١٩

و قوله : أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (١٩) ولم يقل : سقاة الحاجّ وعامرى ... كمن آمن ، فهذا مثل قوله : وَلكِنَّ «٣» الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ يكون المصدر يكفى من الأسماء ، والأسماء من المصدر إذا كان المعنى مستدلّا عليه بهما أنشدنى الكسائىّ :

لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى ولكنما الفتيان كلّ فتى ندى

فجعل خبر الفتيان (أن). وهو كما تقول : إنما السخاء حاتم ، وإنما الشعر زهير.

وقوله : الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا (٢٠) ثم قال : أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ فموضع الذين رفع بقوله : «أعظم درجة». ولو لم يكن فيه (أعظم) جاز أن يكون مردودا بالخفض على قوله (كمن آمن). والعرب تردّ الاسم إذا كان معرفة على (من) يريدون التكرير «٤». ولا يكون نعتا لأن (من) قد تكون معرفة ، ونكرة ، ومجهولة ، ولا تكون نعتا كما أن (الذي) قد يكون نعتا

(٣) آية ١٧٧ سورة البقرة.

(٤) أي أن يكون بدلا من «من».

للأسماء فتقول : مررت بأخيك الذي قام ، ولا تقول : مررت بأخيك من قام.

فلمّا لم تكن نعتا لغيرها من المعرفة لم تكن المعرفة نعتا لها كقول الشاعر «١» :

لسنا كمن جعلت إياد دارها تكريت تنظر حبّها أن تحصدا

إنما أراد تكرير الكاف على إياد كأنه قال : لسنا كإياد.

(١) هو الأعشى. وإياد قبيلة كبيرة من معدّ كانوا نزلوا العراق واشتغلوا بالزرع. وتكريت : بلدة بين بغداد والموصل. وقوله : «تحصدا» المعروف : يحصدا. والحب جنس للحبة يصح تذكيره وتأنيثه. وانظر الخصائص (الدار) ج ٢ ص ٤٠٢.

﴿ ١٩