٦

أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً ان كان من وجدت بمعنى علمت يتيما مفعول الثاني و ان كان بمعنى المصادفة فمنصوب على الحال و الاستفهام للانكار و انكار النفي اثبات و الغرض منه التقرير اى اقرار المخاطب به و المعنى وجدك يتيما يعنى صغيرا فقيرا حين مات أبوك و لم يخلف لك مالا و لا ماوى و فى هذه الجملة تأكيد لقوله فاودعك فَآوى يعنى اولك الى عمك ابى طالب و ضمك اليه حتى كفلك روى البغوي من طريق الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم سالت ربى مسالة وددت انى لم أكن سالته قلت يا رب انك أتيت سليمان بن داود ملكا عظيما و أتيت فلانا كذا قال يا محمد الم يجدك يتيما فاويتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك ضالا فهديتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك عائلا فاغنيتك قلت بلى اى رب و زاد فى بعض الروايات الم نشرح لك صدرك و وضعنا عنك وزرك بلى اى رب زعم اكثر الناس ان النبي صلى اللّه عليه و سلم سال ربه هذه المسألة المال و الغنى حيث قالوا ان النبي صلى اللّه عليه و سلم كان مفلسا و كانت قريش تعير بذلك حتى قالوا ان كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كايسر اهل مكة فاغتم النبي صلى اللّه عليه و سلم و ظن ان قومه انما كذبوه بفقره فسال ربه هذه المسألة فعدد اللّه عليه نعمه و وعده الغنى ليسليه و هذا ليس بشئ بوجوه أحدها ان رفعة شأن النبي صلى اللّه عليه و سلم لا يقتضى ان سال ربه الدنيا و راودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فاراها أيما شمم و أكدت و هذه فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدوا على العصم و ثانيها ان قوله تعالى و وجدك عائلا فاغنى يابى عنه فان صيغة الماضي تدل على الحصول و سوال الغنى بعد حصول محال و ثالثها انه لو سال ربه لاعطاه و قد صح انه ما شبع ال محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كذا فى الصحيحين من حديث عائشة و قالت الصوفية العلية فى تحقيق مثل هذا المقام ان الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية و خلوص التوجه الى اللّه سبحانه و يسمونها بالعروج و السير الى اللّه او السير في اللّه و قد يعترضه حالة التوجه الى الخلق لاجل الإرشاد و الدعوة الى اللّه فيسرى نفسه فى هذه ال حالة فى بادى النظر منقطعا عن اللّه متوجها الى الخلق و هو فى الحقيقة و عند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع و ايضا لما كان هذا الانقطاع مامورا به مرضيا للمحبوب فهو فى حكم الوصل و الاتصال بل اولى منه و يسمونه بالنزول و البر من اللّه باللّه فيغتم الصوفي فى هذه الحالة غاية يكون فى الشدة و البلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر الى الصحراء و قد ذكر مرارا ان من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل و أعم قالوا ان نوحا عليه السلام لم يبلغ فى النزول غاية و لذلك ما أمن معه الا قليل و هم اصحاب السفينة مع لبثه فيهم الف سنة الا خمسين عاما و ان محمدا صلى اللّه عليه و سلم كان نزوله أتم و اوفى و لم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء و لذلك شاع دينه فى الورى مع لبثه فيهم ثلثة و عشرين عاما كما كان عروجه أعلى و أسنى فكان قاب قوسين او ادنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان و أجابوا دعوة محمد صلى اللّه عليه و سلم بما كان من القران و لاجل كمال نزول كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم دايم الهم واصل الحزن و هذا معنى قوله صلى اللّه عليه و سلم ما أوذي أحد مثل ما أوذيت رواه ابن عدى و ابن عساكر عن جابر و ابو نعيم فى الحلية عن انس و لو لا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول و قد أوذي نوح عليه السلام الف سنة الا خمسين عاما و أوذي عيسى ع حتى ارتقى الى السماء و يحيى و غيرهم حتى قتلوا فى البلاء فلعل نزول هاتين السورتين اعنى و الضحى و الم نشرح كان لتسلية النبي صلى اللّه عليه و سلم فى حالة النزول فى بدو امره حين راى نفسه فى بادى النظر منقطعا عن اللّه متوجها الى الخلق و وافق ذلك فترة الوحى و حزن حزنا شديدا حتى قال فى صحيح البخاري بلغنا انه غدا مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبل و كلما او فى بذروة الجبل لكى يلقى نفسه منه ينادى جبرئيل فقال يا محمد انك رسول اللّه حقا فيسكن لذلك جاشه تقر نفسه و قالت خديجة انى ارى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك و كان سوال النبي صلى اللّه عليه و سلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق و التوجه الى الخلق التي زعمها وداعا و قليا و حزن عليها و الوصل بلا انقطاع و لا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله ما ودعك ربك و ما قلى انه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا و قليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج و وصل معنى و ان كان هبوطا و فراقا صورة و للاخرة خير لك من الاولى يعنى كل حالة آخرة تأتى عليك خير من الحالة الاولى لا يتطرق فى أحوالك قصور و فتور قط حتى تكون فى الدار الاخرة روية و وصالا بالكلية و لا يكون هناك تكليف التبليغ و التوجه الى الخلق و مشقة الفراق أصلا و لسوف يعطيك ربك عاجلا و أجلا ما تحب و ترضى ألم يجدك يتيما فاوى.

﴿ ٦