سُورَةُ الْقِيَامَةِ مَكِّيَّةٌ

وَهِيَ أَرْبَعُونَ آيَةً

مكّيّة و هى أربعون اية

 بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

_________________________________

١

لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ قرأ قنبل لا قسم بغير الالف بعد اللام تأكيد القسم و كذا روى النقاش عن ابى ربيعة عن البزي و الباقون بالألف بما بعد اللام فقيل لا زائدة كما فى قوله.

٢

وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ و المعنى فيهما القسم و جواب القسم محذوف دل عليه ما بعده اى لتبعثن و لتحاسبن و ليجزين كل نفس بما كسبت ان خير فخير و ان شر فشر و قال ابو بكر بن عياش هو تأكيد للقسم

قال البيضاوي إدخال لا النافية على فعل القسم للتاكيد شائع فى كلام العرب قلت و فيه اشعار بان هذا الأمر ظاهر مستغن عن التأكيد بالقسم و ذلك لان من له عقل و فهم لو تأمل بعد ما يرى من الناس من هو كافر للمنعم ظالم على الخلق قاطع للرحم مرتكب الأمور بجزم العقل بقبحها و هو فى نعمة و رغد من العيش و من هو شاكر للّه تعالى راض عنه الخلق فى محبته و بلاء يحكم ان للجزاء دارا غير هذا الدار و الا يلزم من اللّه تعالى ترجيح الشنيع على المليح و ذلك شنيع يستحيل انصاف الصانع به تعالى عن ذلك علوا كبيرا و النفس اللوامة المراد بها اما الجنس قال الفراء ليس من نفس برة و لا فاجرة الا و هى تلوم نفسها يعنى فى الاخرة ان كانت عملت خيرا قالت هلازدت و ان عملت سوءا قالت ليتنى لم افعل و قال الحسن هى النفس المؤمنة قال ان المؤمن و اللّه ما تراه الا يلوم نفسه يعنى فى الدنيا ما أردت بكلامي و ما أردت باكلى و ان الفاجر لا يحاسب نفسه و لا يعاتبها و قال مقاتل النفس الكافرة تلوم نفسه فى الاخرة على ما فرط فى امر اللّه تعالى فى الدنيا و قيل المراد به الذي يقول لو فعلت كذا و لو لم افعل كذا لكان كذا و لا يرضى بالقضاء قائلا ما شاء اللّه و يقدر اللّه و قالت الصوفية النفس امارة بالسوء ثم إذا اجتهد فى الذكر و تداركه الجذب من اللّه تعالى يظهر له قبائح نفسه و يرى مشتغلا لغير اللّه سبحانه و لا يقدر على القطع عنه بالكلية فحينئذ تلوم نفسها و يقال لها النفس اللوامة ثم إذا حصل له الفناء و البقاء و انخلع عما سوى اللّه و اطمئن بذكره فحينئذ يقال له النفس المطمئنة.

٣

أَ يَحْسَبُ استفهام انكار على التوبيخ الْإِنْسانُ المراد به الجنس لان فيهم من يحسب او المراد الذي نزل فيه و اللام للعهد

قال البغوي نزلت فى عدى بن ربيعة حليف بنى زهرة ختن الأخنس بن شريق الثقفي و كان النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم يقول اللّهم اكفنى جارى السوء يعنى عديا و الأخنس و ذلك ان عديا اتى النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم فقال يا محمد حدثنى عن القيامة متى تكون و كيف أمرها و حالها فاخبره النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك و لم أومن بك او يجمع اللّه العظام فانزل اللّه تعالى أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بعد التفريق و البلى و أنكر جمع العظام و الغرض منه انكار البعث فان العظام قلب الروح و إعادة الروح متفرع على جمعها و ان مخففة او مصدرية مفعول يحسب قائم مقام مفعوليه.

٤

بَلى يجمعها فيحيه قادِرِينَ حال من فاعل الفاعل المقدر ذكرها للترقى على ما أنكر كما يقال أ يحسب ان لن نقدر عليك بلى نقدر عليك قادرين على أقوى منك و المعنى بل نجمها و نقدر على جمعها قادرين عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ اى أنامله او أطراف أنامله لجمع سلامياته و ضم بعضها الى بعض كما كانت مع صغرها و لطافتها فكيف بكبار العظام.

٥

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ عطف على يحسب فيجوز ان يكون استفهاما و ان يكون إيجابا لجواز ان يكون الاضراب عن المستفهم او عن الاستفهام لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يفجر منصوب بان مقدرة و اللام زائدة قال مجاهد و الحسن و عكرمه و السدى معناه لا يجهل ابن آدم ان ربه قادر على جمع عظامه لكنه يزيد ان يفجر ان يكفر امامه اى ما يأتي عليه من الزمان المستقبل فيدوم على الكفر لا ينزع عنه و لا يتوب و قال سعد بن جبير معناه يقدم الذنب و يوخر التوبة و يقول سوف أتقرب سوف اعمل حتى يأتيه الموت على شر حاله و قال الضحاك هو الأمل يقول اعيش فاصيب من الدنيا كذا و كذا و لا يذكر الموت و قال ابن عباس و ابن زيد يكذب بما امامه من القيامة و البعث و الحساب و الفجور الميل سمى فاجرا لميله عن الحق.

٦

يَسْئَلُ حال من فاعل يفجر اى سائلا و استبعادا و استهزاء أَيَّانَ متى يَوْمُ الْقِيامَةِ ط اى لا يكون ذلك.

٧

فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ قرأ نافع برق بفتح الراء و الباقون بكسرها و هما لغتان قال فى القاموس برق كفرح و نصر برقا و بروقا تحير حتى لا يطرف او دهش فلم يبصر و قال الفراء و الخليل برق بالكسر اى تحير و فزع لا يرى من العجائب التي كان يكذبها فى الدنيا قيل ذلك عند الموت و الصحيح انه يوم القيامة بقرينة ما عطف عليه.

٨

وَ خَسَفَ الْقَمَرُ اى اظلم و ذهب ضوءه.

٩

وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ أسودين مكورين قيل معناه انهما يطلعان معا من المغرب اية للقيامة و الخسوف مستعار للمحاق و قيل عطاء بن يسار يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان فى البحر فتكون نار اله الكبرى و قيل يجمع بينهما فى ذهاب الضوء و عن جمل برق البصر إلخ على ما قيل الموت لفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر و الجميع باستتباع الروح الحاسة فى الذهاب او لوصوله الى مكان يقتبس منه نور العقل من سكان القدس و تذكير الفعل لتقدمه و تغليب المعطوف و إذا مضاف الى البرق و الخسف و الجمع ظرف لقوله.

١٠

يَقُولُ الْإِنْسانُ و الجملة الكاملة معطوفة على مضمون قوله بلى قادرين اى بلى نجمع العظام فيقول الإنسان الكافر اين المفر يقول ذلك إذا برق البصر إلخ يَوْمَئِذٍ بدل من إذا برق إلخ أَيْنَ الْمَفَرُّ مقول ليقول.

١١

كَلَّا ردع من طلب المفر بيانه لا وَزَرَ اى لا ملجأ و لا حصن مستعار من الجبل فانهم كانوا يلجؤن بالجبل و استقامة من أنوار بمعنى الثقل.

١٢

إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ط المصير و المرجع و الى مشيته و حكمه موضع قرارهم.

١٣

يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ قال ابن مسعود و ابن عباس بما قدم قبل موته من عمل صالح او شى ء و ما اخر بعد موته من سنته حسنة او سيئة يعمل و قال قتادة بما قدم من طاعه اللّه و ما اخر منه فضيعه

و قال مجاهد باول عمله و آخره و قال زيد بن اسلم بما قدم من أمواله لنفسه و ما اخر لورثته و قيل بما قدم و اخر بمعنى بل قدم امور الدنيا على امور الاخرة او بالعكس.

١٤

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ اى يبصر بتذكير ما عمل فى الدنيا لا يحتاج الى الانباء و الهاء للمبالغة نظيره قوله تعالى كفى بنفسك اليوم حسيبا كذا قال ابو العالية و عطاء و رواه البغوي عن ابن عباس و يحتمل ان يكون بصيرة صفة لمحذوف تقديره بل الإنسان عين بصيرة على نفسه و على التقديرين على نفسه متعلق ببصيرة و هو خبر الإنسان و البصيرة بمعنى الحجة كما فى قوله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم اى الإنسان هو حجة بينة على نفسه شاهد عليها و حينئذ على نفسه ظرف مستقر خبره بصيرة و الجملة خبر الإنسان و يحتمل ان يراد بالبصيرة ذالحجة الملك الموكل و قال مقاتل و الكلبي معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة رقباء يرقبونه و يشهدون عليه بعمله و هو سمعه و بصره و جوارحه و حينئذ دخول الهاء فى البصيرة لان المراد الإنسان جوارحه و يحتمل ان يكون معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة يعنى جوارحه فحذف حرف الجر كما فى قوله تعالى ان أردتم ان تسترضعوا أولادكم اى لاولادكم.

١٥

وَ لَوْ أَلْقى الإنسان مَعاذِيرَهُ ط قال الضحاك و السدى معناه و لو ارخى الستور و اغلق الأبواب عند فعل المعصية ليخفى ما يعمل فلا ينفع فان نفسه عليه شاهد و كذا الموكل به و اللّه على كل شى ء شهيد و اهل اليمن يسمون الستر معذارا و جمعه معاذيرة

و قال مجاهد و قتادة و سعيد بن جبير معناه يشهد عليه الشاهد من الجوارح و الملائكة و لو اعتذر و جادل عن نفسه كما قال لا ينفع الظالمين معذرتهم قال الفراء و لو اعتذر فعليه من نفسه من يكذبه و معنى إلقاء القول كما قال اللّه تعالى و القوا إليهم القول انكم لكاذبون و على هذا معاذير جمع معذار بمعنى العذر و جمع معذرة على غير قياس كمناكير فى المنكر و الظاهر انه اسم جمع و جمعها معاذر و كذا المناكير و اللّه تعالى اعلم - اخرج الشيخان فى الصحيحين عن ابن عباس قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم إذا نزل جبرئيل بالوحى يحرك لسانه و شفتيه فيشتد عليه و كان يعرف عنه يريد ان يحفظ ما انزل اللّه فانزل اللّه تعالى.

١٦

لا تُحَرِّكْ يا محمد بِهِ بالقران لِسانَكَ قبل ان يتم وحيه لِتَعْجَلَ بِهِ ط اى لتاخذه على عجلة فى الصحيحين عن ابن عباس كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يحرك شفتيه إذا نزل يخشى ان ينفلت-.

١٧

إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ فى صدرك وَ قُرْآنَهُ ج اثبات قرأته على لسانك تعليل للنهى.

١٨

فَإِذا قَرَأْناهُ اى القران بلسان جبرئيل أضاف قراءة جبريل الى نفسه مجازا لانه بامره و رسالته فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ج قراءته يعنى فاقرأ بعد قراءة جبريل حتى يرسخك فى ذهنك كذلك لا بد للتلميذ ان يقرأ بعد قراءة الشيخ و لا يقرأ معه كيلا يقع المزاحمة و التشويش فى القراءة و الحفظ.

١٩

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ط اى القران اى اظهار المراد منه إذا أشكل شى ء من معانيه قلت الاية على ان بيان القران محكمه و متشابهه من اللّه تعالى للنبى صلى اللّه تعالى عليه و اله و سلم لا يجوز ان يكون شى ء منها غير مبين له عليه الصلاة و السلام و الا يخلو الخطاب من الفائدة و يلزم الخلف فى الوعد كما ذكرنا هذه المسألة فى تفسير قوله تعالى وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّه و كلمة ثم تدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لكن لا يجوز عن وقت الحاجة و جملة لا تحرك به لسانك معترضة على طريقة من يتكلم فطفق المخاطب يتكلم و يقطع كلامه فقال اسكت و لا تقطع الحديث انما لك حق التكلم بعد تمام الاستماع ثم عاد الى ما كان يتكلم فيه فقال.

٢٠

كَلَّا ردع على انكار البعث او الفجور امامه او على الغاء المعاذير الباطلة بَلْ تُحِبُّونَ الضمير راجع الى الإنسان المذكور سابقا و جمع الضمير نظرا الى المعنى لان المراد به الجنس او الذي الكلام فيه و من فى معناه الْعاجِلَةَ يعنى الدنيا و شهواتها.

٢١

وَ تَذَرُونَ اى الإنسان على ما مر هذا على قراءة ابن كثير و ابو عمرو و ابن عامر بالياء للغيبة فيهما

و قرا الكوفيون و نافع بالتاء على الخطاب فيهما على طريقه الالتفات من الغيبة الى الخطاب الْآخِرَةَ ط و تعميمها يعنى انهم لا يعلمون ان اللّه تعالى لا يقدر على البعث و الاعادة او ان معاذيره ينفعهم بل يحبون العاجلة و يتبعون الشهوات الدنيا فاعمى الشهوات بأبصارهم و أعمه قلوبهم و يذرون الاخرة ثم ذكر احوال الاخرة فقال.

٢٢

وُجُوهٌ مبتداء اما معترضة بتقدير الاضافة اى وجوه المؤمنين المقربين و اما نكرة مخصصة بصفة مقدرة اى وجوه كثير او وجوه منهم اى من جنس الإنسان الذي مر ذكره يَوْمَئِذٍ ظرف لما بعده يعنى يوم إذا كان ما سبق من برق البصر و غيره او يوم إذا كانت الاخرة ناضِرَةٌ خبر ناعمة حسنة متهللة.

٢٣

إِلى رَبِّها متعلق بما بعده ناظِرَةٌ ج بروية البصر بلا كيف و لا جهة و لا ثبوت مسافة و لا بقياس الغائب على الشاهد خبر ثان لوجوه

و اخرج الآجري و البيهقي فى كتاب الروية من طريقين عن ابن عباس قال وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة الى ربها ناظرة نظرة الى الخالق و اخرجوا عن الحسن نحوه و عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر ال جنانه و أزواجه و نعيمه و خدمه و سرره مسيرة الف سنة و أكرمهم على اللّه من ينظر الى وجه غدوة و عشية ثم قرا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة رواه احمد و الترمذي و الدار قطنى و اللالكائى و الآجري نحوه و فى لفظ الآجري ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر فى ملكه مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه و فى الباب حديث انس رواه البزار و الطبراني و البيهقي و ابو يعلى بطوله و فيه يوم الجمعة يزداد فيها نظرا الى وجهه تعالى و لذلك دعى يوم المزيد رواه البزار و الاصفهانى عن نحوه

و اخرج الآجري عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم قال ان اهل الجنة يرون ربهم كل جمعة و عن الحسن مرسلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم ان اهل الجنة ينظرون الى ربهم كل جمعة الحديث أخرجه يحى بن سلام و عن انس مرفوعا قال اللّه تعالى من سلبت كريميته جزائه الحلول فى دارى و النظر الى وجهى رواه الطبراني و غيره و حديث جرير البجلي قال كنا جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه و سلم إذ نظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون فى روية فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها متفق عليه و كذا روى اللالكائى عن حذيفة و فى الصحيحين عن ابى هريرة نحوه و عن زيد بن ثابت قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم يدعو اللّهم انى أسئلك برد العيش بعد الموت و لذة النظر الى وجهك و الشوق الى لقائك فى غير ضرار مضرة و لا فتنة مضلة رواه اللالكائى و عن عبادة بن صامت لن ترون ربكم حتى تموتون رواه الدار قطنى و كذا رواه اللالكائى عن ابى هريرة

و اخرج ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم رب أرني انظر إليك قال قال اللّه تعالى يا موسى انه لا يرانى حتى الا مات و لا يابس الا تدهده و لا رطب الا تغرق و انما يرانى اهل الجنة لا تموت أعينهم و لا تبلى أجسادهم و عن على فى قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا قال من أراد ان ينظر الى خالقه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك به أحدا رواه البيهقي و بالجملة صح تفسير هذه الاية و تفسير قوله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى و زيادة و قوله تعالى و لدينا مزيد و غيره من الآيات بروية اللّه تعالى مسندة عن النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم و أصحابه و التابعين بحيث بلغت مبلغ التواتر عند اهل الحديث كذا ذكر السيوطي و غيره و بما ذكرنا فى هذا المقام كفاية و نذكر فى تفسير كل اية منها ما يتعلق به ان شاء اللّه تعالى و على روية اللّه تعالى انعقد اجماع اهل السنة و الجماعة و خالفهم اهل الهواء من المعتزلة و الخوارج و غيرهم بامتناعها زعما منهم بانها تتوقف على كون المرئي حسما كثيفا بلا حجاب و كون المسافة بين الرائي و المرئي متوسطة لا فى غاية القرب و لا فى غاية البعد و خروج شعاع البصر من الرائي و وصوله الى المرئي المقتضى ثبوت الجهة له تعالى و استدلوا على امتناع الروية من المنقول بقوله تعالى لا تدركه الابصار و قالوا تاويل هذه الاية ان ناظرة بمعنى منتظرة امر ربها و انعامه و يابى عنه العربية فان الانتظار يتعدى باللام دون الى و النظر بالبصر يعدى بالى و قال اهل السنة الروية لا تتوقف الا على كون المرئي موجود او كذلك فى جانب الرائي لا يشترط الا الوجود و الحيوة و العلم و الابصار و اما توقف الروية على غير ذلك من الشرائط فامر عادى فى خصوص المادة و لا يجوز قياس الغائب على الشاهد و لا شك ان اللّه سبحانه تعالى يرى خلقه من الماديات و المجردات من غير مسافة بينهما و لا خروج شعاع و هو السميع البصير كيف ينكر كونه مرئيا بعد ما نطق به البشير النذير و قوله تعالى لا تدركه الابصار انما ينفى الدرك و هو يقتضى الإحاطة و حصول العلم بكنهه و ذلك محال و اما العلم الحضوري بالكنه بمعنى حضور كنه المعلوم عند العالم فليس بمحال لكنه متعال عن درك الابصار و اللّه تعالى اعلم- (فائدة) هذه الاية تدل على انهم يرون اللّه تعالى دائما مستمرا لا ينقطع رويتهم كما يدل على دوام النضرة لهم ابدا فان الجملة الاسمية للدوام و الاستمرار و لا منافاة بينها و بين ما ثبت بالأحاديث ان من الناس من يرى اللّه تعالى كل جمعة و منهم من يرى اللّه تعالى فى كل جمعة اى أسبوع مرتين كذا احرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة و منهم من يرى ربه فى مقدار كل عيد لهم فى الدنيا يعنى فى كل سنة مرتين كذا روى يحى بن سلام عن ابى بكر بن عبد اللّه المزني و منهم من يرى فى كل يوم مرتين غدوة و عشية كما مر من حديث ابن عمر لان ثبوت دوام الروية انما هو لجمع منكر و هى لا تدل على العموم او بقدر ما هو أخص من المؤمنين فيقدر المقربين فتقديره وجوه المقربين يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة دائما ابدا اخرج ابو نعيم عن ابى يزيد البسطامي قال ان للّه تعالى خواص من عباده لو حجبهم فى الجنة عن روية لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار فظهر ان الناس فى الروية على درجات لا تكاد تحصى و ليس المقصود من الأحاديث استيفاء درجاتهم و معنى قوله صلى اللّه عليه و اله و سلم أكرمهم على اللّه من ينظر الى وجهه غدوة و عشية انهم من أكرمهم و هذا لا يقتضى ان لا يكون أحد أكرم منهم و إذا تقرر هذا فاعلم ان الذين يدومون النظر الى اللّه سبحانه و اللّه تعالى اعلم بهم هم الأنبياء و المقربون من العباد الواصلين الى الذات المجرد عن الشيون و الاعتبارات الذين كان حظهم فى دار الدنيا من الذات التجلي الدائمى لا كالبرق الخاطف لان من كان حظه فى دار الدنيا دوام التجلي و لم يكن له الروية فى الدنيا لعدم صلاحيته تعين هذه النشأة الروية كما أشير اليه فى حديث ابن عباس عند ابى نعيم فى الحلية فاذا زال المانع فلا جرم ينظر ذلك الرجل الى اللّه دائما و إلا لزم انعكاس الأمر و رجوعه القهقرى و من لم يكن فى الدنيا دوام التجلي و الحضوري فيكون الروية لهم على تفاوت الدرجات فمن كان حظه تجليا برقيا يرى فى كل يوم مرتين او مرارا و من لم يكن كذلك ففى كل جمعة او شهر او سنة على ما شاء اللّه- (فائدة) قال المجدد رضى اللّه تعالى عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث فى تحقيق سر اشتغال قلب يعقوب عليه السلام بمحبة يوسف عليه السلام مع ان قلوب الخواص من الناس تكون فارغة عن حب غير اللّه تعالى ان جنة كل رجل عبارة عن ظهور اسم من اسماء اللّه تعالى الذي هو مبدأ التعين ذلك الرجل و ان ذلك الاسم يتجلى بصورة الأشجار و الأنهار و القصور و الحور و الغلمان و استحكم هذا المكشوف بقوله صلى اللّه عليه و اله و سلم ان الجنة طيبة التربة عذبة اى أنهارها قيغان و ان غراسها هذه يعنى سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر ثم قال المجدد رضى اللّه تعالى عنه ان تلك الأشجار و الأنهار قد تصير فى حين من الأحيان على هيئة الاجرام الزجاجة فتصير وسيلة الى روية اللّه سبحانه غير متكيفة ثم تعود الى حالها الذي كانت عليه فيشتغل المؤمن بنفسها و هكذا الى ابد الآبدين و قال كما ان التجلي الذاتي للصوفى فى الدار الدنيا تكون من وراء حجب الأسماء او الصفات و قد يرتفع تلك الحجب فيحصل له التجلي الذاتي كالبرق الخاطف كذلك حال الروية فى الاخرة لكل رجل يتعلق بذات اللّه سبحانه و تعالى باعتبار اسم هو مبدأ الجنة و تجلى و تمثل لجنة و تلك الروية تكون كالبرق الخاطف فى زمان يسير ثم تحجب عنه و يبقى نوره و بركته من وراء نعيم الجنة و أشجارها قلت هذا تحقيق روية العوام من اهل الجنة و اما الخواص منهم فلما كان التجلي لهم فى الدنيا دائما فكذلك الروية تكون لهم دائما

فان قيل قال المفسرون تقديم الجار و المجرور فى قوله تعالى الى ربها ناظرة يقتضى الحصر و يفيد انهم إذا أراد ربهم يستغرقون فى رويته تعالى لا ينظرون حينئذ الى غيره و يؤيده حديث جابر رض قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رؤسهم فاذ الرب تبارك و تعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة و ذلك قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم و ينظرون اليه فلا يلتفتون الى شى ء من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحجب عنهم و يبقى نوره و بركته فى ديارهم رواه ابن ماجة و ابن ابى الدنيا و الدار قطنى فحينئذ لو كان لبعض الناس دوام الروية فكيف يتصور الحصر و عدم الالتفات الى النعيم دائما

قلنا إفادة الحصر ممنوع و تقديم الجار و المجرور لرعاية الفواصل و لعل الالتفات الى النعيم فى حق ذلك البعض لا يزاحم الروية بل تكون نعيم الجنة فى حقه مثل الاجرام الزجاجية ابدا موبدة للروية و ذلك الصوفي يجتمع له الرؤيتان روية الاحجاب و روية بتوسط النعيم و مع ذلك يرى النعيم و يلتذ به ايضا و ان من هذا شانه فلان يشغله شان عن شأن و اما غيره من اهل الجنة فالالتفات الى نعيم الجنة يشغلهم عن الروية و بالعكس لضيق استعدادهم او نقول معنى الحصر فى حق من له الروية و اما ما روى من حديث جابر فهو حكاية عن حال عامة اهل الجنة لا يقال سلمنا ان التفاته للنعيم لا يشغله عن الروية فكيف يجوز له التوجه الى النعيم مع حصول شرف الروية لما ذكرنا ان نعيم الجنة محابى اسماء اللّه تعالى فلا محذور فى الالتفات إليها مع الروية (فائدة) وقع فى بعض كلام الائمة ان روية اللّه خاصة لمؤمن البشر و ان الملائكة لا يرونه و نص البيهقي على خلافه محتجا بحديث عبد اللّه بن عمرو ابن العاص قال خلق اللّه تعالى الملائكة بعبادته أصنافا و ان منهم الملائكة قياما صافين من يوم خلقهم الى يوم القيامة فاذا كان يوم القيامة تجلى لها تبارك و تعالى فنظروا الى وجه الكريم و قالوا ما عبدناك حق عبادتك

و اخرج نحوه من وجه اخر عن عدى بن ارطاف عن رجل من الصحابة و بما ذكرنا روية كل رجل على حسب مبدأ تعينه يظهر فضل الملائكة على عوام مومنى البشر لكون مبادى تعيناتهم فوق مبادى تعينات البشر كما حققه المجدد رضى اللّه عنه و بما ذكرنا ان روية الخواص البشر دائمة غير منقطعة يظهر فقيل خواص البشر أفضل على خواص الملائكة كما بين فى كتب العقائد.

٢٤

وَ وُجُوهٌ اى وجوه الكافرين او وجوه كثيرة يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ كالحة عابسة شديد العبوس.

٢٥

تَظُنُّ تستيقن أربابها خبر ثان أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ واهية عظيمة فقال الظهر قال ابن زيد هى دخول النار و قال الكلبي هى ان يحجب عن روية الرب عز و جل.

٢٦

كَلَّا روع عن إيثار الدنيا على الاخرة كانه قيل ارتدعوا عن ذلك و اذكروا الموت الذي عنده ينقطع الدنيا و تقبل الاخرة مخلدة إِذا بَلَغَتِ النفس كناية عن غير مذكور دل عليه الكلام و إذا شرطية جزاءه الى ربك يومئذ المساق او ظرف متعلق بفعل دل عليه المساق اى يساقون الى ربكم إذا بلغت التَّراقِيَ العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين و شمال و يكنى ببلوغ النفس التراقى عن الاشراف على الموت.

٢٧

وَ قِيلَ مَنْ راقٍ يسكت حفص على من و يدغم غيره اى قال حاضر و المحتضر من يرقيه مما به من الترقية كذا قال قتادة او قالت الملائكة الموت أيكم يرقى بر وجه ملائكة الرحمة او ملائكة العذاب من الرق كذا قال سليمان التميمي و مقاتل بن سليمان.

٢٨

وَ ظَنَّ المحتضر أَنَّهُ اى الذي نزل به الْفِراقُ اى سبب للفراق من الدنيا و مما يحبه.

٢٩

وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ اى التوت ساقه بساقه فلا يقدر تحريكهما كذا قال الشعبي و الحسن و نحوه و قال ابن عباس التوت امر الدنيا بامر الاخرة فكان اخر يوم من ايام الدنيا و أول يوم من ايام الاخرة فيجتمع عليه شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الاخرة و قال الضحاك معناه ان الناس يجهزون جسده و الملائكة يجهزون روحه.

٣٠

إِلى رَبِّكَ لا الى غيره يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ ط اى سوق و مرجعه يحكم فيه ما يشاء.

٣١

فَلا صَدَّقَ الرسول و القران او لا صدق ماله اى لم يزك وَ لا صَلَّى للّه ما فرض عليه قوله فلا صدق عطف على مضمون أ يحسب الإنسان فان التوبيخ يستلزم الوقوع تقديره حسب الإنسان ان لن نجمع عظامه و لا نبعثه فلا صدق و لا صلى و الضمير فيهما راجع الى الإنسان فالسياق يقتضى ان يكون ذلك حكاية عن عدى بن ربيعة المذكور و

قال البغوي المراد ابو جهل و لو حمل الإنسان على الجنس لكان شاملا لهما.

٣٢

وَ لكِنْ كَذَّبَ النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم وَ تَوَلَّى عن الايمان به.

٣٣

ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ط اى يسرع فى سيره فى القاموس مطى جد فى السير و السرع فى الصحاح معناه يمد مطاه اى ظهره و منه يقال لا يركب ظهره مطيه كالبعير و قيل أصله يتمطط أبدلت الطاء ياء اجتماع ثلثة أحرف مماثلة و الطا هو المد و حاصل المعنى يتبختر لان المتبختر يمد عنقه و يمد خطاياه.

٣٤

أَوْلى لَكَ جملة دعائية بمعنى ويل لك او تهديد و وعيد و فيه التفات من الغيبة الى الخطاب فَأَوْلى

٣٥

ثُمَّ أَوْلى لَكَ ف َأَوْلى ط كرره للتاكيد و يحتمل ان يراد به ويل لك فى الدنيا بالقتل و اللعن و ذكر السوء و التعذيب و ويل لك يوم الموت و ويل لك إذ بعثت ويل لك إذا دخلت النار فهو نقيض ما قيل فى يحى عليه السلام و السلام عليه يوم ولد و يوم يموت و يوم يبعث حيا فهو افعل من الويل بعد القلب كاونى من دون و قيل أصله أولاك اللّه ما تكريهه و اللام مزيدة كما فى قوله ردف لكم اى ردفكم و قيل أصله اولى لك الهلاك و قيل هو فعل من ال يول أمرك الى الشرك و قيل هو اسم فعل بمعنى وليك ما تكرهه فى القاموس اولى لك تهدد و وعيد اى قاربك الهلاك فهو من الولي بمعنى القرب قال قتادة ذكر لنا ان النبي صلى اللّه عليه و سلم لما نزلت هذه الاية أخذ بمجامع ثوب ابى جهل بالبطحاء و قال له اولى لك فاولى ثم اولى لك فاولى فقال ابو جهل أ توعدني يا محمد و اللّه لا تستطيع أنت و ربك ان تفعلا بي شيئا و الى لاغر من مشى بين جبلها فلما كان يوم بدر صرعه اللّه أشد مصرع و قتله أسوأ قتل و قال النبي صلى اللّه عليه و سلم ان لكل امة فرعونا و ان فرعون هذه ابو جهل

و اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت عليها تسعة عشر قال ابو جهل للقريش ثكلتكم أمهاتكم يخبركم ابن ابى كبشة ان خزنة النار تسعة عشر و أنتم الدهم أ يعجز كل عشرة منكم ان يبطشوا برجل من خزنته جهنم فأوحى اللّه تعالى الى رسوله ان يأتي أبا جهل فيقول له اولى لك فأولى ثم اولى لك فاولى

و اخرج النسائي عن سعيد بن جبير انه سال ابن عباس عن قوله اولى لك فاولى قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قبل نفسه أم امره اللّه به قال بل قاله من قبل نفسه ثم انزل اللّه.

٣٦

أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ط امال حمزة و الكسائي مهملا لا يومر و لا ينهى و لا يبعث و لا يجازى حيث ينكر البعث فان انكار البعث يقتضى كونه مهملا مع ان الحكمة فى خلقه ليس الا التكليف قال اللّه تعالى و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون و قال قل لا يعبأ بكم ربى لولا دعاءكم و كيف ينكر الإنسان البعث و يستحيله.

٣٧

أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى يصب فى الرحم قرا حفص بالياء على التذكير راجعا الى المنى و الباقون بالتاء ردا الى النطفة.

٣٨

ثُمَّ كانَ الإنسان بعد كونه نطفة عَلَقَةً بعد أربعين يوما ثم مضغة كذلك ثم عظاما فكسبت لحما فَخَلَقَ اللّه تعالى إياه و إيانا بنفخ روحه فيه فَسَوَّى و عدل خلقه بلا نقصان.

٣٩

فَجَعَلَ اللّه سبحانه مِنْهُ اى من المنى الذي صار علقة ثم مضغة ثم عظاما و لحما الزَّوْجَيْنِ الصنفين يجتمعان فى الرحم تارة و ينفرد كل منهما عن الاخر اخرى الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى

٤٠

أَ لَيْسَ ذلِكَ اللّه الذي يفعل ذلك و يوجد بلا سبق وجود بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى ع انكار جواز البعث مع مشاهدة ما هو اعجب منه يقتضى كمال الحمق او العناد عن ابى هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قرا منكم بالتين فانتهى الى آخرها أ ليس اللّه ما حكم الحكمين فليقل بلى و انا على ذلك من الشاهدين

و من قرا لا اقسم بيوم القيمة فانتهى الى أ ليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل بلى و انا على ذلك من الشاهدين

و من قرا و المرسلات فبلغ فباى حديث بعده يومنون فليقل أمنا باللّه و عن موسى بن عائشة قال كان رجل يصلى فوق بيته فكان إذا قرا أ ليس ذلك و يقدر على ان يحيى الموتى قال سبحانك بلى فسالوه عن ذلك فقال سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم روى الحديثين ابو داود.

﴿ ٠