١١

وقوله عز وجل : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١)

أي : جعلناه لَيِّناً.

وَأَوَّل مَنْ عَمل الدرُوع دَاودُ ، وكان ما يُسْتجنُّ به مِنَْ الحديد إنما كانَ قِطَعَ حَدِيدٍ نحو هذه الجَواشِنَ.

__________

(١) قال السَّمين :

 « أَوِّبِيْ » العامَّةُ على فتحِ الهمزةِ وتشديدِ الواوِ ، أمراً من التَّأْوِيْب وهو التَّرجِيْع . وقيل : التسبيحُ بلغةِ الحبشة . والتضعيفُ يحتملُ أَنْ يكونَ للتكثيرِ . واختار الشيخ أَنْ يكونَ للتعدِّي . قال : « لأنهم فَسَّروه ب رَجِّعي معه التسبيحَ » . ولا دليلَ؛ لأنه تفسيرُ معنى . وقرأ ابنُ عباس والحسنُ وقتادة وابن أبي إسحاق « أُوْبي » بضمِّ الهمزةِ وسكونِ الواو أمراً مِنْ آب يَؤُوْبُ أي : ارْجِعي معه بالتسبيح.

 « والطيرَ » العامَّةُ على نصبِه وفيه أوجهٌ ، أحدها : أنه عطفٌ على محلِّ « جبالُ » لأنَّه منصوبٌ تقديراً .

الثاني : أنه مفعولٌ معه . قاله الزجاج . ورُدَّ عليه : بأنَّ قبلَه لفظةَ « معه » ولا يَقْتَضي العاملُ أكثرَ مِنْ مفعولٍ معه واحدٍ ، إلاَّ بالبدلِ  العطفِ لا يُقال : « جاء زيدٌ مع بكرٍ مع عمروٍ » . قلت : وخلافُهم في تقضية حالَيْنِ يَقْتضي مجيئَه هنا . الثالث : أنه عطفٌ على « فضْلاً » قاله الكسائيُّ . ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ تقديرُه : آتيناه فضلاً وتسبيحَ الطيرِ . الرابع : أنه منصوبٌ بإضمار فعلٍ أي : وسَخَّرْنا له الطيرَ ، قاله أبو عمروٍ.

وقرأ السُّلَمِيُّ والأعرج ويعقوب وأبو نوفل وأبو يحيى وعاصم في رواية « والطيرُ » بالرفع . وفيه أوجهٌ : النسقُ على لفظ  « جبالُ » . وأُنْشِد

٣٧٢٣ ألا يا زيدُ والضَّحاكُ سِيْرا . . . فقد جاوَزْتُما خَمَرَ الطريقِ

بالوجهين . وفي عَطْفِ المعرَّفِ بأل على المنادى المضمومِ ثلاثةُ مذاهبَ .

الثاني : عطفُه على الضميرِ المستكنِّ في « أوِّبي » . وجاز ذلك للفَصْل بالظرفِ . والثالث : الرفعُ على الابتداءِ ، والخبرُ مضمرٌ . أي : والجبالُ كذلك أي : مُؤَوَّبَةٌ.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

و " أن " ههنا ، في تأويل التفسير كأنَّه قيل : وألَنا له الحديد أن أعمل

سابغاتٍ ، بمعنى قلنا له : اعمل سابِغَاتٍ ، ويكون في معنى لأن

يعمل سابغات . وتصل إن بلفظ الأمر ، ومثل هذا من الكلام أَرْسَلَ إليه

أَنْ قُمْ إليَّ ، أي قال قم إلى فلانٍ ، ويكون بمعنى أرسل إليه بأن يقوم

إلى فلانٍ.

ومعنى " سَابِغَاتٍ " دروع سابغات فذكر الصفة لأنها تدل على

الموصوف ، ومعنى السابغ الذي يغطي كل شيء يكون عليه حتى

يَفْضُل.

(وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ).

السَّردُ في اللغة تقدمة شيء إلى شيء تأتي به مُنَسَّقاً بَعْضُه في

إثْر بَعْض مُتَتَابِعاً فمنه سَرَدَ فلان الحدِيثَ ، وقيل في التفسير : السَّرْدُ

السَّمْرُ والسَّتْر والخلق وقيل هو أَنْ لاَ يَجْعَل المِسْمَارَ غليظاً والثقبَ

دَقيقاً ، ولا يجعلَ المسمارَ دَقِيقاً ، والثقبَ واسِعاً فَيتقَلْقَلْ وَيَنْخَلِع

وينقصفُ.

قَدِّرْ في ذلك أي اجْعَلْهُ عَلَى القصد وقدر الحاجة.

والذي جاء في التفسير غَيْرُ خارج عن اللغة لأن السَّمْرَ تقدِيمُكَ

طرف الحلقة إلى طرفها الآخر ، وزعم سيبويه أن قول العرب : رجل

سَرَنْدِيٌّ مشتق من السَّردِ ، وذلك أن معناه الجريء ، قال : والجرِيء

الذي يمضي قُدُماً .

وتفسير : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) - جعلناه ليِّناً كالخُيُوط يطاوعه حَتى عَمِلَ

الدروعَ.

* * *

﴿ ١١