سورة براءة١قوله جلَّ وعزَّ (بَرَاءَةٌ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) سُئل أبَيُّ بنَّ كعب : ما بال براءَة لم تفتتح بـ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فقال : لأنها نزلت في آخر ما نزل من القرآن ، وكان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يأمر في أول كل سورة بـ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : ولم يأمر في سورة براءَة بذلك فَضُمَّتْ إلى سورة الأنفال لشبهها بها. يعني أن أمْرَ العهودِ مذكور في سورة الأنفال وهذه نزلت بنقض العهود فكانت ملتبسة بالأنفال في الشبه. قال أبو إِسحاق : أخبرنا بعض أصحابنا عن صاحبنا أبي العباس محمد ابن يزيد المبرد أنَّه قال : لم تفتتح ب " بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " ، لأن " بسم اللّه " افتتاح للخير . وأول " براءَة " وَعيدٌ ونقض عُهود ، فلذلك لم تفتتح بـ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. و (براءَة) نزلت في سنة تسع من الهجرة ، وافتتحت مكة في سَنَةِ ثمان. وَوَلَّى رسولً اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - عَتَابَ بنَ أسَيدٍ للوقوف بالناس في الموسم فاجتمع في تلك السنة في الموقف ومعالم الحج وأسبابه المسلمون والمشركون ، فلما كان في سنة تسع وَلى رَسُولُ اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - أبا بكر الصديق الوقوفَ بالناس وأمر بتلاوة براءَة ، وولى تلاوتها عَلياً وقال في ذلك : لن يُبَلِّغَ عني إِلا رجُل مني ، وذلك لأن العربَ جَرت عادتها في عقد عقودها ونقضها أن يتولى ذلك على القبيلة رَجلٌ منها ، فكان جائزاً أن يقول العربُ إِذا تلى عليها نقض . العهد من الرسول : هذا خِلاف ما نعرف فينا في نقض العهود ، فأزاح رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - هذه العِلَّةَ ، فَتًليَتْ براءَة في الموقف : (بَرَاءَةٌ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) أي قدْ بَرِئ من إِعطائهم العهودَ والوفاءَ لهم ، ذلك أن نكثوا. (بَرَاءَةٌ) مرتفعة على وجهين أحدهما على خبر الابتداء ، على معنى هذه الآيات براءَة من اللّه ورسوله ، وعلى الابتداء ، يكون الخبر (إِلى الذين عاهدتم) لأَن براءَة موصولة بِـ مِنْ ، وصار كقولك : القصد إِلى زيد ، والتبرؤُ إِليك ، وكلاهما جائز حسن ، يقالي بَرئْتُ في الرجلِ والدين براءَةً ، . وبرِئْتُ من المرَضِ وبَرَات أيضاً بُرْءَاً ، وقد روَوْا برات ابرُؤَ بُرُوءاً ، ولم نجد فيما لامه همزة فعَلْت أفعُل ، نحو قرأت أقرا ، وهنأت البعير أهنؤُه . وقد استقصى العلماء باللغة هذا فلم يجدوه إِلا في هذا الحرف وُيقال برَيْت القَلمَ - وكل شَيءٍ نَحَتُه - أبْرِيه بَرْيَا ، غير مهموز ، وكذلك بَرَاةُ السيْرُ غير مهموز ، والبُرَةُ حَلَقَة من حَدِيد في أنف الناقة ، فإِذا كانت من شعر فهي خِزَامَةُ. والذي في انف البعير من خَشب يقال له الخِشَاش ، يقال أبريت الناقة أبْرِيها براءَ إِذا جَعَلْت لها بُرَةً. ولا يقال إِلا بالألف أبْريْتُ ، ومن الخزامة خَزَمْتُ - بغير ألف - وكذلك من الخِشاش خَشَشْتُ ، والبُرَةُ الخلخال من هذا ، وتجمع البرةُ بُرين والبُريَ. * * * |
﴿ ١ ﴾