٢٣

و قوله : فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ (٢٣).

أقسم عز وجل بنفسه : أن الذي قلت لكم لحق مثل ما أنكم تنطقون. وقد يقول القائل :

كيف اجتمعت ما ، وأنّ وقد يكتفى بإحداهما من الأخرى؟ وفيه وجهان : أحدهما «٣» : أن العرب تجمع بين الشيئين من الأسماء والأدوات إذا اختلف لفظهما ، فمن الأسماء قول الشاعر :

من النّفر اللائي الذين إذا هم يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا «٤»

فجمع بين اللائي والذين ، وأحدهما مجزىء من الآخر.

وأما فى الأدوات فقوله :

(٣) فى ش : أن أحدهما ، زيادة لا مكان لها.

(٤) الخزانة : ٣/ ٥٢٩ ، وفيها : (اعتزوا) بدل (هم) فى الشطر الأول ، و(هاب الرجال) بدل (يهاب اللئام).

ما إن رأيت ولا سمعت به كاليوم طالى أينق جرب «١»

فجمع بين ما ، وبين إن ، وهما جحدان أحدهما يجزى من الآخر.

وأمّا الوجه الآخر ، فإن المعنى لو أفرد بما لكان كأنّ المنطق فى نفسه حق لا كذب : ولم يرد به ذلك. إنما أرادوا أنه لحق كما حقّ أن الآدمي ناطق.

أ لا ترى أن قولك أحقّ منطقك معناه : أحقّ هو أم كذب؟ وأن قولك : أحقّ أنك تنطق؟ معناه : أللإنسان «٢» النطق لا لغيره. فأدخلت أنّ ليفرق بها بين المعنيين ، وهذا أعجب الوجهين إلىّ.

وقد رفع عاصم والأعمش (مثل) ونصبها أهل الحجاز والحسن «٣» ، فمن رفعها جعلها نعتا للحق ومن نصبها جعلها فى مذهب المصدر كقولك : إنه لحق حقا. وإن العرب لتنصبها إذا رفع بها الاسم فيقولون : مثل من عبد اللّه؟ ويقولون : عبد اللّه [١٨٥/ ا] مثلك ، وأنت مثله. وعلة النصب فيها أن الكاف قد تكون داخلة عليها فتنصب إذا ألقيت الكاف. فإن قال قائل : أفيجوز أن تقول : زيد الأسد شدة ، فتنصب الأسد إذا ألقيت الكاف

 قلت : لا وذلك أن مثل تؤدى عن الكاف والأسد لا يؤدى عنها ألا ترى قول الشاعر :

وزعت بكالهراوة أعوجىّ إذا ونت الرّكاب جرى وثابا «٤»

أن الكاف قد أجزأت من مثل ، وأن العرب تجمع بينهما فيقولون : زيد كمثلك ، وقال اللّه جل وعز : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ «٥» وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» «٦» ، واجتماعهما دليل على أن معناهما واحد كما أخبرتك فى ما وإن ولا وغيره.

(١) الأغانى فى ترجمة الخنساء ، وانظر شرح شواهد المعنى ، وفيه :

(بمثله) بدل (به) ، و(هانى) بدل (طالى) وهو لدريد بن الصمة يصف الخنساء ، وقد رآها تهنأ بعيرا أجرب.

(شرح شواهد المغني ٢/ ٩٥٥).

(٢) فى ش : الإنسان.

(٣) قرأ أبو بكر ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بالرفع صفة لحق ، وافقهم الأعمش (الاتحاف ٣٩٩) ، والباقون - باقى السعة - والجمهور بالنصب. (البحر المحيط : ٨/ ١٣٦).

(٤) وزعت : كففت ، أعوجى : منسوب إلى أعوج ، وهو فرس كريم تنسب إليه الخيل الكرام. اللسان (ثوب) وسر صناعة الإعراب : ٢٨٧.

(٥) فى ش : كمثله وهو ، سقط.

(٦) سورة الشورى الآية : ١١.

﴿ ٢٣