|
١٠ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ لانتسابهم الى اصل واحد و هو الايمان الموجب للحيوة الابدية و لما كان منشأ هذا الأصل هو النبي صلى اللّه عليه و سلم كان أبا المؤمنين و أزواجه أمهاتهم و هذه الجملة تعليل و تقرير للامر بالإصلاح و لذلك كرره مرتبا عليه فقال فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وضع الظاهر موضع المضمر مضافا الى المأمورين للمبالغة فى التقرير و الفاء للسببية قرا يعقوب بين إخوتكم بالتاء الفوقانية على الجمع و الباقون بالياء التحتانية على التثنية و خض الأنثيين بالذكر لانهما اقل من يقع بينهما الخلاف وَ اتَّقُوا اللّه و لا تخالفوا امره لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ على تقوكم فان التقوى سبب للتواصل و الايتلاف و التراحم بينكم و التراحم موجب رحمة اللّه تعالى قال عليه الصلاة و السلام انما يرحم اللّه من عباده الرحماء رواه المجدد رضى اللّه تعالى عنه و فى الصحيحين لا يرحم اللّه من لا يرحم الناس من حديث جرير بن عبد اللّه قال البغوي يروى انها لما نزلت قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاصطلحما و كف بعضهم عن بعض و اخرج سعيد بن منصور و ابن جرير عن ابى مالك قال تلاحى رجلان من المسلمين فغضب قوم هذا لهذا و قوم هذا لهذا فاقتتلوا بالأيدي و النعال فانزل اللّه تعالى تلك الاية و لعل هذه القصة بعينه هى السابقة- و اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم و كذا ذكر البغوي عن السدى قال كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد و ان المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها و جعلها فى علية له و ان المرأة بعثت الى أهلها فجاء قومها و أنزلوها لينطلقوا بها و كان الرجل قد خرج فاستعان اهله فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة و بين أهلها فتدافعوا و اجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم فبعث إليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاصلح بينهم و فاؤا الى امر اللّه و اخرج ابن جرير و ذكر البغوي عن قتادة قال ذكر لنا ان هذه الاية نزلت فى رجلين من الأنصار و كانت بينهما مداراة فى حق بينهما فقال أحدهما لاخر لاخذن عنوة لكثرة عشيرته او الاخر دعاه للتحاكم الى النبي صلى اللّه عليه و سلم فابى فلم يزل الأمر حتى تدافعوا و حتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي و النعال و لم يكن قتال بالسيوف- و اخرج ابن جرير عن الحسن قال كانت الخصومة بين الحيين فيدعوهم الى الحكم فيابون ان يجيبوا فانزل اللّه تلك الاية و لعل هذه القصة ما ذكر قتادة روى البغوي و غيره عن سالم عن أبيه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يشتمه و من كان فى حاجة أخيه كان اللّه فى حاجة و من فرج عن مسلم كربة فرج اللّه بها كربة من كرب يوم القيامة و من ستر مسلما ستر اللّه يوم القيامة و روى مسلم عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يخذ له و لا يحقره التقوى هاهنا و أشار الى صدره ثلث مرار يحسب امرا عن الشر ان يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه و ماله و عرضه و فى الآيتين دليل على ان البغي لا يزيل اسم الايمان قال البغوي و يدل عليه ما روى عن الحارث الأعور أن على بن ابى طالب رض سئل عن الحمل و الصفين أ مشركون هم فقال لا من الشرك فروا فقيل منافقين هم فقال لا ان المنافقين لا يذكرون اللّه الا قليلا فما حالهم قال إخواننا بغوا علينا- (مسئلة) إذا اجتمعت طائفة لهم قوة و منعة و خرجوا عن إطاعة الامام دعاهم الى العود و كشف شبهتهم فان ابد و اما يجوز لهم القتال كان ظلمهم الامام او ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه يجب على الناس ان يعينوهم حتى ينصفهم الامام و يرجع عن جوره كذا قال ابن الهمام و ان لم يبدوا ذلك و تحيزوا للقتال مجتمعين حل لنا قتالهم بدا و قال الشافعي لا يجوز قتالهم حتى ابتدأ و بالقتال و هو قول مالك و احمد و اكثر اهل العلم لان قتل المسلم لا يجوز الا دفعا و هم مسلمون قال اللّه تعالى فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا قلنا البغي فى اللغة الطلب قال اللّه تعالى ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ- و المراد هاهنا طلب ما يخل من الجور و الظلم و الإباء عن قبول احكام الشرع كما فى قوله تعالى فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا يعنى لا تطلبوا عليهن ظلما فلا يشترط فى جواز قتالهم بداية القتال منهم و انما شرطنا منعتهم لانه إذا لم يكن لهم منعة نقدر على إلزامهم بالحبس و الضرب و نحو ذلك فلا حاجة على القتال و لو شرطنا بداية القتال منهم فربما لا يمكن دفعهم لتقوى شوكتهم و تكثر جمعهم (مسئلة) يجهز على الجريح من البغاة و يتبع مولهم ان كان لهم فيئة يخاف ان يلحق بالفيئة و ان لم يكن له فئة لا يجهز و لا يتبع و قال الشافعي و مالك و احمد لا يجهز و لا يتبع فى الحالين لان القتال إذا تركوه بالتولية و الجراحة لم يبق قتلهم دفعا و لا يجوز قتلهم الا دفعا لشرهم روى ابن ابى شيبة عن عبد خير عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا و من القى سلاحه فهو أمن و أسند ايضا لا يقتل أسير قلنا احتمال شرهم باق إذا خيف لحوقهم بالفيئة و اصحاب الجمل لم يكن لهم فئة حين قال ذلك و ما رواه الحاكم فى المستدرك و البزار فى مسنده من حديث كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمران رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال هل تدرى يا ابن أم عبد كيف حكم اللّه فيمن بغى من هذه الامة قال اللّه تعالى و رسوله اعلم قال لا تجهز على جريحها و لا يقتل أسيرا و لا يقسم فيئها فاعله البزار بكوثر بن حكيم و تعقب الذهبي على الحاكم- (مسئلة) و لا مسى ذريتهم و لا يقسم مالهم اجماعا بل يحبس مالهم حتى يتوبوا روى ابن ابى شيبة ان عليا لما هزم طلحة و أصحابه امر مناديا فنادى ان لا يقتل مقبل و لا مدبر يعنى بعد الهزيمة و لا يفتح باب و لا يستحل فرج و لا مال و روى عبد الرزاق نحوه و زاد و كان على لا يأخذ مال المقتول و يقول من اعترف شيئا فلياخذه و فى تاريخ واسط بإسناده عن على انه قال يوم الجمل لا تتبعوا مدبرا و لا تجهزوا على جريح و لا تقتلوا أسيرا و إياكم و النساء و ان شتمن اعراضكم و سبين امراؤكم (مسئلة) و لا بأس ان تقاتلوا بسلاحهم ان احتاج اليه اهل العدل و كذا الكراع يقاتلون عليه و قال الشافعي و مالك و احمد لا يجوز استعمال سلاحهم و كراعهم لنا ما روى ابن ابى شيبة فى اخر مصنفه فى باب وقعة الجمل ان عليا قسم الجمل فى العسكر ما اجافوا عليه من كراع و سلاح قال صاحب الهداية و كان قسمة للحاجة لا للتمليك لانعقاد الإجماع على عدم تملك أموالهم- (مسئلة) ما أتلف اهل البغي على اهل العدل فى حال القتال من نفس او مال فان كان لهم منعة و تاويل مالك و ابو حنيفة و احمد فى رواية و الشافعي فى الجديد الراجح انه لا يضمن و قال الشافعي فى رواية الاخرى و احمد يضمن قال البغوي قال ابن شهاب كانت فى تلك الفتنة دماء يعرف فى بعضها القاتل و المقتول و أتلف اموال ثم صار الناس الى ان سكت الحرب و جرى الحكم عليهم فما علمة اقتص من أحد و لا أغرم مالا اتلفه (مسئلة) باغ قتل عادلا مدعيا حقيقة يرثه و ان اقرانه على الباطل لا يرث عند ابى حنيفة و عند ابى يوسف و الشافعي لا يرث الباغي العادل سواء ادعى حقيقة او اقرانه على باطل و عادل قتل باغيا يرث اجماعا- (مسئلة) الخارجون عن إطاعة الامام إذا لم يكن لهم تاويل سواء كان لهم منعة أو لا و يأخذون اموال الناس و يقتلونهم الطريق فهم قطاع الطريق و قد مر حكمهم فى سورة المائدة ان يقتلوا و يصلبوا او تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف و ينفوا من الأرض (مسئلة) من كان خارجا من حكم الامام و لا منعة له يلزمه حكم اللّه بالحبس و الضرب و نحو ذلك و لا يجوز قتله- قال البغوي روى ان عليا سمع رجلا يقول فى ناحية المسجد لا حكم الا اللّه فقال على كلمة حق أريد به الباطل لكم علينا ثلث لانمنعكم مساجد اللّه ان تذكروا فيها اسم اللّه عز و جل و لانمنعكم الفي ء ما دامت ايديكم مع أيدينا و لا نبدؤكم بقتال كذا قال محمد بلغنا عن على رض فذكر نحوه و اللّه اعلم- و ذكر البغوي عن ابن عباس انه كان ثابت بن قيس بن شماس فى اذنه و قرو كان إذا اتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قد سبقوا بالمجلس وسعوا له حتى يجلس الى جنبه فسمع ما يقول فاقبل ذات يوم و فاتته ركعة من صلوة الفجر فلما انصرف رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من صلوة أخذ أصحابه مجالسهم فضيق كل رجل بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لا حد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلسا قام قايما كما هو فلما فرغ ثابت من الصلاة اقبل نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يتخطى رقاب الناس و يقول تفسحوا فجعلوا يتفسحون له حتى انتهى الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينه و بينه رجل فقال له تفسح فقال الرجل قد أصبت مجلسا فاجلس فجلس ثابت خلفه مغضبا فلما انجلت الظلمة عمر ثابت الرجل فقال من هذا قال انا فلان فقال ثابت ابن فلانة فذكرا ماله كان يغير بها فى الجاهلية فنكس الرجل راسه و استحى فانزل اللّه تعالى. |
﴿ ١٠ ﴾