٦

و (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى  عَلَى سَفَرٍ  جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ  لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٦)

 إِذا أردتم القيام إِلى الصلاة ، وإِنما جاز ذلك لأن في الكلام

والاستعمال دليلًا على معنى الِإرادة ، ومثل ذلك قول اللّه عزَّ وجلَّ (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّه مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨).

 إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم.

و (وأرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ).

القراءَة بالنصب ، وقد قرِئت بالخفض ، وكلا الوجهين جائز في العربية

فمن قَرَأ بالنصب فالمعنى : فاغسلوا وُجُوهَكُم وَأيديَكم إِلى المرافق وأرجُلَكم

إِلى الكعبين ، وامسحوا برؤُوسكم على التقْديم والتأْخير والواو جائز فيها ذلك كما قال جلَّ وعزَّ : (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣).

والمعنى واركعي واسجدي لأن الركوع قبل السجود ، ومن

قرأ : وَأرجُلِكم - بالجر عطف على الرؤوس.

وقال بعضهم نزل جبريل بالمسح ، والسنة في الغَسل.

وقال بعض أهل اللغة هو جَر على الجِوَارِ ، فأما الخفض على الجوار فلا يكون في كلمات اللّه ، ولكن المسح على هذا التحديد في القرآن كالغُسل لأن  (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ، فذكر الحدَّ في الغسل لليد إِلى المرافق ، ولليد من أطراف الأصابع إلى الكتفِ ، ففرض علينا أن نغسل بعض اليد من أطراف الأصابع إِلى المرفق ، فالمرفق منقَطِع مما لا يُغْسَل ودخل فيما يُغْسَل.

وقد قال بعض أهل اللغة معناهُ مع المرافق ، واليَدُ المرفق داخل فيها ، فلو كان اغسلوا أيديَكم مع المرفَق ، لم تكن في المرافق فَائِدة وكانت اليد كلها يجب أن تغسل ، ولكنه لما قيل إلى المرافق اقتطعت في الغسل من حَد المِرفق ، والمِرفَق في اللغة ما جاوز الإِبرة وهو المكان الذي يُرتَفَقُ به ، أي يتكأ عليه على المرفقة وغيرها.

فالمرافق حَد ما ينتهَي إِليه في الغسْل منها ، وليس يحتاج

إلى تأويل (مع).

ولما حدَّ في الرِّجْلِ إِلى الكعْبين ، والرِّجْل من أصل الفخذ إِلى القَدَم

عُلمَ أن الغُسْلَ من أطراف الأصابع إِلى الكعبين ، والكعبان هما العظمان

الناتئان في آخر الساق مع القدم ، وكل مِفْصَل من العظام فهو كعب ، إِلا أن

هذين الكعبين ظاهران عن يَمْنَة فوق القدم وَيسْرَتِه ، فلذلك لم يحتج إلى أن

يقال الكعبان اللذان صِفَتهما كذا وكذا.

فالدَّلِيل على أن الغسل هو الواجب في الرجل ، والدليل على أن

المَسْحَ على الرجل لا يجوز هو تحديد إِلى الكعبين كما جاءَ في تحديد

اليد إِلى المرافق ، ولم يجئْ في شيء في المسح تحديد ، قال فامسحوا

برؤوسكم بغير تحديد في القرآن وكذلك

(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)

ويجوز وأرجُلِكم بالجر على معنى واغسلوا ، لأن قوله إِلى الكعبين قد دل على

ذلك كما وصفنا ، وينسق بالغسل على المسح

كما قال الشاعر :

يا ليت بعلك قد غدا . . . متقلداً سيفاً ورمحا

 متقلداً سيفاً وحاملاً رمحاً.

وكذلك قال الآخر :

علفْتها تبناً وماءً بارداً

 وسقيتها ماءً بارداً.

و (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا).

يقال للواحد رجل جُنُبٍ ، ورجُلان جُنُبٌ ، وقوم جُنُب وامراة جُنب ، كما

يقال رَجُلٌ رِضًى وقوم رضًى وإِنما هو على تأويل ذَووا أجنُبٍ ، لأنه مصدر.

والمصدر يقوم مقام ما أضيف إِليه ، ومن العرب من يُثَنِّي ويَجْمَعُ ويجعل

المصدر بمنزلة اسم الفاعل ، وإِذا جمع جنب ، قلت في الرِّجال جُنبون ، وفي

النساءِ جُنُبات ، وللاثنين جُنبان.

و (فَاطَّهَّرُوا).

معناه فتطهروا ، إِلا أن التاءَ تدغم في الطاءِ لأنهما من مكان واحد.

وهما مع الدال من طرف اللسان ، وأصول الثنايا العليا ، فإِذا أدغمت التاء في الطاءِ . سقط أول الكلمة فزيد فيها ألف الوصل ، فابتدأت فقلت اطهروا.

وبين عزَّ وجلَّ ما طهارة الجنب في سورة النساءِ بالغسل فقال :

(وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا).

والغائط - كناية عن مكان الحَدَثِ ، والغِيطَان ما انخفض من الأرض.

و عزَّ وجلَّ : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا).

أي اقصدوا ، وقد بيَّنَّا الصعيد في سورة النساءِ.

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (مَا يُرِيدُ اللّه لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ).

أي من ضيق.

(وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ).

واللام دخلت لتبيّنَ الِإرادة.

 إِرادته ليطهركم.

قال الشاعر :

أرِيدُ لأنْسى ذكرها فكأنَّمَا . . . تَمثَلُ لي ليلَى بكُل سَبِيل

﴿ ٦