٩

فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ط يعنى مسكنه النار يسمى المسكن اما لان الأصل سكون الأولاد الى الأمهات و الهاوية اسم من اسماء جهنم و هو المهواة لا يدرك قعرها الا اللّه و قال قتادة كلمة عربية كان الرجل إذا وقع فى امر شديد يقال هوت امه و قيل أراد راسه يعنى انهم يهوون فى النار على رؤسهم

قال البغوي و الى هذا التأويل ذهب قتادة و ابو صالح قلت و كذا الكفار هم المرادون فى مقابلة المتقين فى حديث انس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يوفى ابن آدم فيوقف بين كفتى الميزان به ملك فان ثقلت موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا و ان خفت ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا و حال المخلط مسكوت فى الحديث و الظاهر ان الملك لا ينادى عليه شى ء من الصوتين و لذلك لم يذكر- (فائدة) قال القرطبي الميزان لا يكون فى حق كل أحد و ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان و كذلك من يعجل به الى النار بغير حساب و هم المذكورون فى قوله تعالى يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي و الاقدام و قال السيوطي يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن أعمالهم و لا يجدون ثقلا بالمنافقين فانهم يبقون فى المسلمين بعد لحوق كل مسلم امة بما يعيدوهم يصلون و يصومون مع المؤمنين فى الدنيا رياء و سمعة فيميز اللّه الخبيث من الطّيّب بالميزان و قال الغزالي السبعون الف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع لهم ميزان و لا يأخذون صحفا انما هى براة مكتوبة هذه براة فلان بن فلان اخرج الاصبهانى عن انس قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تنصب الموازين و يوتون باهل الصلاة فيوفون أجورهم بالموازين و يوتون بأهل الحج فيوفور أجورهم بالموازين و يوتون باهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان و لا ينشر لهم ديوان و يصب لهم أجرا صبا بغير حساب حتى يتمنى اهل العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من الفضل و ذلك انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب

و اخرج الطبراني و ابو يعلى بسند لا بأس به عن ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال يوتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يوفى بالمتصدق فينصب للحساب ثم يوتى باهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان و لا ينشر لهم ديوان فيصب عليهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت بالمقاريض من حيث ثواب اللّه لهم و قد ذكر فيما سبق ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية لعل المراد بأهل البلاء هاهنا ايضا بلاء العشاق المحبين للّه لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء و كذا المراد بالبكاء فى قوله صلى اللّه عليه و سلم ما من شى ء الا و له مقدار و ميزان الا الدمعة فانها يطفى بها بحار من نار رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار بكاء اهل العشق و الا فقد صح فى الأحاديث وزن اعمال اهل البلاء كما فى قوله صلى اللّه عليه و سلم بخ بخ بخمس ما أثقلهن فى الميزان لا اله الا اللّه و سبحان اللّه و الحمد للّه و اللّه اكبر و الولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فتحبسه رواه النسائي و ابن حبان و الحاكم و البزار و احمد و الطبراني من حديث ثوبان و ابو سلمى و لا شك ان وفات الولد من البلاء و الشهادة التي ذكرت فى حديث ابن عباس ايضا من البلاء و اللّه تعالى اعلم

فان قيل روى احمد بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوضع الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة و يوضع ما احصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر إذ صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه قد بقي له فيوتى ببطاقة فيها لا اله الا اللّه فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان و روى الحاكم و صححه و ابن حبان و الترمذي عنه نحوه و عن ابى سعيد و ابن عباس و غيرهما ما يؤيده فى عمره فكيف يخف ميزان المؤمن فانه لا يخلو مؤمن من قول لا اله الا اللّه و لو مرة واحدة فى عمره

قلنا احكام الاخرة كلها يعنى أكثرها من القضايا المهملة فى قوة الجزئية فلما تكون منها كلية و الأمر منوط بفضل اللّه و مدار الأعمال على الإخلاص و مقداره و اللّه اعلم.

﴿ ٩