٢

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ الموصول مرفوع اما انه بدل من الموصول السابق و اما خبر مبتداء محذوف اى هو او منصوب على المدح و الحيوة من الصفات اللّه تعالى و هى صفة يستتبع العلم و القدرة و الارادة و غيرها من صفات الكمال و قد استودعها اللّه تعالى فى الممكنات و خلقها فيها على حسب إرادته و استعداداتها فظهرت فى الممكنات على مراتب شتى ظهرت فى بعضها بحيث تستتبع المعرفة التي لا كيف لها بذات اللّه تعالى و صفاته و هى الامانة التي حملها الإنسان و أشفقن منها السموات و الأرض و الجبال و ذلك بإلقاء نور من اللّه تعالى و هذا القسم من الحيوة و ما يقابلها من الموت المستفاد من قوله تعالى أ فمن كان ميتا فاحييناه و قوله عليه الصلاة و السلام ان اللّه خلق خلقه فى ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى و من أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم اللّه رواه احمد و الترمذي و فى بعضها بحيث يستتبع الحس و الحركة الحيوانية المعبر عنها و عما يقابلها بقوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم و فى بعضها لتستتبع النمو فقط المعبر عنها و عما يقابلها بقوله تعالى يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها اى يحيى نبات الأرض بعد يبسها و ذلك القسمين من الحيوة ينفخ الروح الإنساني و الحيواني و النباتي فى الأجسام و ليس شى ء من الاقسام الثلاثة المذكورة للحيوة فى الجمادات و لذا قال اللّه تعالى فى حق الأصنام أموات غير احياء و لكن الجمادات ايضا لا تخلو عن نوع من الحيوة كما يدل عليه قوله تعالى وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّه و قد مر تفسيره فى سورة البقرة و هذا النوع من الحيوة لازم للوجود و قال اللّه تعالى و ان من شى ء الا يسبح بحمده و الموت فى كل مرتبة من المراتب المذكورة عبارة عن عدم الحيوة او مطلقا او عدم الحيوة عما من شأنه انه يكون حيا فالتقابل بينهما اما تقابل العدم و الملكة او الإيجاب و السلب فهى صفته عدمية مقتضاه الى الحقيقة الممكن مقدمة على الحيوة المستودعة من اللّه سبحانه كما يدل عليه ما تلونا من قوله تعالى او من كان ميتا فاحييناه و قوله تعالى كنتم أمواتا فاحييناكم و يحى الأرض بعد موتها و قوله تعالى كن فيكون و لاجل تقدم الموت على الحيوة فى كل مرتبة طبعا قدمت هاهنا على الحيوة ذكرا او لان افرغ فتقديمها فى الذكر مع الابتداء الأليق و قال بعض العلماء الموت صفة وجودية و التقابل بالتضاد فهى كيفية فى الأجسام مانعة من العلم و القدرة و الحس و الحركة و نحوها مستدلين بهذه الاية فان خلق الموت يقتضى وجوده و الاعدام الاصلية غير مخلوقة

قلنا بديهة العقل شاهدة انا لا نجد فى الأموات امرا منضما الى ذواتها بل امرا انتزاعيا ينتزع منها كما ينتزع العمى من الأعمى و بصيرة الكشف حاكمة بان الصفات اللّه تعالى نقايض متمايزة فى مرتبة العلم فنقيض الحيوة الموت و نقيض العلم الجهل و نقيض القدرة العجز و نقيض البصر العمى و هكذا هى اعدام اصلية تقررت فى مرتبة العلم بالاضافة الى نقايضها و بصبغ اللّه سبحانه و كمال قدرته انصبغت تلك الاعدام فى تلك المرتبة بصبغ نقايضها التي هى صفات الكمال و تلك مخلوطة فى مرتبة العلم سميت أعيانا ثابتة و انصباغها فى تلك المرتبة بصبغ الوجود هو الكون الاول و السبب للكون فى الخارج كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى كُنْ فَيَكُونُ فى سورة البقرة فالاعيان الثابتة ظلال للصفات و الممكنات فى الخارج الظلي ظلال لها و معنى كون الممكنات ظلال لها ان افاضة الوجود و توابعه من المبدأ الفياض على الممكنات الموجودة فى الخارج ليست الا بتوسط تلك الأعيان الثابتة كما ان نور المصباح الذي فى الزجاجة ينبسط على الأشياء بتوسط الزجاجة و أشير الى ذلك فى تفسير قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ ثم اعلم ان توسط الأعيان الثابتة بين الصفات و الممكنات انما هو فى دار الدنيا و اما فى الاخرة فسيكون افاضة الوجود و توابعه من الصفات بلا توسط الأعيان و هذا هو الوجه لطويان الفناء على الممكنات فى الدنيا لا فى الاخرة آيات القران اعنى قوله تعالى كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ و قوله تعالى أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ و أمثالها ناطقة بان الموت صفة للممكن مقدمة على الإيجاد فتاويل قوله تعالى خلق الموت اى أظهره بايجاد الحيوة او أظهره بازالة الحيوة او خلق الأموات بحيث ينتزع منها عدم الحيوة و الخلق بمعنى التقدير اى قدر الموت و الحيوة (قال) البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد خلق الموت فى الدنيا و الحيوة فى الاخرة قلت لعله أراد انه تعالى عبر الحيوة الدنيوية بالموت و الحيوة الاخروية بالحياة قلت و ذلك لما

قلنا من كون الأعيان الثابتة مربيات لها فى الدنيا و كون الاعدام داخلة فى ماهياتها فكان الحيوة الدنيا لا يخلو من شائبة الموت و يصدق ان يقال إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ اى فى الحال و كذا كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ و كُلُّ شَيْ ءٍ هالِكٌ فان الحقيقة فى المشتق هو المعنى الحال و ما كان او ما يؤل فهو مجازى و اللّه تعالى اعلم و ذهب جماعة الى ان الموت جسم ليس بعرض و انه مخلوق فى صورة كبش أملح و الحياة فى صورة فرس أنثى و اختاره السيوطي فى بدور السافرة و مبنى هذا القول ما ذكر البغوي اثر ابن عباس فى تفسير هذه الاية قال خلق الموت فى صورة كبش أملح لا يمر بشئ و لا يجد ريحه شي ء الا مات و خلق الحياة فى صورة فرس بلقاء أنثى و هى التي كان جبرئيل و الأنبياء يركبونها لا يمر بشئ و لا يجد ريحها شى الا حيى و هى التي أخذ السامري قبضة من اثرها فالقاها فى العجل فحيى قلت و هذا الأثر لا يدل على ان الموت جسم و ليس بعرض و كذا الحياة بل يدل على ان من المخلوقات جسم على صورة كبش أملح يقال لها الموت و جسم على صورة فرس يقال لها الحياة لا يمران بشئ و لا يجد ريحها الا مات بالأولى و حيى بالثانية فالموت و الحياة فى الحيوان ليس نفس ذلك الجسم بل اثر يترتب على مرورها و وجدان ريحها كما يترتب على اقتراب السموم و نحو ذلك و ما ورد فى الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا صار اهل النار الى النار جئ بالموت حتى يجعل بين الجنة و النار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا اهل الجنة لا موت و يا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا اى فرحهم و يزداد اهل النار حزنا اى حزنهم و فيهما عن ابن سعيد قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يجاء بالموت يوم القيامة كانه كبش أملح فيوقف بين الجنة و النار الحديث الى قوله فيؤمر به فيذبح إلخ

و اخرج الحاكم و صححه و ابن حبان عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوتى بالموت فى صورة كبش أملح إلخ نحوه فمذهب السلف الوقوف عن الخوض فى معناه و الايمان به و تفويض علمه الى اللّه تعالى كما فى سائر المتشابهات كذا نقل السيوطي عن الحكيم الترمذي و الصوفية العلية لما ظهر لهم من العوالم عالم المثال و فيه مثال لكل جوهر و عرض بل للمجردات ايضا بل للّه سبحانه ايضا مع كونه متاعال عن الشبه و المثال ذلك هو المحل لحديث رايت ابى على صورة امرد شاب قطط فى رجله نعلا الذهب و قد ينتقل الصورة المثالية من عالم المثال الى عالم الشهادة بكمال قدرته تعالى و قد اشتهر ذلك كرامة عن كثير من الأولياء و لعل اللّه تعالى يحضر الصورة المثالية للموت من عالم المثال فى الآخرة الى عالم الشهادة فيومر بذبحه حتى يظهر اهل الجنة و النار انه خلود و لا موت و هكذا التأويل فى حشر الإسلام و الايمان و القرآن و الأعمال و الامانة و الرحم و ايام الدنيا كما نطق به الأحاديث الصحيحة التي لا يسع ذكرها المقام قال السيوطي فى البدور السافرة الأعمال و المعاني كلها مخلوقة و لها صورة عند اللّه تعالى و ان كنا لا نشاهدها و قد نص ارباب الحقيقة على ان من انواع الكشف الوقوف على حقائق المعاني و ادراك صورها بصور الأجسام و الأحاديث شاهدة لذلك و هى كثيرة انتهى و هذا القول من السيوطي حكاية عن عالم المثال و اللّه تعالى اعلم لِيَبْلُوَكُمْ اى ليعاملكم معاملة مختبر بالتكليف ايها المكلفون أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا الجملة مفعول ثان ليبلوكم يتضمن معنى يعلم و ليس هذا من التعليق لتقدم المفعول الاول على الاستفهام و لو كان تعليقا لتقدم الاستفهام عليه و قال الفراء لم يوقع البلوى على اى و يليها إضمار كما يقول بلونكم لا نظر أيكم أطوع

قال البغوي روى عن ابن عمر مرفوعا احسن عملا احسن عقلا و أورع من محارم اللّه و اسرع فى طاعة اللّه و قوله تعالى ليبلوكم متعلق بخلق الموت و الحيوة يعنى الحكمة فى خلق الموت و الحيوة ظهور المطيع من العاصي فان الحيوة مدار التكليف به تحصيل القدرة الممكنة و الموت واعظ به يتعظ الزكي و مغتنم الفرصة لكسب الزاد للمعاد و انقلاب الأحوال من الحيوة و الممات دليل على وجود الصانع الحكيم المختار و عن عمار بن ياسر مرفوعا كفى بالموت واعظا و كفى باليقين غنى رواه الطبراني و رواه الشافعي و احمد عن الربيع بن انس مرسلا كفى بالموت و هذا فى الدنيا مرغبا فى الاخرة و عن ابى هريرة بادروا بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا او غنى مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفتدا او موتا مجهرا و الدجال فانه شر منتظر و الساعة أدهى و امر رواه الترمذي و الحاكم و صححه و روى احمد و مسلم عنه مرفوعا بادروا قبل ست طلوع الشمس من مغربها و الدخان و دابة الأرض و الدجال و خويصة أحدكم و امر العامة و المراد بخويصة أحدكم الموت و بامر العامة القيامة و عن ابى امامة عند البيهقي نحوه وَ هُوَ الْعَزِيزُ فى انتقامه ممن عصا الْغَفُورُ لمن شاء.

﴿ ٢