١١وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١) معنى الِإفك ههنا الكذبُ . وقد سُمِّيَ بعضُهُمْ في الآثار ، وَلَمْ يُسمَّوْا في __________ (١) قال السَّمين : وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ : في رفع « أنفسهم » وجهان ، أحدُهما : أنه بدلٌ مِنْ « شهداء » ، ولم يذكر الزمخشري في غضونِ كلامِه غيرَه . و الثاني : أنه نعتٌ له ، على أنَّ « إلاَّ » بمعنى « غير » . قال أبو البقاء : « ولو قُرىء بالنصبِ لجاز على أن يكونَ خبرَ كان ، منصوباً على الاستثناء . وإنما كان الرفعُ هنا أقوى؛ لأنَّ » إلاَّ « هنا صفةٌ للنكرةِ كما ذَكْرنا في سورة الأنبياء » . قلت : وعلى قراءةِ الرفعِ يُحتمل أَنْ تكونَ « كان » ناقصةً ، وخبرُها الجارُّ ، وأَنْ تكونَ تامةً أي : ولم يُوجَدْ لهم شهداءُ. وقرأ العامَّةُ « يكن » بالياءِ من تحتُ ، وهو الفصيحُ؛ لأنه إذا أُسْنِد الفعلُ لِما بعدَ « إلاَّ » على سبيلِ التفريغ وَجَبَ عند بعضِهم التذكيرُ في الفعل نحو : « ما قام إلاَّ هندٌ » ولا يجوز : ما قامَتْ ، إلاَّ في ضرورة ك ٣٤٣٣ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وما بَقِيَتْ إلاَّ الضلوعُ الجَراشعُ في شذوذٍ كقراءةِ الحسنِ : « لا ترى إلاَّ مَساكنُهم » وقرىء « ولم تَكُنْ » بالتاءِ من فوقُ وقد عَرَفْتَ ما فيه. فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ في رفعِها ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أن يكونَ مبتدأ ، وخبرُه مقدرُ التقديمِ أي : فعليهم شهادة ، مُؤَخَّرهُ أي : فشهادة أحدِهم كافيةٌ واجبةٌ . الثاني : أن يكون خبرَ مبتدأ مضمرٍ أي : فالجوابُ شهادةُ أحدِهم . الثالث : أن يكونَ فاعلاً بفعلٍ مقدرٍ أي : فيكفي . والمصدرُ هنا مضافٌ للفاعلِ. وقرأ العامَّةُ « أربعَ شهاداتٍ » بالنصبِ على المصدر . والعاملُ فيه « شهادة » فالناصبُ للمصدرِ مصدرٌ مثلُه ، كما تقدَّم في قولِه فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً [ الإسراء : ٦٣ ] . وقرأ الأخَوان وحفصٌ برفع « أربع » على أنها خبرُ المبتدأ ، وهو « فشهادة ». ويتخرَّجُ على القراءاتين تعلُّقُ الجارِّ في « باللّه » ، فعلى قراءةِ النصبِ يجوزُ فيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أَنْ يتعلَّقَ بشهادات؛ لأنه أقربُ إليه . و الثاني : أنه متعلِّقٌ ب « فشهادةُ » أي : فشهادةُ أحدِهم باللّه . ولا يَضُرُّ الفصلُ ب « أربع » لأنها معلومةٌ للمصدرِ فليسَتْ أجنبيةً . والثالث : أن المسألةَ من باب التنازعِ؛ فإنَّ كلاً مِنْ شهادة وشهادات تَطْلُبه من حيث ، وتكون المسألةُ من إعْمال الثاني للحَذْفِ من الأول ، وهو مختار البصريين . وعلى قراءةِ الرفعِ يتعيَّن تَعَلُّقُه بشهادات؛ إذ لو عَلَّقْتَه بشهادة لَزِمَ الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه بالجرِّ ، ولا يجوزُ لأنه أجنبيٌّ . ولم يُختلفْ في « أربع » الثانية وهي قولُه « أَنْ تَشْهد أربعَ شهاداتٍ أنها منصوبةٌ للتصريح بالعاملِ فيها . وهو الفعلُ. والخامسة : اتفق السبعةُ على رفع الخامسة الأولى ، واختلفوا في الثانية : فنصبها حفصٌ ، ونَصَبهما معاً الحسنُ والسلمي وطلحة والأعمش . فالرفعُ على الابتداءِ ، وما بعده مِنْ « أنَّ » وما في حَيِّزها الخبرُ . وأمَّا نصبُ الأولى فعلى قراءةِ مَنْ نصبٍ « أربعَ شهادات » يكون النصبُ للعطفِ على المنصوبِ قبلها . وعلى قراءةِ مَنْ رَفَعَ يكونُ النصبُ بفعلٍ مقدرٍ أي : ويَشْهَدُ الخامسةَ . وأمَّا نصبُ الثانيةِ فعطفٌ على ما قبلَها من المنصوبِ وهو « أربع شهادات » . والنصبُ هنا أقوى منه في الأولى لقوةِ النصبِ فيما قبلَها كما تقدَّم تقريرُه : ولذلك لم يُخْتَلَفْ فيه . وأمَّا « أنَّ » وما في حَيِّزها : فعلى قراءةِ الرفعِ تكونُ في محلِّ رفعٍ خبراً للمبتدأ كما تقدَّم ، وعلى قراءةِ النصبِ تكونُ على إسقاطِ الخافضِ ، ويتعلَّقُ الخافضُ بذلك الناصبِ للخامسةِ أي : ويشهد الخامسةَ بأنَّ لعنةَ اللّه وبأنَّ غضبَ اللّه . وجَوَّز أبو البقاء أن يكونَ بدلاً من الخامسة. أَنَّ لَعْنَةَ اللّه عَلَيْهِ قرأ العامَّةُ بتشديد « أنَّ » في الموضعين . وقرأ نافعٌ بتخفيفها في الموضعين ، إلاَّ أنه يقرأ « غَضِبَ اللّه » بجَعْلِ « غَضِبَ » فعلاً ماضياً ، والجلالة فاعلَه . كذا نقل الشيخ عنه التخفيفَ في الأولى أيضاً ، ولم ينقُلْه غيره . فعلى قراءتِه يكون اسمُ « أنْ » ضميرَ الشأنِ في الموضعين ، و « لعنةُ اللّه » مبتدأ و « عليه » خبرُها . والجملةُ خبرُ « أنْ » . وفي الثانية يكون « غضِبَ اللّه » جملةً فعليةً في محل خبر « أنْ » أيضاً ، ولكنه يقال : يلزمُكم أحدُ أَمْرَيْن ، وهو إمَّا عَدَمُ الفصلِ بين المخففةِ والفعلِ الواقعِ خبراً ، وإمَّا وقوعُ الطلبِ خبراً في هذا البابِ وهو ممتنعٌ . تقريرُ ذلك : أنَّ خبرَ المخففةِ متى كان فعلاً متصرفاً/ غير مقرونٍ ب « قد » وَجَبَ الفصلُ بينهما . بما تقدَّم في سورة المائدة . فإنْ أُجيب بأنه دعاءٌ اعتُرِض بأنَّ الدعاءَ طلبٌ ، وقد نَصُّوا على أنَّ الجملَ الطلبيةَ لا تقع خبراً ل « إنَّ » . حتى تأوَّلوا ٣٤٣٤ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إنَّ الرِّياضةَ لا تُنْصِبْك للشَّيْبِ وقوله: ٣٤٣٥ إنَّ الذينَ قَتَلْتُمْ أمسِ سَيِّدَهُمْ . . . لا تَحْسَبوا ليلَهم عن ليلِكم ناما على إضمارِ القول . ومثلُه أَن بُورِكَ مَن فِي النار [ النمل : ٨ ] . وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسلميُّ وعيسى بتخفيف « أنْ و » غَضَبُ اللّه « بالرفع على الابتداء ، والجارُّ بعدَه خبرُه . والجملةُ خبرُ » أنْ «. وقال ابنُ عطية : » وأنْ الخفيفةُ على قراءة الرفعِ في « أَنْ غَضِبَ » وقد وليها الفعلُ . قال أبو علي : « وأهلُ العربيةِ يَسْتَقْبِحون أَنْ يليَها الفعلُ إلاَّ بأَنْ يُفْصل بينها وبينه بشيء نحو قولِه عَلِمَ أَن سَيَكُونُ [ المزمل : ٢٠ ] أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ [ طه : ٨٩ ] فأمَّا وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ [ النجم : ٣٩ ] فذلك لقلةِ تمكُّنِ » ليس « في الأفعال . وأمَّا أَن بُورِكَ مَن فِي النار ف » بُوْرِكَ « في معنى الدعاء فلم يَجىءْ دخولُ الفاصلِ لئلا يَفْسُدَ » . قلت : فظاهرُ هذا أنَّ « غَضِبَ » ليس دعاءً ، بل هو خبرٌ عن « غَضَِبَ اللّه عليها » والظاهرُ أنه دعاءٌ ، كما أنَّ « بُورك » كذلك . وليس على الإِخبارِ فيهما فاعتراضُ أبي علي ومتابعةُ أبي محمد له ليسا بمَرْضِيَّيْنِ. اهـ (الدُّرُّ المصُون) ْالقرآن فمِمنْ سُمِّيَ حسانُ بنُ ثَابتٍ ، ومِسْطَح بنُ أُثاثَةَ ، وعبدُ اللّه بنُ أُبَيٍّ. ومن النساء حِمْنة بِنت جَحش. (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ). وقيل لكم والتي قُصِدَتْ عائشة رحمها اللّه ، فقيل لكم يعنى به هِيَ ومن بسببها من النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وأبي بكر رحمه اللّه. و (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ). ويُقْرأ (كُبْرَهُ مِنْهُم لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ). فمن قرأ (كِبْرَه) فمعناه من تَولَّى الإثْمَ في ذلك ، ومن قرأ كُبْرَه أراد مُعْظَمَهُ. ويروى أن حسان بن ثابت دَخَل علَى عائشة ، فقيل لها أَتُدْخِلين هذا الذي قال اللّه عزَّ وجلَّ - فيه : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فقالت لَيْسَ قَدْ ذهب بَصَرُه. ويروى أنَّه أنشدها قوله في بيته : حَصَانٌ رَازانٌ ما تُزَنُّ بِريبةٍ . . . وتُصْبِحُ غَرْثَى من لُحومِ الغَوافِل فقالت له : لكنك لست كذلك. وقوله تعالى : (والْخَامِسَةُ أَن غَضَبُ اللّه عَلَيْهَا). بتخفيف أَن ورَفع غَضَبُ على معنَى أَنَه غَضَبُ اللّه عليها ، ويجوز أَنْ غَضِبَ اللّه عليها ، وههنا " هاء " مُضْمرة ، وأن مخففَة من الثقِيَلَةِ. أَنهُ غَضِبَ اللّه عليها ، وأنه غَضَبُ اللّه عليها. قال الشاعر : في فتية كسيوف الهند قد علموا . . . أن هالك كل من يَحْفَى وَيَنْتَعلُ وجاء في التفسير في (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أنه يعنى به عَائِشةُ وصَفوانُ بنُ المعَطِّل ، ويجوز " لكم " في معنى (لكما) ، والذي فسَّرْنَاهُ أولاً يَتَضَمّنُ أمر عائشة وَصَفْوانُ والنبي - صلى اللّه عليه وسلم - وكل من بينه وبين عائشةَ سَبَبٌ ، ويجوز أَن يكون لكُلِ مَنْ رُمِيَ بِسَبَبٍ. * * * |
﴿ ١١ ﴾