٢١

يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ط صفة لكتاب كما كان ويل للمكذبين صفة هناك و المقربون

قال البغوي يعنى الملائكة قلت و أرواح الأنبياء و الصديقين و الشهداء ايضا فان هناك لعزها كما اخرج مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم أرواح الشهداء عند اللّه فى حواصل طير خضر تسرح فى انهار الجنة حيث شاءت تأوي الى قناديل تحت العرش و كذا روى سعيد بن منصور عن ابن عباس و تقى بن مخلد عن ابن ابى سعيد الخدري و روى ابو الشيخ عن انس قال يبعث اللّه شهداء من حواصل طير بيض كانوا فى قناديل معلقة بالعرش

و اخرج ابن مندة عن ابن شهاب بلاغا بلغني ان أرواح الشهداء كطير خضر المعلقة بالعرش تغدوا ثم ترجع الى رياض الجنة يأتى ربها سبحانه و تعالى كل يوم يسلم عليه

و اخرج ابن ابى حاتم عن ابى الدرداء قال هى يعنى أرواح الشهداء طائر خضر فى قناديل الحديث

و اخرج البخاري عن انس انه قال لما قتل حارثة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلم انه جنان و انه فى الفردوس الأعلى و قال اللّه تعالى فى حبيب نجار قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى الاية و لا منافاة بين كونهم فى الجنة و كونهم تحت العرش فى قناديل لان العرش بمنزلة السماء للجنة قلت و هذا الحكم غير مختص بالشهداء فان الأنبياء و الصديقين أعلى منهم منزلة و قد ورد فى الحديث بلفظ المؤمنين مطلقا اخرج مالك و النسائي بسند صحيح عن كعب بن مالك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال انما نسمة المؤمن طاير المتعلقة فى شجرة الجنة حتى ترجع الى جسده يوم القيمة و كذا اخرج احمد و الطبراني عن أم هانئ عنه صلى اللّه عليه و اله و سلم قال يكون النسم طير التعلقه بالشجر حتى إذا كان يوم القيمة دخلت كل نفس فى جسده

و اخرج ابن عساكر عن أم بشر امرأة ابى معروف نحوه و المراد فى تلك الأحاديث الكاملين منهم كما يدل عليه قوله تعالى يشهده المقربون و قد ورد فى بعض الأحاديث ان مقر أرواح المؤمنين فى السماء السابعة ينظرون الى منازلهم فى الجنة أخرجه ابو نعيم بسند ضعيف عن ابى هريرة

و اخرج ايضا عن وهب بن منبه ان للّه تعالى فى السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين و فى بعض الأحاديث إذا اخرج من الجسد كان بين السماء و الأرض رواه سعيد بن منصور عن سلمان و روى ابن المبارك و الحكيم الترمذي و ابن ابى الدنيا و ابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان أرواح المؤمنين فى برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت و نفس الكافر فى سجين و فى هذه الحديث حكاية عن حال المؤمنين على تفاوت درجاتهم قال الشعبي فى بحر الكلام الأرواح على اربعة أوجه أرواح الأنبياء تخرج من جسدها و تصير مثل صورتها المسك و الكافور و تكون فى الجنة تأكل و تشرب و تنعم و تأوي بالليل الى قناديل معلقة بالعرش و أرواح الشهداء تخرج من جسدها و يكون فى أجواف طير خضر فى الجنة تأكل و تشرب و تنعم و تأوي بالليل الى قناديل معلقة بالعرش و أرواح المطيعين من المؤمنين يربص بالجنة لا تأكل و لا تتمتع و لكن تنظر فى الجنة و أرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء و الأرض فى الهواء و اما أرواح الكفار فهى فى السجين فى جوف طير سود تحت الأرض السابعة قلت و ما ذكر فى أرواح الأنبياء انها تصير فى مثل صورتها المسك و الكافور يعنى ان لها أجسادا كالاجساد الإنسان و عبرها بالمسك لتطيب ريحها و عبر المجدد عن تلك الأجساد بالجسم الموهب و يكون ذلك للانبياء و لكمل اتباعهم الصديقين قبل الموت

فان قيل بعض الأحاديث الصحاح تدل على ان أرواح المؤمنين حتى الأنبياء و أرواح الكفار كلها فى القبور كما ورد فى حديث البراء الطويل يقول اللّه تعالى فى حق المؤمنين اكتبوا كتاب عبدى فى عليين و اعيدوه الى الأرض فانى منها خلقتهم و فيها أعيدهم و منها أخرجهم تارة اخرى فيعاد روجه فى جسده و كذا قال فى الكافر فيعاد روحه فى قبره قال ابن عبد البر هذا أصح ما قيل و قد راى النبي صلى اللّه عليه و سلم موسى عليه السلام فى قبره يصلى ليلة اسرى به و انه صلى اللّه عليه و سلم قال من صلى على عند قبرى سمعته و من صلى على غائبا بلغته فكيف تطبيق

قلنا وجه التطبيق أن مقر أرواح المؤمنين فى عليين او فى السماء السابعة و نحو ذلك كما مر و مقر أرواح الكفار فى سجين و مع ذلك لكل روح منها اتصال لجسده فى قبره لا يدرك كنهه الا اللّه تعالى و بذلك الاتصال يصح ان يعرض على الإنسان المجموع المركب من الجسد و الروح مقعده من الجنة او النار و يحس اللذة او الألم و يسمع سلام الزائر و يجيب المنكر و النكير و نحو ذلك بما ثبت بالكتاب و السنة كما ان جبرئيل مع كون مستقره من السموات كان يدنوا من النبي صلى اللّه عليه و سلم حتى يضع يديه على فخذيه قال الشعبي فى بحر الكلام هى متصلة بأجسادها فتعذب الأرواح و يتالم الأجساد منها كالشمس فى السماء و نورها فى الأرض و اللّه تعالى اعلم.

﴿ ٢١