٦٠

و قوله : فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [٦٠] فقال : (ذات) ولم يقل : ذوات وكلّ صواب.

وإنما جاز أن يقول (ذات) للحدائق وهى جمع لأنك تقول ، هذه حدائق كما تقول : هذه حديقة.

ومثله قول اللّه (وَ لِلَّهِ «٢» الْأَسْماءُ الْحُسْنى ) ولم يقل الحسن و(الْقُرُونِ الْأُولى «٣») ولو كانت حدائق ذوات بهجة كان صوابا. وقال الأعشى فى توحيدها :

فسوف يعقبنيه إن ظفرت به ربّ غفور وبيض ذات أطهار

و لم يقل : ذوات أطهار. وإنما يقال : حديقة لكل بستان عليه حائط. فما لم يكن عليه حائط لم يقل له : حديقة.

وقوله : (أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ) مردود على قوله (أَمَّنْ خَلَقَ) كذا وكذا. ثم قال (أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ) خلقه. وإن شئت جعلت رفعه بمع كقولك : أمع اللّه ويلكم إله! ولو جاء نصبا أإلها مع اللّه على أن تضمر فعلا يكون به النصب كقولك : أتجعلون إلها مع اللّه ، أو أتتّخذون إلها مع اللّه.

والعرب تقول : أثعلبا وتفرّ كأنهم أرادوا : أترى ثعلبا وتفرّ. وقال بعض «٤» الشعراء :

أعبدا حلّ فى شعبى غريبا ألؤما لا أبالك واغترابا

يريد : أتجمع اللؤم والاغتراب. وسمعت بعض العرب يقول لأسير أسره ليلا ، فلمّا ١٣٨ ا

 (٢) الآية ١٨٠ سورة الأعراف

(٣) الآية ٥١ سورة طه

(٤) هو جرير. وانظر كتاب سيبويه ١/ ١٧٠

أصبح رآه أسود ، فقال أعبدا سائر الليلة ، كأنه قال : ألا أرانى أسرت عبدا منذ ليلتى. وقال آخر :

أ جخفا تميميّا إذا فتنة خبت وجبنا إذا ما المشرفيّة سلّت «١»

فهذا فى كل تعجّب خاطبوا صاحبه ، فإذا كان يتعجّب من شىء ويخاطب غيره أعملوا الفعل فقالوا : أثعلب ورجل يفرّ منه ، لأن هذا خطاب لغير صاحب الثعلب. ولو نصب على قوله أيفر رجل من ثعلب فتجعل العطف كأنه السّابق. يبنى على هذا. وسمعت بعض بنى عقيل ينشد لمجنون بنى عامر :

أ ألبرق أم نارا لليلى بدت لنا بمنخرق من ساريات الجنائب

و أنشدنى فيها :

بل البرق يبدو فى ذرى دفئيّة يضىء نشاصا مشمخرّ الغوارب

و أنشدنى فيها :

و لو نار ليلى بالشريف بدت لنا لحبّت إلينا نار من لم يصاقب

فنصب كل هذا ومعه فعله على إضمار فعل منه ، كأنه قال أأرى نارا بل أرى البرق. وكأنه قال.

ولو رأيت نار ليلى. وكذلك الآيتان الأخريان فى قوله (أَ إِلهٌ مَعَ اللَّهِ).

(١) الجخف أن يفتخر بأكثر مما عنده. والمشرفية : السيوف.

﴿ ٦٠