٥

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا قيل المراد بالقول الثقيل الأمر بقيام الليل فانه ثقيل شاق على النفس فهذه الجملة على هذا التأويل تذئيل و تأكيد لما سبق و السين حينئذ للتاكيد دون الاستقبال و قيل المراد به القران قال محمد بن كعب القرآن ثقيل على المنافقين قلت فهو نظير قوله تعالى كبر على المشركين ما تدعوهم و قال الحسن بن الفضل ثقيل فى الميزان قلت نظير قوله صلى اللّه عليه و سلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان جيبتان الى الرحمن سبحان اللّه و بحمده سبحان اللّه العظيم متفق عليه عن ابى هريرة و قال مقاتل ثقيل لما فيه من الأمر و النهى و الحدود كذا قال قتادة و قال ابو العالية ثقيل بالوعد و الوعيد و حاصل هذه الأقوال انه لما فيه من التكاليف الشاقة و الوعد و الوعيد و ذكر القيامة ثقيل على المكلفين لا سيما على الرسول صلى اللّه عليه و سلم إذ كان عليه ان يتحملها و يحملها أمته و من ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم شيبتنى سورة هود و أخواتها رواه الطبراني عن عتبة ابن عامر و عن ابى جحيفة يعنى لما فيه من قوله تعالى فاستقم كما أمرت و من تاب معك او لما فيه من ذكر القيامة و عذاب الأمم الماضية يدل عليه ما رواه الحاكم عن ابى بكر بلفظ شيبتنى سورة هود و الواقعة و المرسلات و عم يتساءلون و إذا الشمس كورت رواه الترمذي عن ابن عباس و الحاكم عن ابى بكر و ابن مردويه عن سعد و نحوه عن انس رض رواه عبد اللّه بن احمد بلفظ شيبتنى هود و أخواتها لما فيها ذكر يوم القيمة و قصص الأمم و قيل ثقيل على أتأمل فيه لافتقاره الى مزيد تصفيته للسر و تجريد للنظر لزرانته و متانته معناه و هذا أوفق لما سبق و ما لحق فان الترتيل لاجل التدبر و التفهم و ناشئة الليل أشد لمواطاة القلب اللسان و قيل ثقيل على باطن الصوفي و عظيمة فان الخالق العظيم المتعالي يتجلى على قلب المخلوق يحقر السافل كذا قال الفراء حيث قال ثقيل ليس بالخفيف و لا بالسفساف لانه كلام ربنا قال الشيخ الاجل الأكرم الهادي سبيل اليقين محبوب رب العالمين سيف الملة و الدين ابد الآبدين ان علامة انكشاف حقيقة القران ورود ثقل عظيم على باطن السالك و من ثم قال اللّه تعالى سنلقى عليك قولا ثقيلا قلت و يؤيده هذا المعرفة قوله تعالى لو أنزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية اللّه و هذا معنى ما قيل ثقيل تلقيه رواه مسلم عن عبادة بن الصامت قال كان النبي صلى اللّه عليه و سلم إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك و تربد وجهه و فى رواية نكس راسه و نكس أصحابه رؤسهم فلما اتلى عنه رفع رأسه و فى الصحيحين عن عائشة ان الحارث بن هشام سال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال يا رسول اللّه كيف يأتيك الوحى فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحيانا تأتيني مثل صلصلة الجرس و هو أشد على فيفصم عنى و قد وعيت عنه ما قال و أحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى ما يقول قالت عائشة و لقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه و ان جبينه ليتفصد عرقا متفق عليه و يحتمل ان يقال انه ثقيل لما فيه من الأمر بالتوجه الى الخلق لاجل الدعوة و التبليغ و الإرشاد و التكميل بقوله تعالى قم فانذر و قوله و انذر عشيرتك الأقربين بعد ما كان متوجها الى اللّه تعالى مشتغلا به تعالى حيث كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه و هو تعبد الليالى ذوات العدد و قيل ان ينزع الى اهله و يتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها كذا فى الصحيحين فى حديث عائشة و درجة الإرشاد و التكميل و ان كان أفضل من درجة الاستكمال و الخلوة لكنه قد يكون عند الصوفي على خلاف الطبع فيثقل عليه و يزعمه الصوفي فى بادى الرأي ان هذا أحط مرتبة من التوجه الى اللّه تعالى و الخلوة به و لهذا قيل الولاية به أفضل من النبوة يعنى ولاية النبي أفضل من نبوة ذلك النبي زعما من القائل ان فى الولاية التوجه الى اللّه سبحانه و فى النبوة التوجه الى الخلق و قال المجدد الف ثانى رضى اللّه عنه ليس هذا القول مبنيا على التحقيق بل النبوة مطلقا أفضل من الولاية و هى عبارة عند الصوفية عن السير فى الذات و الولاية عن السير فى الصفات و شتان ما بينهما و التوجه الى اللّه سبحانه تعالى يسمى فى الاصطلاح بالعروج و الى الخلق يسمى بالنزول و كلاهما يعترضان للصوفى فى كلا السيرين غير ان النازل فى مقام الولاية و ان كان له توجها الى الخلق لكنه لم يبلغ فى العروج غاية فهو ملتفت الى الأعالي طمعا لغاية الكمال و النازل فى مقام النبوة لا يكون نازلا الا بعد ما يبلغ الكتاب فى الكمال اجله فهو بكلية يتوجهه الى الخلق للتكميل على مراد اللّه سبحانه تعالى و ان كانت على خلاف مراده و طبعه فهو أفضل و أكمل و هذا الجهاد باق ما دامت هذه النشأة الثانية الباقية و بعد فراغ منها يتادى باملهم الى الرفيق الأعلى فحينئذ يتوجه بكليته الى الدرجات العلى بأجره و اجر من اهتدى به على سبيل الأكمل و الا و فى و اللّه تعالى اعلم و جملة انا سنلقى اما تذئيل و تأكيد لما سبق كما ذكرنا او معترضة لبيان الحكمة فى الأمر بقيام الليل فان فى القيام تمرين النفس على المشفة و مشق مخالفات الطبع او لان الصلاة كانت قرة للنبى صلى اللّه عليه و سلم حيث قال جعلت قرة عينى فى الصلاة رواه احمد و النسائي و البيهقي عن انس و قال أقم الصلاة يا بلال أرحنا به رواه ابو داود عن رجل صحابى عن خزاعة فحينئذ يكون فى التهجد تحصيل ما يعالج به ثقل التوجه الى الخلق او لان لقيام الليل تأثير التأثر نفسه لشريعة فى نفوس الامة كى يجيبوا دعوته حين يستمعوا قوله كما أجاب الجن دعوته حين يستمعوا القران او لان لقيام الليل مدخل فى قيامه مقام الشفاعة لانه حيث قال اللّه تعالى و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا.

﴿ ٥