١١

ما كَذَبَ الْفُؤادُ اى فواد محمد صلى اللّه عليه و سلم ما رَأى قال ابن مسعود راى محمد صلى اللّه عليه و سلم جبرئيل له ستمائة جناح و كذا روى عن عائشة رض و أنكرت عائشة روية النبي صلى اللّه عليه و سلم و به روى البخاري عن مسروق قال قلت لعائشة يا أماه هل راى محمد صلى اللّه عليه و سلم ربه فقالت لقد يقف شعرى مما قلت اين أنت من ثلث من حدثكهن فقد كذب من حدثك ان محمد راى ربه فقد كذب ثم قرأت لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و ما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراء الحجاب و من حدثك انه يعلم ما فى غد فقد كذب ثم قرأت ما تدرى نفس ماذا تكسب غدا و من حدثك انه كتم شيأ من الوحى فقد كذب ثم قرأت يا ايها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك الاية و لكن راى جبرئيل فى صورته مرتين و قال ابن عباس ما كذب الفؤاد ما راى و لقد راه نزلة اخرى ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم راى ربه جل و على بفؤاده مرتين كذا روى مسلم عنه و فى رواية الترمذي قال ابن عباس راى محمد ربه قال عكرمة قلت أ ليس اللّه يقول لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و قال ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره و قد راى محمد ربه مرتين

و اخرج ابن جرير عن ابن عباس انه صلى اللّه عليه و سلم سئل هل رايت ربك قال رايت بفؤادى و قال انس و الحسن و عكرمة راى محمد صلى اللّه عليه و سلم ربه يعنى بعينه

قال البغوي قال عكرمة عن ابن عباس قال ان اللّه اصطفى ابراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمد صلى اللّه عليه و سلم بالر وية و روى الترمذي عن الشعبي ان كعب الأحبار قال لابن عباس ان اللّه قسم رويته و كلامه بين محمد و موسى فكلم موسى مرتين و راى محمد صلى اللّه عليه و سلم مرتين قلت المراد بالروية المختلف فيها اما الروية بالبصر و اما الروية القلبية المعبر عنها بالمشاهدة فغير مختص بالنبي صلى اللّه عليه و سلم بل يتشرف اولياء أمته صلى اللّه عليه و سلم ايضا و قد ادعى بعض الأولياء الروية البصرية و ذلك خلاف اجماع فى حق غير النبي صلى اللّه عليه و سلم و هذا الدعوى مبنى على الاشتباه و وجه الاشتباه ان الصوفي قد يرى ربه بقلبه و هو يقظان و يتعطل حينئذ بصره لكنه يزعم فى غلبة الحال انه يراه ببصره و انما هو يراه بقلبه و بصره معطل و قوله عليه السلام رايته بفؤادى لو ثبت لا يدل على انفى الروية بالبصر الا بالمفهوم قلت و قول ابن مسعود و عائشة شهادة على النفي و شهادة الإثبات أرجح و ما احتج به عائشة على نفى رويته صلى اللّه عليه و سلم فلا يخفى ضعفه و اما قوله تعالى لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ فقد ذكرنا فى تفسير تلك الاية فى سورة الانعام ان الدرك أخص من الروية و نفى الدرك لا يستلزم نفى الروية قال اللّه تعالى فلما تراء الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا ان معى ربى و ايضا مفهوم الاية سلب عموم الدرك لا عموم سلب الدرك و اما قوله ما كان لبشر ان يكلمه اللّه إلا وحيا او من وراء حجاب ترديد بين الوحى من وراء الحجاب و الوحى بلا حجاب فلا استدلال به و اللّه تعالى اعلم و روى مسلم عن ابى ذر قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هل رأيت ربك قال نورانى أراه انى بفتح الهمزة للاستفهام يعنى كيف أراه و فى بعض الروايات نورانى منسوب الى النور أراه فعلى الرواية الثانية يثبت الروية و على الرواية الاولى ليس الحديث صريحا فى نفى الروية مطلقا قلت و بعد ثبوت روية صلى اللّه عليه و سلم ربه بالعين كما يدل عليه حديث ابن عباس و كعب ايضا ان المراد بالروية فى الاية الروية القلبية فانها هى المتصورة عند كل وحي يوحى اليه دون الروية البصرية فانها مختصة بليلة المعراج قرا ابو جعفر و هشام عن ابى عباس كذب بتشديد الذال من التكذيب يعنى ما كذب قلب محمد صلى اللّه عليه و سلم ما راى بعينه او بقلبه بل صدقه و ايقنه و هو حققه فان الأمور القدسية تدرك او لا بالقلب ثم ينتقل منه الى البصر و البصيرة فان ابصر مثل ما أدرك بالقلب و ان قصر بصره او بصيرته عما أدركه القلب و راى بخلافه كذبه و هذا هو المصداق الفارق بين العلوم الحقة الفائضة من الرحمن و بين الخيالات الوهمية و ملتبسات الشيطانية فان الصوفي قد يلتبس عنده العلوم و الإلهامات و المكاشفات القدسية المفاضة عليه من اللّه سبحانه بما يتخيله الوهم و الخيال و بما القى الشيطان فى أمنيته و الفارق بينهما ان يرجع الصوفي الى قلبه فان صدقه قلبه و اطمأن به و رأى فى قلبه منه برد اليقين علم انه من اللّه سبحانه و ان كذبه قلبه و اضطرب عنده و ابى عرف انه من النفس او الشيطان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا جاءك فى صدرك شى ء فدعه رواه احمد عن ابى امامة او قال عليه السلام استفت قلبك و ان أفتاك المفتون

و قرا الجمهور بتخفيف الذال و الكذب يجى ء متعديا بمعنى كذب له و مجازه ما كذب الفؤاد لمحمد صلى اللّه عليه و سلم فيما راى يعنى أخبره على ما فى نفس الأمر

فان قيل هذه الاية يقتضى ان تصديق القلب يغاير روية القلب

قلنا نعم و تحقيق المقام ان قلب المؤمن يدرك اللّه سبحانه و صفاته يمعية ذاتية غير متكيفة مترتبة على محبة ذاتية غير متكيفة و لا يراه بل روية مقتصرة على مراتب الظلال بل القلب لا يرى شيئا من ذوات الممكنات ايضا فان حصول الأشياء فى الأذهان انما هى باشباهها و ظلالها لا بانفسها و ما يرى ذات شى ء مما يراه الا يتوسط الباصرة فروية اللّه سبحانه تيسير للمومنين فى الاخرة بتوسط الحاسة لا فى الدنيا الا ما ذكرنا من الخلاف فى حق النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة و دركه تعالى مختص بالقلوب دون الابصار فانه تعالى لا تدركه الابصار لا فى الدنيا و لا فى الاخرة فروية القلب سواء كانت بتوسط البصر او بلا توسط قد يعتبر به الغلط بتخليط الوهم او تلبيس الشيطان او زيغ البصر و طغيانه عما يراه و اما دركه البسيط فلا يعتبر به شى ء من ذلك و يتفرع عليه الاطمينان بالحق و تصديقه و الإباء عن الباطل و تكذيبه و اللّه تعالى اعلم بحقيقة الحال.

﴿ ١١