١٠

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)

__________

(١) قال السَّمين :

  إِذَا مُزِّقْتُمْ  : « إذا » منصوبٌ بمقدرٍ أي : تُبْعَثون وتُجْزَوْن وقتَ تمزيقكم لدلالةِ  إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ  عليه.

ولا يجوز أن يكونَ العاملُ « يُنَبِّئكم » لأن التنبئةَ لم تقعْ ذلك الوقتَ . ولا « خَلْقٍ جديدٍ » لأنَّ ما بعد « إنَّ » لا يعمل فيما قبلها . ومَنْ تَوَسَّعَ في الظرف أجازه . هذا إذا جَعَلْنا « إذا » ظرفاً مَحْضاً . فإنْ جَعَلْناه شرطاً كان جوابُها مقدراً أي : تُبْعَثون ، وهو العاملُ في « إذا » عند جمهور النحاة.

وجَوَّز الزجَّاج والنحاس أن يكون معمولاً ل « مُزِّقْتُمْ » . وجعله ابنُ عطية خطأً وإفساداً للمعنى . قال الشيخ : « وليس بخطأ ولا إفسادٍ . وقد اخْتُلف في العامل في » إذا « الشرطية ، وبَيَّنَّا في » شرح التسهيل « أنَّ الصحيحَ أنَّ العامَل فيها فعلُ الشرط كأخواتِها من أسماء الشرط » . قلت : لكنَّ الجمهورَ على خلافِه . ثم قال الشيخ : « والجملةُ الشرطيةُ يُحتمل أَنْ تكونَ معمولة ل » يُنَبِّئُكم « لأنه في معنى : يقول لكم إذا مُزِّقْتُمْ : تُبْعَثُون . ثم أكَّد ذلك ب  إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ  . ويُحتمل أن يكون  إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ  مُعلِّقاً ل » يُنَبِّئكم « سادًّا مَسَدَّ المفعولين ، ولولا اللام لفُتِحَتْ » إنَّ « وعلى هذا فجملةُ الشرطِ اعتراضٌ . وقد منع قومٌ التعليقَ في » أعلم « وبابِها ، والصحيحُ جوازُه . قال :

حَذارِ فقد نُبِّئْتُ إنكَ لَلَّذيْ . . . سَتُجْزَى بما تَسْعَى فتسعدَ  تَشْقَى

وقرأ زيد بن علي بإبدالِ الهمزةِ ياءً . وعنه » يُنْبِئُكم « من أَنْبأ كأكرم.

ومُمَزَّقٌ فيه وجهان ، أحدهما : أنه اسمُ مصدرٍ ، وهو قياسُ كلِّ ما زاد على الثلاثة أي : يجيءُ مصدرُه وزمانُه ومكانُه على زِنَةِ اسم مفعولِه أي : كلَّ تمزيق . و

الثاني : أنه ظرفُ مكانٍ . قاله الزمخشري ، أي : كلَّ مكانِ تمزيقٍ من القبورِ وبطون الوَحْشِ والطير . ومِنْ مجيءِ مُفَعَّل مجيءَ التفعيلِ

ألَمْ تَعْلَمْ مُسَرَّحِيَ القوافِيْ . . . فلا عِيَّاً بهنَّ ولا اجْتِلابا

أي : تَسْريحي . والتَّمْزِيق : التخريقُ والتقطيع . يُقال : ثوب مُمَزَّق ومَمْزوق . ويُقال : مَزَقه فهو مازِقٌ ومَزِقٌ أيضاً . قال :

أتاني أنهم مَزِقُون عِرْضِيْ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال الممزق العبدي - وبه سُمِّي المُمَزَّق :

فإنْ كنتُ مأكولاً فكن خيرَ آكلٍ . . . وإلاَّ فأدْرِكْني ولَمَّا أُمَزَّقِ

أي : ولما أُبْلَ وأُفْنَ.

و » جديد « عند البصريين بمعنى فاعِل يقال : جَدَّ الشيءُ فهو جادُّ وجديد ، وعند الكوفيين بمعنى مفعول مِنْ جَدَدْتُه أي : قَطَعْتُه. اهـ (الدُّرُّ المصُون).

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)

 فقلْنا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ، وَتُقْرأ أُوَبِي معه ، على معنى

عودي في التسبيح معه كلما عاد فيه.

ومن قرأ (أَوِّبِي مَعَه) فمعناه رَجعِي مَعَه ، يقال آب يؤوب إذَا رَجَع ، وكل ومعنى رَجِّعِي مَعَه سَبِّحي معه ورَجِّعي

التسبيح معه.

وَالطيْرَ - والطَّيْرُ ، فالرفع من جهتين.

إحداهما أن يكون نسقاً على ما في (أَوِّبِي) ،  يَا جِبَالُ رجِّعي التسبيح أنت والطيْرُ ، ويجوز أِنِ يكون مرفوعاً عل البَدَل.

 : يا جبال ويا أيُهَا الطيرُ (أَوِّبِي مَعَه).

والنصْب مِنْ ثَلاثِ جَهاتٍ :

أن يكونَ عطفاً على  " ولقد آتينا داود مِنَا فَضْلاً والطيرَ "

أي وسَخرْنَا له الطيْرَ . حَكى ذلك أبو عبيدة

عن أبي عمرِو بنِ العلاء ، ويجوز أن يكون نصباً على النداء.

 : يا جبال أوِّبي مَعَهُ والطيْرَ ، كأنَّه قال دعونا الجبال والطير ، فالطير

معطوف على مَوْضِع الجِبَالِ في الأصل ، وكل منادى - عند البصريين

كلهم - في موضع نصبٍ.

وقد شرحنا حال المضموم في النداء ، وأن المعرفة مبني عَلَى الضم.

ويجوز أن يكون " والطيْرَ " نصب على معنى " مع " كما تقول : قمت وزيداً ، أي قمت مع زيدٍ ، فالمعنى (أَوِّبِي مَعَه) ومع الطير (١).

* * *

﴿ ١٠