٦٩(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٩) اختلف أهل العربية في تفسير رفع الصابئين ، فَقَالَ بعضهم نَصْبُ " إِنَّ " ضَعُفَ فنسقَ بـ (الصَّابِئُونَ) على " الَّذِينَ " لأَن الأصل فيهم الرفع. وهو قول الكسائي ، وقال الفراءُ مثل ذلك إِلا أَنه ذكر أَن هذا يجوز في النسق على مثل " الذين " وعلى المضمر ، يجوز إِني وزيد قائمان ، وأنه لا يجيز إِنَّ زيداً وعمرو قائمان. وهذا التفسير إِقدام عظيم على كتاب اللّه وذلك أَنهم زعموا أن نَصْبَ " إِنَّ " ضعيف لأنها إِنما تغيِّرُ الاسم ولا تغير الخبرَ ، وهذا غلط لأن " إنَّ " عملت عَملَيْن النَصْبَ ، والرفع ، ولَيْسَ في العربية ناصب ليس معه مرفُوع لأن كل منصوب مشبه بالمفعول ، والمفعول لا يكون بغير فاعل إِلا فيما لم يسم فاعله ، وكيف يكون نصب " إِنَّ " ضعيفاً وهي تتخطى الظروف فتنصب ما بعدها. نحو " (إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ) ونَصْبً إِنَّ مِنْ أقْوَى المنْصوبَاتِ. وقال سيبويه والخليلً ، وجميع البصريين إِن (وَالصَّابِئُونَ) محمول. على التأخير ، ومرفوع بالابتداءِ . إِن الذين آمنوا والذين هادوا مَنْ آمن باللّه واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ، والصابئون والنصارى كذلك أَيْضاً ، أي من آمن باللّه واليوم الآخر فلا خوف عليهم ، وأنشدوا في ذلك قول الشاعر : وإلا فاعلموا أنَّا وأنتم . . . بغاة ما بقينا في شقاق وإِلا فاعلموا أنَّا بغَاة ما بقينا في شقاق ، وأنتم أيضاً كذلك. وزعم سيبويه أن قوماً من العرب يغْلِطونَ فيقولون إِنهم أجمعونَ ذاهبون ، وإِنك وزيد ذاهبان . فجعل سيبويه هذا غلطاً وجعله كقول الشاعر : بدا لي أنى لسْتُ مدرِك مَا مَضى . . . ولا سَابِقٌ شيئاً إِذا كان جائياً فأما (مَن آمَنَ بِاللّه) وقد ذكر الذين آمنوا ، فإنما يعني الذين آمنوا هَهنا المنافقين الذين أظهروا الِإيمان بألْسنتهم ، ودل على أن هنا مَا تقدَّم من (لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ). ومعنى الصابئ الخارج عن جملة الأدْيان لأنهم لا يدينون بالكتُب. والعرب تقول قد صبأ نَابُ البعير ، وصبأ سِنُّ الصَّبِيِّ إِذا خرج. فأمَّا قولهم ضبأت بالضادِ المعجمة فمعناه اختبأت في الأرض. ومنه اشتُق اسم ضابئ. وقال الكسائي ، الصابئون نسق على ما في هادوا ، كأنه قال هادوا هم والصابئون . وهذا القول خطأ من جهتين ، إِحداهما أن الصابى يشارك إليهودِي في إليهودية وَإِن ذَكَرَ أن هادوا في معنى تابوا فهذا خطأٌ في هذا الموضع أيضاً لأن معنى الذين آمنوا ههنا إِنما هو إِيمان بأفواههم ، لأنه يُعْنَى بِه المنَافِقُونَ ، ألا ترى اأه قال من آمَنَ باللّه ، فلو كانوا مؤمنين لم يحتج أن يقال إِنْ آمنوا فلهم أجرهم. |
﴿ ٦٩ ﴾