٦و (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّه إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) معناه والذين يرمون أزواجهم بالزِنَا. و (فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ باللّه). ويقرأ أربعَ شهاداتٍ باللّه بِالنَصْبِ ، فمن قرأ أرْبَعُ بالرفْع فَعَلَى خبر الابتداء ، فشهادة أحدهم التي تدرأ حَدَّ القَاذف أَربعٌ ، والدليل على ذلك قوله عزَّ وجلَّ : (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّه). ومن نصب أَرْبعاً فالمعنى فَعَلَيْهم أن يَشْهَدَ أَحَدُهُم أرْبَعَ شهاداتٍ. __________ (١) قال السَّمين : إِلاَّ الذين تَابُواْ : في هذا الاستثناءِ خلافٌ : هل يعودُ لِما تقدَّمه من الجملِ أم إلى الجملة الأخيرة فقط؟ وتكلم عليها من النحاةِ ابنُ مالك والمهاباذي . فاختار ابنُ مالك عَوْدَه إلى الجملةِ المتقدمةِ ، والمهاباذي إلى الأخيرة . وقال الزمخشري : « ردُّ شهادةِ القاذفِ مُعَلَّقٌ عند أبي حنيفة رحمه اللّه باستيفاءِ الحدِّ . فإذا شهد [ به ] قبل الحَدَّ قبلَ تمام استيفائِه قُبِلَتْ شهادتُه . فإذا اسْتُوفي لم تُقْبَلْ شهادتُه أبداً ، وإن تاب وكان من الأبرار الأتقياء . وعند الشافعيِّ رحمه اللّه يتعلَّقُ رَدُّ شهادِته بنفسِ القَذْفِ . فإذا تاب عن القَذْفِ بأَنْ يرجعَ عنه عاد مقبولَ الشهادة . وكلاهما متمسِّكٌ بالآية : فأبو حنيفةَ رحمه اللّه جَعَلَ جزاءَ الشرطِ الذي هو الرميُ الجَلْدَ ورَدَّ الشهادةِ عقيبَ الجَلْدِ على التأبيد ، وكانوا مردودي الشهادة عندَه في أَبَدِهم وهومدةُ حياتِهم ، وجعل قولَه وأولئك هُمُ الفاسقون كلاماً مستأنفاً غيرَ داخلٍ في حَيِّزِ جزاءِ الشرط ، كأنه حكايةُ حالِ الرامين عند اللّه بعد انقضاءِ الجملةِ الشرطيةِ ، و إِلاَّ الذين تَابُواْ استثناءٌ من » الفاسقين « . ويَدُلُّ عليه فَإِنَّ اللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ . والشافعيُّ رحمه اللّه جَعَل جزاءَ الشرطِ الجملتين أيضاً ، غيرَ أنه صَرَفَ الأبدَ إلى مدةِ كونهِ قاذفاً وهي تنتهي بالتوبة [ والرجوع ] عن القذف ، وجعل الاستثناء بالجملةِ الثانية متعلقاً » . انتهى ، وإنما ذكرتُ الحكمَ؛ لأنَّ الإِعرابَ متوقفٌ عليه. ومَحَلُّ المستثنى فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه منصوبٌ على أصلِ الاستثناء . الثاني : أنه مجرورٌ بدلاً من الضمير في « لهم » وقد أوضح الزمخشري ذلك بقولِه « وحَقُّ المستثنى عنده أي الشافعي أن يكونَ مجروراً بدلاً مِنْ » هم « في » لهم « ، وحقُّه عند أبي حنيفة أن يكونَ منصوباً؛ لأنه عن مُوْجَبٍ . والذي يقتضيه ظاهرُ الآيةِ ونظمُها أن تكونَ الجملُ الثلاثُ بمجموعِهِنَّ جزاءَ الشرط كأنه قيل : ومَنْ قَذَفَ المُحْصناتِ فاجْلِدوهم ، ورُدُّوا شهادتَهم وفَسِّقوهم أي : فاجْمَعُوا لهم الجَلْدَ والردَّ والتفسيقَ ، إلاَّ الذين تابوا عن القَذْفِ وأصلحوا فإنَّ اللّه يغفرُ لهم فينقلبون غيرَ مجلودِين ولا مَرْدودين ولا مُفَسَّقين » . قال الشيخ : « وليس ظاهرُ الآية يقتضي عَوْدَ الاستثناءِ إلى الجملِ الثلاثِ ، بل الظاهرُ/ هو ما يَعْضُده كلامُ العرب وهو الرجوعُ إلى الجملةِ التي تَليها ». والوجه الثالث : أنَّه مرفوعٌ بالابتداءِ ، وخبرُه الجملةُ من قولِه فَإِنَّ اللّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ . واعتُرِض بخُلُوِّها مِنْ رابطٍ . وأُجيب بأنه محذوفٌ أي : غفورٌ لهم ، واختلفوا أيضاً في هذا الاستثناءِ : هل هو متصلٌ منقطع؟ والثاني ضعيفٌ جداً. اهـ (الدُّرُّ المصُون) وعلى معنى فالذي يَِرَأُ عنها العَذَابَ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهم أَرْبَعَ شهاداتٍ * * * (والخَامِسَةُ أَن لَعْنَةَ اللّه عَلَيْهِ). ويجوز والخامِسَةَ أَن لَعْنَةَ اللّه عليه ، وكذلك والخَامِسَةُ أَنَ غضبَ اللّه عليها ، والخامِسَةَ جميعاً ، فمن قال : والخامِسَةَ فعلى مَعْنَى وَيَشْهَدُ الخامِسَةَ. فإذا قَذَف القاذِفُ امرأَتَه ، فشهادَتُه أَن يَقُولَ : أَشْهَدُ باللّه إني لَمِنَ الصادِقِينَ فِيمَا قَذَفْتُها بِهِ ، يقول : أحلف باللّه إني لمن الصادِقينَ فِيما قَذَفْتُها به ، أَرْبَعَ مَراتٍ ، ويقول في الخامِسَةِ لعنة اللّه عليه إن كان من الكَاذبين. وكذلك تقولُ المرأَةُ : أَشْهَدُ بِاللّه إئهُ لِمنَ الكاذبين فيما قذفني به ، أربع مرات ، وتقول في الخامِسَةِ : وعَلَيَّ غَضَبُ اللّه إن كان من الصادقين. وهذا هو اللِّعَانُ ، فإذا تلاعنا فُرقَ بينهما ، واعتدَّت عِدَّةَ المطلَّقَةِ من وقتها ذلك. فإذا فعلا ذلك لم يَتَزوجْهَا أبداً في قول أكثر الفقهاء من أهل الحجاز وبعضُ الكوفيين يُتابِعُهُمْ ، وهو أبو يوسُفَ ، والقياسُ ما عليه أهل الحجاز ، لأن القاذفَ قَذَفَها بالزِّنَا ، فهو لا ينبغي له أن يتزوَّج بزانيةٍ ، وليس يظهر لهذا تَوْبَةٌ ، واللِّعَانُ لا يكون إلا بحاكم من حكام المسلمين (١). * * * |
﴿ ٦ ﴾