سورة المائدة

ومن سورة المائدة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١

قوله جلَّ وعزَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّه يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (١)

خاطب اللّه جلَّ وعزَّ جميع المؤْمنين بالوفاءِ بالعقود التي عقدها اللّه

عليهم ، والعقود التي يعقدها بعضهم على بعضٍ على ما يوجبه الدين ، فقال : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا أيها الذين صدقوا النبي - صلى اللّه عليه وسلم - أوْفوا بالعُقود ، والعقود العهود ، يقال : وفيت بالعهْدِ وأوفيتُ.

والعقود واحذها عَقْد ، وهي - أوكد العهودِ

يقال : عهدت إلى فلان في كذا وكذا ، تأويله ألزَمتُه ذلك.

فإنما قلت عاقدته  عَقَدت عليه ، فتأويله أنك ألْزمْته ذلك باستيثاق.

وقال بعضهم أوفوا بالعقودِ أي كان عقد بعضُكم على بعض في

الجاهلية ، نحو الموالاة ، ونحو  (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) والمواريث تنسخ العقودَ في باب المواريث.

يقال عقدت الحبلَ والعهد فهو معْقود.

قال الحطيئة :

قَوْمٌ إِذا عَقَدوا عَقْداً لجارِهمُ . . . شَدُّوا العِناجَ وشَدُّوا فَوْقَه الكَرَبَا

تأويله أنهم يوفون عهودَهم بالوفاءِ بها ، ويقال أعقَدْتُ العسَل ونحوه فهو

مُعقدَ وعَقِيدٌ ، وروى بعضهم : عقدت العسل والكلام أعقَدْت.

قال الشاعِر :

وكأَنَّ رُبّاً  كحِيلاً مُعْقَداً حَشَّ القيانُ به جوانِبَ قُمْقُمِ

* * *

وقوله جلَّ وعزَّ : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ).

قال بعضهم : بهيمة الأنعام : الظباءُ والبقر الوحْشِيةُ والحُمْرُ الوحشيةُ.

والأنعام في اللغة تشتمل على الِإبل والبقر والغنم.

فالتأويل - واللّه أعلم - أحلت لكم بهيمة الأنعام ، أي أحلت لكم الِإبل

والبقرُ والغنمُ والوحْشُ . والدليل على أن الأنعام مشتملة على ما وصفنا

قوله عز وجلَّ : (وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وفَرْشاً) فالحمولة الإِبل التي تُحَمَّلُ

والفرْشُ صغار الِإبل ، قال (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ)

ثم قال : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) وهذا مردود على

(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ) ، وأنشأ (وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا).

ثم ذكر ثمانية أزواج بدلاً من  (وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا).

والسورَة تدعَى سورة الأنعام ، فبهيمة الأنعام هذه ، وإِنما قيل لها بهيمة الأَنعام لأن كل حي لا يميز فهو بهيمة ، وإِنما قيل له بهيمة لأنه أبهم عن أي يميز ، فأعلم اللّه عز وجلَّ أن الذي أحِل لنا مما أبهِم هذه الأشياءُ.

و (إِلَّا مَا يُتْلَى عَليْكُم).

موضع ما نصب بـ (إِلَّا) ، وتأويله أُحلَّت لكم بهيمة الأنعام (إِلا ما يتلى عليكم) من الميتةِ والدم والموقُوذَةِ والمُتَرَديَةِ والنطِيحَة

(غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) أي أُحلَّتْ لكم هذه لا مُحِلينَ الصيْدَ (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ).

وقال أبو الحسن الأخفش : انتصب (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) على

(يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ، كأنَّه قيل : أوفوا بالعُقودِ غير مُحِلَى الصيْدِ.

وقال بعضهم يجوز أن تكون " ما " في موضع رفع على أَنه يذهب إِلى أنه يجوز جاءَ إخوتك إِلَّا زيدٌ ، وهذا عند البصريين باطل لأَن  عند هذا القائل :

جاءَ إخوتك وزيد . كأنَّه يعطف بها كما يعطف بلا ، ويجوز عند البصريين

جاءَ الرجال إلا زيد على معنى جاءَ الرجال غَيرُ زيد ، على أن تكون صفة

للنكرة  مَا قَاربَ النكرةَ من الأجناسِ.

و (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ).

أي مُحرمونَ . وأَحَدُ الخرُم حرام ، - يقال رجل حَرامٌ وقوم حُرُم.

قال الشاعر :

فقلتُ لها فِيئي إِلَيكِ فإِنَّني . . . حَرامٌ وإِني بعد ذاكَ لَبِيبُ

أي ملبٍّ.

و (إِنَّ اللّه يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ).

أي الخلق له عزَّ وجلَّ ، يُحِل منه ما يشاءُ لمنْ يشاءُ ، وُيحُرَمُ مَا يُرِيدُ.

* * *

﴿ ١