٧

وقوله تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧)

وقد قرئ (خَلَقَهُ) بتحريك اللام وتسكينها جميعاً - ويجوز خَلْقهُ

بالرفع ولا أعلم أحداً قرأ بها.

فأمَّا (خَلَقَهُ) فعلى الفِعْلِ المَاضِي.

وتأويل الِإحْسَانِ في هذا أنه خَلَقَهُ على إرَادَتِه فخلق الإِنْسَانَ في أحسن

تَقْوِيمٍ ، وخلق القِرْدَ على ما أحب - عزَّ وجلَّ - وخَلقُه إياهُ على ذلك

مِنْ أَبْلَغِ الحكمةِ

ومن قرأ (خَلْقَهُ) بتسكين اللام فعلى وَجْهَيْنِ :

أحدهما المَصدَرَ الذي دل عليه أَحْسَنَ ، والمعنى الذي خلق كل شيء خلقه.

ويجوز أن يكون على البَدَلِ فيكون  الذي أَحْسَنَ خلْقَ كُل شيء.

خَلَقَهُ ، والرفعُ على إضمار : " ذَلِكَ خَلْقُه " (٢).

* * *

وقوله عزَّ وجلَّ : (وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طَينٍ).

__________

(١) قال السَّمين :

  قَوْماً مَّآ أَتَاهُم  الظاهرُ أنَّ المفعولَ الثاني للإِنذار محذوفٌ . و « قوماً » هو الأولُ؛ إذ التقديرُ : لتنذِرَ قوماً العقابَ ، و « ما أتاهم » جملةٌ منفيَّةٌ في محلِّ نصبٍ صفةً ل « قوماً » يريد : الذين في الفترةِ بين عيسى ومحمدٍ عليهما السلام . وجعله الزمخشري ك  لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ  [ يس : ٦ ] فعلى هذا يكونُ « مِنْ نذير » هو فاعلَ « أتاهم » و « مِنْ » مزيدةٌ فيه . و « مِنْ قبلِك » صفةٌ لنذير . ويجوزُ أَنْ تتعلَّقَ « مِنْ قبلك » ب « أَتاهم ».

وجَوَّزَ الشيخُ أَنْ تكونَ « ما » موصولةً في الموضعين ، والتقدير : لتنذِرَ قوماً العقابَ الذي أتاهم مِنْ نذيرٍ مِنْ قبلك . و « مِنْ نذير » متعلقٌ ب « أَتاهم » أي : أتاهم على لسانِ نذيرٍ مِنْ قبلِك ، وكذلك  لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ  [ يس : ٦ ] أي : العقابَ الذي أُنْذِرَه آباؤهم . ف « ما » مفعولةٌ في الموضعين ، و « لِتُنْذرَ » يتعدَّى إلى اثنين . قال تعالى :  فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً  [ فصلت : ١٣ ] . وهذا القولُ جارٍ على ظواهر القرآن . قال تعالى :  وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ  [ فاطر : ٢٤ ]  أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ  [ المائدة : ١٩ ] . قلت : وهذا الذي قاله ظاهرٌ.

ويظهر أنَّ في الآية الأخرى وجهاً آخرَ : وهو أَنْ تكونَ « ما » مصدريةً تقديرُه : لتنذِرَ قوماً إنذاراً مثلَ إنذارِ آبائِهم؛ لأنَّ الرسلَ كلَّهم متفقون على كلمة الحق.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

(٢) قال السَّمين :

 « خَلَقَه » قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بسكونِ اللام . والباقون بفتحها . فأمَّا الأُولى ففيها أوجهٌ ، أحدُها : أن يكونَ « خَلْقَه » بدلاً مِنْ « كلَّ شيء » بدلَ اشتمالٍ مِنْ « كلَّ شيءٍ » ، والضميرُ عائدٌ على كل شيء . وهذا هو المشهورُ المتداوَلُ .

الثاني : أنه بدلُ كلٍ مِنْ كل ، والضميرُ على هذا عائدٌ على الباري تعالى . ومعنى « أحسن » : /حَسَّن؛ لأنه ما مِنْ شيءٍ خَلَقَه إلاَّ وهو مُرَتَّبٌ على ما تَقْتَضيه الحكمةُ ، فالمخلوقاتُ كلُّها حسنةٌ . الثالث : أن يكونَ « كلَّ شيءٍ » مفعولاً أول ، و « خَلْقَه » مفعولاً ثانياً على أَنْ يُضَمَّن « أحسَنَ » معنى أَعْطى وأَلْهَمَ . قال مجاهد : « أعطى كلَّ جنسٍ شكله » . والمعنى : خَلَقَ كلَّ شيءٍ على شكلِه الذي خصَّه به . الرابع : أن يكون « كلَّ شيء » مفعولاً ثانياً قُدِّم ، و « خَلْقَه » مفعولاً أول أُخِّر ، على أَنْ يُضَمَّنَ « أَحْسَنَ » معنى أَلْهَمَ وعَرَّف . قال الفراء : « ألهم كلَّ شيءٍ خَلْقَه فيما يحتاجون إليه فيكونُ أَعْلَمهم ذلك » . قلت : وأبو البقاء ضَمَّن أحسنَ معنى عَرَّف . وأَعْرَبَ على نحوِ ما تقدَّم ، إلاَّ أنه لا بُدَّ أن يُجْعَلَ الضميرُ للّه تعالى ، ويُجعلَ الخَلْقُ بمعنى المَخْلوق أي : عَرَّف مخلوقاتِه كلَّ شيءٍ يحتاجون إليه ، فيَؤول  إلى معنى   أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى  [ طه : ٥٠ ].

الخامس : أن تعودَ الهاء [ على اللّه تعالى ] وأَنْ يكون « خَلْقَه » منصوباً على المصدرِ المؤكِّدِ لمضمون الجملةِ ك  صُنْعَ اللّه  [ النمل : ٨٨ ] ، وهو مذهبُ سيبويه أي : خَلَقَه خَلْقاً . ورُجِّحَ على بدلِ الاشتمال : بأنَّ فيه إضافةَ المصدرِ إلى فاعِله ، وهو أكثرُ مِنْ إضافتِه إلى المفعول ، وبأنه أبلغُ في الامتنانِ لأنه إذا قال :  أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ  كان أبلغَ مِنْ « أَحْسَنَ خَلْقَ كلِّ شيء »؛ لأنه قد يَحْسُنُ الخلقُ - وهو المحاولةُ - ولا يكون الشيء في نفسِه حَسَناً . وإذا قال : أحسنَ كلَّ شيْءٍ اقتضى أنَّ كلَّ شيءٍ خَلَقَه حَسَنٌ ، بمعنى أنه وَضَعَ كلَّ شيءٍ في موضعِه.

وأمَّا القراءةُ الثانية ف « خَلَقَ » فيها فعلٌ ماضٍ ، والجملةُ صفةٌ للمضافِ  المضافِ إليه ، فتكونُ منصوبةَ المحلِّ  مجرورتَه.

 « وَبَدَأ » العامَّةُ على الهمزِ . وقرأ الزهريُّ « بدا » بألفٍ خالصةٍ ، وهو خارجٌ عن قياسِ تخفيفِها ، إذ قياسُه بينَ بينَ . على أن الأخفش حكى « قَرَيْتُ » وجوَّز الشيخ أن يكونَ مِنْ لغةِ الأنصار . يقولون في بدأ : « بَدِي » يكسِرون الدالَ وبعدها ياءٌ ، كقولِ عبدِ اللّه بن رواحة الأنصاري :

٣٦٦٩ بسمِ الإِلهِ وبه بَدِيْنا . . . ولو عَبَدْنا غيرَه شَقِيْنا

قال : « وطيِّئٌ تقول في بَقِي : بَقَا » . قال : « فاحتمل أَنْ تكونَ قراءةُ الزهري من هذه اللغةِ ، أصلُه بَدِي ، ثم صار بدا » . قلت : فتكون القراءةُ مركبةً مِنْ لغتَيْن.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

يعني آدم وَذُريتهُ ، فآدم خلق من طين.

* * *

﴿ ٧