سُورَةُ التَّكْوِيرِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً مكية و هى تسع و عشرون اية بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم من سره ان ينظر الى يوم القيامة راى العين فليقرأ إذا الشمس كورت و إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت رواه احمد و الترمذي و حسنه و رواه البغوي من غير ذكر إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت _________________________________ ١ إِذَا الشَّمْسُ إذا شرطية و الشمس مرفوعة بفعل شرط محذوف يفسره كُوِّرَتْ و كذا كل ما عطف عليه اى لغت فذهب ضوءه و اظلمت اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم و البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال اظلمت و اخرج ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا فى كتاب فى البحر و الأحوال و ابو الشيخ فى كتاب العظمة عنه فى تلك الآيات قال يكور اللّه الشمس و القمر و النجوم يوم القيامة فى البحر و يبعث اللّه ريحا دبورا فينفخه حتى يرجع نارا قال بعضهم إذا ألقيت الشمس فى البحر فيه انحمى و تنقلب نارا و اخرج ابن ابى حاتم عن ابن ابى مريم ان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال فى قوله تعالى إذا الشمس كورت فى جهنم و إذ النجوم انكدرت قال انكدرت فى جهنم و كل من عبد من دون اللّه فهو فى جهنم الا ما كان من عيسى و امه قلت لعل التطبيق بين تكويرها فى البحر و فى جهنم ان البحر يصير نارا حميما لاهل النار و اخرج البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال الشمس و القمر يكوران يوم القيمة و اخرج البزار فى مسنده و زاد فى النار. ٢ وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ص اى انقضت و تناثرت من السماء و تساقطت الى الأرض يقال انكدر الطير اى أسقط قال الكلبي يمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم الا وقع. ٣ وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ ص عن وجه الأرض فصارت هباء منبثا. ٤ وَ إِذَا الْعِشارُ اى التوق اللاتي مر على حملها عشرة أشهر جمع عشراء و لا يزال ذلك اسمها ح تى تضع لتمام سنة و هى النفيس اموال العرب يكونون ملازمى اذنابهن عُطِّلَتْ تركت بلا راع أهملها أهلها لما جاء اهوال يوم القيامة او المراد بالعشار السحايب عطلت عن المطر. ٥ وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ قال ابى بن كعب معناه اجتلت و ماجت بعضها فى بعضها و قيل معناه جمعت بعد البعث للقصاص بين الدواب كما مر فى تفسير قوله تعالى يا ليتنى كنت ترابا و روى عكرمة عن ابن عباس حشرها موتها قال حشر كل شى الموت غير الجن و الانس. ٦ وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ص قرا ابن كثير و ابو عمرو بالتخفيف و الباقون بالتشديد قال ابن عباس أوقدت فصارت نارا تضطرم و هو قول ابى و قال الكلبي ملئت يقال المسجور المملو و قال مجاهد و مقاتل يعنى قحم بعضها فى بعض العذب و الملح فصارت البحور كلها بحرا واحدا من الحميم لاهل النار و قال الحسن و قتادة يبست و ذهب ماءها فلم يبق من الماء قطرة قلت و الجمع بين الأقوال انه يجمع البحار كلها و ملئت بحرا واحدا و كورت الشمس فيها فحينئذ تحمى البحر و تصير نارا و لم يبق من الماء قطرة بصيرورتها نارا و ماء حميما لاهل النار و اخرج ابن ابى حاتم و ابن ابى الدنيا عن ابى بن كعب قال ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس فى أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذا وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت و اضطربت و فزعت الإنس و الجن فتقول الجن للانس نحن ناتيكم بالخبر فانطلقوا الى البحر فاذا هو نار تأجج فبينما هم كذلك إذا جاءت بهم ريح فاماتتهم و قال البغوي روى ابو العالية عنه فذكر نحوه غير ان فى رواية فانطلقوا الجن الى البحر فاذا هى نار تأجج فبينما هم كذلك إذ انصدعت الأرض صدعة واحدة اى الأرض السابعة السفلى الى السماء العليا فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فاماتتهم و عن ابن عباس ايضا قال هى اثنى عشر خصلة ست فى الدنيا ستة فى الاخرة و هى ما ذكر بعدها. ٧ وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ اخرج ابن ابى حاتم عن النعمان بن بشير قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى هذه الاية الضرباء كل رجل مع قومه كانوا يعملون عمله و ذلك بإذن اللّه و يقول و كنتم أزواجا ثلثة فأصحب الميمنة ما اصحب الميمنة و اصحب المشئمة ما اصحب المشئمة و السابقون السابقون و اخرج البيهقي من النعمان بن بشير قال سمعت عمر بن الخطاب يقول و إذا النفوس زوجت قال هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة او النار و سمعته يقول احشروا الذين ظلموا و أزواجهم قال ضربائهم و اخرج سعيد بن منصور بلفظ يقرن الرجل الصالح مع الصالح فى الجنة و يقرن الرجل السوء مع السوء فى النار و اخرج البيهقي عن ابن عباس قال احشروا الذين ظلموا و أزواجهم قال أشياعهم و قيل تزوجت النفوس باعمالها و قال عطاء و مقاتل زوجت النفوس المؤمنين بالحور العين و قرنت نفوس الكفار بالشياطين و روى عن عكرمة قال إذا النفوس زوجت اى ردت الأرواح فى الأجساد. ٨ وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ و هى الجارية المدفونة حية سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيودها اى يثقلها حتى تموت و كانت العرب تدفن البنات مخافة العار و الفقر تبكيتا للوائدة كتبكيت النصارى بقوله تعالى يا عيسى بن مريم أنت قلت للناس اتخذوني و أمي الهين او يقال أسند الفعل الى الموؤدة محازا و المعنى سُئِلَتْ عنها كما فى قوله تعالى ان العهد كان مسئولا اى مسئولا عنه او المراد بالموؤدة الوائدة و قد يطلق المفعول بمعنى الفاعل كما فى قوله تعالى كان وعده ماتيا و المراد بالموءودة الموؤدة لهما كما فى قوله عليه السلام الوائدة و الموؤدة فى النار رواه ابو داود بسند حسن عن ابن مسعود قال وائدة هى القابلة و الموؤدة لها هى الام و لا يمكن فى الحديث الا هذا التأويل- (فائده) الواد كبيرة لانه قتل النفس بغير حق و فى حكمه إسقاط الحمل بعد اربعة أشهر لتمام خلقة الجنين و نفخ الروح فى تلك المدة و اقل منه وزرا إسقاط الحمل قبل اربعة أشهر لكنه حرام و لذلك تجب الغرة اجماعا فيما ضرب بطن امرأة حبلى فسقط جنينا كامل الخلقة او ناقصا إذ تصور فيها خلق آدمي هذا إذا انفصل ميتا و اما إذا انفصل حيا فمات ففيه كمال دية الكبير عن ابى هريرة قال قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فى جنين امرأة من بنى لحيان سقط بغرة عبدا و امة متفق عليه (مسئلة:) يجوز العزل عن الامة و لا يجوز عن الحرة الا بإذنها لكنه يكره مطلقا لما روى مسلم عن حذامة بنت وهب انهم سالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن العزل فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك الواد الخفي و هى و إذا الموؤدة سئلت و وجه الجواز حديث جابر كنا نعزل و القران ينزل متفق عليه و زاد مسلم فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه و سلم فلم ينهنا و فى رواية عنه صلى اللّه عليه و سلم قال فى الامة اعزل عنها ان شئت فانه سيأتيها ما قدر لها و فى روايتها ما عليكم ان لا تفعلوا ما من نسمة كاينة الى يوم القيامة الا و هى كاينة متفق عليه و وجه الاحتياج الى الاذن فى الحرة حديث عمر بن الخطاب قال نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ان يعزل عن الحرة الا بإذنها رواه ابن ماجة. ٩ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ اى الموؤدة قرا ابو جعفر بالتشديد المبالغة و الجمهور بالتخفيف فى التاء. ١٠ وَ إِذَا الصُّحُفُ صحف الأعمال نُشِرَتْ للحساب او فرقت بين أصحابها قراءة نافع و ابن عامر و عاصم بتخفيف الشين و الباقون بالتشديد للمبالغة فى النشر او لكثرة الصحف او شدة الطائر. ١١ وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ قلعت و أزيلت كما تكشط الإهاب عن الذبيحة قلت و الظاهر ان يكون هذا قبل نفخة الصعق حين كورت الشمس و انتشرت الكواكب او عند تلك النفخة و يحتمل ان يكون بين النفختين فتطوى السماء و الأرض و تبدل السماء سماء اخر و تبدل الأرض غير الأرض قال القرظي جمع صاحب الإفصاح بين الاخبار فقال تبديل السموات و الأرض تقع مرتين إحداهما تبديل صفاتها فقط و ذلك قبل نفخة الصعق فتنثر الكواكب و تخسف الشمس و القمر و تصير السماء كالمهل و تكشط عن الروس و تسير الجبال و يصير البحر نارا و عوج الأرض و ينشق الى ان تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء و الأرض و تبدل السماء بسماء اخرى. ١٢ وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ قرأ نافع و حفص و ابن زكوان بتشديد العين و الباقون بالتخفيف اى أوقدت إيقاد شديدا لاعداء اللّه تعالى. ١٣ وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ أدنيت للمتقين قال اللّه تعالى و أزلفت الجنة للمتقين غير بعيد. ١٤ عَلِمَتْ نَفْسٌ مكرمة عامة فى الأسباط بمعاونة المقام اى كل نفس ما أَحْضَرَتْ ط اى ما فعلت من خير او شر و هذا جواب لاذا الشرطية فى إذا الشمس كورت و فيما عطف عليه و المراد بذلك الزمان الزمان المتسع الشامل لجميع ما ذكرهما قبل النفخة الاولى الى دخول الجنة. ١٥ فَلا أُقْسِمُ الكلام هاهنا كالكلام فى المفتتح «١» سورة القيامة و الفاء يعنى لما أنزلنا عليكم الآيات فى شأن الساعة فاعلموا انه كلام اللّه غير متقول اقسم بِالْخُنَّسِ الخنوس الرجوع من منتهى السير الى مكان ابتدأ منه و المراد بها الكواكب الخمسة المسمات بالمتحيرة و هى عطارد و الزهرة و المشترى و المريخ و الزحل فانها ترى سيارة من المغرب الى المشرق ثم ترجع الى المغرب و قد ترى ساكنة و لذلك سميت متحيرة و السبب فى ذلك عند الهيئة انها مرتكزة فى أفلاك جزئية غير مجوفة تسمى تدويرات و للتدويرات حركات برأسها و حركات أعاليها على نسق أفلاكها من المغرب الى المشرق و حركات أسافلها على عكس ذلك فالكواكب إذا كان فى أعلى التدوير فتساعد الحركتين حركة التدوير و حركة الفلك الكلى يرى متحركا الى المشرق بسرعته و إذا كان فى أسفلها فلتراجم الحركتين او عدم التساعد قد يرى متحركا نحو المغرب و هو الرجوع و الخنوس و قد يرى ساكنا و اما عندنا فالكواكب كل منها فى فلك يسبحون على ما أراد اللّه سبحانه و لا امتناع لخرق السموات و التيامها فحركات الخمسة المتحيرة قد تكون نحو المشرق و قد تكون نحو المغرب و قد تكون بطيئة و قد تكون سريعة كما أراد اللّه تعالى و جرى به عادته و حركات ساير الكواكب جرت العادة بكونها دائما على نسق واحد و قال قتادة الخنس هى النجوم كلها تبدوا بالليل و تخنس بالنهار فتخفى فالمراد بالخنوس حينئذ الخفاء و هو لازم يعنى الرجوع و قيل خنوسها ان يغيب قلت و على هذا يكون الخنس و الكنس مترادفين فلا وجه للتكرار. (١) مضت التفصيل فى سورة القيامة لكن خلاصة كلامه ان قنبل و فى رواية البزي ايضا قرا لاقسم من دون الالف و اللام لتاكيد القسم اما الباقون من القراء فقراءتهم كقراءة حفص فحينئذ لا زائدة ١٢-. ١٦ الْجَوارِ فى الفلك الْكُنَّسِ و الكنوس ان تأوي الأرنب و الظبى فى مكانها و المراد هاهنا بالكنس اختفائها عند غروبها او عند المحاق قلت و يحتمل ان يقال المراد بمكانها مستقرها تحت العرش عن ابى ذر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم حين غربت الشمس أ تدري اين تذهب قلت اللّه و رسوله اعلم قال فانها تذهب حتى نسجد تحت العرش الحديث. ١٧ وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ قال الحسن اقبل بظلامه و قال أدبر و هو من الاضداد. ١٨ وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ اى بدأ اوله و قبل امتد ضوئه و ارتفع جواب القسم. ١٩ إِنَّهُ يعنى القران لَقَوْلُ رَسُولٍ من حيث انه رسول يعنى ليس بمتقول محمد عليه الصلاة و السلام بل هو قول مرسل و هو اللّه سبحانه و المراد بالرسول جبرئيل او محمد صلى اللّه عليه و سلم كَرِيمٍ على اللّه صفة رسول. ٢٠ ذِي قُوَّةٍ ان المراد جبرئيل فمن قوته انه اقتلع قريات قوم لوط و من الماء الأسود حملها على جناحه فرفعها الى السماء ثم قلبها و انه صاح صيحة بثمود فاصبحوا جاثمين و انه يهبط من السماء الى الأرض و يصعد فى اسرع من الطرف و ان المراد به محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم فهو ذو قوة فى الجذب الى اللّه من الإرشاد لبث نوح عليه السلام فى قومه الف سنة الا خمسين عاما و ما أمن قوم الا قليل و لبث محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم فى أمته ثلثا و عشرين سنة و انتشر دينه فى الآفاق كان الناس يدخلون فى دين اللّه أفواجا و كان معه حجة الوداع ماية الف و اربعة و عشرين الفا من الصحابة و انه صعد من السماء السابعة و الى ما لم يستطع جبرئيل الصعود اليه ثم هبط الأرض فى اقل من ساعة و انه راى ربه و لم يستطع أحد غيره فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكا و خرّ موسى صعقا عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ اى اللّه سبحانه الظرف متعلق بما بعده مَكِينٍ ذى مكانة و جاه و منزلة. ٢١ مُطاعٍ للعالمين قال اللّه تعالى من يطع الرّسول فقد أطاع اللّه ثَمَّ اى عند ذى العرش أَمِينٍ ط على الوحى و الظرف اعنى ثمّ الظاهر انه متعلق بامين و يجوز ان يكون متعلق بمطاع يعنى مطاع فى الملاء الا على قال البغوي من إطاعة الملائكة إياه يعنى جبرئيل انهم فتحوا أبواب السماوات ليلة المعراج بقوله لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و فتح خزنة الجنة ابوابها قلت و هذا بعينه إطاعة لمحمد صلى اللّه عليه و اله و سلم و يحتمل ان يراد بالاطاعة ان الاحكام الالهية تنزل اولا عليه ثم بواسطته تصل تلك الاحكام الى غيره من الملائكة عن النواس بن سمعان قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إذا أراد اللّه ان يوحى بالأمر تكلم بالوحى أخذت السموات منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من اللّه تعالى فاذا سمع ذلك اهل السموات صعقوا و خروا للّه سجدا فيكون أول من يرفع راسه جبرئيل فيكلمه اللّه وحيه بما أراد ثم يمر جبرئيل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبرئيل فيقول جبرئيل قال الحق و هو العلى الكبير قال فيقول كلهم مثل ما قال جبرئيل بالوحى حيث امره اللّه و هذا يدل على كون جبرئيل مطاعا و اما كون محمد صلى اللّه عليه و سلم مطاعا فى الملائكة فوجه ذلك ان الحقيقة المحمدية عند اهل التحقيق هو التعين الاول بفيوض الوجود و مراتب القرب و منها مرتبة كونه يوحى اليه كليما للّه لا يصل فى أحد الا بتوسط الحقيقة المحمدية و هذا امر كشفى و يشهد من النصوص قوله تعالى و ما أرسلناك الا رحمة للعالمين و قوله عليه السلام اما وزير اى فى السماء فجبرئيل و ميكائيل و وزير اى فى الأرض ابو بكر و عمر فجبرئيل مطاع بالطريق الاولى. ٢٢ وَ ما صاحِبُكُمْ يعنى محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم عطف على انه فهو ايضا جواب للقسم فان كان المراد بالرسل فيما سبق محمد صلى اللّه عليه و سلم فوضع المظهر موضع المضمر للتنبيه على انه صاحبكم منذ أربعين سنة قبل ذلك لم يظهر منه الا وفور العقل و كماله فالحكم فيه بِمَجْنُونٍ ج مكابرة او جنون ففى هذا الكلام رد لقول الكفار افترى على اللّه كذبا أم به جنة. ٢٣ وَ لَقَدْ رَآهُ الضمير المرفوع راجع الى صاحبكم محمد صلى اللّه عليه و سلم بالاتفاق و الضمير المنصوب اما راجع الى ذى العرش فعلى هذا قوله تعالى بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ج ظرف مستقر حال من الضمير المرفوع و المعنى انه راى محمد ذا العرش ليلة المعراج حال كون محمد بالأفق للعالم على منتهى السموات السبع قال البغوي روينا فى قصة المعراج عن شريك بن عبد اللّه عن انس قال دنى جبار رب العزة فتدلى كان حتى قاب قوسين او ادنى و هو رواية ابى سلمة عن ابن عباس و كذا قال الضحاك و القائلون بهذا القول اختلفوا فقال بعضهم جعل بصره فى فؤاده فراه بفؤاد استنباطا من قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى و هذا قول ابن عباس روى مسلم عن ابى العالية عنه ما كذب الفؤاد ما راى و لقد راه نزلة اخرى قال راه بفؤاده مرتين و ذهب جماعة الى انه راه بعينه و هو قول انس و الحسن و عكرمة قالوا راى محمد ربه و روى عكرمة عن ابن عباس قال ان اللّه اصطفى ابراهيم بالخلة و اصطفى موسى بالكلام و اصطفى محمد بالروية و عن ابى ذر قال سالت رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم هل رايت ربك قال نورانى راه رواه مسلم قلت و يحتمل ان يراد بالأفق المبين و الأفق الأعلى منتهى درجات سير السالكين ان أقصى حقايق العابدية و هى الحقيقة الاحمدية المعبر فيها بالمحبوبية الصرفة وراء ذلك مرتبة اللائعين و لا مساغ للسير و السلوك فى مرتبة اللاتعين و السير فى تلك المرتبة العليا السير النظري فحسب كذا قال المجدد رض و قال الجمهور المفسرين الضمير المنصوب راجع الى رسول كريم و المراد بالرسول جبرئيل قال قتادة و مجاهد الأفق المبين هو الأفق الأعلى من ناحية المشرق روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لجبرئيل انى أحب ان أراك فى صورتك التي تكون فيها فى السماء قال لن تقوى على ذلك قال بلى قال فاين تشاء ان اتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعنى قال فى منى قال لا يسعنى قال فبعرفات قال لا يسعنى ذلك قال بحراء قال ان يسعنى قواعده فخرج النبي صلى اللّه عليه و سلم للوقت فاذا هو بجبرئيل قد اقبل من جبال عرفات بخشخشة و كلكلة قد ملأ ما بين المشرق و المغرب و راسه فى السماء و رجلاه فى الأرض فلما راه النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم كبر و خر مغشيا عليه قال فتحول جبرئيل فى صورته فضمه الى صدره و قال يا محمد لا تخف فكيف لك لو رايت اسرافيل و راسه من تحت العرش و رجلاه فى تخوم الأرض السابعة و ان العرش لعلى كاهله و انه ليتضاول أحيانا من مخافة اللّه عز و جل حتى يصير مثل الصعو يعنى العصفور حتى ما يحمل عرش ربك الا عظمته و من القائلين بهذا القول عائشة رضى اللّه عنها روى البخاري فى صحيحه و غيره انها كذب من فال راى محمد ربه مستدلة بقوله تعالى لا تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و قوله تعالى ما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراء حجاب الاية و الفقه فى الباب ان المثبتين للروية اولى من قولها و قوله تعالى لا تدركه الابصار لا ينفى الروية فى الاخرة اجماعا فكذا فى ليلة المعراج حين خرج النبي صلى اللّه عليه و سلم فى الدنيا و راى الجنة و النار و ما ذ كر ابن عباس و عائشة قصة روية النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم جبرئيل على صورته حق لكن لا يستلزم ان يكون المراد بالآية تلك القصة كيف و سوق الكلام لبيان فضل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بيان كماله و روية جبرئيل و هو مفضول من النبي صلى اللّه عليه و سلم بالإجماع ليست من الفضائل كيف و قوله عند ذى العرش مكين يدل على كمال قربه و الترقي منه اثبات روية اللّه دون روية الجبرئيل و لو كان عند ذى العرش صفة جبرئيل و روية جبرئيل صفة محمد عليه الصلاة و السلام يلزم الانعكاس الأمر فى الفضل و اللّه تعالى اعلم. ٢٤ وَ ما هُوَ يعنى محمد صلى اللّه عليه و اله و سلم عَلَى الْغَيْبِ اى على ما يخبره من ما يوحى اليه بِضَنِينٍ قرأ ابن كثير و ابو عمرو الكسائي بظنين بالظاء اى ليس هو بمتهم يعنى لا يجوز ان يتهم و الباقون بالضاد اى ليس هو ببخيل عن تبليغ ما يوحى اليه و تعليمه. ٢٥ وَ ما هُوَ اى القران بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ اسرق سمعه فالقاه على وليه الكاهن رد لقول الكفار انه كاهن هذه الجملة و ما عطف عليه من الجمل السابقة جواب للقسم معطوفات على انه لقول رسول كريم. ٢٦ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ الفاء المسببة و الاستفهام للانكار على ذهابهم الى الباطل فيما قالوا انه شاعر تقوله او مجنون او كاهن قال الزجاج اى طريق يسلكون أبين من هذه الطريقة التي بنيت لكم ثم بين ما هو كانه فى جواب سائل يقوله فما هو. ٢٧ إِنْ هُوَ اى القرآن إِلَّا ذِكْرٌ فى القاموس الذكر بالكسر الحفظ للشئ كالتذكار و الشي ء الذي يجرى على اللسان و الصيت و الشتاء و الشرف و الصلاة و الدعاء و كتاب فيه تفصيل الذين و وضع الملة و المعنى الأخير ظاهر هاهنا لا غبار عليه و يمكن الحمل على معان اخر ايضا فان القران ذكر اللّه و حفظ ما يجب حفظه و شى ء ينبغى ان يكون جاريا على اللسان دايما او غالبا و ثناء للّه تعالى و صلوة له و شرف للانسان و دعاء له لِلْعالَمِينَ عموما لا النبي صلى اللّه عليه و اله و سلم مبعوث الى كافة الأنام الانس و الجن بل هو رحمة للعالمين و فيوض القران شامل للملائكة ايضا يدل عليه قوله تعالى بايدى سفرة كرام بررة و روى الحاكم فى المستدرك عن جابر انه قال لما نزلت سورة الانعام سبح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم قال لقد سبح هذه من الملائكة فسدو الأفق ثم خصه و قال. ٢٨ لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ اى القران لمن يتبع الحق و يستقيم عليه خصوصا من حيث انهم هم المنتفعون به بدل بعض من العالمين و الاستقامة لفظ جامع لجميع الاحكام عن سفيان بن عبد اللّه الثقفي قال قلت يا رسول اللّه قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا بعدك و فى رواية غيرك قال عليه الصلاة و السلام قل امنت باللّه ثم استقم رواه مسلم اخرج ابن جرير و ابن ابى حاتم عن سليمان بن يسار قال لما نزلت لمن شاء منكم ان يستقيم قال ابو جهل جعل الأمر إلينا ان شئنا استقمنا و ان شئنا لم تستقم فانزل اللّه تعالى. ٢٩ وَ ما تَشاؤُنَ الاستقامة على الحق إِلَّا وقت أَنْ يَشاءَ اللّه شئكم و استقامتكم رَبُّ الْعالَمِينَ ع فانه رب كل شى ء و خالق كل شى ء من الأعيان و الاعراض و افعال العباد و غير ذلك حتى مشيتكم فمن شاء الاستقامة و استقام فذلك من فضل اللّه و نعمه و اخرج ابن ابى حاتم من طريق بقية عن عمر بن محمد عن زيد بن مسلم عن ابى هريرة مثل ما روى عن سليمان و اخرج ابن المنذر من طريق سليمان عن القاسم بن مخيمرة نحوه و اللّه اعلم بالصواب. |
﴿ ٠ ﴾