ومن سورة النور١قوله : سُورَةٌ أَنْزَلْناها [١] ترفع السّورة بإضمار هذه سورة أنزلناها. ولا ترفعها براجع ذكرها لأنّ النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها ، إلا أن يكون ذلك جوابا ألا ترى أنك لا تقول : رجل قام ، إنما الكلام أن تقول : قام رجل. وقبح تقديم النكرة قبل خبرها «١» أنّها توصل «٢» ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة. فيقال : رجل يقوم أعجب إلىّ من رجل لا يقوم : فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة. ١٢٦ او حسن فى الجواب لأنّ القائل يقول : من فى الدار؟ فتقول : رجل (وإن قلت «٣» (رجل فيها) فلا بأس لأنه كالمرفوع بالردّ لا بالصفة. ولو نصبت «٤» السّورة على قولك : أنزلناها سورة وفرضناها كما تقول : مجرّدا ضربته كان وجها. وما رأيت أحدا «٥» قرأ به. ومن قال (فرضناها) يقول : أنزلنا فيها فرائض مختلفة. وإن شاء : فرضناها عليكم وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة. والتشديد لهذين الوجهين حسن. وقوله : الزانية والزّانى فاجلدوا كلّ واحد منهما «٦» رفعتهما بما عاد من ذكرهما فى قوله (كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) ولا ينصب مثل هذا لأن تأويله الجزاء (ومعناه «٧») - واللّه أعلم - من زنى فافعلوا به ذلك. ومثله (وَ الشُّعَراءُ «٨» يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) معناه - واللّه أعلم : من قال الشعر اتّبعه الغواة. وكذلك (وَ السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) ، (وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما «٩») ولو أضمرت قبل كلّ ما ذكرنا فعلا كالأمر جاز نصبه ، فقلت : الزانية والزاني فاجلدوا : (١) أي لأنها. (٢) يريد وصفها. (٣) سقط فى أ. (٤) النصب قراءة عمر بن عبد العزيز ومجاهد وعيسى بن عمر الثقفي وغيرهم كما فى البحر ٦/ ٤٢٧. وهى من الشواذ. ويريد الفراء أنها تنصب على الحال. وفى البحر : «و قال الفراء : سورة حال من الهاء والألف. والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه». ولم نر هذا النص فى نسخنا. (٥) قد علمت أنه قرىء به فى الشواذ. (٦) قرأ بالتخفيف من العشرة غير ابن كثير وأبى عمرو. أما هما فقرءا بالتشديد. (٧) ش : «المعنى». (٨) الآية ٢٢٤ سورة الشعراء. (٩) الآية ١٦ سورة النساء. و هى فى قراءة عبد اللّه محذوفة الياء (الزان) مثل ما جرى فى كتاب اللّه كثيرا من حذف الياء من الداع والمناد والمهتد وما أشبه ذلك. وقد فسّر. وقوله : (وَ لا تَأْخُذْكُمْ) اجتمعت القراء على التّاء إلا أبا عبد الرحمن فإنه قرأ (ولا يأخذكم) بالياء. وهو صواب كما قال (وَ أَخَذَ «١» الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) وفى الرأفة والكأبة والسّأمة لغتان السّامة فعلة والسّآمة مثل فعالة والرأفة والرآفة والكأبة والكآبة وكأنّ السّأمة والرأفة مرّة ، والسّآمة المصدر ، كما تقول : قد ضؤل ضآلة ، وقبح قباحة. حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفرّاء قال حدثنى قيس ومندل عن ليث عن مجاهد قال : الطّائفة : الواحد فما فوقه قال الفرّاء : وكذلك حدثنى حبّان عن الكلبيّ عن أبى صالح عن ابن عباس أنه واحد فما فوقه. وذلك للبكرين لا للمحصنين ومعنى الرأفة يقول : لا ترأفوا بالزانية والزاني فتعطّلوا حدود اللّه. وقوله : الزاني لا ينكح «٢» يقال : الزاني لا يزنى إلّا بزانية من بغايا كنّ بالمدينة ، فهمّ أصحاب الصّفّة أن يتزوجوهنّ فيأووا إليهنّ ويصيبوا من طعامهن ، فذكروا ذلك للنبى عليه السّلام فأنزل اللّه عزّ وجل هذا ، فأمسكوا عن تزويجهن لمّا نزل (وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) يعنى الزاني. وقوله : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ «٣» (وبالكسر «٤») بالزنى (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا) الحكام (بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) القاذف لا تقبل له شهادة ، توبته فيما (١) الآية ٦٧ سورة هود. [.....] (٢) النصب قراءة عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وشيبة وغيرهم وهى شاذة. (٣) الآية ٤ سورة النور. (٤) سقط فى ش. ويريد كسر الصاد فى المحصنات. وهى قراءة الكسائي وقراءة غيره فتح الصاد : بينه وبين ربه ، وشهادته «١» ملقاة. وقد كان بعضهم يرى شهادته جائزة إذا تاب ويقول : يقبل «٢» اللّه توبته ولا نقبل نحن شهادته! (١) أي مطروحة لا اعتداد بها. وقد يكون الأصل : «ملغاة». (٢) الكلام على الاستفهام الإنكارى فالهمزة محذوفة. |
﴿ ١ ﴾