٦٦

وقوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (٦٦)

فيها أوجه : قرأ أبوعَمْرٍو : بل أُدْرِك عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ.

وقرأ أكثر الناس (بَلِ ادَّارَكَ) بتشديد الذالِ.

وروي عن ابن عباس بَلَى أَدْرَكَ عِلْمُهم في الآخرة.

ويجوز بلى ادَّارَكَ علمهم في الآخرة فمن قرأ بل ادَّارَكَ علمهم في الآخرة وهو الجَيدُ ، فعلى معنى بَلْ تَدَارَكَ علمُهُمْ في الآخرة ، على معنى بل يتكامل عِلْمُهُم يَوْمَ القِيَامَةِ ، لأنَّهُمْ مبْعُوثونَ ، وكل ما وعدوا به حَق ، ومن قرأ بل أَدْرَكَ عِلْمُهُم فعلى معنى التقرير والاستخبار ، كأنَّه قيل : لم يُدْرِك عِلْمُهم في الآخرةِ أي ليس يَقفون في الدنيا على حقيقتها ، ثم بين ذلك في

(بل هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا)

__________

(١) قال السَّمين :

  إِلاَّ اللّه  : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه فاعلُ « يَعْلَمُ » و « مَنْ » مفعولُه . و « الغيبَ » بدلٌ مِنْ « مَنْ السماواتِ » أي : لا يعلمُ غيبَ مَنْ في السماواتِ والأرضِ إلاَّ اللّه أي : الأشياءَ الغائبةَ التي تَحْدُثُ في العالَمِ . وهو وجهٌ غريبٌ ذكره الشيخ .

الثاني : أنه مستثنى متصلٌ مِنْ « مَنْ » ، ولكن لا بُدَّ من الجمعِ بين الحقيقةِ والمجازِ في كلمةٍ واحدةٍ على هذا الوجهِ بمعنى : أنَّ عِلْمَه في السماوات والأرضِ ، فيَنْدَرِجُ في  مَن فِي السماوات والأرض  بهذا الاعتبارِ وهو مجازٌ وغيرُه مِنْ مخلوقاتِه في السماواتِ والأرضِ حقيقةٌ ، فبذلِك الاندراجِ المُؤَوَّل اسْتُثْنِي مِنْ « مَنْ » وكان الرفعُ على البدلِ أَوْلَى لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ.

وقد رَدَّ الزمخشريُّ هذا : بأنه جَمْعٌ بين الحقيقةِ والمجازِ ، وأوجبَ أن يكونَ منقطعاً فقال : « فإنْ قلتَ : لِمَ رُفِعَ اسمُ اللّه ، واللّه يتعالى أن يكونَ مِمَّنْ في السماواتِ والأرض؟ قلت : جاء على لغةِ بني تميمٍ حيث يقولون : » ما في الدار أحدٌ إلاَّ حمارٌ « يريدون : ما فيها إلاَّ حمارٌ ، كأنَّ » أحداً « لم يُذْكَرْ . ومنه

٣٥٧٧ عَشِيَّةَ ما تُغْني الرِّماحُ مكانَها . . . ولا النَّبْلُ إلاَّ المَشْرَفِيُّ المُصَمِّمُ

وقولُهم : » ما أتاني زيدٌ إلاَّ عمروٌ ، وما أعانني إخوانكم إلاَّ إخوانُه « . فإنت قلت : ما الداعي إلى اختيارِ المذهبِ التميمي على الحجازي؟ قلت : دَعَتْ إليه نُكْتَةٌ سِرِّيَّةُ حيث أُخْرِج المستثنى مُخْرَجَ

٣٥٧٨ إلاَّ اليَعافِيرُ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . بعد

٣٥٧٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . لَيْسَ بها أنيسُ . . . ليَؤُوْلَ  إلى قولك : إنْ كان اللّه مِمَّنْ في السماوات والأرضَ فهم يعلمون الغيبَ . يعني : أنَّ عِلْمَهم الغيبَ في استحالتِه كاستحالةِ أن يكونَ اللّه منهم . كما أنَّ معنى ما في البيت : إنْ كانت اليعافيرُ أَنيساً ففيها أنيسٌ ، بَتَّاً للقولِ بخُلُوِّها من الأنيسِ . فإن قلت : هَلاَّ زَعَمْتَ أن اللّه مِمَّنْ في السماواتِ والأرضِ ، كما يقول المتكلمون : » إنَّ اللّه في كلِّ مكان « على معنى : أنَّ عِلْمَه في الأماكن كلها ، فكأنَّ ذاتَه فيها حتى لا يُحْمَل على مذهبِ بني تميمٍ » قلتُ : يأبى ذلك أنَّ كونَه في السمواتِ والأرضِ مجازٌ ، وكونَهم فيهنَّ حقيقةٌ ، وإرادةُ المتكلمِ بعبارةٍ واحدةٍ حقيقةً ومجازاً غيرُ صحيحٍ . على أنَّ قولَك « مَنْ في السماوات والأرض : وجَمْعَك بينه وبينهم في إطلاقِ اسمٍ واحدٍ ، فيه إيهامُ تَسْويةٍ ، والإِيهاماتُ مُزَالةٌ عنه وعن صفاتِه . ألا ترى كيف » قال عليه السلام لِمَنْ قال : « ومَنْ يَعْصِهما فقد غوى » « بِئْسَ خطيبُ القومِ أنت » « قلت : فقد رَجَّحَ الانقطاعَ واعتذر عن ارتكابِ مذهبِ التميمين بما ذَكَر . وأكثرُ العلماءِ أنه لا يُجْمَعُ بين الحقيقةِ والمجازِ في كلمةٍ واحدة . وقد قال به الشافعيُّ ».

  أَيَّانَ  هي هنا ، بمعنى « متى » / وهي منصوبةٌ ب « يُبْعَثون » فتعلُّقُه ب « يَشْعُرون » فهي مع ما بعدها في محلِّ نصبٍ بإسقاطِ الباءِ أي : ما يَشْعرون بكذا . وقرأ السُّلميٌّ « إيَّان » بكسرِ الهمزةِ ، وهي لغةُ قومِه بني سُلَيْم. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

وقالوا في تفسير (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ) : أَم أَدْرَكَ عِلْمُهُم ، والقراءة

الجَيِّدَةُ (ادَّارَكَ) على معنى تدارك بإدغام التاء في الدال ، فتصير دالاً

سَاكِنَة فلا يُبتدأ بِها ، فيَأتي بألف الوصل لتصل إلى التكلُّمُ بها.

وإذَا وقفت على (بل) وابتدأت قلت (ادَّارَكَ) ، فإذا وَصَلْتَ كسرت اللام في بل ، لسكونها وسكون الدال.

* * *

و (حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ).

الحدائق واحدتها حديقة ، والحديقة البُسْتَانُ ، وكذلك الحائط

وقيل القطعةُ من النخل ، وقوله (ذَاتَ بَهْجَةٍ) معناه ذات حُسْنٍ

ويجوز في غير القراءة ذوات بهجة ، لأنها جماعة ، كما تقول :

نِسْوَتُك ذوات حُسْنٍ ، وإنما جاز ذات بهجة لأن المؤنث يخبر عنه فِي

الجَمْع بلفظ الواحِدَةِ ، إذا أردتَ جمَاعَةً ، كأنك قلت جماعة ذاتَ

بَهْجَةٍ.

* * *

و (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠).

معناه يكفُرُون ، أي يَعْدِلُونَ عَنِ القَصْدِ وطريق الحق.

* * *

﴿ ٦٦