١١٣(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّه آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) (لَيْسُوا سَوَاءً) وهذا وقف التمام. أي ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواءً. قال أبو عبيدة : (ليسوا سواء) جمع ليس ، وهو متقدم كما قال القائل : أكلوني البراغيث وكما قال : عموا وصَمُّوا كثير منهم. وهذا ليس كما قال لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى ، فأخبر اللّه أنهم غير متساوين فقال (ليسوا سواءً). ثم أنبأ بافتراقهم فقال : (مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ). قال أهل اللغة معنى قائمة مستقيمة ، ولم يبينوا حقيقة هذا وذكر الأخفش أمة قائمة ، أي ذو أمةٍ قائمة والأمة الطريقة من أممت الشيءِ إذا قصدته. فالمعنى واللّه أعلم : من أهل الكتاب أمَّة قائمة ، أي ذوو طريقة قائمة. قال النابغة الذبياني : حلفت فلم أترك لنفسك ريبة . . . وهل يأتمن ذو أمة وهو طائع أي هل يأتمن ذو طريقة من طرائق الدين وهو طائع. فإنما إنَّه لا يستوي الذين قتلوا الأنبياءَ بغير حق والذين يتلون آيات اللّه آناءَ الليل وهم ذوو طريقة مستقيمة . ومعنى (آناءَ الليل) ساعات الليل ، قال أهل اللغة واحد آناءِ الليل إنْي وآناءَ مثل ، نِحْى وأنْحاءِ وأنشد أهل اللغة في ذلك قول الشاعر : حُلوٌ وَمُرٌّ كطعم القدح مِرتهُ . . . بكل إنْي حداه الليلُ يَنْتَعِل قالوا واحدها إِني مثل مِعْي وأمعاء ، وحكى الأخفش (إنْوُ). * * * وقوله عزَّ وجلَّ : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ). معناه وهم يصلون لأن التلاوة ليست في السجود ، وإنما ذكرت الصلاة بالسجود لأن السجود نهاية ما فيها من التواضع والخشوع والتضرع. ومعنى (يَتْلُونَ) فيَ اللغة يُتْبِعُونَ بعض الشيءِ بعضاً ، وقد اسْتَتْلَاكَ الشيءَ إذا جعلك تَتْبَعَهُ قال الشاعر :. قد جعلت دلوى تستليني . . . ولا أحب تبع القرين إن لم يُرد سماحتي وَليني وقال بعض أهل اللغة : منهم أمة قائمة وامة على غير ذلك ، وأنشد في ذلك قول الشاعر : عصائي إليها القلب أني لأمره . . . سميع فيما أدري أرشد طلابها ولم يقل أم هو في غَي لأن في الكلام دليلاً عليه ، قال : والعرب تضمر هذا إذا عرفت مثل هذا - عرفت . وهذا الذي قال خطأ فاحش في مثل هذا المكان ، لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى في هذه القصة بأنهم كانوا يكفرون بآيات اللّه ، ويقتلون الأنبياءَ بغير حق ، فأعلمَ اللّه جلَّ وعزَّ أن منهم المؤْمنين الذين هم أمَّة قائمة ، فما الحاجة إلى أن يقال غير قائمة وإنما المبدوءُ به ههنا ما كان من فعل أكثرهم من الكفر والمشاقة للنبي - صلى اللّه عليه وسلم - فذكر من كان مبايناً هُؤلاءِ وذكر في التفسير أن هذا يعني به عبد اللّه بن سلام وأصحابه : * * * |
﴿ ١١٣ ﴾