٢٦

وقوله جل شأنه : (قُلِ اللّهمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)

امر اللّه النبيَّ - صلى اللّه عليه وسلم - بتقديمه وذكر ما يدل على توحيده ، ومعنى (مَالِكَ الْمُلْكِ) أن اللّه يملك العباد ويملك ما ملكوا.

ومعنى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ).

فيه قولان : - تؤتي الملك الذي هو المال والعبيد والحضرة من تشاءُ

وتنزعه ممن تشاءُ ، وقيل تؤتي الملك من تشاءُ من جهة الغلبة بالدِّين

والطاعة ، فجعل اللّه - عزَّ وجلَّ - كل ما في ملكه ملك غير مسلم للمسلمين

ملكاً غنيمة ، وجعلهم أحق بالأملاك كلها منَ كل أهل لمن خالفوا دين

الإسلام.

وقيل في التفسير إن اللّه عزَّ وجلَّ - أمر النبي - صلى اللّه عليه وسلم - في هذه الآيات أن يسأله نقل عزَّ فارس إلى العرب وذل العرب إلى فارس - واللّه أعلم بحقيقة ذلك.

فأما إعراب (اللّهمَّ) فضم الهاء وفتح الميم ، لا اختلاف فى اللفظ به بين

النحويين ، فأما العلة فقد اختلف فيها النحويون فقال بعضهم : معنى الكلام يا اللّه أم بخير ، وهذا إقدام عظيم لأن كل ما كان من هذا الهمز الذي طرح

فأكثر الكلام الإتيان به ، يقال ويل أمه ، وويلُ امه ، والأكثر إثبات الهمز.

ولو كان كما يقول لجاز اومم ، واللّه أم ، وكان يجب أن تلزمه ياءُ النداءِ لأن

العرب تقول يا اللّه اغفر لنا ، ولم يقل أحد من العرب إلا اللّهم ، ولم يقل

أحد يا اللّهم.

قال اللّه عزَّ وجلَّ : (وَإِذْ قَالُوا اللّهمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ).

وقال : (قُلِ اللّهمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).

فهذا القول يبطل من جهات : أحدها أن " يا " ليست في الكلام وأخرى

أن هذا المحذوف لم يتكلم به على أصله كما نتكلم بمثله وأنه لا يقدم أمام

الدعاءِ هذا الذي ذكره ، وزعم أن الصفة التي في الهاءِ ضمة الهمزة التي

كانت في أم ، وهذا محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداءِ للمفرد.

وأن يجعل في اللّه ضمَة (أم). هذا الحاد في اسم اللّه - عزَّ وجل .

وزَعمَ أن قولَنا هلم مثل ذلك أن أصلها : هلْ ام - وإنما هِي لُم.

والهاءُ للتنبيه ، وقال المحتج بهذا القول : أن " يا " قد يقال مع : (اللّهم) فيقال : يَا اللّهم ، ولا يروي أحد عن العرب هذا غيره - زعم أن بعضهم أنشده :

ومَا عَليك أن تقولي كلما . . . صليتِ أوْسبَّحتِ يا اللّهم مَا

اردد علينا شيخنا مسلما

وليس يُعارَض الإجماع وما أتى به كتاب اللّه تعالى ووجد في جميع

ديوان العرب بقول قائل أنشدني بعضهم ، وليس ذلك البعض بمعروف ولا

بمسمى.

وقال الخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوقُ بعلمهم : أن " اللّهم "

بمعنى - يا اللّه ، وأن الميم المشددة عوض من " يا " لأنهم لم يجدوا ياءً مع هذه

الميم في كلمة ، ووجدوا اسم اللّه جلَّ وعزَّ مستعملاً بـ (يا) إذا لم يذكر الميم.

فعلموا أن الميم من آخر الكلمة بمنزلة يا في أولها ، والضمة التي في أولها

ضمة الاسم المنادى في المفرد ، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم التي

قبلها . -

وزعم سيبويه أن هذا الاسم لا يوصف لأنه قد ضمت إِليه الميم ، فقال

في قوله جلَّ وعزَّ : (قُلِ اللّهمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

أن (فاطرَ) منصوب على النداءِ ، وكذلك (مَالِكَ الملْكِ)

ولكن لم يذكره في كتابه.

والقول عندي أن (مَالِكَ الملْكِ) صفةٌ اللّه ، وأن (فاطر السَّمَاوَاتِ والأرضِ) كذلك - وذلك أن الاسم ومعه الميم بمنزلته ومعه " يا " فلا تمنع

الصفة مع الميم كما لاتمنع " مع " يا " .

فهذا جملة تفسير وإعراب (اللّهمَّ).

ومعنى : (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) على ما ذَكَرْنا في (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ).

ومعنى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ).

أي بِيَدِكَ الْخَيْرُ كله ، خيرُ الدنيا وخيرُ الآخرة.

* * *

﴿ ٢٦