١٢(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وتقرأ (عَجِبْتُ) - بضم التاء - ومعناه في الفتح بل عجبتَ يَا مُحمد مِن نُزُول الوحي عليك وَيَسْخَرون ، ويجوز أن يكون معناه بل عجبتُ (٣) __________ (١) قال السَّمين : إِلاَّ مَنْ خَطِفَ : فيه وجهان ، أحدُهما : أنه مرفوعُ/ المحلِّ بدلاً مِنْ ضميرِ « لا يَسَّمَّعون » وهو أحسنُ؛ لأنه غيرُ موجَب . و الثاني : أنه منصوبٌ على أصلِ الاستثناء . والمعنى : أنَّ الشياطينَ لا يَسمعون الملائكةَ إلاَّ مَنْ خَطِف . قلت : ويجوز أَنْ تكون « مَنْ » شرطيةً ، وجوابُها « فَأَتْبَعَه » ، موصولةً وخبرُها « فَأَتْبَعَه » وهو استثناءٌ منقطعٌ . وقد نَصُّوا على أنَّ مثلَ هذه الجملةِ تكونُ استثناءً منقطعاً ك لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ * إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ [ الغاشية : ٢٢ - ٢٣ ] . والخَطْفَةُ مصدرٌ معرفٌ بأل الجنسية العهدية. وقرأ العامَّةُ « خَطِفَ » بفتح الخاء وكسرِ الطاءِ مخففةً . وقتادة والحسن بكسرهما وتشديد الطاء ، وهي لغةُ تميمِ بنِ مُرّ وبكرِ بن وائل . وعنهما أيضاً وعن عيسى بفتح الخاء وكسر الطاء مشددةً . وعن الحسن أيضاً خَطِفَ كالعامَّة . وأصل القراءَتَيْن : اخْتَطَفَ ، فلمَّا أُريد الإِدغامُ سَكَنت التاءُ وقبلها الخاءُ ساكنةً ، فكُسِرت الخاءُ لالتقاءِ الساكنين ، ثم كُسِرت الطاءُ إتْباعاً لحركةِ الخاء . وهذه واضحةٌ . وأمَّا الثانية فمُشْكِلَةٌ جداً؛ لأنَّ كَسْرَ الطاء إنما كان لكسرِ الخاء وهو مفقودٌ . وقد وُجِّه على التوهُّم . وذلك أنهم لَمَّا أرادوا الإِدغام نقلوا حركة التاء إلى الخاء ففُتِحَتْ وهم يتوهَّمون أنها مكسورةٌ لالتقاءِ الساكنين كما تقدَّم تقريرُه ، فأتبعوا الطاءَ لحركةِ الخاءِ المتوهَّمة . وإذا كانوا قد فَعَلوا ذلك في مقتضياتِ الإِعرابِ فَلأَنْ يَفْعلوه في غيرِه أَوْلَى . وبالجملة فهو تعليلُ شذوذٍ. وقرأ ابن عباس « خَطِفَ » بكسر الخاء والطاء خفيفةً ، وهو إتْباعٌ كقولِهم : نِعِمَ بكسر النون والعين . وقُرئ « فاتَّبَعَه » بالتشديد . اهـ (الدُّرُّ المصُون). (٢) قال السَّمين : أَم مَّنْ خَلَقْنَآ : العامَّةُ على تشديدِ الميم ، الأصلُ : أم مَنْ وهي أم المتصلةُ ، عُطِفَتُ « مَنْ » على « هم » . وقرأ الأعمش بتخفيفها ، وهو استفهامٌ ثانٍ . فالهمزةُ للاستفهام أيضاً و « مَنْ » مبتدأ ، وخبره محذوفٌ أي : ألذين خَلَقْناهم أشدُّ؟ فهما جملتان مستقلتان وغَلَّبَ مَنْ يَعْقل على غيره فلذلك أتى ب « مَنْ » . ولازِبٌ ولازِمٌ بمعنىً . وقد قُرئ « لازم » . اهـ (الدُّرُّ المصُون). (٣) قال السَّمين : بَلْ عَجِبْتَ : قرأ الأخَوان بضمِّ التاء ، والباقون بفتحها . فالفتحُ ظاهرٌ . وهو ضميرُ الرسولِ كلِّ مَنْ يَصِحُّ منه ذلك . وأمَّا الضمُّ فعلى صَرْفِه للمخاطب أي : قُلْ يا محمدُ بل عَجِبْتُ أنا ، على إسنادِه للباري تعالى على ما يَليقُ به ، وقد تقدَّم تحريرُ هذا في البقرة ، وما وَرَدَ منه في الكتاب والسنَّة . وعن شُرَيْحٍ أنه أنكرها ، وقال : « إنَّ اللّه لا يَعْجَبُ » فبلغَتْ إبراهيمَ النخعي فقال : « إن شريحاً كان مُعْجَباً برأيه ، قرأها مَنْ هو أعلمُ منه » يعني عبد اللّه بن مسعود. « ويَسْخَرون » يجوزُ أَنْ يكونَ استئنافاً وهو الأظهرُ ، وأن يكونَ حالاً . وقرأ جناح بن حبيش « ذُكِروا » مخففاً . اهـ (الدُّرُّ المصُون). من إنكارِهم البعث. ومن قرأ (عَجِبتُ) فهو إخبار عن اللّه . وقد أنكر قومٌ هَذهِ القراءةَ. وقالوا : اللّه - عزَّ وجلَّ - لا يعجب ، وإنكارهم هذا غلط. لأن القراءة والرواية كثيرة والعجب من اللّه - عزَّ وجلَّ - خلافُهُ من الآدميين كما قال : (وَيَمْكُرُ اللّه) ، و (سَخِرَ اللّه منهم) ، (وَهُوَ خَادِعُهُمْ). والمكر من اللّه والخداع خلافه من الآدميين. وأصل العجب في اللغة أن الإنسان إذا رأى ما ينكره ويقل مثله قال : عجبت من كذا وكذا ، وكذا إذا فعل الآدميون ما ينكره اللّه جاز أن يقولَ فيه عجبتُ واللّه قد علم الشيء قبل كونه ، ولكن الإنكار إنما يقع والعجب الذي يلزم به الحجة عند وقوع الشيء. * * * |
﴿ ١٢ ﴾