٤

إِنْ تَتُوبا يعنى عائشة و حفصة فيه التفات من الغيبة الى الخطاب للمبالغة فى المعاتبة و روى فى الصحيحين فى حديث عبيد بن عمير عن عائشة فى اخر الحديث المذكور فى أول السورة قوله ان تتوبا الى اللّه لعائشة و حفصة يعنى تتوبا.

إِلَى اللّه من التعاون على النبي صلى اللّه عليه و سلم و افشاء سره و جزاء الشرط محذوف اى أتيتما بالواجب أقيم علة مقامه حيث قال فَقَدْ صَغَتْ اى زاغت و مالت قُلُوبُكُما عن الاستقامة على طريق الحق حيث رضيتما بما كره رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من تحريم امة و افشاء سره و الواجب على كل واحد ان يحب ما يحبه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و يكره ما يكرهه اطلق القلوب على القلبين و لم يقل قلبا كما استثقالا للجمع بين التثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة و الفاء لتعليل الجزاء فان زيغ القلوب سبب للمعصية و المعصية سبب لوجوب التوبة روى البخاري و غيره عن ابن عباس قال قال لم ازل حريصا على ان أسال عمر بن الخطاب عن المرأتين من ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم التي قال اللّه تعالى ان تتوبا الى اللّه فقد صغت قلوبكما حتى حج و حججت معه و عدل و عدلت معه باداوة فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فقلت له يا امير المؤمنين من المرأتان من ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم اللتان قال اللّه تعالى ان تتوبا الى اللّه فقد صغت قلوبكما قال وا عجبا لك يا ابن عباس هما عائشة و حفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه قال كنت أنا و رجال من الأنصار من بنى امية بن زيد و هم من عوالى المدينة و كنا نتناوب النزول على النبي صلى اللّه عليه و سلم فينزل يوما و انزل يوما فاذا نزلت حدثته مما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحى او غيره و إذا انزل فعل مثله و كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نسائهم فطفق نساؤنا يأخذن من ادب نساء الأنصار فصحت على امرأتى فراجعتنى فانكرت ان تراجعنى قالت و لم تنكران أراجعك فو اللّه ان ازواج النبي صلى اللّه عليه و سلم ليراجعته و ان إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فافزعنى ذلك و قلت قد خابت من فعلت ذلك فيهن ثم جمعت على ثيابى فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها اى حفصة أ تغاضب أحد يكن النبي صلى اللّه عليه و سلم اليوم حتى الليل قالت نعم فقلت قد خبت و خسرت أ فتأمنين ان يغضب اللّه بغضب رسوله فتهلكى لا تستكثرى على النبي صلى اللّه عليه و سلم و لا تراجعيه فى شى و لا تهجريه و سلينى ما بدا لك و لا يغيرنك ان كانت جارتك اوضأ منك و أحب الى النبي صلى اللّه عليه و سلم يريد عائشة رض قال عمر و كنا نتحدثان ان غسان تنعل الخيل لتغزونا فنزل صاحبى الأنصار يوم توبته فرجع إلينا عشاء فضرب بابى ضربا شديدا فقال إثمه هو ففزعت فخرجت اليه فقال قد حدث اليوم امر عظيم قلت ما هو أجاء غسان قال لابل أعظم من ذلك و أطول طلق النبي صلى اللّه عليه و سلم نسائه فقلت خابت حفصة و خسرت قد كنت أظن ان هذا يوشك ان يكون فجمعت على ثيابى فصليت صلوة الفجر مع النبي صلى اللّه عليه و سلم فدخل النبي صلى اللّه عليه و سلم مشربة له فاعتزل فيها و دخلت على حفصة فاذا هى تبكى فقلت ما يبكيك الم أكن حذرتك هذا طلقكن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قالت لا أدرى ما هو ذا معتزل فى المشربة فخرجت فجئت الى المنبر فاذا حوله رهط يبكى بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبنى ما أجد فجئت المشربة التي فيها النبي صلى اللّه عليه و سلم فقلت لغلام له استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم رجع فقال كلمت البنى صلى اللّه عليه و سلم فذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فقلت الغلام استاذن لعمر فدخل الغلام فكلم النبي صلى اللّه عليه و سلم ثم رجع فقال كلمت النبي صلى اللّه عليه و سلم فذكرتك له فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذي عند المنبر ثم غلبنى ما أجد فجئت الغلام فقلت استاذن لعمر فدخل ثم رجع الى فقال ذكرت له فصمت فلما وليت منصرفا فاذا الغلام يدعونى فقال قد اذن لك النبي صلى اللّه عليه و سلم فدخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاذا مضطجع على رمال حصير ليس بينه و بينه فراش قد اثر الرمال فى جنبه متكيا على و سادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت و انا قايم يا رسول اللّه أطلقت نساءك فرفع الىّ بصره فقال لا اللّه اكبر ثمّ قلت و انا قائم استانس برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لو رايتنى و كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا قوم تغلبهم نساءهم فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قلت يا رسول اللّه لو رايتنى و دخلت على حفصة فقلت لها لا يغيرنك ان جارتك اوضاء منك و أحب الى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يريد عائشة فتبسم النبي صلى اللّه عليه و سلم تبسمته اخرى فجلست حين رأيته يتبسم فرفعت بصرى فى بيته فو اللّه ما رايت فيه شيا يرد البصر غير اهبة ثلثة فقلت يا رسول اللّه ادع اللّه فليتوسع على أمتك فان فارس و الروم قد وسع عليهم و اعطوا من الدنيا و هم لا يعبدون اللّه فجلس النبي صلى اللّه عليه و سلم و كان متكيا فقال او فى هذا أنت يا ابن الخطاب ان أولئك قوم عجلوا طيباتهم فى الحيوة الدنيا فقلت يا رسول اللّه استغفر لى فاعتزل النبي صلى اللّه عليه و سلم لنسائه من أجل ذلك الحديث حين افشته حفصة الى عائشة تسعا و عشرين ليلة و كان قال ما انا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدة عليهن حين عاتبه اللّه فما مضت تسع و عشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة يا رسول اللّه انك كنت أقسمت ان لا تدخل علينا شهرا و انما أصبحت من تسع و عشرين ليلة أعدها عدا فقال الشهر تسع و عشرون و كان ذلك الشهر تسعا و عشرين ليلة قالت ثم انزل اللّه اية التخيير فبدأ بي؟؟؟ أول مرة من نسائه فاخترته ثم خير نسائه كلهن فقلن ما قالت عائشة رض و روى البخاري عن عائشة رض ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال لها انى ذاكر لك امرا فلا عليك ان تستعجلى حتى تستامرى أبويك و قد علم ان أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت ثم قال ان اللّه قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الى تمام الآيتين فقلت اوفى هذا استامر أبوي فانى أريد اللّه و رسوله و الدار الاخرة هذا الحديث يدل على ان سبب اعتزال النبي صلى اللّه عليه و سلم نسائه الشهر كان افشاء حفصة سرها الى عائشة و ما أخرجه مسلم عن جابر انه دخل ابو بكر رض يستاذن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فوجد الناس جلوسا بباب البنى صلى اللّه عليه و سلم لم يوذن لاحد منهم فاذن لابى بكر فدخل ثم جاء عمر فاستاذن فاذن له فوجد النبي صلى اللّه عليه و سلم جالسا و حوله نساءه واجما ساكتا قال فقال عمر لا قولن شيئا اضحك البنى صلى اللّه عليه و سلم فقال يا رسول اللّه لو رايت بيت خارجة سالتنى النفقة إليها فوجأت عنقها فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال هن حولى كما ترى تسالنى النفقة فقام ابو بكر الى عائشة يجأ عنقها و قام عمر الى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقولان لا تسالين رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ابدا ما ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا او تسعا و عشرين ليلة ثم نزلت اية التخيير فبدا؟؟؟ بعائشة الحديث قال الحافظ ابن حجر و يحتمل ان يكون مجموع هذه الأشياء يعنى قصة عسل و قصة مارية و افشاء حفصة السر و قصة سوال النفقة و قصة رد زينب الهدية ثلثا و زيادة النبي صلى اللّه عليه و سلم فى هديتها كل مرة كما رواه ابن سعد من طريق عمرة و من طريق عروة عن عائشة كان سببا لاعتزالهن و هذا هو اللائق بمكارم أخلاقه صلى اللّه عليه و سلم و سعة صدره و كثرة صفحه ان ذلك لم يقع منه حتى تكرر موجبه منهن و رضى عنهن صلى اللّه عليه و سلم و اللّه اعلم وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ قرأ الكوفيون بتخفيف الظاء بحذف أحد التاءين و الباقون بالتشديد و ادغام أحد التاءين فى الظاء و أصله تظاهرا اى تتعاونا على البنى صلى اللّه عليه و سلم بما يسويه من الافراط فى الخيرة و افشاء سره و لم تتوبا و هذا شرط حذف جزائه اعنى لا تظفرا عليه فَإِنَّ اللّه يعنى لان اللّه علة لعدم الظفر هُوَ ضمير فصل مَوْلاهُ ناصره وَ جِبْرِيلُ رئيس الكروبين قرينه و ناصره وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ج صالح صيغة المفرد أريد به الجنس و لذلك عم بالاضافة او صيغة جمع أسقط عنه الواو لالتقاء الساكنين و خطا ايضا باتباع اللفظ يعنى من صلح من المؤمنين أجمعين اتباعه و أعوانه و حواليه قال الكلبي هم الذين هم مخلصون ليسوا بمنافقين و روى عن ابن مسعود و ابى بن كعب ان صالحوا المؤمنين ابو بكر و عمر و كذا روى ابن مسعود و ابو امامة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن ابن عمرو ابن عباس و سعيد بن جبير انها نزلت فى ابى بكر و عمر قوله جبريل و صالح المؤمنين اما معطوف على اللّه مرفوع حملا على محله و اما مبتداء خبره مع ما عطف عليه ظهير و هذا اولى لان اللّه وحده كفى به ناصرا و انما ذكر جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة من جملة ما ينصره اليه به تعظيما لهؤلاء و خص جبرئيل من الملائكة لتعظيمه وَ الْمَلائِكَةُ مع كثرتهم بَعْدَ ذلِكَ اى بعد نصرة اللّه و جبرئيل و صالح المؤمنين ظَهِيرٌ اى متظاهرون

قال البغوي هذا من الواحد الذي يودى من الجمع كقوله تعالى وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و هذه الاية تدل على ان جبرئيل الذي هو من خواص الملائكة أفضل من عوام البشر و هم صالح المؤمنين أفضل من عوام الملائكة روى البخاري عن عمر بن الخطاب قال لما اعتزل البنى صلى اللّه عليه و سلم نسائه و ذكر الحديث و قال دخلت عليه و قلت يا رسول اللّه ما يشق عليك من شان النساء فان كنت طلقتهن فان اللّه معك و الملائكة و جبرئيل و ميكائيل و ابو بكر و المؤمنون معك و قلما تكلمت و احمد اللّه بكلام الا رجوت ان يكون اللّه يصدق قولى الذي أقول فنزلت.

﴿ ٤