سُورَةُ الْحُجُرَاتِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ آيَةً مدنيّة و هى ثمانى عشرة اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ربّ يسّر و تمّم بالخير روى البخاري و غيره من طريق ابن جريج عن ابى مليكة ان عبد اللّه بن الزبير أخبره انه قدم ركب من بنى تميم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال ابو بكر امر القعقاع بن معبد و قال عمر بل امر الأقرع بن الحابس فقال ابو بكر ما أردت إلا خلافي و قال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت. _________________________________ ١ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّم ُوا اى قوله تعالى وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا الاية قرا يعقوب لا تقدموا بفتح التاء و الدال من التقدم بحذف أحد التاءين و الجمهور بضم التاء و كسر الدال من التقديم- قال البغوي هو ايضا لازم بمعنى التقديم مثل بين و تبين و قيل انه متعد و المفعول محذوف ليذهب الوهم الى كل ما يمكن اى لا تقدّموا قولا و لا فعلا- او متروك و نزل الفعل منزلة اللازم يعنى لا يصدر منكم التقديم بَيْنَ يَدَيِ اللّه وَ رَسُولِهِ- بين يدى مستعارة مما بين الجهتين المسامتتين ليمينه و شماله قريبا منه ففيه تمثيل للتقدم الزمانى بالتقدم المكاني و المعنى لا تقولوا قولا و لا تفعلوا شيئا قبل ان يحكمانه قال الضحاك يعنى فى القتال و شرائع الدين لا تقضوا امرا دون اللّه و رسوله قال ابو عبيدة يقول العرب لا تقدم بين يدى الامام و بين يدى الأب اى لا تعجل بالأمر و النهر و النهى دونه- قيل المراد بين يدى رسول اللّه و ذكر اللّه تعظيما له و اشعارا بان التقديم على رسول اللّه كانه تقديم على اللّه تعالى فانه من اللّه بمكان يوجب إجلاله إجلالا به و سوء الأدب به سوء ادب باللّه كما قال اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّه يَدُ اللّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ و اخرج ابن المنذر عن الحسن ان ناسا ذبحوا قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم النحر أمرهم ان يعيدوا ذبحا فانزل اللّه تعالى هذه الاية كذا اخرج ابن الدنيا فى كتاب الأضاحي بلفظ ذبح رجل قبل الصلاة فنزلت و عن البراء بن عازب قال خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوم النحر قال ان أول ما ابتدأ فى يومنا هذا ان نصلى ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا و من ذبح قبل ان يصلى فانما هو لحم عجله لاهله ليس من النسك فى شى ء متفق عليه- و عن جندب بن عبد اللّه بلفظ صلى النبي صلى اللّه عليه و سلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح ثم قال من كان ذبح قبل ان يصلى فليذبح مكانها اخرى متفق عليه و بما ذكرنا من الأحاديث احتج ابو حنيفة و مالك و احمد على انه لا يجوز ذبح الاضحية قبل صلوة الامام خلافا للشافعى حيث قال يجوز ذبح الاضحية بعد طلوع الشمس من يوم النحر إذ مضى قدر صلوة العيد و الخطبتين صلى الامام او لم يصل و قال عطاء يجوز بعد طلوع الشمس فقط و هما محجوجان بما روينا و لا دلالة فى الحديثين على ما قال مالك ان لا يجوز الذبح الا بعد الصلاة و بعد ذبح الامام و لعل مالك أخذ هذا القول من قوله تعالى لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّه وَ رَسُولِهِ يعنى لا تذبحوا قبل ذبح الرسول و الامام نايب الرسول صلى اللّه عليه و سلم قلنا الحديث بيان للاية فلا يشترط ما لا يستفاد من الحديث (مسئلة) قال ابو حنيفة يجوز لاهل السواد حيث لا يصلى هناك صلوة العيد ذبح الأضحية بعد طلوع الفجر الثاني خلافا للائمة الثلاثة فانهم قالوا لا يجوز الا بعد حصول اليقين بصلوة الامام عند احمد و الصلاة و ذبحه عند مالك و بعد مضى قدر صلوة العيد و الخطبتين بعد طلوع الشمس عند الشافعي لاطلاق النصوص- وجه قول ابى حنيفة ان التأخير لاحتمال تشاغل به عن الصلاة و لا معنى للتاخير فى حق القرى و لا صلوة عليه و اللّه اعلم- و اخرج الطبراني فى الأوسط عن عائشة ان ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا الاية و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا تقدموا رمضان بصوم يوم و لا يومين الا رجل كان يصوم صوما فيصومه رواه اصحاب الصحاح و السنن الستة و روى اصحاب السنن الاربعة و علقه البخاري عن عمار قال من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم عليه السلام و قال عليه الصلاة و السلام صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا عدة شعبان ثلثين يوما و هو فى الصحيحين و عنه ابى داود و الترمذي و حسنه و ان حال بينكم و بين سحاب فكملوا العدة ثلثين و لا تستقبلوا الشهر استقبالا و اللّه تعالى اعلم و اخرج ابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا ان ناسا كانوا يقولون لو انزل فى كذا و كذا فانزل اللّه لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّه وَ رَسُولِهِ- وَ اتَّقُوا اللّه ط فى تضيع حقه و حق رسول و مخالفة امره إِنَّ اللّه سَمِيعٌ لاقوالكم عَلِيمٌ بنياتكم. ٢ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كرر النداء لاستدعاء مزيد الاستبصار و المبالغة فى الألفاظ و زيادة اهتمام ما امر به لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ إذا كلمتموه وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ يعنى لا ترفعوا أصواتكم عنده و لا تنادوه كما ينادى بعضكم بعضا بان تخاطبوه باسمه او كنيته بل يجب عليكم تبجيله و تعظيمه و مراعات آدابه و خفض الصوت بحضرته و خطابه بالنبي و الرسول و نحو ذلك أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ اى كراهة ان تحبط او لئلا يحبط فيكون علة للنهى و جاز ان يكون تقديره لان تحبط متعلق بالنهى و اللام للعاقبة فان رفع الصوت فوق صوت النبي صلى اللّه عليه و سلم و الجهر عليه استخفافا يؤدى الى الكفر فعاقبته حبط العمل إذا قصد الاهانة نعوذ باللّه منها و عدم المبالات و ترك المراقبة فى آدابه لا يخلوا من الحرمان من بركات صحبته فبطل عمل المصاحبة إذا لم يترتب عليه فائدته وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ حال من الضمير المجرور فى أعمالكم قال البغوي قال ابو هريرة و ابن عباس لما نزلت هذه الاية كان ابو بكر لا يكلم النبي صلى اللّه عليه و سلم الا كاخى السرار و قال ابن الزبير فيما مر من حديث رواه البخاري فى سبب نزول قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا الآية قال فما كان عمر يسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعد هذه الاية حتى يستفهمه- و روى مسلم فى الصحيح عن انس بن مالك قال لما نزلت هذه الاية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ الآية جلس ثابت بن قيس فى بيته و قال انا من اهل النار و احتبس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فسال النبي صلى اللّه عليه و سلم سعد بن معاذ فقال يا أبا عمر ما شان ثابت اشتكى فقال سعد انه لجارى و ما علمت له شكوى فاتاه سعد فذكره قول النبي صلى اللّه عليه و سلم قال ثابت أنزلت هذه الاية و لقد علمتم انى من ارفعكم أصواتا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانا من اهل النار فذكر ذلك سعد لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال بل هو من اهل الجنة و اخرج ابن جرير عن محمد ابن ثابت بن قيس بن شماس و كذا ذكر البغوي انه لما نزلت هذه الاية قعد ثابت فى الطريق يبكى فمر به عاصم بن عدى فقال ما يبكيك يا ثابت قال هذه الاية أتخوف ان نكون نزلت فى و انا رفيع الصوت أخاف ان يحبط عملى و ان أكون من اهل النار فمضى عاصم الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و غلب ثابت البكاء فاتى امرأته جميلة بنت عبد اللّه بن ابى بن سلول فقال لها إذا دخلت بيت فرسى فشدى على الضبة بمسمار فضربته بمسمار و قال لا اخرج حتى تتوفانى اللّه او يرضى عنى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتى عاصم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاخبره خبره فقال اذهب فادعه لى فجاء عاصم الى المكان الذي راه فلم يجده فجاء الى اهله فوجده فى بيت الفرس فقال ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يدعوك فقال اكسر الضبة فاتيا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما يبكيك يا ثابت قال أنا صيت و أتخوف ان تكون هذه الاية نزلت فىّ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اما ترضى ان تعيش حميدا و تقتل شهيدا و تدخل الجنة فقال رضيت ببشرى اللّه و رسوله لا ارفع صوتى ابدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه. ٣ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ اى يخفضونها- عِنْدَ رَسُولِ اللّه إجلالا له أُولئِكَ مبتداء خبره الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّه قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ط و الجملة خبر ان فى القاموس امتحن اللّه قلوبهم اى شرحها و وسعها و فيه ايضا محنه كمنعه و ضربه و اختبره كامتحنه قال البيضاوي اى جر لها للتقوى و مرتها عليها يعنى عاملها معاملة المختبر فوجدها مخلصة او عرفها كاينة للتقوى خالصة لها فان الامتحان سبب المعرفة- و اللام صلة محذوف او للفعل باعتبار الأصل او المعنى ضرب اللّه قلوبهم بانواع المحن و التكاليف الشاقة لاجل ظهور التقوى فانه لا يظهر الا بالاصطبار عليها او أخلصه للتقوى من امتحن الذهب إذا إذا به او ميز بريزه من خبثه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ بغضهم الأصوات تادبا لرسول اللّه و لسائر طاعاتهم و التنكير للتعظيم و الجملة خبر ثان لان او استيناف لبيان ما هو جزائهم اخبارا لها لهم كما اخبر عنهم بجملة مونلفة من معرفتين و المبتدا اسم الاشارة المتضمن لما جعل عنوانا لهم و الخبر الموصول بصلة دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة فى الاعتداد بغضهم و الارتضاء له تعريضا بشناعة الرفع و الجهر و ان حال المرتكب لهما على خلاف ذلك و قال البغوي قال انس فكنا ننظر الى رجل من اهل الجنة يمشى بين أيدينا يعنى ثابت بن قيس الذي نزل فيه هذه الاية و قال له عليه السلام تعيش حميدا و تقتل شهيدا و تدخل الجنة قال فلما كان يوم اليمامة من حرب مسيلمة الكذاب راى ثابت فى المسلمين انكسارا و انهزمت طايفة منهم فقال أف لهؤلاء و قال لسالم مولى حذيفة ما كنا نقاتل اعداء اللّه مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل ذلك ثم ثبتا و قاتلا حتى استشهد ثابت و عليه درع فراه رجل من الصحابة بعد موته فى المنام انه قال له اعلم ان فلانا رجلا من المسلمين ينزع درعى فذهب به و هى فى ناحية من العسكر عند فرس يستن؟؟؟ به فى طوله و قد وضع علّى درعى برمة فأت خالد بن الوليد فاخبره حتى يسترد درعى و أت أبا بكر خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قل له ان علىّ دين حتى يقضى و فلان من رفيقى عتيق- فاخبر الرجل خالدا فوجد درعه و الفرس على ما وضعه فاسترد الدرع و اخبر خالد أبا بكر بتلك الرؤيا فاجاز ابو بكر وصيته قال مالك بن انس لا اعلم وصية اجيزت بعد موت صاحبها الا هذه و اللّه تعالى اعلم و اخرج الطبراني و ابو يعلى بسند حسن عن زيد بن أرقم رض قال جاء ناس من العرب الى حجر النبي صلى اللّه عليه و سلم فجعلوا ينادون يا محمد صلى اللّه عليه و سلم فانزل اللّه تعالى. ٤ إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ الاية و ما بعدها قرا الجمهور بضم الجيم و ابو جعفر بفتح الجيم و هما لغتان فى جمع حجرة و قال البغوي هى جمع حجر و الحجر جمع حجرة فهى جمع الجمع و الحجرة قطعة من الأرض احاطتها الجدر ان من الحجر بمعنى المنع و المراد حجرات نساء النبي صلى اللّه عليه و سلم و من ابتدائية فان المناداة نشأت من جهة الوراء و فيه دلالة على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان داخل حجرة منها إذ لا بد ان يختلف المبدأ و المنتهى و ان مناداتهم كان من ورائها فان تعدد القصة يحمل على ان مناداتهم وقع تارة وراء بعض و تارة وراء بعض اخر منها و ان اتحد القصة فمناداتهم من ورائها. اما بانهم أتوه حجرة حجرة فنادوه من ورائها او بانهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ فانهم كانوا أعرابا من اهل البادية او المعنى لا يعقلون عظمتك و مراعات الحشمة و حسن الأدب و الظاهر منه ان بعضهم كانوا من العقلاء و لم يرتض بالتعجيل و انما أسند فعل البعض الى الكل مجازا و يحتمل ان يراد بالنفي القلة إذا لقلة تقع موقع النفي العام- اخرج الثعلبي من حديث جابر ان الذي ناداه عيينة بن حصن و اقرع ابن حابس وفدا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى سبعين رجلا وقت الظهيرة و كان النبي صلى اللّه عليه و سلم راقدا فى بعض حجرات نسائه فقالا يا محمد اخرج علينا- و اخرج ابن جرير عنه لا قرع بن حابس انه اتى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا محمد اخرج إلينا فنزلت و اخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ان رجلا جاء الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال يا محمد ان مدحى زين و ان شتمى شين فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم ذاك و هو اللّه فنزلت هذه الاية و هذا مرسل و له شاهد مرفوع من حديث البراء دون نزول الاية و اخرج ابن جريج نحوه عن الحسن و ذكر البغوي حديث قتادة و جابر بلفظ قال قتادة نزلت يعنى هذه الاية و ما بعدها فى ناس من اعراب بنى تميم جاؤا الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فنادوا على الباب و يروى ذلك عن جابر قال جاءت بنو تميم فنادوا على الباب اخرج علينا يا محمد فان مدحنا زين و ذمنا شين فخرج النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو يقول انما ذلكم اللّه الذي مدحه زين و ذمه شين فقالوا نحن ناس من بنى تميم حبسئنا و شاعرنا و خطيبنا فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لثابت بن قيس ابن شماس و كان خطيب النبي صلى اللّه عليه و سلم قم فاجبه فقام فاجابه فقام شاعرهم فذكرا بياتا فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم لحسان بن ثابت قم فاجبه فقام فاجابه فقام الأقرع بن حابس فقال ان محمدا ليؤتى له بكل خير تكلم خطيبنا فكان شاعركم أشعروا حسن قولا ثم دنا من النبي صلى اللّه عليه و سلم فقال اشهد ان لا اله الا اللّه و اشهد انك رسول اللّه- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما يضرك ما كان قبل هذا ثم أعطاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كساهم و قد كان تخلف فى ركابهم عمرو بن الأهتم لحداثة سنه فاعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مثل ما أعطاهم و ازرى به بعضهم و كثر اللغط عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فنزل فيهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ الآيات الأربع الى غَفُورٌ رَحِيمٌ- و ذكر البغوي عن ابن عباس انه قال بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سرية الى بنى العنبر و امر عليهم عيينة ابن حصن الفرازي فلما علموا انه توجه نحوهم هربوا و تركوا عيالهم فسباهم عيينة و قدمهم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري فقدموا وقت الظهيرة و وافقوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قائلا فى اهله فلما رأتهم الذراري اجهشوا الى ابائهم يبكون و كان لكل امرأة من نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حجرة فعجلوا قبل ان يخرج إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فجعلوا ينادون يا محمد اخرج إلينا حتى أيقظوه من نومه فخرج إليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا فنزل جبرئيل عليه السلام فقال ان اللّه يأمرك ان تجعل بينك و بينهم رجلا فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أ ترضون ان يكون بينى و بينكم سيرة بن عمرو و هو غلى دينكم فقالوا نعم فقال سيرة انا لا احكم بينهم الا و عمى شاهد و هو الأعور بن بشامة فرضوا به فقال الأعور ارى ان تفادى نصفهم و تعتق نصفهم فقال صلى اللّه عليه و سلم قد رضيت ففادى نصفهم و أعتق بعضهم و انزل اللّه تعالى إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ٥ وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا يعنى لو ثبت صبرهم يعنى حبس نفوسهم عما تشتهيه الأهواء من التعجيل فى قضاء الحوائج بخلاف ما يقتضيه العقل من تعظيم المحتاج اليه لا سيما من هو من اللّه بمنزلة من لا يوازيه أحد حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ يعنى صبرا مغيا بالخروج إليهم- فيه اشعار الى ان مطلق الخروج لا يصلح غاية للصبر بل ينبغى ان يصبروا حتى يتوجه إليهم و يفاتحهم بالكلام لَكانَ الصبر خَيْراً لَهُمْ من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب و تعظيم الرسول صلى اللّه عليه و سلم الموجبتين للثناء و الثواب و اسعاف المرام قال مقاتل لكان خيرا لهم لانك كنت تعتقهم جميعا و تطلقهم بلا فداء وَ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ فاقتصر على النصح و التقريع للمسببين للادب التاركين تعظيم الرسول صلى اللّه عليه و سلم بناء على جهلهم و قلة عقلهم و ذكر محمد بن يوسف الصالحي ان سرية عيينة بن حصن كان الى بنى تميم فى المحرم سنة تسع بعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حين منعوا الزكوة و كان السبايا على ما ذكر محمد بن عمر احدى عشر امرأة و ثلثين صبيا و اخرج احمد و غيره بسند جيد عن الحارث بن الضرار الخزاعي قال قدمت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فدعانى الى الإسلام فاقررت به و دخلت فيه و دعائى الى الزكوة فاقررت بها و قلت يا رسول اللّه ارجع الى قومى فادعوهم الى الإسلام و أداء الزكوة فمن استجاب لى جمعت زكوته فترسل الى الإبان كذا و كذا لياتيك فلما جمع الحارث الزكوة و بلغ الإبان احتبس الرسول فلم يأته فظن الحارث انه قد حدث فيه سخطة فدعى سروات قومه فقال لهم ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان وقت وقتا يرسل رسوله ليقبض ما عندى من الزكوة و ليس من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الخلف و لا ارى حبس رسوله الا من سخطه فانطلقوا فناتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الوليد بن عقبة ليقبض ما كان عنده فل ما ان سار الوليد فرق فرجع فقال ان الحارث منع الزكوة و أراد قتلى فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم البعث الى الحارث فاقبل الحارث بأصحابه إذا استقبل البعث قال لهم الى اين بعثتم قالوا إليك قال لم قالوا ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم انك منعت الزكوة و أردت قتله قال لا و الذي بعث محمدا بالحق ما رايته و لا أتاني فلما دخل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال منعت الزكوة و أردت قتل رسولى قال لا و الذي بعثك بالحق فنزلت. ٦ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الى قوله غفور رحيم و روى الطبراني نحوه من حديث جابر بن عبد اللّه و علقمة ابن ناحية و أم سلمة و ابن جرير نحوه من طريق العوفى عن ابن عباس و من طرق اخرى و سلمة و فى حديث أم سلمة عند الطبراني و كذا ذكر البغوي ان الاية نزلت فى وليد بن عقبة بن ابى معيط بعثه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى بنى المصطلق مصدقا و كان بينه و بينهم عداوة فى الجاهلية فلما سمعه القوم تلقوه تعظيما لامر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فحدثه الشيطان انهم يرون قتله فهابهم فرجع من الطريق الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال ان بنى المصطلق قد منعوا صدقاتهم و أرادوا قتلى فغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و هم ان يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فاتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالوا يا رسول اللّه لما سمعنا برسولك خرجنا نتلقاه و نكرمه و نودى اليه ما قبلناه من حق اللّه عز و جل فبدأ له الرجوع فخشينا انه انما رده من الطريق كتاب جاء منك بغضب غضبته علينا و انا نعوذ باللّه من غضبه و غضب رسوله قال البغوي فاتهمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بعث خالد بن الوليد خفية فى عسكر و امره ان يخفى عليهم و قال له انظر فان رأيت منهم ما يدل على ايمانهم فخذ منهم زكوة أموالهم و ان لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل فى الكفار ففعل ذلك خالد و وافاهم فسمع منهم أذان صلوة المغرب و العشاء و أخذ صدقاتهم و لم ير فيهم الا الطاعة و الخير فانصرف الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أخبره الخبر فانزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ يعنى الوليد ابن عقبة بِنَبَإٍ اى بخبر ارتداد القوم و تنكير الفاسق و لنبأ لشيوع الحكم كانه قال اى فاسق جاءكم باى نبأ- فَتَبَيَّنُوا قرأ حمزة و الكسائي بالثاء المثلثة ثم الباء الموحدة ثم التا المثناة من الفوق من التثبت بمعنى التوقف فى الحكم مالم يظهر الحال و الباقون بالباء الموحدة ثم الياء المثناة من تحت ثم النون من التبين بمعنى طلب البيان و ظهور الحال و القراءتان متقاربان معنى و تعليق التثبت و التبين يخبر الفاسق يقتضى جواز قبول خبر الواحد العدل لعدم المانع من قبول خبره و الفسق فى اللغة الخروج يقال فسقت الرطبة عن قشرها و فى اصطلاح الشرع قد يطلق على الكافر لخروجه عن الايمان و هو الغالب فى محاورة القران و قد يطلق على من ارتكب الكبيرة او أصر على الصغيرة مالم يتب و هو المراد فى هذه الاية اجماعا قلت و الوليد ابن عقبة رض كان صاحبا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يكن فسقه ظاهرا قبل هذا الكذب المبنى على فساد ظنه و اتهامه من كان له اعداء فى الجاهلية فلعل المراد بالفاسق هاهنا من لم يظهر صدقه و عدالته فيدخل فيه مستور الحال ايضا او المراد بالفاسق من كان مخبر الشي ء يدل القرينة على كذبه و ان كان المخبر ظاهر العدالة فان ارتداد بنى المصطلق بعد ايمانهم عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم طوعا و قبولهم أحكامه ابعد احتمالا من كذب الوليد عمدا او زعما فاسدا- أَنْ تُصِيبُوا اى كراهة ان تصيبوا او لئلا تصيبوا بالقتل و القتال قَوْماً براء من العصيان بِجَهالَةٍ حال من فاعل تصيبوا يعنى جاهلين بحقيقة الأمر و حال القوم فَتُصْبِحُوا اى تصيروا عطف على تصيبوا عَلى ما فَعَلْتُمْ متعلق بقوله نادِمِينَ و هو خبر لتصبحوا يعنى تصيروا نادمين على أصابتكم قونا براء و الندامة نوع من الغم على ما صدر منك بحيث تتمنى انه لم يصدر الظاهر من سياق الاية ان بعض المؤمنين كانوا زينوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الإيقاع بينى المصطلق و تصديق قول الوليد و النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يطعهم و بعث خالدين الوليد للتثبت و تبيين الحال قال اللّه سبحانه خاطبهم بهذه الاية و أمرهم بالتثبت و التبيين كما فعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كيلا يصبحوا نادمين و بينهم على انه لا ينبغى لهم تحريص النبي صلى اللّه عليه و سلم و إلجاؤه الى ما تهوى به نفوسهم بل يجب عليهم ان يطيعوه فيما أحبوا و فيما كرهوا يدل عليه قوله تعالى. ٧ وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّه لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ اى وقعتم فى الإثم و الهلاك قال البيضاوي جملة لو يطيعكم حال من أحد ضميرى فيكم و ان مع اسمه و خبره مقيدا بالحال المذكور ساد مسد مفعولى اعلموا و المعنى ان فيكم رسول اللّه فى حال يجب تغيرها و هى انكم تريدون ان يتبع رايكم و لو فعل ذلك لعنتم و لما كان غضبهم على بنى المصطلق انما هو لما سمعوا من الوليد ارتدادهم بغضا فى اللّه لا لانفسهم و كان ما سبق من الكلام موهما لوقوعهم فى الإثم و اللوم استدرك اللّه سبحانه ببيان عذرهم وَ لكِنَّ اللّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ ط الظاهر من سياق الاية ان الفسوق أخف من الكفر و أقبح من العصيان فالمراد به الخروج من الجماعة و ارتكاب البدعة فى العقائد بحد لا يكفر فهو دون من الكفر و أخبث من عصيان الجوارح و معنى الاية لكن ما صدر منكم من ترك التثبت انما كان لحبكم الايمان و بغضكم الكفر فلا لوم عليكم و لا اثم أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ جملة معترضة و فيه التفات من الخطاب الى الغيبة اشعارا بان من كان صفته مثل صفتكم فهم الراشدون. ٨ فَضْلًا مِنَ اللّه وَ نِعْمَةً ط منصوبان على العلية من حبب و كره لا من الراشدون فان الفضل فعل اللّه و الراشدون كان مسببا بفعله لكنه أسند الى ضميرهم او على المصدرية فان تحبب الايمان فضل من اللّه و انعام و قال بعض ائمة التفسير معنى قوله ان فيكم رسول اللّه فلا تكذبوه فان اللّه يخبره فيهتك ستر الكاذب و قوله لو يطيعكم فى كثير من الأمر كلام مستانف يعنى لو يطيعكم الرسول فيما يخبرونه كاذبا لعنتم و هذا التأويل يقتضى ان يكون قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلخ خطابا بالوليد و أمثاله و ليس كك فان الكاذب غير مخاطب بالتثبت بل السامع مخاطب به و قال بعضهم و اعلموا ان فيكم رسول اللّه معناه كما مر ان لا تكذبوا و لو يطيعكم كلام مستانف خطاب لبعض المؤمنين الذين زينوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الإيقاع ببني المصطلق و الاستدراك خطاب لبعض اخر من المؤمنين الذين يريدون التثبت و هم المعينون بقوله تعالى أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ و هذا القول يفيد جد الا لاستلزامه انتشار الضمائر فى كلام واحد من غير قرينة و امر داع اليه و الأحسن ما قال البيضاوي وَ اللّه عَلِيمٌ بأحوال المؤمنين حَكِيمٌ يفضل و ينعم بالتوفيق عليهم اخرج الشيخان عن انس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم ركب حمارا و انطلق الى عبد اللّه بن ابى فقال إليك عنى فو اللّه لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار و اللّه لحماره أطيب ريحا منك فغضب لعبد اللّه رجل من قومه فشتما و غضب لكل واحد أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد و الأيدي و النعال فنزلت فيهم. ٩ وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مرفوع بفعل مضمر اعنى اقتتل يفسره قوله تعالى اقْتَتَلُوا يعنى تقاتلوا أورد صيغة الجمع حملا على المعنى فان كل طائفة جمع فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ج شرطية جزائه إنشاء ولدا عطف على الانشائيات و ثنى الضمير هاهنا نظرا الى لفظ الطائفتين و الإصلاح ان يمنع المبطل منها من الظلم و يدفع شبهة و يدعوهما الى كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ترك التحاسد و التباغض فَإِنْ بَغَتْ اى تعدت إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى و أبت الاجابة الى كتاب اللّه و سنة رسوله صلى اللّه عليه و سلم و لا يمكن دفع ظلمها بالحبس و المنع بان كان لها منعة فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ اى ترجع إِلى أَمْرِ اللّه ج عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انصر أخاك ظالما او مظلوما فقال الرجل يا رسول اللّه انصره مظلوما فكيف انصره ظالما قال تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه متفق عليه فَإِنْ فاءَتْ الى امر اللّه بعد المقاتلة فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ فيه الإصلاح بالعدل هاهنا اشعارا بان المقاتلة الواقع قبل ذلك لا يجرمنكم على ان لا تعدلوا وَ أَقْسِطُوا ط فى الأمور كلها إِنَّ اللّه يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ فيحسن جزاؤه القسط الجور و الاقساط ازالة الجور بالعدل و الهمزة للسلب. ١٠ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ لانتسابهم الى اصل واحد و هو الايمان الموجب للحيوة الابدية و لما كان منشأ هذا الأصل هو النبي صلى اللّه عليه و سلم كان أبا المؤمنين و أزواجه أمهاتهم و هذه الجملة تعليل و تقرير للامر بالإصلاح و لذلك كرره مرتبا عليه فقال فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وضع الظاهر موضع المضمر مضافا الى المأمورين للمبالغة فى التقرير و الفاء للسببية قرا يعقوب بين إخوتكم بالتاء الفوقانية على الجمع و الباقون بالياء التحتانية على التثنية و خض الأنثيين بالذكر لانهما اقل من يقع بينهما الخلاف وَ اتَّقُوا اللّه و لا تخالفوا امره لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ على تقوكم فان التقوى سبب للتواصل و الايتلاف و التراحم بينكم و التراحم موجب رحمة اللّه تعالى قال عليه الصلاة و السلام انما يرحم اللّه من عباده الرحماء رواه المجدد رضى اللّه تعالى عنه و فى الصحيحين لا يرحم اللّه من لا يرحم الناس من حديث جرير بن عبد اللّه قال البغوي يروى انها لما نزلت قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاصطلحما و كف بعضهم عن بعض و اخرج سعيد بن منصور و ابن جرير عن ابى مالك قال تلاحى رجلان من المسلمين فغضب قوم هذا لهذا و قوم هذا لهذا فاقتتلوا بالأيدي و النعال فانزل اللّه تعالى تلك الاية و لعل هذه القصة بعينه هى السابقة- و اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم و كذا ذكر البغوي عن السدى قال كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد و ان المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها و جعلها فى علية له و ان المرأة بعثت الى أهلها فجاء قومها و أنزلوها لينطلقوا بها و كان الرجل قد خرج فاستعان اهله فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة و بين أهلها فتدافعوا و اجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم فبعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاصلح بينهم و فاؤا الى امر اللّه و اخرج ابن جرير و ذكر البغوي عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الاية نزلت فى رجلين من الأنصار و كانت بينهما مداراة فى حق بينهما فقال أحدهما لاخر لاخذن عنوة لكثرة عشيرته او الاخر دعاه للتحاكم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فابى فلم يزل الأمر حتى تدافعوا و حتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي و النعال و لم يكن قتال بالسيوف- و اخرج ابن جرير عن الحسن قال كانت الخصومة بين الحيين فيدعوهم الى الحكم فيابون ان يجيبوا فانزل اللّه تلك الاية و لعل هذه القصة ما ذكر قتادة روى البغوي و غيره عن سالم عن أبيه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يشتمه و من كان فى حاجة أخيه كان اللّه فى حاجة و من فرج عن مسلم كربة فرج اللّه بها كربة من كرب يوم القيامة و من ستر مسلما ستر اللّه يوم القيامة و روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذ له و لا يحقره التقوى هاهنا و أشار الى صدره ثلث مرار يحسب امرا عن الشر ان يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه و فى الآيتين دليل على ان البغي لا يزيل اسم الايمان قال البغوي و يدل عليه ما روى عن الحارث الأعور أن على بن ابى طالب رض سئل عن الحمل و الصفين أ مشركون هم فقال لا من الشرك فروا فقيل منافقين هم فقال لا ان المنافقين لا يذكرون اللّه الا قليلا فما حالهم قال إخواننا بغوا علينا- (مسئلة) إذا اجتمعت طائفة لهم قوة و منعة و خرجوا عن إطاعة الامام دعاهم الى العود و كشف شبهتهم فان ابد و اما يجوز لهم القتال كان ظلمهم الامام او ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه يجب على الناس ان يعينوهم حتى ينصفهم الامام و يرجع عن جوره كذا قال ابن الهمام و ان لم يبدوا ذلك و تحيزوا للقتال مجتمعين حل لنا قتالهم بدا و قال الشافعي لا يجوز قتالهم حتى ابتدأ و بالقتال و هو قول مالك و احمد و اكثر اهل العلم لان قتل المسلم لا يجوز الا دفعا و هم مسلمون قال اللّه تعالى فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا قلنا البغي فى اللغة الطلب قال اللّه تعالى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ- و المراد هاهنا طلب ما يخل من الجور و الظلم و الإباء عن قبول احكام الشرع كما فى قوله تعالى فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يعنى لا تطلبوا عليهن ظلما فلا يشترط فى جواز قتالهم بداية القتال منهم و انما شرطنا منعتهم لانه إذا لم يكن لهم منعة نقدر على إلزامهم بالحبس و الضرب و نحو ذلك فلا حاجة على القتال و لو شرطنا بداية القتال منهم فربما لا يمكن دفعهم لتقوى شوكتهم و تكثر جمعهم (مسئلة) يجهز على الجريح من البغاة و يتبع مولهم ان كان لهم فيئة يخاف ان يلحق بالفيئة و ان لم يكن له فئة لا يجهز و لا يتبع و قال الشافعي و مالك و احمد لا يجهز و لا يتبع فى الحالين لان القتال إذا تركوه بالتولية و الجراحة لم يبق قتلهم دفعا و لا يجوز قتلهم الا دفعا لشرهم روى ابن ابى شيبة عن عبد خير عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا و من القى سلاحه فهو أمن و أسند ايضا لا يقتل أسير قلنا احتمال شرهم باق إذا خيف لحوقهم بالفيئة و اصحاب الجمل لم يكن لهم فئة حين قال ذلك و ما رواه الحاكم فى المستدرك و البزار فى مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال هل تدرى يا ابن أم عبد كيف حكم اللّه فيمن بغى من هذه الامة قال اللّه تعالى و رسوله اعلم قال لا تجهز على جريحها و لا يقتل أسيرا و لا يقسم فيئها فاعله البزار بكوثر بن حكيم و تعقب الذهبي على الحاكم- (مسئلة) و لا مسى ذريتهم و لا يقسم مالهم اجماعا بل يحبس مالهم حتى يتوبوا روى ابن ابى شيبة ان عليا لما هزم طلحة و أصحابه امر مناديا فنادى ان لا يقتل مقبل و لا مدبر يعنى بعد الهزيمة و لا يفتح باب و لا يستحل فرج و لا مال و روى عبد الرزاق نحوه و زاد و كان على لا يأخذ مال المقتول و يقول من اعترف شيئا فلياخذه و فى تاريخ واسط بإسناده عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تقتلوا أسيرا و إياكم و النساء و ان شتمن اعراضكم و سبين امراؤكم (مسئلة) و لا بأس ان تقاتلوا بسلاحهم ان احتاج اليه اهل العدل و كذا الكراع يقاتلون عليه و قال الشافعي و مالك و احمد لا يجوز استعمال سلاحهم و كراعهم لنا ما روى ابن ابى شيبة فى اخر مصنفه فى باب وقعة الجمل ان عليا قسم الجمل فى العسكر ما اجافوا عليه من كراع و سلاح قال صاحب الهداية و كان قسمة للحاجة لا للتمليك لانعقاد الإجماع على عدم تملك أموالهم- (مسئلة) ما أتلف اهل البغي على اهل العدل فى حال القتال من نفس او مال فان كان لهم منعة و تاويل مالك و ابو حنيفة و احمد فى رواية و الشافعي فى الجديد الراجح انه لا يضمن و قال الشافعي فى رواية الاخرى و احمد يضمن قال البغوي قال ابن شهاب كانت فى تلك الفتنة دماء يعرف فى بعضها القاتل و المقتول و أتلف اموال ثم صار الناس الى ان سكت الحرب و جرى الحكم عليهم فما علمة اقتص من أحد و لا أغرم مالا اتلفه (مسئلة) باغ قتل عادلا مدعيا حقيقة يرثه و ان اقرانه على الباطل لا يرث عند ابى حنيفة و عند ابى يوسف و الشافعي لا يرث الباغي العادل سواء ادعى حقيقة او اقرانه على باطل و عادل قتل باغيا يرث اجماعا- (مسئلة) الخارجون عن إطاعة الامام إذا لم يكن لهم تاويل سواء كان لهم منعة أو لا و يأخذون اموال الناس و يقتلونهم الطريق فهم قطاع الطريق و قد مر حكمهم فى سورة المائدة ان يقتلوا و يصلبوا او تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و ينفوا من الأرض (مسئلة) من كان خارجا من حكم الامام و لا منعة له يلزمه حكم اللّه بالحبس و الضرب و نحو ذلك و لا يجوز قتله- قال البغوي روى ان عليا سمع رجلا يقول فى ناحية المسجد لا حكم الا اللّه فقال على كلمة حق أريد به الباطل لكم علينا ثلث لانمنعكم مساجد اللّه ان تذكروا فيها اسم اللّه عز و جل و لانمنعكم الفي ء ما دامت ايديكم مع أيدينا و لا نبدؤكم بقتال كذا قال محمد بلغنا عن على رض فذكر نحوه و اللّه اعلم- و ذكر البغوي عن ابن عباس انه كان ثابت بن قيس بن شماس فى اذنه و قرو كان إذا اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد سبقوا بالمجلس وسعوا له حتى يجلس الى جنبه فسمع ما يقول فاقبل ذات يوم و فاتته ركعة من صلوة الفجر فلما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من صلوة أخذ أصحابه مجالسهم فضيق كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لا حد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا قام قايما كما هو فلما فرغ ثابت من الصلاة اقبل نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتخطى رقاب الناس و يقول تفسحوا فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينه و بينه رجل فقال له تفسح فقال الرجل قد أصبت مجلسا فاجلس فجلس ثابت خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة عمر ثابت الرجل فقال من هذا قال انا فلان فقال ثابت ابن فلانة فذكرا ماله كان يغير بها فى الجاهلية فنكس الرجل راسه و استحى فانزل اللّه تعالى. ١١ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ فى القاموس القوم الجماعة من الرجال و النساء معا او الرجال خاصة و تدخله النساء على التبجية و فى الصحاح القوم جماعة الرجال فى الأصل دون النساء و استدل بهذه الاية حيث عطف النساء عليه و يقول الشاعر و ما أدرى لست إخال أدرى أقوم ال حصن أم نساء و فى عامة القران أريد به الرجال و النساء جميعا و حقيقة للرجال لقوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ على النساء كذا قال صاحب المدارك و قال البيضاوي هو مصدر نعت به فشاع فى الجمع او جمع لقايم كزائر و زور و القيام بالأمور وظيفة الرجال و حيث فسر بالقبيلتين كقوم هود و قوم فرعون و قوم نوح و قوم لوط فاما على التغليب او الاكتفاء بذكر الرجال عن ذكرهن لانهن توابع و اختيار الجمع لان السخرية تغلب فى المجامع عَسى أَنْ يَكُونُوا اى من يسخر به خَيْراً مِنْهُمْ اى من يسخر استيناف وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عطف النساء على الرجال و لم يكتف بما سبق مبالغة فى النهى و لان السخرية و الاستهزاء يكون فى النساء غالبا لضعف عقلهن و جهلهن قال البغوي روى عن انس انها نزلت فى نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عيّرن أم سلمة بالقصر و عن عكرمة عن ابن عباس انها نزلت فى صفية بنت حيى بن اخطب قالت لها النساء يهودية بنت يهوديين و فى رواية فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هلا قلت ان ابى هارون و عمى موسى و زوجى محمد عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ المز الطعن باللسان يعنى لا يعب بعضكم بعضا وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ ط التنابز التفاعل من النبز بمعنى اللقب قال البيضاوي النبز مختص باللقب السوء و فى القاموس التنابز التعاير و التداعي بالألقاب يعنى لا تدع بعضكم بعضا للقب السوء قال البغوي قال عكرمة هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر قال الحسن كان اليهودي و النصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودى يا نصرانى فنهو عن ذلك قال عطاء هو ان تقول لاخيك يا حمار يا خنزير و روى عن ابن عباس رض قال التنابز ان يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهى ان يعير بما سلف من عمله اخرج اصحاب السنن الاربعة عن ابى حبيرة بن الضحاك قال كان الرجل منها يكون له اسمان او ثلثة فيدعى ببعضها فعسى ان يكره فنزلت و لا تنابزوا بالألقاب قال الترمذي حسن و روى احمد عنه بلفظ قال فينا نزلت بنى سلمة و لا تنابزوا بالألقاب قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم للمدينة و ليس فيها إلا و له اسمان او ثلثة فكان إذا دعاه أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول اللّه انه يغضب من هذا فنزلت بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ ج اى بئس الاسم ان يقال له يهودى او يا فاسق او يا شارب الخمر بعد ما ان تاب عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لا يرمى رجل رجلا بالفسوق و لا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك رواه البخاري عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أيما رجل قال لاخيه كافر فقد باء بها أحدهما متفق عليه و عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من دعى رجلا بالكفر أو قال عدو اللّه و ليس ذلك إلا جاء عليه متفق عليه و قيل معنى الاية ان السخرية و اللمز و النبز فسوق و بئس الاسم الفسوق بعد الايمان فلا تفعلوا شيئا توصفوا فيه باسم الفسوق عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سباب المسلم فسوق و قتاله كفر متفق عليه و رواه ابن ماجة عن ابى هريرة و عن سعد و الطبراني عن عبد اللّه بن مغفل و عن عمر بن النعمان بن مقرن و الدارقطني عن جابر و زاد الطبراني عن ابن مسعود و حرمة ماله كحرمة دمه وَ مَنْ لَمْ يَتُبْ عما نهى عنه من السخرية و اللمز و النبز فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يوضع العصيان موضع الطاعة و تعريض النفس للعذاب و حد ضمير لم يتب نظرا الى لفظة من و جمع ضميرهم الظالمون نظرا الى معناها نسبة المحصن الى الزنا يوجب حد القذف اجماعا و سنذكر مسائل حد القذف فى سورة النور إنشاء اللّه تعالى و نسبة غير المحصن كالعبد و الكافر الى الزنا لا يوجب الحد لانحطاط درجتها بل يوجب التعزير لا شاعة الفاحشة و نسبة المحصن الى غير الزنا لا يوجب حد القذف و يوجب التعذير ان كانت النسبة الى فعل اختياري يحرم فى الشرع و يعد عارا فى العرف و الا لا الا ان يكون تحقيرا للاشراف فمن قال لمسلم يا فاسق يا كافر يا خبيث يا سارق يا فاجر يا مخنث يا خائن يا زنديق يا لص يا ديوث يا قرطبان يا شارب الخمر يا أكل الربوا يعزر قال ابن همام روى انه عليه السلام عزر رجلا قال لغيره يا مخنث و لو قال يا حمار يا خنزير يا كلب يا تيس يا حجام لا يعزر و قيل يعزر و قيل لا الا ان يقر لعالم او علوى او رجل صالح و لو قال يا لاعب بالنرد و يا عشار لا يعزر لانها لا يعد عارا عرفا و ان كان محرما شرعا- (مسئلة) لا يبلغ بالتعزير ادنى الحدود عند ابى حنيفة و الشافعي عفى اللّه عنهما و ادنى الحدود عند ابى حنيفة رح أربعون سوطا حد الشرب فى العبد و عند ابى يوسف ثمانون حد الأحرار و عند الشافعي و احمد عشرون و قال مالك للامام ان يضرب فى التعزير اى عدد ادى اليه اجتهاده و قال احمد يعزر فى الوطي فيما دون الفرج بشبهة اكثر من ادنى الحدود و لا يبلغ أعلاها و فى قبلة اجنبية او شتم او سرقة دون النصاب لا يبلغ ادنى فى الحدود و اللّه تعالى اعلم و ذكر البغوي ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا غزى او سافر ضم الرجل المحتاج الى رجلين موسرين يخدمهما و يتقدم لهما الى المنزل فيهى ء لهما و ما يصلحها من الطعام و الشراب فضم سلمان الفارسي رض الى رجلين فى بعض أسفاره فتقدم سلمان الى المنزل فغلبته عيناه فلم يهى ء لهما شيئا فلما قالا له ما صنعت شيأ قال لا اغلبتنى عيناى قالا له انطلق الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاطلب لنا منه طعاما فجاء سلمان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و ساله طعاما فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم انطلق الى اسامة بن زيد و قل له ان كان عنده فضل من طعام و ادام فليعطك و كان اسامة خازن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و على رحله فاتاه فقال ما عندى شى ء فرجع سلمان إليهما و أخبرهما فقالا كان عند اسامة و لكن بخل فبعثا سلمان الى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا فلما رجع قالا لو بعثنا إلى بئر سميحة يغار مائها ثم انطلقا يتجسسان هل عند اسامة ما امر لهما به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فلما جاء الى رسول اللّه قال لهما مالى ارى خضرة اللحم فى أفواهكما قالا و اللّه يا رسول اللّه ماتنا و لنا يومنا هذا لحما قال ضللتم تأكلون لحم سلمان و اسامة فانزل اللّه تعالى. ١٢ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ الاية قال السيوطي رواه الثعلبي بغير اسناد و روى معناه الاصبهانى فى الترغيب عن عبد الرحمن بن ابى ليلى و اخرج ابن المنذر عن ابن جريج قالوا زعموا ان قوله تعالى لا يغتب بعضكم بعضا نزلت فى سلمان الفارسي أكل ثم رقد فنفخ فذكر رجلان أكله رقادة و اللّه تعالى اعلم إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ تعليل مستانف للامر و الإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه و الهمزة بدل من الواو كانه يثم الأعمال و يكسرها و المراد بالظن هاهنا ما يقابل اليقين سواء كان جانب الوجود فيه راجحا أو لا و تحقيق المقام ان الظن على اقسام منها ما يجب اتباعه و هو حسن الظن باللّه تعالى و المؤمنين و المؤمنات و ما يحصل بدليل شرعى فيه شبهة حيث لا قاطع فيه من العمليات و كذا فى العلميات ان لم يعارضه قاطع من احوال المبدأ و المعاد و منها ما يحرم اتباعه كسوء الظن بالمؤمنين و المؤمنات لا سيما بالصالحين منهم و الظن فى الإلهيات و النبوات و حيث يخالفه قاطع و منها ما ليس من القسمين المذكورين كالظن فى الأمور المعاشية و نحوها- و الإثم انما هو بعض الظن يعنى قسم الثاني منها و اللّه سبحانه امر بالاجتناب عن كثير من الظن احتياطا و مبالغة فى اجتناب الإثم و فيجتنب عما هو اثم و عما هو يشبه به قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحلال بين و الحرام بين و بينهما امور مشتبهة الحديث وَ لا تَجَسَّسُوا الجس فى اللغة المس باليد و التجسس تفحص الاخبار باعتبار ما فيه من معنى الطلب كالتلمس و المراد هاهنا لا تبحثوا عن عيوب الناس و لا تتبعوا عوراتهم حتى لا يظهر عليكم ما ستره اللّه منها عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال إياكم و الظن فان الظن أكذب الحديث و لا تجسسوا و لا تنافروا و لا تحاسدوا و لا تباغضوا و لا تدابروا و كونوا عباد اللّه إخوانا و لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح او ينزل رواه ملك و احمد و ابن ماجة و ابو داود و الترمذي و صححه و عن ابن عمران النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يا معشر من أمن بلسانه و لم يفض الايمان الى قلبه لا تغتابوا المسلمين و لا تتبعوا عوراتهم فانه من تتبع عورات المسلمين يتبع اللّه عوراته فيفضحه و لو فى جوف رحله رواه الترمذي و حسنه و ابن حبان قال زيد بن وهب قيل لابن مسعود هل لك فى الوليد بن عقبة تقطر لحية خمرا قال نهينا عن التجسس فان يظهر لنا شى ء ناخذ به وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ط اى لا يذكر بعضكم بعضا بالسوء فى غيبته عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال أ تدرون ما الغيبة- قال اللّه و رسوله اعلم قال ذكر أخاك بما يكره قيل ارايت ان كان فى أخي ما أقول قال ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته و ان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته متفق عليه و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده انهم ذكروا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رجلا قال لا يأكل حتى يطعم و لا يرحل حتى يرحل فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم اغتبتموه فقالوا انما حدثنا بما فيه قال حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه رواه البغوي- أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً تمثيل و تصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على افحش وجه مع مبالغات الاستفهام الذي معناه الإنكار المستلزم لتقرير النفي و اسناد الفعل الى أحد للتعليق و تعليق المحبة بما هو فى غاية الكراهة و تمثيل الاغتياب يأكل لحم الإنسان و لم يقتصر عليه حتى جعله أخا و لم يقتصر عليه حتى جعله ميتا و تعقب ذلك يقوله فَكَرِهْتُمُوهُ ط تقريرا و تحقيقا لذلك و جملة فكرهتموه جزاء شرط محذوف تقديره ان صح ذلك إذ عرض عليكم هذا فقد كرهتموه و لا يمكنكم انكار كراهة او هى معطوف على الاستفهام المذكور فان معناه نفى المحبة الموهوم عدم الكراهة فلدفع ذلك الوهم عطف عليه- و جاز ان تكون الفاء للسببية و الماضي بمعنى المستقبل و المعنى انه لا يحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا انكم تكرهونه و قال مجاهد لما قيل لهم أ يحب أحدهم ان يأكل إلخ فكانهم قالوا لا فقيل كرهتموه فكانه معطوف على محذوف و الحاصل انكم كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غايبا عن انس بن مالك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لما خرج بي مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم و لحومهم قلت من هؤلاء فقال هؤلاء الذين يأكلون لحرم الناس و يقعون فى اعراضهم- رواه البغوي قال ميمون بيننا انا نائم إذا انا بجيفة زنجى و قائل يقول كل قلت يا عبد اللّه و لم أكل قال بما اغتبت عبد فلان قلت و اللّه ما ذكرت فيه خيرا و لا شرا قال لكنك استمعت و رضيت و كان ميمون لا يغتاب أحدا و لا يدع أحدا ان يغتاب عنده عن عائشة رضى اللّه عنها قلت للنبى صلى اللّه عليه و سلم حسبك من صفية كذا و كذا يعنى قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته رواه احمد و الترمذي و ابو داود عن ابى سعيد و جابر قالا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الغيبة أشد من الزنا قالوا يا رسول اللّه و كيف الغيبة أشد من الزنا قال ان الرجل يزنى فيتوب اللّه فيغفر له و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه (فائدة) فى كفارة الغيبة عن انس رض ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان من كفارة الغيبة ان يستغفر لمن اغتبته تقول اللّهم اغفر لنا و له رواه البيهقي- (فائدة) عن خالد ابن معدان عن معاذ قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من عيّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله يعنى من ذنب قد تاب منه رواه الترمذي و خالد لم يدرك معاذا وَ اتَّقُوا اللّه ط بترك ما نهيتم عنه و الندم على ما وجد منكم منه إِنَّ اللّه تَوَّابٌ يقبل توبتكم مبالغ فى قبول التوبة حيث يجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له- رَحِيمٌ بالعباد لا يرضى ان يقع بعضكم فى عرض بعض- ذكر البغوي انه قال مقاتل لما كان يوم فتح مكة امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بلالا حتى اتى على ظهر الكعبة و اذن فقال عباد بن أسيد الحمد للّه الذي قبض ابى حتى لم ير هذا اليوم و قال الحارث بن هشام اما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا و قال سهيل بن عمرو ان يرد اللّه شيئا يغيره و قال ابو سفيان انى لا أقول شيئا أخاف ان يخبر به رب السماء فاتاه جبرئيل عليه السلام فاخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بما قالوا فدعاهم و سألهم عما قالوا فاقروا فانزل اللّه تعالى هذه الاية و زجرهم عن التفاخر بالأنساب و التكاثر بالأموال و الازدراء بالفقر و قال. ١٣ يا أَيُّهَا النَّاسُ الاية و لم يقل يايّها الذين أمنوا لانهم لم يكونوا أمنوا فى ذلك الوقت و اخرج ابن ابى حاتم عن ابى مليكة هذه القصة مختصرا و قال ابن عساكر فى مبهماته وجدت بخط ابن بشكو الى ان أبا بكر بن ابى داود اخرج فى تفسير له انها نزلت فى اى هذا امر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بنى بياضة ان يزوجوه امراة منهم فقالوا يا رسول اللّه تزوج بناتنا موالينا فنزلت الاية و قال البغوي قال ابن عباس تزلت فى ثابت بن قيس و قومه للرجل الذي لم ينفسح له ابن فلانة فقال النبي صلى اللّه عليه و سلم من الذاكر فلانة فقال ثابت انا يا رسول اللّه فقال انظر وجه القوم فقال ما رايت يا ثابت فقال رايت ابيض و و احمر و اسود فانك لا تفضلهم الا فى الدين و التقوى فنزلت فى ثابت هذه الاية و فى الذي لم يفسح يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا- إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى يعنى نوع البشر من آدم و حواء او كل واحد منكم من اب و أم فلا مزية لاحد على غيره و لا وجه للتفاخر و جاز ان يكون تقريرا للاخوة المانعة من الاغتياب وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ كانت العرب يعتبر فى النسب ست طبقات أعلاها الشعب و هى الجمع العظيم المنتسبون الى اصل واحد و هى تجمع القبائل و القبيلة تجمع العمائر و العمارة تجمع البطون و البطن تجمع الا فخاذ و الفخذ تجمع الفصائل و الفصيلة تجمع العشائر و ليس بعد العشيرة حى يوصف به و قيل الشعوب من العجم و القبائل من العرب و الأسباط من بنى إسرائيل و قال ابو رواق الشعوب من الذين لا يعتزون الى أحد بل ينتسبون الى المدن و القرى و القبائل من العرب الذين ينتسبون الى ابائهم- لِتَعارَفُوا ط حذف أحد التاءين اى لتعرف بعضهم بعضا فى قرب النسب و بعده لا ليتفاخروا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أَتْقاكُمْ ط قال قتادة فى هذه الاية ان أكرم الكرم التقوى و آلام اللوم الفجور عن سمرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الحسب المال الكرم التقوى رواه احمد و ترمذى و صححه و ابن ماجة و الحاكم و قال ابن عباس كرم الدنيا الغنا و كرم الاخرة التقوى و عن ابن عمران النبي صلى اللّه عليه و سلم طاف يوم الفتح على راحلة يستلم الأركان بمجحنه؟؟؟ فلما خرج لم يجد مناخا فنزل على أيدي الرجال ثم قام فخطب بهم فحمد اللّه و اثنى عليه و قال الحمد للّه الذي اذهب عنكم غبية الجاهلية و تكبرها الناس رجلان بر تقى كريم على اللّه و فاجر شقى هين على اللّه ثم تلى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى الاية ثم قال أقول قولى هذا و استغفر اللّه لى و لكم رواه الترمذي و البغوي و اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا كان يوم القيامة امر اللّه مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا و جعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان بن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم ارفع نسبى واضع نسيكم اين المتقون و عن ابى هريرة قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اى الناس أكرم على اللّه قال أكرمهم عند اللّه اتقاهم قالوا ليس عن هذا نسئلكم قال فاكرم الناس يوسف نبى اللّه ابن نبى اللّه بن نبى اللّه بن نبى اللّه بن خليل اللّه قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألون قالوا نعم قال فخياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا رواه البخاري و غيره و عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان اللّه لا ينظر الى صوركم و أموالكم و لكن ينظر الى قلوبكم و أعمالكم رواه مسلم و ابن ماجة إِنَّ اللّه عَلِيمٌ خَبِيرٌ ببواطنكم و فضائلكم ذكر البغوي ان نفرا من بنى اسد قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى سنة جدبة فاظهروا الإسلام و لم يكونوا مؤمني ن فى السر فافسدوا طرق المدينة بالقذرات و اغلوا اشعارها و كانوا يغدون و يروحون الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يقولون اتتك العرب بانفسها على ظهور رواحلها و جئناك بالأثقال و العيال و الذراري و لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان و بنو فلان يمنون على النبي صلى اللّه عليه و سلم و يريدون الصدقة و يقولون أعطنا فانزل اللّه تعالى. ١٤ قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا ط الاية قال السدى نزلت فى الاعراب الذي ذكرهم اللّه فى سورة الفتح و هم اعراب جهينة و مزينة و اسلم و أشجع و غفار كانوا يقولون أمنا ليامنوا على أنفسهم و أموالهم فلما استنفر لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الى الحديبية تخلفوا فنزلت قالت الاعراب أمنا يعنى صدقنا قُلْ يا محمد صلى اللّه عليه و سلم لَمْ تُؤْمِنُوا فان الايمان صفة القلب عبارة عن تصديقه و الإقرار ركن زائد عن الاختيار لاجراء الاحكام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الايمان ان تؤمن باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الاخر و تؤمن بالقدر خيره و شره كذا فى الصحيحين من حديث عمر ابن الخطاب مرفوعا فى حديث سوال جبرئيل- وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا و المراد بالإسلام الانقياد الظاهري و كان مقتضى نظم الكلام ان يقال لا تقولوا أمنا و لكن قولوا اسلمنا او يقال لم تؤمنوا و لكن أسلمتم فعدل عنه الى هذا النظم احترازا عن النهى عن القول بالايمان و عن الجزم بإسلامهم مع فقد لشرط اعتباره عند اللّه تعالى- وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ط حال من فاعل قولوا او معطوف على لم تؤمنوا للتاكيد على نفى الايمان فى الماضي و التوقع فى المستقبل و ليس فى لم تؤمنوا التوقع فلا يلزم التكرار وَ إِنْ تُطِيعُوا اللّه وَ رَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ. ١٥ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّه وَ رَسُولِهِ فى الايمان بالقلوب مخلصين و الامتثال كما يدل على قوله تعالى ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا اى لم يشكوا فيما جاء به الرسول صلى اللّه عليه و سلم و كلمة ثم للاشعار باشتراط عدم الارتباط فى شى ء من الازمنة المتراخية الى اخر اجزاء الحيوة كاشتراط فى بداية الايمان فهى كقوله تعالى ثم استقاموا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّه ط اى فى طاعة يجوز ان يكون مفعول جاهدوا محذوفا منويا يعنى جاهدوا العدو المحارب او الشيطان او الهوى و جاز ان يجعل لازما مبالغة فى الجهد و جاز ان يراد بالمجاهدة العبادات القلبية و السرية و البدنية و المالية فهذه الآية لامتثال جميع الأوامر و الانتهاء عن جميع المناهي اما عبارة ان كان المراد مطلق المجاهدة و اما دلالة ان كان المراد به القتال مع الكفار فان من بذل نفسه و ماله لاصلاح العالم و اخلائه من الفساد و إعلاء كلمة اللّه و افشاء الدين فانه يصلح او لا نفسه بإتيان المأمورات و انتهاء المناهي بالطريق الاولى أُولئِكَ الموصوفين بتلك الصفات هُمُ الصَّادِقُونَ فى ادعاء الايمان جملة مستانفة و جاز ان يكون الموصول مع صلته صفة للمبتدأ و هذه الجملة خبرا له فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الاعراب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحلفون باللّه انهم مومنون صادقون و عرف اللّه غير ذلك فانزل اللّه تعالى. ١٦ قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللّه بِدِينِكُمْ الذي أنتم عليه بقولكم آمَنَّا ... وَ اللّه يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ط حال من اللّه تعالى فى أ تعلمون اللّه- وَ اللّه بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ عطف على اللّه يعنى ان اللّه يعلم حقيقة أسراركم و لا يحتاج الى اخباركم فعليكم بإصلاح بواطنكم اخرج الطبراني بسند حسن عن عبد اللّه بن ابى اوفى و البزار من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس و ابن ابى حاتم مثله عن الحسن ان ناسا من العرب قالوا يا رسول اللّه اسلمنا و لم نقاتلك و قاتلك بنو فلان قال الحسن كان ذلك لما فتحت مكة فنزلت. ١٧ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ط منصوب بنزع الخافض اى بان اسلموا و بتضمين الفعل معنى الاعتداد و كذا إسلامكم فى قوله تعالى قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ج و كذا ان هدكم فى قوله تعالى بَلِ اللّه يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ بخلق التصديق فى قلوبكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى ادعاء الايمان و جوابه محذوف يدل عليه ما قبله يعنى ان كنتم صدقين فى ادعاء الايمان فللّه المنة عليكم و فيه اشارة الى ان كلهم ليسوا صادقين فيما ادعوا و لذلك عقبه بقوله. ١٨ إِنَّ اللّه يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ط يعنى ما غاب فيهما وَ اللّه بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ فى سركم و علانيتكم و لا يخفى عليه ما فى ضمايركم قرا ابن كثير بالتاء خطابا للاعراب داخلا فى مقولة قل و الباقون بالياء على الغيبة و الضمير راجع الى الاعراب فهو كلام مستانف من اللّه تعالى- و اخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي و سعيد بن منصور فى سننه عن سعيد بن جبير نحوه و انه قدم عشرة نفر من بنى اسد على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سنة تسع و فيهم طلحة بن حويلة و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مع أصحابه فسلموا و قال متكلمهم يا رسول اللّه انا اشهد ان لا اله الا اللّه وحده لا شريك له و ان محمدا عبده و رسوله و جئناك يا رسول اللّه و لم تبعث إلينا بعثا و نحن لمن ورائنا سلم فانزل اللّه تعالى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا الآية-. |
﴿ ٠ ﴾