١٠

إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ يا محمد بالحديبية على ان لا يفروا بل يقاتلوا حتى يظفروا او يموتوا إِنَّما يُبايِعُونَ اللّه لانه هو المقصود ببيعة النبي صلى اللّه عليه و سلم يَدُ اللّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حال او استيناف على سبيل الاستعارة التخييلية تيمما بمعنى المشاكلة فانه إذا كان اللّه مبايعا و اشتهر المبايعة بصفقة اليد و قد كانوا يأخذون بيد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يبايعونه فتخيل اليد لتاكيد المشاكلة فى المبايعة و قال ابن عباس يد اللّه بالوفا لما وعدهم بالخير فوق أيديهم قلت يد اللّه على تاويل ابن عباس صفة من صفات اللّه تعالى لا يدرك كيفها و لا يجوز تخييلها بالجارحة و قال الكلبي نعمة اللّه عليهم فى الهداية فوق ما صنعوا من البيعة فصله غزوة الحديبية و بيعة الرضوان و سبب ذلك على ما رواه عبد بن حميد و ابن جرير عن مجاهد و قتادة و البيهقي عن مجاهد ايضا و ابن جرير عن ابن يزيد و محمد بن عمرو عن شيوخه قالوا راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه دخل مكة هو و أصحابه امنين محلقين رؤسهم و مقصرين و انه دخل البيت و أخذ مفتاحه و عرف مع المعرفين و كان ذلك الرؤيا بالمدينة قبل خروجه الى الحديبية كذا

قال البغوي و محمد بن يوسف الصنابحى فى سبيل الرشاد و فى بعض الروايات عن مجاهد انه راى النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو بالحديبية و الصحيح هو الاول قال ابن سعد و محمد بن عمرو غيرهما استنفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم العرب و من حوله من اهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه و هو يخشى من قريش ان يعرضوا له بحرب او يصدوه عن البيت فابطأ عليه كثير من الاعراب و روى احمد و البخاري و عبد بن حميد و ابو داود و النسائي و غيرهم عن الزهري و ابن اسحق عن الزهري عن عروة عن مسور بن مخرمة و مروان بن الحكم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دخل بيته فاغتسل و لبس ثوبين من نسج صحا و ركب ناقة القصوى من عند بابه و يخرج بام سلمة معه و أم منيع اسماء بنت عمرو و أم عمارة الاشهلية و خرج معه المهاجرون و الأنصار و من لحق به من العرب لا يشكون بالفتح للرويا المذكور و ليس معهم سلاح الا السيوف فى القرب و ساق الهدى فسار رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم الاثنين لهلال ذى القعدة يعنى سنة ست حتى نزل ذالحليفة فصلى الظهر ثم دعا بالبدن و هى سبعون فجللت ثم أشعر منها عدة و هن موجهات الى القبلة فى الشق الايمن ثم امر ناجيئة بن جندب فاشعر ما بقي و قلدهن نعلا نعلا و أشعر المسلمون بدنهم و قلدوها و كان معهم مائتا فرس و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشير بن سفيان عينا له و قدم عباد بن بشير طليعة فى عشرين فارسا و يقال جعل أميرهم سعد بن زيد الأشهلي ثم صلى ركعتين و ركب من باب المسجد بذي الحليفة فلما انبعث راحلة مستقبلة القبلة احرم بالعمرة ليامن الناس حربه و ليعلم الناس انه انما خرج زائرا بهذا البيت.

و لبى لبيك إلخ و احرم غالب أصحابه و أم المؤمنين أم سلمة بإحرامه و منهم من لم يحرم الا بالجحفة و سلك طريق البيداء و مر فيما بين مكة و المدينة بالاعراب من بنى بكر و مزينة و جهينة فاستنفرهم فتشاغلوا باموالهم و قالوا فيما بينهم يريد محمد يغزوا بنا الى قوم معد من الكراع و السلاح و انما محمد و أصحابه أكلة جزور لن يرجع محمد و أصحابه من سفرهم هذا ابدا- قوم لا سلاح معهم و لا عدد ثم قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ناجية بن جندب مع فتيان من اسلم و معهم هدايا المسلمين و وقع فى تلك المسير ما صاد قتادة حمار الوحش و كان غير محرم و ما اهدى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حمارا وحشيا و هو بالأبواء و قد مر حديثه فى سورة المائدة و لما بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الجحفة امر بشجرة فقم ما تحتها فخطب الناس- فقال انى كائن لكم فرطا و قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا كتاب اللّه و سنة نبيه و لما بلغ المشركين خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اجتمعوا و تشاوروا يريد محمد ان يدخلها علينا فى جنوده معتمرا فتستمع العرب انه دخل علينا عنوة و بيننا و بينه من الحرب ما بيننا و اللّه لا كان هذا ثم قدموا خالد بن الوليد على ما بنى فارس الى كراع الغميم و استنفر من الأحابيش و أجلبت ثقيف معهم و خرجوا الى بلدج و ضرب بها القباب و الابنية و معهم النساء و الصبيان فعسكروا هنا و اجمعوا على منع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من دخول مكة و محاربته و وضعوا لعيون على الجبال و هم عشرا نفس يوحى بعضهم الى بعض بالصوت فعل محمد كذا و كذا حتى ينتهى الى قريش بلدح و رجع بشر بن سفيان الذي بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عينا له من مكة فلقى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بغدير الا شطاط وراء عسفان فقال يا رسول اللّه هذا قريش سمعوا بمسيرك فخرجوا معهم عوذ المطافيل قد لبسوا جلد النحور و قد نزلوا بذي طوى يعاهدون اللّه لا يدخلها عليهم ابدا- و هذا خالد بن الوليد فى خيلهم قدموها الى كراع الغميم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بينى و بين سائر العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا و ان أظهرني اللّه تعالى عليهم دخلوا وافرين و ان لم يفعلوا قاتلوا و فيهم قوة فما تظن قريش فو اللّه لازال اجاهدهم على الذي بعثني اللّه به حتى يظهره اللّه او تنفرد هذه السالفة ثم قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى المسلمين فحمد اللّه و اثنى عليه بما هو اهله ثم قال اما بعد يا معشر المسلمين أشيروا علىّ أ ترون ان أميل على ذرارى هؤلاء الذين عانوهم فنصيبهم فان تعدوا قعدوا موتورين و ان أبونا- تكن عنقا قد قطعه اللّه يعنى أهلك اللّه جماعة منهم أم ترون انا نوم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال ابو بكر يا رسول اللّه خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد و لا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه و وافقه على ذلك أسيد بن حضير و روى ابن ابى شيبة ان المقداد بن الأسود قال بعد كلام ابى بكر و اللّه يا رسول اللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيه اذهب أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ و لكن اذهب أنت و ربك فقاتلا انا معكم مقاتلون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فسيروا على اسم اللّه دونا خالد بن الوليد فى خيله حتى نظر الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه فصف خيله فيما بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بين القبلة فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عباد بن بشر فتقدم فى خيله فقام بإزائه فصف أصحابه و حانت صلوة الظهر فاذن بلال و اقام فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأصحابه فقال خالد بن الوليد قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم و لكن يأتي الساعة صلوة الاخرى هى أحب إليهم من أنفسهم و أبنائهم فنزل جبرئيل عليه السلام بين الظهر و العصر بقوله تعالى وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ الآية فحانت صلوة العصر فصلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صلوة الخوف و قد مر شرحها فى سورة النساء روى البزار بسند رجاله ثقات عن ابى سعيد الخدري و محمد بن عمر عن شيوخه قالوا لما امسى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال اسلكوا ذات اليمين بين ظهور الحمض فان خالد بن وليد فى الغميم فى خيل بقريش طليعة كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يلقاه و كان بهم رحيما قال أيكم يعرف ثنية ذات الحنظل فقال بريدة بن الحصيب انا و روى مسلم عن جابر و ابو نعيم عن ابى سعيد قال ابو سعيد خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان سرنا فى اخر الليل حتى أقبلنا على عقبه ذات الحنظل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل هذه الثنية الليلة كمثل باب الذي قال اللّه تعالى لبنى إسرائيل ادخلوا الباب سجّدا يغفر لكم خطاياكم لا يجوز هذه الثنية الليلة أحد الا غفر له قالوا يا رسول اللّه نخشى ان ترى قريش نيراننا فقال لن يروكم فلما أصبحنا صلى بنا صلوة الصبح ثم قال و الذي نفسى بيده لقد غفر الراكب أجمعين الا رديلبا واحدا على جمل احمر فاذا هو رجل من بنى ضمرة قال جابر

قلنا له تعالى نستغفر لك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال و اللّه لان أجد ضالتى أحب الىّ من ان يستغفر لى صاحبكم فبينا هو فى حيال سراوع إذ زلقت به بغله فتردى فمات فما علم حتى أكلته السباع قال مسور بن مخرمة و مروان فلما دنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الحديبية وقعت يد راحلة فقال الناس حل حل فابت ان تبعث و الحت فقال المسلمون خلأت القصوى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما خلأت القصوى و ما ذاك لها بعادة و لكن حبسها حابس الفيل عن مكة ثم قال و الذي نفس محمد بيده لا يسالون قريش اليوم خطة فيها تعظيم حرمات اللّه تعالى الا أعطيهم إياهم ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل أقصى الحديبية على ثمد من ثماد الحديبية ظنون قليل الماء يتربضه الناس تريضا فلم يلبث الناس حتى نزحوه و شكى الناس الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قلة الماء فانتزع سهما من كنانته فامر به فغرز فى الثمد بالرواء حتى صدروا بعطن قال المسور فانهم ليقترفون بانيتهم جلوسا على شفير البير و الذي نزل بالسهم ناحية بن جندب سايق بدن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال محمد بن عمر حدثنى الهيثم عن عطاء بن ابى مروان عن أبيه قال حدثنى اربعة عشر رجلا من اسلم من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انه ناجية بن عجم و كان ناجية يقول دعانى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى شكى اليه قلة الماء فاخرج سهما من كنانته و دفعه اليه و دعا بدلو من ماء البير فجئته به فتوضأ فمضمض فاه ثم مج فى الدلو و الناس فى حر شديد و انما هى بير واحدة قد سبق المشركون الى بلدح فغلبوا على مياهيه فقال انزل الدلو فصبها فى البير و اثرها بالسهم ففعلت فوالذى بعثه بالحق ماكدت اخرج حتى تغمدنى و فارت كما تفور القدر حتى طمث و استوت بشفيرها يغترفون من جانبها و روى احمد و البخاري و غيرهما عن البراء و مسلم عن سلمة بن اكوع و ابو نعيم عن ابن عباس و البيهقي عن عروة نحوها قصة صب الدلو و ليس فيه ذكر السهم و روى البخاري عن جابر و مسلم عن سلمة بن الأكوع قال عطش الناس يوم الحديبية و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين يديه ركوة قالوا يا رسول اللّه ليس عندنا ماء نتوضأ به و لا نشرب الا فى ركوتك فافرغنا فى قدح وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يديه فى القدح فجعل الماء يفور بين أصابعه كامثال العيون فشربنا و توضأنا قيل لجابركم كنتم يومئذ فقال لو كنا مائة الف كفانا كنا خمس عشر مائة و لما اطمأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالحديبية جاء بديل بن ورقاء و اسلم بعد ذلك فى دجال من خزاعة منهم عمرو بن سالم و حراس بن امية و خارجة بن كوز و يزيد بن امية و كانت عيبة نصح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بتمامه منهم المسلم و منهم الوادع لا يخفون عنه بتمامه شيئا فلما قدموا سلموا عليه فقال بديل بن ورقا جئناك من عند قومك كعب بن لوى و عامر بن لوى قد استنفروا لك الا حابيش و من أطاعوهم قد نزلوا اعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافي ل النساء و الصبيان يقسمون باللّه لا يخلون بينك و بين البيت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا ما جئنا لقتال أحد انما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلنا و ان قريشا قد اضرب بهم الحرب نهكتهم فان شاؤا ما ددناهم مدة يأمنون فيها و يخلون فيما بيننا و بين الناس و الناس اكثر منهم فان أصابوني فذلك الذي أرادوا و ان ظهر امرى على الناس كانوا بين ان يدخلوا فيما يدخل فيه الناس او يقاتلوا و قد جموا و ان هم ابو فو اللّه لاجهدن على امرى هذا حتى تنفرد سالفتى او لينفذنّ اللّه امره قال بديل سابلغهم ما تقول فاتى قريشا و قال انا قد جئنا من عند محمد نخبركم عنه قال عكرمة بن ابى جهل و الحكم بن العاص و أسلما بعد ذلك مالنا حاجة ان تخبرنا عنه و لكن اخبروه عنا انه لا يدخلها عامه هذا ابدا حتى لا يبقى رجل و أشار عليهم عروة بن مسعود السقفي بعد ذلك بان يسمعوا كلام بديل فان أعجبهم قبلوه و الا تركوه فقال صفوان بن امية و الحارث بن هشام و أسلما بعد ذلك هات ما سمعته فحدثه بما قال النبي صلى اللّه عليه و سلم- فقال عروة بن مسعود السقفي اى قوم أ لستم بالولد قالوا بلى قال الست بالولد قالوا بلى- و كان عروة لسبعة بيت عبد الشمس القرشية قال فهل تنهمونى قالوا لا- قال أ لستم تعلمون انى استنفرت اهل عكاظ فلما يلجوا على جئتكم باهلى و ولدي و من أطاعني قالوا بلى قال فان هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها و دعونى انّه فاتاه فجعل النبي صلى اللّه عليه و سلم يكلم نحوا من قوله لبديل فقال عروة يا محمد ارايت ان استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك و ان يكن الاخرى فانى و اللّه لارى وجوها او باشا من الناس و فى رواية اشوايا من الناس خليقا ان يغروا و يدعوك فقال له ابو بكر الصديق امصص بظر اللات أ نحن نفر منه و ندعه قال من ذا قالوا ابو بكر فقال اما و الذي نفسى بيده لو لا يد كانت لك عندى لم أخبرك به لاجبتك و كان عروة قد استعان فى حمل دية فاعانه الرجل بفريضتين و الثلث و أعانه ابو بكر بعشر فرائض فكان هذا يد ابى بكر عند عروة قال فجعل عروة يكلم النبي صلى اللّه عليه و سلم فلما كلمه أخذ بلحيته و المغيرة بن شعبة قائم على راس النبي صلى اللّه عليه و سلم و معه السيف و عليه المغفر كلما أهوى عروة يده الى لحية النبي صلى اللّه عليه و سلم ضرب يده بنصل السيف و قال اخر يدك عن لحية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانه لا ينبغى لمشرك ان يمسه فرفع عروة راسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة فقال يا غدر و اللّه ما غسلت عنك عذرتك بعكاظ الا أمس لقد اورثتنا العداوة من ثقيف الى اخر الدهر- و كان مغيرة صحبت قوما فى الجاهلية فقتلهم و أخذ أموالهم ثم جاء فاسلم فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اما الإسلام فاقبل و اما المال فلست منه فى شى ء ثم ان عروة جعل يرمق اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم بعينيه فو اللّه ما تنخم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نخامة الأرفع فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه و جلده و إذا امر ابتدروا امره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده و ما يحادون النظر اليه تعظيما له فرجع عروة الى أصحابه فقال اى القوم و اللّه لقد وفدت على الملوك وفدت على قيصر و كسرى و النجاشي و اللّه ان رايت ملكا قط تعظم أصحابه ما يعظم اصحاب محمد محمدا- و اللّه ما تنخم نخامة الا وقعت فى كف رجل منهم يدلك بها وجهه و جلده و إذا أمرهم ابتدروا امره و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه و إذا تكلم اخفضوا أصواتهم عنده و ما يحادون النظر اليه تعظيما له و انه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقالت قريش لا- و لكن ترده عامنا هذا و يرجع الى قابل فقال ما أراكم الا ستصيبكم قارعة فانصرف هو و من تبعه الى الطائف فقام الحليس بن علقمة و كان يومئذ سيد الأحابيش فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما راى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال هذا من قوم يعظمون الهدى و يتألهون فابعثوا بالهدى فى وجهه حتى يراها فلما راى الهدايا يسيل عليها من عرض الوادي فى قلايدها قد أكل اوبارها من طول الحبس رجع الى قريش و لم يصل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إعظاما لما راى فقال يا معشر قريش انى قد رايت مالا يحل صد الهدى فى قلا يده قد أكل او تارة من طول الحبس عن محله فقالوا اجلس فانما أنت رجل أعرابي لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك و قال يا معشر قريش و اللّه ما على هذا حالفناكم و لا على هذا عافذناكم ان تصدوا عن بيت اللّه من جاء معظما و الذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد و بين ما جاء له او ليفرن الأحابيش نفرة رجل واحد- فقالوا له مه كف عنايا حليس حتى ناخذ لانفسنا ما نرضى به فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص دعونى آته فقالوا آته فلما اشرف عليهم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم هذا مكرز و هو رجل غادر او فاجر فلما انتهى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كلمه بنحو ما كلم بديلا و عروة فرجع الى أصحابه فاخبرهم بما رد عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال محمد بن إسحاق و محمد بن عمر و غيرهما بعث النبي صلى اللّه عليه و سلم الى قريش خراش بن امية على جمل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقال له الثعلب ليبلغ عنه اشرافهم بما جاء لهم فعقر عكرمة بن ابى جهل الجمل و أراد و اقتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما لقى- روى البيهقي عن عروة قال لما نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحديبية فزعت قريش لنزوله فاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبعث رجلا من أصحابه فدعا عمر بن الخطاب ليبعثه إليهم فقال يا رسول اللّه انى أخاف قريشا على نفسى قد عرفت قريش عداوتى لها و ليس بها من بنى عدى من يمنعنى و لكنى ادلك على رجل أعز بمكة منى و امنع عثمان بن عفان فدعا عثمن فقال اذهب الى قريش و أخبرهم انا لم نات لقتال و انما جئنا عمارا و ادعهم الى الإسلام و امره ان يأتي رجالا بمكة مؤمنين و نساء مؤمنات فيدخلهم و يبشرهم بالفتح و يخبر ان اللّه يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالايمان فانطلق عثمان الى قريش يمر عليهم ببلدح فقالوا اين تريد قال بعثني رسول اللّه تعالى عليه و اله و سلم إليكم لادعوكم الى الإسلام و الى اللّه جل ثناؤه و تدخلوا فى الدين كافة فان اللّه مظهر دينه و معز نبيّه و اخرى تكفون الذي يلى هذا الأمر غيركم فان ظفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فذلك ما أردتم و ان ظفر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كنتم بالخيار بين ان تدخلوا فيما دخل فيه الناس او تقاتلوا و أنتم وافرون جامون ان الحرب و نهكتكم و أذهبت الأماثل و اخر ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يخبر انه لم يأت لقتال أحد انما جاء معتمرا معه الهدى عليه القلائد ينحره و ينصرف- فقالوا قد سمعنا ما تقول و لا كان هذا ابدا فارجع الى صاحبك فاخبره انه لا يصل إلينا و لقيه ابان بن سعيد و اسلم بعد ذلك فرحب به ابان و اجاره و قال لا تقصر عن حاجتك ثم نزل عن فرس كان عليه فحمل عثمان على السرج و ردف ورائه و قال اقبل و أدبر لا تخاف أحد او بنو سعيد اعزة بالحرم فدخل به مكة فاتى عثمان اشراف قريش رجلا رجلا فجعلوا يردون عليه ان محمدا لا يدخلها علينا ابدا و دخل على قوم مؤمنين من رجال و نساء مستضعفين بمكة فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول قد أظلكم حتى لا يستخفى بمكة بالايمان ففرحوا بذلك و قال اقرأ على رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم منا السلام- و لما فرغ عثمان من رسالة قالوا له ان شئت ان تطوف بالبيت فطف فقال ما كنت لافعل حتى يطوف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اقام عثمن بمكة ثلثا يدعو قريشا و قال المسلمون و هم بالحديبية خلص عثمن من بيننا الى البيت فطاف به فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو مكث كذا و كذا سنة ما طاف حتى أطوف و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم امر أصحابه بالحراسة بالليل فكانوا ثلثة يتناوبون الحراسة أوس بن فوبى و عباد بن بشر و محمد بن مسلمة فكان محمد بن مسلمة على حرس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليلة من الليالى و عثمان بمكة قد كانت قريش بعثت ليلا خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص و امروهم ان يطوفوا بالنبي صلى اللّه عليه و سلم رجاء ان يصيبوا منهم عزة فاخذهم محمد بن مسلمة فجاء بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ظهر قول النبي صلى اللّه عليه و سلم انه رجل غادر و كان رجال من المسلمين قد دخلوا مكة بإذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هم كرز بن جابر الفهري و عبد اللّه بن سهيل بن عمرو بن عبد الشمس و عبد اللّه بن حذافة السهمي و ابو الروم بن عمير بن عمرو و عمير بن وهب الحجمى و حاطب بن ابى بلتعة و عبد اللّه بن امية دخلوا مكة فى أمان عثمان و قيل سرا فعلم بهم فاخذوا و بلغ قريشا حبس أصحابهم الذين امسكهم محمد بن مسلمة فجاء جمع من قريش الى النبي صلى اللّه عليه و سلم و أصحابه حتى تراموا بالنبل و الحجارة و اسر المسلمون ايضا اثنى عشر فارسا و قتل من المسلمين ابن زنيم و قد اطلع الثنية من الحديبية فرماه المشركون فقتلوه و بلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان عثمان و من معه قتلوا دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس الى البيعة روى ابن جرير و ابن ابى حاتم من سلمة ابن الأكوع و البيهقي عن عروة و ابن اسحق عن الزهري و محمد بن عمر عن شيوخه قال سلمة بينا نحن قايلون إذ نادى منادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ايها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم اللّه- فى صحيح المسلم عن سلمة قال بايعته أول الناس ثم بايع و بايع حتى إذا كان فى وسط قال بايع يا سلمة قلت بايعتك قال و ايضا فبايعته ثم بايع حتى إذا كان اخرج الناس- قال أ لا تبايعني يا سلمة قلت يا رسول اللّه بايعتك فى أول الناس و فى وسط الناس قال و ايضا فبايعته الثالثة و فى صحيح البخاري عنه قيل على اى شى ء كنتم تبايعونه قال على الموت و فى صحيح مسلم عن جابر قال بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و عمر أخذ بيده تحت شجرة مثمرة فبايعنا غير جد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره و روى الطبراني عن ابن عمر و البيهقي عن الشعبي و ابن مندة عن زيد بن حبيش قالوا لما دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الناس الى البيعة كان أول من انتهى اليه ابو سنان الأسدي فقال ابسط بيدك أبايعك فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم فبايعنى على ما فى نفسك زاد ابن عمر قال و ما فى نفسى قال اضرب بسيفى بين يديك حتى يظهر اللّه او اقتل فبايعه و بايعه الناس على بيعة ابى سنان روى البيهقي عن انس و ابن إسحاق عن ابن عمر قال لما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيعة الرضوان كان عثمان رسول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى اهل مكة فبايع الناس فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان عثمان فى حاجتك و حاجة رسولك فضرب بإحدى يديه على الاخرى فقال هذا يد عثمان و كانت يد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعثمان خيرا من أيديهم لانفسهم و بعث قريش سهيل بن عمرو و حويطب بن العزى و أسلما و مكرز بن حفص الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال سهيل ان الذي كان من حبس أصحابك و ما كان من قتال من قاتلك لم يكن من راى ذى راينا كنا له كارهين حتى بلغنا و لم نعلم به و كان من سفهائنا فابعث إلينا باصحابنا الذين أسرت أول مرة و الذين أسرت اخر مرة و الذي ذكر من قتل عثمن و من معه ظهر انه كان باطلا- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا أنصفتنا فبعث سهيل و من معه الى قريش بالشتيهم بن عبد مناف التيمي فبعثوا من كان عندهم و هم عثمان و العشرة معه و أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابهم الذين اسرهم المسلمون و فى الصحيحين عن سهيل بن حنيف و عند البخاري و اصحاب السنن عن مروان بن الحكم ان عثمن لما قدم من مكة هو و معه رجع سهيل بن عمرو حويطب و مكرز الى قريش فاخبروهم بما راوا من سرعة اصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم الى البيعة و تشميرهم الى الحرب اشتد عليهم فقال اهل الرأي منهم ليس خير من ان تصالح محمدا على ان ينصرف عنا عامة هذا و لا يخلص من البيت حتى يسمع من يسمع بمسيرة من العرب انا قد صددناه و يرجع قابلا فيقم ثلثا ينحر هديه و ينصرف فاجمعوا على ذلك و قالوا لسهيل ايت محمدا فصالحه و ليكن فى صلحك ان لا يدخل عامة هذا فو اللّه لا تحدث العرب انه دخل علينا عنوة فاتى سهيل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال عليه السلام أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا و فى لفظ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سهل أمركم و جلس رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متربعا و قام عباد بن بشر و سلمة و اسلم و هما مقنعان فى الحديد فبرك سهيل على ركبتيه فكلم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أطال الكلام و تراجعا و ارتفعت الأصوات و انخفضت و قال عباد بن بشر لسهيل اخفض من صوتك عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجرى القول حتى وقع الصلح فقال سهيل هات اكتب بيننا و بينك كتابا فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عليّا كرم اللّه وجهه كما فى حديث البراء عن البخاري و الحاكم عن عبد اللّه بن مغفل انه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال السهيل اما الرحمن الرحيم فو اللّه لا أدرى ما هو و لكن اكتب باسمك اللّهم كما كنت تكتب فقال المسلمون و اللّه لا تكتبها فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اكتب باسمك اللّهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال سهيل و اللّه لو كنا نعلم إنك رسول اللّه ما صددناك عن البيت و لا قاتلناك اكتب محمد بن عبد اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لعلى رض امحه فقال على رض ما انا بالذي أمحاه و ذكر محمد بن عمران أسيد بن حضير و سعيد بن عبادة أخذ بيد على رض ان لا يكتب الا محمد رسول اللّه و الا فالسيف بيننا و بينهم و ارتفعت الأصوات فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم أرنيه فاراه إياه فمحاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بيده و قال اكتب محمد بن عبد اللّه و وقع فى بعض طرق حديث البراء ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ الكتاب و ليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد اللّه و سهيل بن عمرو و أصلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يا من فيه الناس و يكف بعضهم عن بعض فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لسهيل على ان تخلوا بيننا و بين البيت فنطوف فقال سهيل لا و اللّه و لكن لك من العام المقبل فكتب فقال سهيل على ان لا يأتيك منا أحد بغير اذن وليه و ان كان على دينك الا ردته إلينا- فقال المسلمون سبحان اللّه أ يكتب هذا كيف يرد الى المشركين و قد جاء مسلما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم نعم انه من ذهب منا إليهم فابعده اللّه و من جاء منهم إلينا فيجعل اللّه فرجا قال البراء صالح على ثلثة أشياء على انه من أتاه من المشركين رده إليهم و من أتاهم من المسلمين لم يردوه اليه و على ان يدخلها من قابل و يقيم بها ثلثة ايام و لا يدخلها الا يجلبان السلاح و السيف و القوس و نحوه وقع الصلح على ان بينهم و بين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عيبة مكفوفة و انه لا إسلال و لا أغلال و انه من أحب دخل فى عقد محمد و من أحب دخل فى عقد قريش فتواثبت خزاعة و قال نحن فى عقد محمد و عهده و تواثبت بنو بكر و قالوا نحن فى عقد قريش و عهدهم و لما تقرر الصلح و لم يبق الا الكتاب وثب عمر بن الخطاب رض الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه الست بنى اللّه حقا قال بلى قال السنا على الحق و هم على الباطل قال بلى قال أ ليس قتلانا فى الجنة و قتلاهم فى النار قال بلى قال على م تعطنى الدنية فى ديننا و نرجع و لم يحكم اللّه بيننا و بينهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انى عبد اللّه و رسوله و لست أعصيه و لن يضيعنى و هو ناصرى قال او ليس كنت تحدثنا انا ناتى البيت فنطوف حقا قال بلى فاخبرتك انك ناتيه العام قال لا قال فانك اتيه و مطوف به فذهب عمر الى ابى بكر متغيضا و لم يصبر فقال يا ابو بكر أ ليس هذا نبى اللّه حقا قال بلى قال السنا على الحق و هم على الباطل قال بلى قال أ ليس قتلانا فى الجنة و قتلاهم فى النار قال بلى قال فعلى م تعطنى الدنية فى ديننا و نرجع و لم يحكم اللّه بيننا و بينهم قال ايها الرجل انه رسول اللّه و ليس يعصى ربه و هو ناصره فاستمسك بعزره حتى تموت فو اللّه انه لعلى الحق و فى لفظ فانه رسول اللّه فقال عمرو انا اشهد انه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال او ليس كان يحدثنا انه سياتى البيت و يطوف به قال بلى ا فاخبرك انك تأتيه العام قال لا قال فانك اتيه و تطوف به فلقى عمر من هذه الشروط امرا عظيما و قال كما فى الصحيح و اللّه ما شككت منذ أسلمت الا يومئذ و جعل يردد على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الكلام فقال ابو عبيدة بن الجراح الا تسمع يا ابن الخطاب تقول بالقول نعوذ باللّه من الشيطان قال عمر فجعلت أتعوذ باللّه من الشيطان- روى ابن اسحق و ابن عمر و الأسلمي قال عمر فمازلت أتصدق و أصوم و أعتق من الذي صنعت يومئذ و روى احمد و النسائي و الحاكم فى حديث عبد اللّه بن مغفل ذكر نحو ما تقدم قال فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلثون شابا عليهم السلاح فثاروا الى وجوهنا فدعا عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخذ اللّه باسماعهم و لفظ الحاكم بأبصارهم فقمنا إليهم فاخذناهم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل جئتم فى عهد أحد و هل جعل لكم أحد أمانا فقالوا لا فخلى سبيلهم فانزل اللّه تعالى و هو الذي كف أيديهم عنكم و روى احمد و مسلم و ابن ابى شيبة عن انس هبط على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثمانون رجلا من اهل مكة فى السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدعا عليهم فاخذوا فعفا عنهم و فى حديث الزهري عن مروان و مسور و روى مسلم و احمد و عبد بن حميد عن سلمة بن الأكوع قال لما سمعت قتل ابن زنيم اخترطت سيفى على اربعة رقود من المشركين فاخذت سلاحهم و جئت بهم اسوقهم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هو الذي كف أيديهم عنكم الاية فبينما الناس- كذلك إذا ابو جندل بن سهيل ابن عمر يرسف فى قيوده قد خرج من أسفل حتى رمى نفسه بين اظهر المسلمين و كان أبوه سهيل قد أوثقه فى الحديد و سجنه فقام اليه المسلمون يرحبونه و يهنونه فلما راى ابو سهيل قام اليه فضرب وجهه بغصن شوك و أخذ بتلبيبه ثم قال يا محمد هذا أول ما اقاضيك عليه ان ترده فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انا لم نقض الكتاب بعد قال فو اللّه إذا لا أصالحك على شى ء ابدا قال فاجزه بي قال ما انا بمجيزه قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكرز و حويطب قد اجزناه لك فاخذاه و دخلا فسطاطا و اجاراه و كف عنه أبوه- فقال ابو جندل معاشر المسلمين أرد الى المشركين و قد جئت مسلما الا ترون ما قد لقيت و كان قد عذب عذابا شديدا فرفع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم صوته أبا جندل اصبر و احتسب فان اللّه تعالى جاعل لك بمن معك من المستضعفين فرجا و مخرجا انا قد عقدنا مع القوم صلحا و أعطيناهم و أعطونا على ذلك عهدا و انا لا نقدر فمشى عمر بن الخطاب الى جنب ابى جندل فقال له اصبر و احتسب فانما هم المشركون و انما دم أحدهم دم كلب و جعل عمر يدنى قائم السيف منه قال عمر رجوت ان يأخذ السيف فيضرب به أباه قال فضمن الرجل بابيه و قد كان اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فرحوا و هم لا يشكون فى الفتح لرويا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما راو ما رأو من الصلح و الرجوع دخل الناس من ذلك عظيم حتى كادوا يهلكون فزادهم امر ابى جندل و نفذت القضية شهد على الصلح رجال من المسلمين و رجال من المشركين و ابو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف و عبد اللّه بن سهيل بن عمرو و سعد بن ابى وقاص و محمود بن سلمة و على بن ابى طالب كرم اللّه وجهه و مكرز بن حفص و هو مشرك فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قوموا فانحروا ثم احلقوه فو اللّه ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلث مرات فاشتد ذلك عليه فدخل على أم سلمة فقال هلك المسلمون امرتهم ان ينحروا و يحلقوا فلم يفعلوا فقالت يا رسول اللّه لا تلمهم فانهم قد دخلهم امر عظيم مما ادخلت على نفسك من المشقة فى امر الصلح و رجوعهم بغير فتح يا نبى اللّه اخرج و لا تكلم أحدا كلمة حتى تنجر بدنك و تدعوا بحالقك فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا حتى نحو بدنه رافعا صوته بسم اللّه اللّه اكبر و دعا حالقه فحلقه فلما راوا ذلك قاموا فنحروا فجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا قال ابن عمر و ابن عباس حلق رجال يوم الحديبية و قصر آخرون فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يرحم اللّه المحلقين قالوا و المقصرين قال يرحم اللّه المحلقين قالوا يا رسول اللّه و المقصرين قال و المقصرون قالوا يا رسول اللّه ما بال المحلقين ظاهرت لهم الترحم قال لانهم لم يشكوا قال ابن عمرو ذلك انه تربص قوم و قالوا لعلنا نطوف بالبيت و اقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالحديبية تسعة عشر يوما و يقال عشرين ليلة ذكره محمد بن عمرو فى ايام المقام بالحديبية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لكعب بن عجرة لارى الهوام تتساقط على وجهه و هم محصورون قبل الصلح ا يؤذيك هوام راسك قال نعم و امره بالحلق و الفدية من صيام او صدقة او نسك و نزل حينئذ قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ للّه فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الاية من سورة البقرة و قد ذكر هناك مسائل للاحصار و الحلق بعذر و ما يتعلق به روى مسلم عن سلمة بن الأكوع و البيهقي عن ابن عباس و البزاز و الطبراني و البيهقي عن ابى حبيش و محمد بن عمرو عن شيوخه انه لما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الحديبية نزل بمر الظهران ثم نزل بعسفان فارملوا من الزاد فشكى الناس الجوع و قالوا ننحر يا رسول اللّه الحمر فاذن لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال عمر يا رسول اللّه لا تفعل فان يكن فى الناس بقية ظهر كان أمثل كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا لكن ان رايت تدعو الناس ببقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فان اللّه سيبلغنا بدعوتك فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ببقايا أزوادهم و بسط نطعا و كان أعلاهم من جاء بصاع من تمر فاجتمع زاد القوم على النطع قال مسلمة فتطاولت لاحرزكم محرزته كر نفسه عزة و نحن اربعة عشر مائة فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدعا بما شاء اللّه تعالى ان يدعوا فاكلوا حتى شبعوا ثم حشوا أوعيتهم و بقي مثله فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حتى بدت لواجذه و قال اشهد ان لا اله الا اللّه و انى رسول اللّه و اللّه لا يلقى اللّه تعالى عبد مؤمن بهما الا حجب من النار قال الزهري فى حديثه ثم جاء نسوة مؤمنات فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ- فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له فى الشرك فتزوج إحداهما معاوية بن ابى سفيان و الاخرى صفوان بن امية قال فنهاهم ان يردوا النساء و امر برد الصداق روى احمد و البخاري و ابو داود و النسائي عن المسور بن مخرمة و البيهقي عن الزهري ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لما قدم المدينة من الحديبية أتاه ابو بصير عتبة بن أسيد حاربة الثقفي حليف بنى زهرة مسلما قد خلت من قومه فكتب الاحبس بن شريف الثقفي و أزهر بن عبد عوف الزهري الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتابا بعثهما و بعثا خنيسا بن جابر من بنى عامر ابن لوى يذكر ان الصلح الذي بينهم و ان يردا إليهم أبا بصير فقدم العامري و معه مولى له يقال له كوثر بعد ابى بصير بثلاثة ايام فامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أبا بصير ان يرجع معهما و قال يا أبا بصير انا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت و لا يصلح فى ديننا الغدر ان اللّه جاعل لك و لمن معك من المسلمين فرجا و مخرجا به حتى بلغا ذا الحليفه فصلى ابو بصير فى مسجدها ركعتين صلوة المسافر و معه زاد له من تمر يحمله يأكل و دعا العامري و صاحبه لياكلا معه فنزلوا يأكلون التمر و على العامري سيفه و تحادثا و لفظ عروة فسل العامري سيفه ثم هذه فقال لاضربن بسيفى هذا فى الأوس و الخزرج يوما الى الليل فقال ابو بصير أ صارم سيفك هذا قال نعم قال ناولنى انظر اليه ان شئت فناوله إياه فلما قبض عليه ضربه به حتى يرد و خرج كوثر هاربا حتى اتى المدينة فدخل المسجد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مالك قال قتل و اللّه صاحبى و أفلت منه و لم أكد و انى مقتول فاستغاث برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فامته و اقبل ابو بصير فاناخ بعير العامري و دخل متوحشا بسيفه فقال يا رسول قد وفيت ذمتك وادي اللّه عنك و قد أسلمتني بيد العدو و قد امتنعت بديني من ان افتن فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد و قدم بسلب العامري لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ليخمسه فقال انى إذا خمسة راونى لم أوف لهم بالذي عاهدتهم عليه و لكن شانك بسلب صاحبك و اذهب حيث شئت و فى الصحيح ان أبا بصير لما سمع قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ويل امه مسعر حرب لو كان له أحد عرف انه سيرده فخرج ابو بصير و معه خمسة كانوا قدموا معه مسلمين من مكة حين قدمه على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلم يكن طلبهم أحد حتى قدموا سيف البحر فاقام بسيف البحر بين العيص و ذى المروة من ارض جنته على طريق عيرات قريش و بلغ المسلمين الذين قد حبسوا بمكة خبر ابى بصير فتسللوا اليه قال محمد بن عمرو كان عمر بن الخطاب هو كتب إليهم يقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لابى بصير ويل امه مسعر حرب لو كان له رجال و أخبرهم انه بالساحل و انفلت ابو جندل بن سهيل الذي رده عليه السلام الى المشركين بالحديبية فخرج هو و سبعون راكبا ممن اسلموا فلحقوا بابى بصير فلما قدم ابو جندل على ابى بصير سلم له الأمر لكونه قرشيا و كان ابو جندل يؤمهم و اجتمع الى ابى جندل حين سمع بقدومه ناس من بنى غفار و اسلم و جهينة و طوائف من الناس حتى بلغوا ثلاثمائة مقاتل كما عند البيهقي عن ابن شهاب لا تمر بهم عير لقريش الا أخذوها و قتلوا من فيها و ضيقوا على قريش فلا يظفرون بأحد منهم الا قتلوه فارسل قريش أبا سفيان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يبعث الى ابى بصير و من معه و قالوا من خرج منا إليك فامسكه فهو لك حلال من غير حرج أنت فيه فكتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى ابى بصير و ابى جندل يأمرهما ان يقدما عليه و يأمر من معهما فمن اتبعهما من المسلمين ان يرجعوا الى بلادهم و أهليهم فلا يتعرضوا الأحد مر بهم من قريش و عيراتها فقدم كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ابى بصير و هو يموت فجعل يقرأه و مات و هو فى يده فدفنه ابو جندل فى مكانه و جعل قبره مسجدا و قدم ابو جندل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه ناس من أصحابه و رجع سائرهم الى أهليهم فلما كان من أمرهم على الذين كانوا اشاروا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية ان طاعة اللّه و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خير لهم فيما أحبوا و فيما كرهوا لما دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عام القضية قال هذا الذي وعدتكم و لما كان يوم الفتح أخذ المفتاح و قال لعمر بن الخطاب هذا الذي قلت لكم- و لما كان فى حجة الوداع وقف بعرفة فقال اى عمر هذا الذي قلت لكم قال اى رسول اللّه ما كان فتح أعظم من صلح الحديبية و كان ابو بكر يقول ما كان فتح فى الإسلام أعظم من صلح الحديبية و لكن الناس قصر رائهم عما كان بين رسول اللّه و بين ربه و العباد يعجلون و اللّه لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد و القد رايت سهيل بن عمرو فى حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بدنه و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينحرها بيده و دعا الحلاق فحلق راسه و انظر الى سهيل يلتقطه من شعره يضعه على عينه و اذكر امتناعه ان يقر يوم الحديبية بان يكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فحمد اللّه سبحانه ان هداه للاسلام فَمَنْ نَكَثَ اى نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ اى لا يعود ضرر نكثه الا عليه وَ مَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّه اى ثبت على البيعة قرا حفص بضم الهاء تعظيما للجلالة و الباقون بالكسر فَسَيُؤْتِيهِ قرأ نافع و ابن كثير و ابن عامر بالنون على التكلم و الباقون بالياء على الغيبة و الضمير عايد الى اللّه أَجْراً عَظِيماً يعنى الجنة و رضوان اللّه تعالى و رويته.

﴿ ١٠