٢١٥

وقوله : يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ ... (٢٠٥)

تجعل «ما» فى موضع نصب وتوقع عليها «يُنْفِقُونَ» ، ولا تنصبها ب (يسألونك) لأنّ المعنى : يسألونك أىّ شىء ينفقون. وإن شئت رفعتها من وجهين أحدهما أن تجعل «ذا» اسما يرفع ما ، كأنك قلت : ما الذي ينفقون.

والعرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذي فيقولون : ومن ذا يقول ذاك؟

فى معنى : من الذي يقول ذاك؟ وأنشدوا «٤» :

«٥»

عدس ما لعبّاد عليك إمارة أمنت وهذا تحملين طليق

 (٤) فى أ: «أنشدونا».

(٥) عدس :

اسم صوت لزجر البغل. وعباد هو ابن زياد. وهذا من شعر قاله يزيد بن مفرّغ الحميرى فى عباد. وكان يزيد قد أكثر من هجوه ، حتى حبسه وضيق عليه ، حتى خوطب فى أمره معاوية فأمر بإطلاق سراحه ، فلما خرج من السجن قدّمت له بغلة فركبها فنفرت ، فقال هذا الشعر. وانظر الخزانة ٢/ ٥١٤.

كأنه قال : والذي تحملين طليق. والرفع الآخر أن تجعل كلّ استفهام أوقعت عليه فعلا بعده رفعا لأنّ الفعل لا يجوز تقديمه قبل الاستفهام ، فجعلوه بمنزلة الذي إذ لم يعمل فيه «١» الفعل الذي يكون بعدها. ألا ترى أنك تقول : الذي ضربت أخوك ، فيكون الذي فى موضع رفع بالأخ ، ولا يقع الفعل الذي يليها عليها.

فإذا نويت ذلك رفعت قوله : قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ كما قال الشاعر :

ألا تسألان المرء ماذا يحاول أنحب فيقضى أم ضلال وباطل «٢»

رفع النحب لأنه نوى أن يجعل «ما» فى موضع رفع. ولو قال : أنحبا فيقضى أم ضلالا وباطلا كان أبين فى كلام العرب. وأكثر العرب تقول : وأيّهم لم أضرب وأيّهم إلّا قد ضربت رفعا للعلّة من الاستئناف من حروف الاستفهام وألّا يسبقها شىء.

ومما يشبه الاستفهام مما يرفع إذا تأخّر عنه الفعل الذي يقع عليه قولهم : كلّ الناس ضربت. وذلك أن فى (كلّ) مثل معنى هل أحد [إلّا] «٣» ضربت ، ومثل معنى أىّ رجل لم أضرب ، وأىّ بلدة لم أدخل ألا ترى أنك إذا قلت : كلّ الناس ضربت كان فيها معنى : ما منهم أحد إلا قد ضربت ، ومعنى أيهم لم أضرب. وأنشدنى أبو ثروان :

و قالوا تعرّفها المنازل من منّى وما كلّ من يغشى منّى أنا عارف «٤»

(١) فى الخزانة ٢/ ٥٥٧ : «فيها» وهذا أولى لقوله : «بعدها».

(٢) من قصيدة للبيد ، ومنها البيت المشهور :

ألا كل شىء ما خلا اللّه باطل وكل نعيم لا محالة زائل

و انظر الخزانة ٢/ ٥٥٦

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

(٤) لمزاحم العقيلىّ من قصيدة غزلية. وانظر الكتاب ١/ ٣٦ ، ٣٧ ، وشواهد المغنى للبغدادى ٢/ ١٠٧٥

رفعا ، ولم أسمع أحدا نصب كل. قال : وأنشدونا :

و ما كلّ من يظّنّنى أنا معتب وما كلّ ما يروى علىّ أقول «١»

و لا تتوهّم أنهم رفعوه بالفعل الذي سبق إليه لأنهم قد أنشدونا :

قد علقت أمّ الخيار تدّعى علىّ ذنبا كلّه لم أصنع «٢»

رفعا. وأنشدنى أبو الجرّاح :

أ رجزا تريد أم قريضا أم هكذا بينهما تعريضا

كلاهما أجد مستريضا «٣» فرفع كلّا وبعدها (أجد) لأن المعنى : ما منهما واحد إلا أجده هيّنا مستريضا.

ويدلّك على أن فيه ضمير جحد قول الشاعر :

فكلهم حاشاك إلا وجدته كعين الكذوب جهدها واحتفالها

(١) «يظننى» : ينهمنى ، من الاظنان ، وهو افتعال من الظن ، فأصله : اظتنان فأبدلت التاء ظاء وأدغمت فيها الظاء. و«معتب» أي مرضيه ومزيل ما يعتب علىّ فيه. والبيت ورد فى اللسان (ظن) غير معزوّ.

(٢) هذا الرجز لأبى النجم العجلىّ ، وأم الخيار زوجه ، وانظر الكتاب ١/ ٤٤ ، والخزانة ١/ ١٧٣ ، ومعاهد التنصص فى الشاهدين ١٣ ، ٢٥.

(٣) ينسب هذا الرجز إلى الأغلب العجلى. وهو راجز مخضرم ، أدرك الإسلام فحسن إسلامه.

ذكره فى الإصابة تحت رقم ٢٢٣ ، وفيها أن عمر كتب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن يستنشد من قبله من الشعراء ما قالوه فى الإسلام ، فلما سأل الأغلب ذلك قال هذا الرجز ، وإن كان فى الإصابة فيه «قصيدا» بدل «قريضا» والشطر الثاني :

لقد طلبت هينا موجودا وقال ابن برى - كما فى اللسان (روض) - «نسبه أبو حنيفة للأرقط. وزعم أن بعض الملوك أمره أن يقول فقال هذا الرجز» وأبو حنيفة هو الدينوري ، والأرقط يريد حميدا الراجز. وقد جعل الرجز غير القريض وهو الشعر. وقوله : «تعريضا» أي غير بين فى أحد الضربين ، من قولهم : عرض بالكلام إذا ورى فيه ولم يبنه. و«مستريضا» أي واسعا ممكنا. وقوله : «أجد» فى اللسان (راض) : «أجيد».

وانظر الهمع ١/ ٩٧.

﴿ ٢١٥