٣

وقوله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّه عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّه يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣)

هذا ذكر بعد  (مَا يَفْتَحِ اللّه لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا)

فأكد ذلك بأن جعل السؤال لهم (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّه يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).

(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرِ اللّه)

وقُرئت (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّه) بالرفع ، على رفع غير.

 هَلْ خَالِقٌ غير اللّه لأن " مِن " مؤكدة ، وقد قرئ بهما جميعاً ، غَيْرُ وَغَيْرِ ، وفيها وجه آخر يجوز في العربية نصب (غيرَ)

" هل مِنْ خالقٍ غَيرَ اللّه يرزقكم "

ويكون النصب على الاستثناء ، كأنَّه هل من خالق إلا اللّه يرزقكم) (١).

__________

(١) قال السَّمين :

  هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّه  : قرأ الأخَوان « غيرِ » بالجر نعتاً ل « خالقٍ » على اللفظِ . و « مِنْ خالق » مبتدأٌ مُزادٌ فيه « مِنْ » . وفي خبرِه قولان ، أحدُهما : هو الجملةُ مِنْ  « يَرْزُقُكم » . و

الثاني : أنه محذوفٌ تقديرُه : لكم ونحوُه ، وفي « يَرْزُقكم » على هذا وجهان ، أحدهما : أنَّه صفةٌ أيضاً ل « خالق » فيجوزُ أن يُحْكَمَ على موضعِه بالجرِّ اعتباراً باللفظ ، وبالرفعِ اعتباراً بالموضع . و

الثاني : أنه مستأنفٌ.

وقرأ الباقون بالرفع . وفيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدها : أنه خبرُ المبتدأ . و

الثاني : أنه صفةٌ ل « خالق » على الموضعِ . والخبرُ : إمَّا محذوفٌ ، وإمَّا « يَرْزُقُكم » . والثالث : أنه مرفوعٌ باسم الفاعل على جهةِ الفاعليةِ؛ لأنَّ اسمَ الفاعلِ قد اعْتَمَدَ على أداةِ الاستفهام . إلاَّ أنَّ الشيخَ تَوَقَّفَ في مثلِ هذا؛ من حيث إنَّ اسم الفاعل وإن اعتمدَ ، إلاَّ أنه لم تُحْفَظْ فيه زيادةُ « مِنْ » قال : « فيُحتاج مثلُه إلى سَماعٍ » ولا يَظهرُ التوقُّف؛ فإنَّ شروط الزيادةِ والعملِ موجودةٌ . وعلى هذا الوجهِ ف « يَرْزُقُكم » : إمَّا صفةٌ  مستأنَفٌ . وجَعَل الشيخُ استئنافَه أَوْلَى قال : « لانتفاءِ صِدْقِ » خالق « على » غير اللّه « بخلافِ كونِه صفةً فإنَّ الصفةَ تُقَيِّد ، فيكون ثَمَّ خالقٌ غيرُ اللّه لكنه ليس برازق ».

وقرأ الفضل بن إبراهيم النَّحْوِيُّ « غيرَ » بالنصبِ على الاستثناء . والخبر « يَرزُقكم »  محذوفٌ و « يَرْزُقكم » مستأنفٌ ،  صفةٌ . و  لاَ إله إِلاَّ هُوَ  مستأنفٌ.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

(فَأنَّى تُؤفكُونَ).

أي من أين يقع لكم الإفْكُ والتكذيب بتوحيد اللّه وإنكار البعث.

* * *

﴿ ٣