من عمل منهم عمل الاخرة للدنيا لم يكن له للاخرة نصيب- قلنا اطلاق الاجر على ما امر النبي صلى اللّه عليه و سلم بسواله على التبليغ انّما هو على المجاز و المشاكلة فان الاجر للسائل على الحقيقة ليس الا ما يكون نافعا له مسئولا لانتفاعه به و هاهنا ليس كذلك بل انما سال النبي صلى اللّه عليه و سلم أمته مودته و مودة أقربائه و امره اللّه سبحانه ان يسئل ذلك لكى ينتفع الناس بمحبته فان محبة النبي صلى اللّه عليه و سلم مثمرة لمحبة اللّه تعالى و قربه و ولايته و موجبة لكمال الايمان و من هاهنا أقول ان الاولى ان يقال فى تأويل الاية لا اسئلكم اجرا الا ان تودوا اقربائى و اهل بيتي و عترتى و ذلك لانه صلى اللّه عليه و سلم كان خاتم النبيين لا نبى بعده و انما انتصب للدعوة الى اللّه بعده صلى اللّه عليه و سلم علماء أمته من اهل الظاهر و الباطن و لذلك امر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه و سلم ان يأمر أمته بمودة اهل بيته لان عليّا رضى اللّه عنه و الائمة من أولاده كانوا اقطابا لكمالات الولاية و من أجل ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا مدينة العلم و على بابها- رواه البزار و الطبراني عن جابر و له شواهد من حديث ابن عمر و ابن عباس و علىّ و أخيه و صححه الحاكم و من أجل ذلك ترى كثيرا من سلاسل المشائخ تنتهى الى ائمة اهل البيت و مضى كثير من الأولياء فى السادات العظام منهم غوث الثقلين محى الدين عبد القادر الجيلي الحسنى الحسيني و بهاء الدين النقشبندي و السيد السند مودود الچشتى و سيد معين الدين الچشتى و ابو الحسن الشاذلى و غيرهم و من أجل ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتى. و قال اكثر علماء التفسير الاستثناء منقطع و الاجر مستعمل فى معناه الحقيقي فالمعنى لا اسئلكم اجرا قط و لكنى أذكركم المودة فى القربى و أذكركم قرابتى منكم كما ورد فى حديث زيد بن أرقم أذكركم اللّه فى بيتي و مما يدل على ان سوال صلى اللّه عليه و سلم مودة نفسه و أقربائه كان لينتفع بها أمته قوله تعالى وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً اى من يكتسب حسنة و المراد بها حب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اله و نوابه و الا فلا مناسبة لهذه الجملة بما سبق لكن اللفظ عام يعم كل حسنة نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً و ذلك ان حب ال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (و هم مشائخ الطريقة) مثمر للمزيد فى حب النبي صلى اللّه عليه و سلم و حبه صلى اللّه عليه و سلم مثمر للمزيد فى حب اللّه تعالى و من هاهنا قالت الصوفية يحصل للصوفى اولا الفناء فى الشيخ ثم الفناء فى الرسول ثم الفناء فى اللّه تعالى- و الفناء عبارة عن شدة الحب بحيث يذهل نفسه عند ذكر المحبوب حتى لا يرى من نفسه و لا من غيره عنها و لا اثرا ما عدا المحبوب و قيل هذه الاية نزلت فى ابى بكر الصديق و مودته للنبى صلى اللّه عليه و سلم- روى البخاري فى الصحيح عن ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه انه قال ارقبوا محمدا فى اهل بيته إِنَّ اللّه غَفُورٌ يغفر ذنوب من يحب رسوله و أولياءه لعل هو المراد بقوله تعالى ليغفر لك اللّه ما تقدّم من ذنبك و ما تأخر اى من ذنب أوليائك و أحبائك شَكُورٌ (٢٣) على طاعته و محبته-. |
﴿ ٢٣ ﴾