١٤

وقوله عزَّ وجلَّ : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّه عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤)

قيل في (زُيِّنَ) قولان : قال بعضهم اللّه زينها مِحْنَةً كما قال :

(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧).

وقال بعضهم : الشيطان زينها لأن اللّه قد زهد فيها وأعلم أنَّها متاع

الغرور.

والقَوْلُ الأول أجودُ لأن جَعْلَهَا زينةً محبوبة موجودٌ واللّه قد زهَّد فيها بأن

أعلم وأرى زوالها ، ومعنى (القناطير) عند العرب الشيءُ الكثير من المال وهو جمْع قنطار.

فأما أهل التفسير فقالوا أقوالًا غير خارجة من مذهب العرب : قال

بعضهم القنطار ملءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذهباً  فضة وقال بعضهم القنطار ثمانون

ألفَ دِرهم . وقال بعضهم : القنطار ألفُ دينار ، وقال بعضهم ألف ، رطل

ذهباً  فضةً.

فهذه جملة ما قال الناس في القنطار.

والذي بخرج في اللغة أن القنطار مأخوذ من عقد الشيءِ وأحكامه والقنطرة

مأخوذة من ذلك ، قكأن القنطار هُوَ الجملة من المال التي تكُون عقدة وثيقة منه.

فأمَّا من قال من أهل التفسير إنَّه شيء من الذهب موف ، فأقوى منه عندي ما ذكر من إنَّه من الذهب والفضة ، لأن اللّه - جلَّ وعزَّ - ذكر القناطير فيهما ، فلا يستقيم أن يكون القنطار في إحداهما دون الأخرى.

ومعنى (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) في اللغة - الخيل عليها السًيمَاءُ والسُّومَة وهي

العلامة ، ويجوز - وهو حسن - أن يكون المسومة السائمة ، وأسِيمَت أرْعِيَتْ.

(وَالْأَنْعَامِ) المواشي واحدها نَعَم ، أكثر استعمالها في الإبل ، (والحرث) الزرع ، وهذا كله محبَّب إلى الناس كما قال اللّه - عزَّ وجلَّ ، ثم زهد اللّه في جميعه.

وتأويل التزهيد فيه ليس الامتناع من أنْ يَزْرع الناس ، ولا من أن يَكْسِبُوا

الشيءَ من جهة ، وإنما وجه التزهيد فيه الحث على الصدقة وسلوك سُبل البِرِّ التي أمرَ بِها في ترك الاستكثار من المال وغيره ، فهذا وجه التزهيد.

فقال جلَّ وعزَّ : (ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أي ما يتمتع به فيها.

(وَاللّه عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) :

والمآب في اللغة المرجع ، يقال آب الرجل يؤُوب أوْبا وإياباً ومآباً.

وأعلم اللّه - جلَّ وعزَّ - أن خيراً من جميع ما في الدنيا ما أعده لأوليائه

فقال :

﴿ ١٤