٤٩(قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللّه لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٤٩) وتجوز لَتُبَيِّتُنَّهُ ، ويجوز لَيُبَيِّتُنَّهُ وَأَهْلَهُ بالياء ، فيها ثَلَاثَة أَوْجُهٍ (١). فمن قرأ بالنون قرأ " ثم لَنَقُولَنَّ " لِوَلِيِّهِ ، ممن قرأ (لَتُبَيِّتُنَّهُ) بالتاء قرأ " ثُمَّ لَتَقولُنَ " ومن قرأ " لَيُبَيِّتُنَّهُ " بالياء قرأ " ثم لَيَقُولُنَّ " لِوَليِّه. __________ (١) قال السَّمين : لَنُبَيِّتَنَّهُ قرأ الأخَوان بتاءِ الخطابِ المضمومةِ وضمِّ التاءِ ، والباقون بنونِ المتكلِّمِ وفتحِ التاءِ . » ثم لَنَقولَنَّ « قرأه الأخَوان بتاءِ الخطابِ المفتوحةِ وضمِّ اللامِ . والباقون بنونِ المتكلمِ وفتحِ اللامِ. ومجاهد وابن وثاب والأعمش كقراءة الأخَوَيْن ، إلاَّ أنه بياءٍ الغَيْبة في الفعلين . وحميد ابن قيس كهذه القراءةِ في الأولِ وكقراءةِ غير الأخوين من السبعةِ في الثاني. فأمَّا قراءةُ الأخَوَيْن : فإنْ جَعَلْنا « تقاسَمُوا » فعلَ أمرٍ فالخطابُ واضحٌ رجوعاً بآخرِ الكلامِ إلى أولِه . وإنْ جَعَلْناه ماضياً فالخطابُ على حكايةِ خطابِ بعضِهم لبعضٍ بذلك . وأمَّا قراءةُ بقيةِ السبعةِ : فإنْ جَعَلْناه ماضياً أمراً ، فالأمرُ فيها واضحٌ وهو حكايةُ/ أخبارِهم عن أنفسِهم . وأمَّا قراءةُ الغَيْبَةِ فيهما فظاهرةٌ على أن يكونَ « تَقاسَمُوا » ماضياً رُجُوعاً بآخرِ الكلامِ على أولِه في الغَيْبَةِ . وإنْ جَعَلْناه أمراً كان « لَنُبيِّتَنَّه » جواباً لسؤالٍ مقدرٍ كأنه قيل : كيف تقاسَمُوا؟ فقيل : لنبيِّتَنه . وأمَّا غيبةُ الأولِ والتكلمُ في الثاني فتعليلُه مأخوذٌ مِمَّا تقدَم في تعليلِ القراءتين. قال الزمخشري : « وقُرِىءَ » لَنُبيِّتَنَّه « بالياء والتاء والنون . فتقاسَموا مع التاءِ والنونِ يَصِحُّ فيه الوجهان » يعني يَصِحُّ في « تقاسَمُوا » أن يكونَ أمراً ، وأَنْ يكونَ خبراً قال : « ومع الياء لا يَصِحُّ إلاَّ أَنْ يكونَ خبراً » . قلت : وليس كذلك لِما تقدَّم : مِنْ أنَّه يكونُ أمراً ، وتكون الغيْبَةُ فيما بعده جواباً لسؤالٍ مقدرٍ . وقد تابع الزمخشريَّ أبو البقاء على ذلك فقال : « تقاسَمُوا » فيه وجهان ، أحدهما : هو أمرٌ أي : أمَرَ بعضُهم بذلك بعضاً . فعلى هذا يجوزُ في « لَنُبَيِّتَنَّه » النونُ تقديرُه : قولوا : لَنُبَيِّتَنَّهُ ، والتاءُ على خطابِ الآمرِ المأمورَ . ولا يجوزُ الياء . و الثاني : هو فعل ماضٍ . وعلى هذا يجوز الأوجهُ الثلاثةُ يعني بالأوجه : النونَ والتاءَ والياءَ . قال : « وهو على هذا تفسيرٌ » أي : تقاسَمُوا على كونِه ماضياً : مُفَسِّرٌ لنفسِ « قالوا » . وقد سبقَهما إلى ذلك مكيٌّ . وقد تقدَّم توجيهُ ما منعوه وللّه الحمدُ والمِنَّة . وتنزيلُ هذه الأوجه بعضِها على بعضٍ مما يَصْعُبُ استخراجُه مِنْ كلام القوم ، وإنما رَتَّبْتُه من أقوالٍ شَتَّى . وتقدَّم الكلامُ في مَهْلِكَ أَهْلِهِ في النمل. اهـ (الدُّرُّ المصُون). فمن قرأ بالنون فكأنهم قالوا : احْلِفُوا لَنُبَيتنه وأهلَه ، ومن قرأ بالتاء فكأنَّهم قالوا احلفوا لتبيتنه ، فكأنه أخرج نفسه في اللفظ. والنون أَجْوَدُ في القراءة ، ويجوز أن يكون قد أدْخل نفسه في التاء لأنه إذَا قَالَ تَقَاسَمُوا ، فقد قال تحالفوا ولا يخرج نفسه من التحالف ، ومن قرأ قالوا تقاسموا باللّه ليبيتُنَّه ، فالمعنى قالوا ليُبَيتُنه متقاسمين ، فكان هؤلاء النفر تحالَفُوا أَن يُبَيتُوا صالحا وَيَقْتُلوه وأهله في بَيَاتِهِمْ ، ثم ينكرون عند أولياء صالح أنهم شَهِدُوا مَهْلِكَهُ وَمَهلِكَ أهلِه ، ويحلفون أنهم لصادقون . فهذا مَكر عزموا عَلَيه. * * * |
﴿ ٤٩ ﴾