سُورَةُ الْمُلْكِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ ثَلاَثُونَ آيَةً

مكيّة و هى ثلثون اية نحمدك يا من لا اله الا أنت و نسبحك و نستعينك و نستغفرك و نشهد انك ملك الملك توتى الملك من نشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تزل من تشاء بيدك الخير انك على كل شى ء قديره أنت ربنا و رب السموات و الأرض و من فيهن و نصلى و نسلم على رسولك و حبيبك سيدنا و مولانا محمد و على جميع النبيين و المرسلين و على عبادك الصالحين ربّ يسّر

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 و تمّم بالخير

_________________________________

١

تَبارَكَ مشتق من البركة بمعنى الزيادة المقتضى للكمال و عدم النقصان و المأخوذ فى اسماء اللّه تعالى و صفاته من معانى الألفاظ هو الغايات دون المبادي فهو من صيغ التكبير و يستلزمه التنزه عن صفات المخلوقين فانها لا تخلو عن النقصان الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ اليد من المتشابهات لتنزهه سبحانه عن الجارحة و اوله المتأخرون بالقدرة و الملك و هو السلطان على كل شى ء و التصرف فى الأمور كلها وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ اى على كل ما يشاء قَدِيرٌ لا يمكن لاحد دفع ما اراده فلا يجوز الخوف و الرجاء الا منه تعالى و لما كانت هذه الاية بمنزلة الدعوى على وجوده تعالى و كمال صفاته و تنزيهه مستدعيا للبرهان عقبها بما يدل على ذلك من الآيات فى نفس المكلفين من خلق الموت و الحيوة و فى خلق السموات بلا تفاوت و فطور و خلق الأرض و جعلها ذلولا و خلق ما فيها من الأرزاق و الطير صافات و ذكر فيها بين ذلك استطرادا عذاب الكفار الذين لم يسمعوا او لم يعقلوا البراهين و الآيات و ثواب الذين يخشون ربهم المنتفعين بالحجج و البينات فقال.

٢

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الموصول مرفوع اما انه بدل من الموصول السابق و اما خبر مبتداء محذوف اى هو او منصوب على المدح و الحيوة من الصفات اللّه تعالى و هى صفة يستتبع العلم و القدرة و الارادة و غيرها من صفات الكمال و قد استودعها اللّه تعالى فى الممكنات و خلقها فيها على حسب إرادته و استعداداتها فظهرت فى الممكنات على مراتب شتى ظهرت فى بعضها بحيث تستتبع المعرفة التي لا كيف لها بذات اللّه تعالى و صفاته و هى الامانة التي حملها الإنسان و أشفقن منها السموات و الأرض و الجبال و ذلك بإلقاء نور من اللّه تعالى و هذا القسم من الحيوة و ما يقابلها من الموت المستفاد من قوله تعالى أ فمن كان ميتا فاحييناه و قوله عليه الصلاة و السلام ان اللّه خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى و من أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم اللّه رواه احمد و الترمذي و فى بعضها بحيث يستتبع الحس و الحركة الحيوانية المعبر عنها و عما يقابلها بقوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم و فى بعضها لتستتبع النمو فقط المعبر عنها و عما يقابلها بقوله تعالى يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها اى يحيى نبات الأرض بعد يبسها و ذلك القسمين من الحيوة ينفخ الروح الإنساني و الحيواني و النباتي فى الأجسام و ليس شى ء من الاقسام الثلاثة المذكورة للحيوة فى الجمادات و لذا قال اللّه تعالى فى حق الأصنام أموات غير احياء و لكن الجمادات ايضا لا تخلو عن نوع من الحيوة كما يدل عليه قوله تعالى وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّه و قد مر تفسيره فى سورة البقرة و هذا النوع من الحيوة لازم للوجود و قال اللّه تعالى و ان من شى ء الا يسبح بحمده و الموت فى كل مرتبة من المراتب المذكورة عبارة عن عدم الحيوة او مطلقا او عدم الحيوة عما من شأنه انه يكون حيا فالتقابل بينهما اما تقابل العدم و الملكة او الإيجاب و السلب فهى صفته عدمية مقتضاه الى الحقيقة الممكن مقدمة على الحيوة المستودعة من اللّه سبحانه كما يدل عليه ما تلونا من قوله تعالى او من كان ميتا فاحييناه و قوله تعالى كنتم أمواتا فاحييناكم و يحى الأرض بعد موتها و قوله تعالى كن فيكون و لاجل تقدم الموت على الحيوة فى كل مرتبة طبعا قدمت هاهنا على الحيوة ذكرا او لان افرغ فتقديمها فى الذكر مع الابتداء الأليق و قال بعض العلماء الموت صفة وجودية و التقابل بالتضاد فهى كيفية فى الأجسام مانعة من العلم و القدرة و الحس و الحركة و نحوها مستدلين بهذه الاية فان خلق الموت يقتضى وجوده و الاعدام الاصلية غير مخلوقة

قلنا بديهة العقل شاهدة انا لا نجد فى الأموات امرا منضما الى ذواتها بل امرا انتزاعيا ينتزع منها كما ينتزع العمى من الأعمى و بصيرة الكشف حاكمة بان الصفات اللّه تعالى نقايض متمايزة فى مرتبة العلم فنقيض الحيوة الموت و نقيض العلم الجهل و نقيض القدرة العجز و نقيض البصر العمى و هكذا هى اعدام اصلية تقررت فى مرتبة العلم بالاضافة الى نقايضها و بصبغ اللّه سبحانه و كمال قدرته انصبغت تلك الاعدام فى تلك المرتبة بصبغ نقايضها التي هى صفات الكمال و تلك مخلوطة فى مرتبة العلم سميت أعيانا ثابتة و انصباغها فى تلك المرتبة بصبغ الوجود هو الكون الاول و السبب للكون فى الخارج كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى كُنْ فَيَكُونُ فى سورة البقرة فالاعيان الثابتة ظلال للصفات و الممكنات فى الخارج الظلي ظلال لها و معنى كون الممكنات ظلال لها ان افاضة الوجود و توابعه من المبدأ الفياض على الممكنات الموجودة فى الخارج ليست الا بتوسط تلك الأعيان الثابتة كما ان نور المصباح الذي فى الزجاجة ينبسط على الأشياء بتوسط الزجاجة و أشير الى ذلك فى تفسير قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ثم اعلم ان توسط الأعيان الثابتة بين الصفات و الممكنات انما هو فى دار الدنيا و اما فى الاخرة فسيكون افاضة الوجود و توابعه من الصفات بلا توسط الأعيان و هذا هو الوجه لطويان الفناء على الممكنات فى الدنيا لا فى الاخرة آيات القران اعنى قوله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ و قوله تعالى أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ و أمثالها ناطقة بان الموت صفة للممكن مقدمة على الإيجاد فتاويل قوله تعالى خلق الموت اى أظهره بايجاد الحيوة او أظهره بازالة الحيوة او خلق الأموات بحيث ينتزع منها عدم الحيوة و الخلق بمعنى التقدير اى قدر الموت و الحيوة (قال) البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد خلق الموت فى الدنيا و الحيوة فى الاخرة قلت لعله أراد انه تعالى عبر الحيوة الدنيوية بالموت و الحيوة الاخروية بالحياة قلت و ذلك لما

قلنا من كون الأعيان الثابتة مربيات لها فى الدنيا و كون الاعدام داخلة فى ماهياتها فكان الحيوة الدنيا لا يخلو من شائبة الموت و يصدق ان يقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ اى فى الحال و كذا كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ و كُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ فان الحقيقة فى المشتق هو المعنى الحال و ما كان او ما يؤل فهو مجازى و اللّه تعالى اعلم و ذهب جماعة الى ان الموت جسم ليس بعرض و انه مخلوق فى صورة كبش أملح و الحياة فى صورة فرس أنثى و اختاره السيوطي فى بدور السافرة و مبنى هذا القول ما ذكر البغوي اثر ابن عباس فى تفسير هذه الاية قال خلق الموت فى صورة كبش أملح لا يمر بشئ و لا يجد ريحه شي ء الا مات و خلق الحياة فى صورة فرس بلقاء أنثى و هى التي كان جبرئيل و الأنبياء يركبونها لا يمر بشئ و لا يجد ريحها شى الا حيى و هى التي أخذ السامري قبضة من اثرها فالقاها فى العجل فحيى قلت و هذا الأثر لا يدل على ان الموت جسم و ليس بعرض و كذا الحياة بل يدل على ان من المخلوقات جسم على صورة كبش أملح يقال لها الموت و جسم على صورة فرس يقال لها الحياة لا يمران بشئ و لا يجد ريحها الا مات بالأولى و حيى بالثانية فالموت و الحياة فى الحيوان ليس نفس ذلك الجسم بل اثر يترتب على مرورها و وجدان ريحها كما يترتب على اقتراب السموم و نحو ذلك و ما ورد فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا صار اهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة و النار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا اهل الجنة لا موت و يا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا اى فرحهم و يزداد اهل النار حزنا اى حزنهم و فيهما عن ابن سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يجاء بالموت يوم القيامة كانه كبش أملح فيوقف بين الجنة و النار الحديث الى قوله فيؤمر به فيذبح إلخ

و اخرج الحاكم و صححه و ابن حبان عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوتى بالموت فى صورة كبش أملح إلخ نحوه فمذهب السلف الوقوف عن الخوض فى معناه و الايمان به و تفويض علمه الى اللّه تعالى كما فى سائر المتشابهات كذا نقل السيوطي عن الحكيم الترمذي و الصوفية العلية لما ظهر لهم من العوالم عالم المثال و فيه مثال لكل جوهر و عرض بل للمجردات ايضا بل للّه سبحانه ايضا مع كونه متاعال عن الشبه و المثال ذلك هو المحل لحديث رايت ابى على صورة امرد شاب قطط فى رجله نعلا الذهب و قد ينتقل الصورة المثالية من عالم المثال الى عالم الشهادة بكمال قدرته تعالى و قد اشتهر ذلك كرامة عن كثير من الأولياء و لعل اللّه تعالى يحضر الصورة المثالية للموت من عالم المثال فى الآخرة الى عالم الشهادة فيومر بذبحه حتى يظهر اهل الجنة و النار انه خلود و لا موت و هكذا التأويل فى حشر الإسلام و الايمان و القرآن و الأعمال و الامانة و الرحم و ايام الدنيا كما نطق به الأحاديث الصحيحة التي لا يسع ذكرها المقام قال السيوطي فى البدور السافرة الأعمال و المعاني كلها مخلوقة و لها صورة عند اللّه تعالى و ان كنا لا نشاهدها و قد نص ارباب الحقيقة على ان من انواع الكشف الوقوف على حقائق المعاني و ادراك صورها بصور الأجسام و الأحاديث شاهدة لذلك و هى كثيرة انتهى و هذا القول من السيوطي حكاية عن عالم المثال و اللّه تعالى اعلم لِيَبْلُوَكُمْ اى ليعاملكم معاملة مختبر بالتكليف ايها المكلفون أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الجملة مفعول ثان ليبلوكم يتضمن معنى يعلم و ليس هذا من التعليق لتقدم المفعول الاول على الاستفهام و لو كان تعليقا لتقدم الاستفهام عليه و قال الفراء لم يوقع البلوى على اى و يليها إضمار كما يقول بلونكم لا نظر أيكم أطوع

قال البغوي روى عن ابن عمر مرفوعا احسن عملا احسن عقلا و أورع من محارم اللّه و اسرع فى طاعة اللّه و قوله تعالى ليبلوكم متعلق بخلق الموت و الحيوة يعنى الحكمة فى خلق الموت و الحيوة ظهور المطيع من العاصي فان الحيوة مدار التكليف به تحصيل القدرة الممكنة و الموت واعظ به يتعظ الزكي و مغتنم الفرصة لكسب الزاد للمعاد و انقلاب الأحوال من الحيوة و الممات دليل على وجود الصانع الحكيم المختار و عن عمار بن ياسر مرفوعا كفى بالموت واعظا و كفى باليقين غنى رواه الطبراني و رواه الشافعي و احمد عن الربيع بن انس مرسلا كفى بالموت و هذا فى الدنيا مرغبا فى الاخرة و عن ابى هريرة بادروا بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا او غنى مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفتدا او موتا مجهرا و الدجال فانه شر منتظر و الساعة أدهى و امر رواه الترمذي و الحاكم و صححه و روى احمد و مسلم عنه مرفوعا بادروا قبل ست طلوع الشمس من مغربها و الدخان و دابة الأرض و الدجال و خويصة أحدكم و امر العامة و المراد بخويصة أحدكم الموت و بامر العامة القيامة و عن ابى امامة عند البيهقي نحوه وَ هُوَ الْعَزِيزُ فى انتقامه ممن عصا الْغَفُورُ لمن شاء.

٣

الَّذِي خَلَقَ خبرا آخر لهو او صفة من الغفور او بدل من الموصول السابق سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً اى ذات طباق جمع طبق كحبل و حبال او طبقة كرحبة و رحاب او مصدر فعل محذوف اى طوبقت طباقا من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق وصف للسبع او حال و قد ذكرنا فى سورة البقرة و ما ورد فى السموات السبع و بعد ما بينهن ما تَرى يا محمد صلى اللّه عليه و سلم او اى مخاطب كان و ما نافية او استفهامية للانكار مفعول ترى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ الاضافة للعهد و المراد به ما ذكر من السموات السبع و الاضافة الى الرحمن للتعظيم و لا يجوز ان يكون الاضافة لتعريف الجنس فان فى جنس الخلق تفاوتا فاحشا كما لا يخفى الا ان يقال المراد بالتفاوت فوت شى ء مما ينبغى فيه و عدم التناسب فمقتضى العبارة انه ليس فى الإمكان أبدع مما كان يعنى باعتبار النظام الجملي مِنْ تَفاوُتٍ من زائدة او تبعيضية على تقدير كون ما نافية و بيانية على تقدير كونها استفهامية و الجملة صفة للسبع او حال من فاعل خلق او مفعوله وضع المظهر يعنى لفظ الرحمن او لفظ خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتصريح على سبب عدم نقصانه فانه مستند الى من هو متنزه عن النقص متصف بالرحمة او مستأنفة فى جواب كيف خلقت قرا حمزه و الكسائي تفوت من التفعيل و الباقون من التفاعل و معناهما واحد كالتعهد و المتعاهد من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت عنه بعض ما فى الاخر يعنى ليس اعوجاج و نقصان كما ترى فى ابنية البشر فَارْجِعِ الْبَصَرَ جواب شرط محذوف اى ان زعمت ان يظهر التفاوت بتكرار البصر فارجع البصر هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ اى شقوق من فطرة إذا شقه و من زائدة او تبعيضية و الاستفهام للتقرير.

٤

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ عطف على فارجع و التثنية للتكثير اى كرة بعد كرة كما فى لبيك يَنْقَلِبْ مجزوم على جواب الأمر إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً اى بعيدا طريدا عن إصابة المطلوب مع الذل و الصغار وَ هُوَ حَسِيرٌ كليل من طول المعاودة و كثرة المراجعة حال بعد حال من فاعل ينقلب

قال البغوي روى عن كعب السماء الدنيا موج مكفوف و الثانية من درة بيضاء و الثالثة حديد و الرابعة صفراء نحاس و الخامسة فضة و السادسة ذهب و السابعة ياقوتة حمراء و من السّماء السابعة الى الحجب السبعة صحارى من نور.

٥

وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا اى السفلى و هى القريبة من الأرض بِمَصابِيحَ اى الكواكب فانها مصابيح الظلم يهتدى بها الطرق و ظاهر الاية تدل على ان الكواكب كلها مرتكزة فى السماء الدنيا و ما زعمت الفلاسفة خذلهم اللّه امر لا دليل عليه و استدلال هم بتعدد حركاتها على تعدد أفلاكها لا يتم الا بعد ثبوت امتناع الخرق و الالتيام على السموات و ذلك جايز عقلا واجب شرعا وَ جَعَلْناها اى المصابيح رُجُوماً لا يزولها من مكانها بل بانتقاض الشهب فيها لِلشَّياطِينِ إذا استرقوا السمع وَ أَعْتَدْنا لَهُمْ فى الاخرة عَذابَ السَّعِيرِ النار الموقدة و لما تضمن ما سبق من الكلام ذكر الشياطين عقبهم ذكر عذاب الكفار لكون الشياطين من زمرة الكفار و كونهم اخوان الشياطين فقال.

٦

وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

٧

إِذا أُلْقُوا فِيها اى الذين كفروا فى جهنم سَمِعُوا لَها شَهِيقاً صوتا كصوت الحمار خارجا من النار نفسها او من الذين دخلوا فيها قبلهم او من أنفسهم لها حال من شهيقا قدم عليه لكونه نكرة وَ هِيَ اى جهنم تَفُورُ تغلى كظيان المرجل اخرج هناد عن مجاهد تفور بهم كما تفور الجب القليل الماء كثيرا و هذا على سبيل الاستعارة.

٨

تَكادُ جهنم تَمَيَّزُ اى تنشق مِنَ الْغَيْظِ متعلق بتميز و الجملة حال من فاعل تفور و جملة و هى تفور حال من ضمير لها و المراد بالغيظ اما غيظ اللّه سبحانه او غيظ ملائكة العذاب او غيظ النار نفسها على اعداء اللّه تعالى و نسبة الغيظ الى النار اما بالمجاز على سبيل الاستعارة او بالحقيقة بعد اثبات الشعور لها كما أثبتناه فى الجمادات كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ جماعة من الكفار سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها توبيخا و تبكيتا أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوفكم من عذاب اللّه جملة مستانفة فى جواب ما يقال لهم حين يلقون و كلما ظرف متعلق بسالهم و الاستفهام للتقرير.

٩

قالُوا حكاية عن الحال المستقبل و هى مستانفة ايضا كانه فى جواب ما يقولون حين يسألون كذلك بَلى مفعول قالوا قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فعيل صفة بمعنى الجمع او مصدر مقدر بمضاف اى اهل إنذار او منعوت به للمبالغة او صفة بمعنى الواحد و المعنى قالوا قد جاء الى كل منا نذير و الجملة مقررة لمعنى بلى فَكَذَّبْنا النذير و فرطنا فى التكذيب حتى وَ

قُلْنا ما نَزَّلَ اللّه مِنْ شَيْ ءٍ ج صلى فيه نفى للانزال و الإرسال إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ الظاهر انه من كلام الكفار مبالغة فى تكذيبهم بالنسبة الى الضلال الكبير و يحتمل ان يكون من كلام الزبانية للكفار على ارادة القول و النذير ان كان بمعنى الواحد فالخطاب له و لامثاله على التغليب او اقامة تكذيب الواحد مقام تكذيب الكل.

١٠

وَ قالُوا عطف على قالوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ كلام النذير سماع قبول من غير عناد فنؤمن بما ثبت بالادلة السمعية أَوْ نَعْقِلُ و يتفكر فى الآيات و الدلائل العقلية الموجبة للايمان باللّه تعالى و الرسول و ما جاء به و تقديم السمع على العقل لكون الادلة السمعية اولى بالاتباع و اخرى باصابة الحق من الادلة العقلية و العقل غير كاف بالاستقلال و الاية تدل على ان العقل السليم مطابق للوحى المنزل و يحتمل ان يكون كلمة او بمعنى الواو يعنى لو كنا نسمع كلام النذير و نعقل معناه فيتفكر فيه تفكر المستبصرين ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فى عددهم من جملتهم.

١١

فَاعْتَرَفُوا معطوف على قالوا عطف تفسير بِذَنْبِهِمْ حين لا ينفعهم الاعتراف و هو اقرار عن معرفة و المراد بالذنب الكفر و لم يجمع لانه فى الأصل مصدر فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ منصوب على المصدر اى فاسحقهم اللّه سحقا اى ابعدهم من رحمته و التغير للايجاز و المبالغة قرا الكسائي بضم الحاء و الباقون بالسكون و هما لغتان مثل الرعب و الرعب و الجملة الدعائية معترضة.

١٢

إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاقبوه بعد او غائبين عنه او عن أعين الناس لا كالمنافقين او بالمخفي منهم و هو قلوبهم لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ يصغر بالنسبة اليه كل ما يخطر بالبال من اللذة و الجملة معترضة ذكر اللّه سبحانه وعد المؤمنين فى مقابلة وعيد الكفار و جعل عنوانهم خشية اللّه اشعارا بان الخشية هى المقصود من الايمان قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم راس الحكمة مخافته رواه الحكيم الترمذي عن ابن مسعود قال ابن عباس كان المشركون ينالون من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما بينهم فيخبره جبرئيل عليه السلام لو أسروا قولكم كيلا يسمع اللّه امر محمد فنزلت.

١٣

وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ امر بمعنى الخبر يعنى هما سواء فى علم اللّه خطاب الى الكفار على الالتفات من الغيبة و فيه تهديد إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ اى بالضمار قبل ان يتكلم لها سرا او جهرا فهو تعليل للتسوية.

١٤

أَ لا يَعْلَمُ ما فى الصدور مَنْ خَلَقَ الصدور و ما فيها و كل شى ء او المعنى الا يعلم اللّه من خلقه الاستفهام للانكار و انكار النفي اثبات للعلم فهو تأكيد بما سبق وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ المتوصل علمه الى ما ظهر و ما بطن حال من فاعل خلق ثم نبه اللّه تعالى على جهلهم ببيان بدايع صنعته الدالة على اتساع علمه و قدرته و على قبح صنعهم حيث كفروا فى مقابلة الانعام المقتضى للشكر.

١٥

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا سهلا لا يمنع المشي فيها كالناقة الذلول المنقادة فَامْشُوا فِي مَناكِبِها جوانبها و منه منكب الرجل و قيل المراد بالمناكب الجبال و هذا مثل لفرط التذلل فان منكب البعير لا يطأ الراكب و لا يتذلل له فاذا جعل الأرض فى الذل بحيث يمكن المشي فى مناكبها لم يبق شى ء لم يتذلل وَ كُلُوا مِنْ رِزْقِهِ و التمسوا من نعمة عطف على فامشوا وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ المرجع فيسالكم عن شكر ما أنعم اللّه عليكم.

١٦

أَ أَمِنْتُمْ قرأ قنبل النشور و أمنتم بقلب النشور و أمنتم بقلب همزة الاستفهام واوا فى الوصل و يمد بعد الواو مدة فى تقدير الف و لو وقف على النشور حقق الهمزة و الكوفيون و ابن ذكوان بتحقيق الهمزتين و الباقون بتليين الثانية و هم على أصولهم فى إدخال الالف و عدمه مَنْ فِي السَّماءِ قال ابن عباس اى عذابه من فى السماء ان عصوا و المراد بمن فى السماء هو اللّه سبحانه عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ينزل ربنا تبارك و تعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر يقول من يدعونى فاستجيب له من يسالنى فاعطيته من يستغفر فاغفر له متفق عليه و فى رواية لمسلم ثم يبسط يديه و يقول من يعرض عير عدوم و لا ظلوم حتى يتفجر فالاية من المتشابهات لكونه تعالى منزها عن التمكين فى السماء فمذهب السلف السكوت و قول الصوفية كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى يأتيهم اللّه فى ظلل من الغمام و للمتاخرين تأويلات بان فى السماء امره و قضاءه او هو فيها على زعم العرب او المراد بالسماء الرفعة و العلو من حيث الرتبة دون المكان و الاستفهام للانكار و قيل المراد بمن فى السماء الملائكة الموكلين على تدبير الأمور الذين هم بمنزلة الآلة الكاسبة لخسف الأرض و إرسال الحاصب أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فيغيبكم فيها كما فعل بقارون و هو بدل من بدل اشتمال فَإِذا هِيَ اى الأرض تَمُورُ تتحرك الجملة معطوفة على يخسف و إذا للمفاجات مضافة الى الجملة بعدها اى ففاجاء وقت كونها تضطرب و تتحرك.

١٧

أَمْ أَمِنْتُمْ أم منقطع بمعنى هل و همزة الاستفهام للانكار مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً اى ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط فَسَتَعْلَمُونَ معطوف على مضمون ما سبق اى أنذركم فستعلمون كَيْفَ نَذِيرِ اى إنذاري إذا شاهدتموه و لا ينفعكم العلم به قرا ورش نذيرى و كذا نكيرى بإثبات الياء فيهما وصلا و حذفها فيهما وقفا و الباقون بالحذف فى الحالين.

١٨

وَ لَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جواب قسم محذوف فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ إنكاري عليهم بانزال العذاب فيهم تسلية للرسول و تهديد للكفار و الاستفهام للتعجب و التقرير و الجملة الاستفهامية بتأويل الخبرية معطوفة على كذب يعنى كذبوا فعظم إنكاري عليهم و فى هذه الجملة التفات من الخطاب الى الغيبة.

١٩

أَ وَ لَمْ يَرَوْا الهمزة للاستفهام و الواو للعطف على محذوف تقديره الم ينظروا ما خلقنا من السماء و الأرض و غيرهما و لم يرو إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ الظرف متعلق بصافات و هى حال من الطير و المراد بالروية روية البصر بقرينة تعدية بالى يعنى باسطات أجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن إذا بسطن ضغفن قوادمها وَ يَقْبِضْنَ أجنحتها الى جنوبهن عطف على صافات و انما عدل من الاسم الى الفعل ليدل على الحدوث و التجدد فان الأصل فى الطيران انما هو بسط الاجنحة و القبض يحدث فى وقت بعد وقت الاستظهار به على التحرك و يحتمل العطف على محذوف اى يبسطن تارة و يقبضن اخرى ما يُمْسِكُهُنَّ فى الجو على خلاف الطبع إِلَّا الرَّحْمنُ و الجملة حال من فاعل صافات إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ بَصِيرٌ يعلم كيف يخلق الغرائب و يدبر العجائب.

٢٠

أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ أم متصلة لقوله تعالى او لم يروا على معنى الم ينظروا فى أمثال هذه الصنايع فلم يعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو الخسف و إرسال الحاصب أم لكم جند ينصركم من دون الرحمن و يدفع عنكم العذاب ان أرسل إليكم عذابه و قيل أم ابتدائية ليست بمتصلة و لا منقطعة بمعنى الهمزة و هل لئلا يلزم تكرار الاستفهام و من استفهامية مبتداء و هذا خبره و الموصول مع الصلة صفة او بدل منه و ينصركم وصف لجند محمول على لفظه و انما ذكر اسم الاشارة و الموصول مع انه يستفاد ذلك المعنى مع تركها من قوله أمن هو جند لكم إلخ لان فى ذكر المفصل بعد المبهم وقع عظيم فى القلب و يحتمل ان يكون هذا مبتداء و الموصول مع الصلة خبره و الجملة مفعول يقال محذوف تقديره أمن يقال هذا الذي هو جند لكم و المراد بالجند المشار اليه بهذا فى الاية و فيما بعدها الأصنام التي زعموها الهة يعنى تلك الأصنام لا يتصور منهم ان ينصروا و يرزقوا او المراد أعوانهم بعضهم لبعض إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ من الشيطان فانه يغرهم بان العذاب لا ينزل بهم من غير ما يعتمد عليه فيه التفات من الخطاب الى الغيبة.

٢١

أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بامساك المطر و منع الأسباب المحصلة و الموصولة إليكم او ابطال تأثيراتها و الكلام فيه كالكلام فى أمن هذا الذي فيما سبق بَلْ لَجُّوا يعنى الكفار تمادوا فِي عُتُوٍّ إضلال وَ نُفُورٍ تباعد عن الحق بفرط جهلهم و تنفر طباعهم عنه.

٢٢

أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى الهمزة للاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب على الإقرار بالحق و الفاء زائدة و من موصولة مبتداء و اهدى خبره و مكبّا حال من فاعل يمشى و الإكباب من الكب يقال كببته فاكب و هو من الغرائب كقشع اللّه السحاب فاقشع او المعنى مكبا نفسه على وجهه قال فى القاموس كبه قلبه و صرعه كاكبه و كببته فاكب و هو لازم و متعدى و قيل معناه صار ذاكب اى يمشى و يعثر كل ساعة و يخر على وجهه لوعور طريقه و اختلاف أجزائه أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا قائما مائلا من العناد عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ مستوى الاجزاء او خبر من هاهنا محذوف اكتفاء على ما سبق فى المعطوف عليه فالواجب هاهنا الإقرار بان الماشي سويا على صراط مستقيم اهدى فكذلك المؤمن الذي يمشى على بصيرة على مسلك العقل و النقل اهدى من الكافر الذي لا يسمع و لا يعقل و كلمة اهدى لا يقتضى وجود اصل الهداية فى المفضل عليه تحقيقا بل يكفى وجوده فرضا و تقديرا قال قتادة من أكب على معاصى فى الدنيا يمشى مكبا على وجهه يوم القيمة و المؤمن يمشى يوم القيامة سويا اخرج الشيخان عن انس ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سئل كيف يحشر الكافر على وجهه قال أ ليس الذي أمشاه على رجليه فى الدنيا قادر على ان يمشيه على وجهه يوم القيامة و روى ابو داود عن ابى هريرة نحوه و فى هذه الجملة تشنيع اخر على الكفار و لما كان قوله تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم و قوله تعالى أمن هذا الذي يرزقكم لانكار النصر و الرزق من جندهم اقتضى السؤال بان يقال فمن ينصرنا و يرزقنا أجيب بقوله تعالى.

٢٣

قُلْ انما ينصركم و يرزقكم هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ لتعرفوا ربك و تعبدوه وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ تسمعوا المواعظ وَ الْأَبْصارَ لتنظروا صنايعه وَ الْأَفْئِدَةَ لتتفكروا و تعتبروا و لما كان السمع فى الأصل مصدر او المصدر لا يجمع ذكره بصيغة الافراد بخلاف البصر و الفؤاد و ايضا العلم الحاصل بالسمع نوع واحد و هو الصوت و الحاصل بالبصر و الفؤاد انواع مختلفة قَلِيلًا اى شكرا قليلا و زمانا قليلا ما زائدة لتأكيد القلة تَشْكُرُونَ و المراد بالقلة النفي راسا مجازا.

٢٤

قُلْ كلمة قل زائدة أعيدت للتاكيد هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ بدل من هو الذي انشأكم وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ للجزاء حال مقدرة من فاعل ذرأكم فهذين الجملتين على طريقة جاء زيد و هو راكب.

٢٥

وَ يَقُولُونَ يعنى الكفار انكار الوعد و استبطائه مَتى هذَا الْوَعْدُ اى وعد الحشر إِنْ كُنْتُمْ ايها النبي و المؤمنون صادِقِينَ فى قولكم بالحشر فبينوا وقته.

٢٦

قُلْ مستانفة فى جواب ما أقول لهم فى الجواب إِنَّمَا الْعِلْمُ اى العلم بوقته عِنْدَ اللّه لا يعلم غيره وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ و الانذار يكفى له العلم بوقوع المحذر منه و لا يتوقف على العلم بوقته و الجملتين بالعطف مقولة قل.

٢٧

فَلَمَّا رَأَوْهُ اى الوعد بمعنى الموعود قال اكثر المفسرين المراد به العذاب فى الاخرة

و قال مجاهد العذاب ببدر زُلْفَةً اى ذا زلفة و قرب منهم حال من ضمير المفعول و لما ظرف متعلق بقوله تعالى سِيئَتْ اى اسودت قبحت وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بروية العذاب وَ قِيلَ هذَا العذاب الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ اى تطلبون و تستعجلون من الدعاء او من الدعوى اى تدعون ان لا بعث.

٢٨

قُلْ يا محمد صلى اللّه عليه و سلم لمشركى مكة الذين يتمنون هلاككم أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ قرأ حمزة بإسكان الياء و الباقون بالفتح اللّه وَ مَنْ مَعِيَ قرأ ابو بكر و حمزة و الكسائي بإسكان الياء و الباقون بالفتح أَوْ رَحِمَنا بتأخير آجالنا الاستفهام فى ارايتم للتقرير و الروية بمعنى العلم معناه أخبروني و الجملة الشرطية بعد افعال القلوب كالنفى و الاستفهام يوجب التعليق فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الاستفهام للانكار و الجملة جزاء للشرط يعنى لا أحد يجيرهم و الحاصل انه لا فائدة لكم فى هلاكنا حتى تطلبونه انما يفيدكم ان تتبعوا من يجيركم من عذاب اللّه و لا يتصور ذلك من الأصنام و قيل معناه ان أهلكني و من معى يعنى المؤمنين يعذبهم اللّه بذنوبهم او رحمنا و يغفر لنا فنحن مع أيماننا خائفون عذاب اللّه لاجل ذنوبنا فان حكمه نافذ فينا فمن يجيركم من عذابه و أنتم كفار.

٢٩

قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ يعنى الذي ذكر فيما سبق دلائل وجوده و قدرته و سلطانه هو الرحمن الذي اعبده و أدعوكم اليه و هو مولى النعم كلها آمَنَّا بِهِ للعلم بذلك فيه تقرير بمضمون جملة هو الرحمن وَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنا لوثوق عليه المبنى على الايمان به و تقديم الظرف تفيد الحصر المستفاد من هو الرحمن فهذه الجملة يقرر مضمون الجملتين السابقتين و هذه الاية بمنزلة النتيجة للبراهين السابقة و يترتب عليه الحكم بحال الفريقين المؤمنين و الكافرين و لذا جاء بفاء السببية فى قوله تعالى فَسَتَعْلَمُونَ يوم الجزاء قرا الكسائي بالياء و الباقون بالتاء و تعلمون معلق بالجملة الاستفهامية الواقعة بعده اعنى مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ نحن و أنتم و فيه تهديد و ترهيب و كذا فى قوله تعالى.

٣٠

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ وزانه وزان قل ارايتم ان أهلكني اللّه الاية غَوْراً غايرا فى الأرض بحيث لا يناله الدلاء مصدر وصف به فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ مشتق من العين الجارية اى ماء جار او من العين الباصرة اى مرئى ظاهر سهل المأخذ فان بديهة العقل شاهد على ان هذه الأصنام لا تقدر على إتيانه بل لا يقدر عليه أحد الا اللّه سبحانه و يستحب للقارى ان يقول حين ختم هذه السورة اللّه رب العالمين قال الشيخ جلال الدين المحلى رحمة اللّه تعالى كذا ورد فى الحديث- (فصل) عن ابى هريرة ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال ان سورة من القران ثلثون اية شفعت لرجل حتى غفر له و هى تبارك الذي بيده الملك رواه احمد و ابو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان و الحاكم و صححه و رواه البغوي بلفظ ان سورة من كتاب اللّه ما هى الا ثلثون اية شفعت لرجل فاخرجته يوم القيامة من النار و أدخلته الجنة و هى سورة تبارك و عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هى المانعة هى المنجية من عذاب اللّه رواه الترمذي و عن جابر ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل و تبارك الذي بيده الملك رواه احمد و الترمذي و الدارمي و قال الترمذي هذا حديث صحيح و عن خالد بن معدان قال بلغني فى الم تنزيل و مثله فى تبارك الذي ان رجلا كان يقرأهما ما يقرأ شيئا غيرهما و كان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه قالت رب اغفر له فانه كان يكثر قراءتى فشفعها الرب تعالى فيه و قال له اكتبوا له بكل خطيئه حسنة و ارفعوا له درجة و قال ايضا انها تجادل عن صاحبها فى القبر تقول اللّهم ان كنت من كتابك فشفعنى فيه و ان لم أكن فى كتابك فامحنى عنه و انها تكون كالطير يجعل جناحها عليه فيشفع له فيمنعه من عذاب القبر و قال طاؤس فضلتا على كل سورة فى القرآن بستين حسنة رواه الدارمي

﴿ ٠