٣

(كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (٣)

__________

(١) قال السَّمين :

قرأ العامَّةُ بسكونِ الدالِ مِنْ « صادْ » كسائرِ حروف التهجِّي في أوائلِ السُور . وقد مرَّ ما فيه . وقرأ أُبَيٌّ والحسنُ وابنُ أبي إسحاق وابنُ أبي عبلة وأبو السَّمَّال بكسرِ الدال مِنْ غير تنوينٍ . وفيها وجهان ، أحدُهما : أنه كَسْرٌ لالتقاءِ الساكنين ، وهذا أقربُ . و

الثاني : أنه أمرٌ من المصاداة وهي المعارَضَةُ ومنه صَوْتُ الصَّدى لمعارضتِه لصوتِك وذلك في الأماكن الصلبةِ الخاليةِ والمعنى : عارِضِ القرآنَ بعملك ، فاعمَلْ بأوامرِه وانتهِ عن نواهيه . قاله الحسن . وعنه أيضاً : أنه مِنْ صادَيْتُ أي : حادَثْتُ . والمعنى : حادِثِ الناسَ بالقرآن.

وقرأ ابن أبي إسحاق كذلك ، إلاَّ أنه نَوَّنَه وذلك على أنَّه مجرورٌ بحرفِ قَسَمٍ مقدرٍ ، حُذِفَ وبقي عَمَلُه كقولِهم : « اللّه لأفعلَنَّ » بالجرِّ . إلاَّ أنَّ الجرَّ يَقِلُّ في غيرِ الجلالة ، وإنما صَرَفه ذهاباً به إلى معنى الكتاب والتنزيل . وعن الحسنِ أيضاً وابن السَّمَيْفَعِ وهارون الأعور صادُ بالضمِّ من غيرِ تنوينٍ ، على أنه اسمٌ للسورةِ ، وهو خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي : هذه صاد . ومُنِعَ من الصرف للعَلميَّة والتأنيث ، وكذلك قرأ ابن السَّمَيْفَع وهارون : قاف ونون بالضمِّ على ما تقَّدمَ.

وقرأ عيسى وأبو عمروٍ في روايةِ محبوب « صادَ » بالفتح مِنْ غير تنوينٍ . وهي تحتمل ثلاثةَ أوجهٍ . البناءَ على الفتح تخفيفاً ك أين وكيف ، والجرَّ بحرفِ القسمِ المقدرِ ، وإنما مُنع من الصرف للعلميَّةِ والتأنيثِ كما تقدَّم ، والنصبَ بإضمارِ فِعْل  على حذفِ حَرْفِ القَسم نحوَ

٣٨٢٩ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فذاكَ أمانةَ اللّه الثريدُ

وامتنعَتْ من الصرف لِما تقدَّم ، وكذلك قرآ : « قاف » و « نون » بالفتح فيهما ، وهما كما تقدَّم ، ولم أحفَظْ التنوينَ مع الفتح والضم.

 « والقرآنِ » قد تقدَّم مثلُه في  يس والقرآن  [ يس : ١-٢ ] ، وجوابُ القسم فيه أقوالٌ كثيرةٌ ، أحدها : أنه   إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ  [ ص : ٦٤ ] ، قاله الزجاج والكوفيون غيرَ الفراءِ . قال الفراء : « لا نجده مستقيماً لتأخيره جداً عن  » والقرآن « .

الثاني : أنه  » كم أهلَكْنا « والأصلُ : لكم أهلَكْنا ، فحذف اللامَ كما حَذَفها في   قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا  [ الشمس : ٩ ] بعد   والشمس  لَمَّا طال الكلام . قاله ثعلبٌ والفراء . الثالث : أنه   إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل  [ ص : ١٤ ] قاله الأخفش . الرابع : أنه  » صاد «؛ لأنَّ  : والقرآنِ لقد صدق محمد . قاله الفراء وثعلب أيضاً . وهذا بناءً منهما على جوازِ تقديمِ جوابِ القسم ، وأنَّ هذا الحرفَ مُقْتَطَعٌ مِنْ جملةٍ هو دالٌّ عليها . وكلاهما ضعيفٌ . الخامس : أنه محذوفٌ . واختلفوا في تقديره ، فقال الحوفي : / تقديرُه : لقد جاءَكم الحقُّ ، ونحوُه . وقَدَّره ابن عطية : ما الأمرُ كما يَزْعمون . والزمخشري : إنه لَمُعْجِزٌ.

والشيخ : إنَّك لمن المُرْسَلين . قال : « لأنه نظيرُ  يس * والقرآن الحكيم * إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين  [ يس : ١-٣ ] وللزمخشري هنا عبارةٌ بشعةٌ جداً . وهي : » فإنْ قلتَ :  ص والقرآنِ ذي الذكر بل الذين كفروا في عِزَّةٍ وشِقاقٍ كلامٌ ظاهرُه متنافٍ غيرُ منتظِمٍ . فما وجهُ انتظامِه؟ قلت : فيه وجهان ، أَنْ يكونَ قد ذكر اسمَ هذا الحرفِ من حروفِ المعجمِ على سبيلِ التحدِّي والتنبيه على الإِعجازِ كما مَرَّ في أَول الكتاب ، ثم أتبعه القسمَ محذوفَ الجواب لدلالةِ التحدِّي عليه ، كأنه قال : والقرآنِ ذي الذِّكْرِ إنه لَكلامٌ مُعْجِزٌ . و

الثاني : أَنْ يكونَ « صاد » خبرَ مبتدأ محذوفٍ على أنها اسمٌ للسورةِ كأنه قال : هذه صاد . يعني هذه السورةَ التي أعْجَزَتِ العربَ والقرآنِ ذي الذِّكْر ، كما تقول : « هذا حاتِمٌ واللّه » تريد : هو المشهورُ بالسَّخاءِ واللّه ، وكذلك إذا أقسمَ بها كأنَّه قال : أَقْسَمْتُ بصاد والقرآنِ ذي الذِّكْر إنه لَمُعْجِزٌ . ثم قال : بل الذين كفروا في عِزَّةٍ واستكبارٍ عن الإِذعانِ لذلك والاعترافِ ، وشِقاقٍ للّه ورسوله ، وإذا جَعَلْتَها مُقْسَمَاً بها ، وعَطَفْتَ عليها  والقرآن ذِي الذكر  جازَ لك أَنْ تريدَ بالقرآنِ التنزيلَ كلَّه ، وأَنْ تريدَ السورةَ بعينِها . ومعناه : أُقْسِمُ بالسورةِ الشريفة : والقرآنِ ذي الذِّكْر كما تقولُ : مَرَرْتُ بالرجلِ الكريم والنَّسْمَةِ المباركة ، ولا تريد بالنَّسْمَةِ غيرَ الرجلِ «.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

جاء في التفسير ولات حين نداء ، وقال أهلُ اللغَةِ وَلَاتَ حينَ مَنْجًى ولا

فَوْتَ ، يقال نَاصَه ينوصُه إذَا فاته.

وفي التفسير لات حين نداء معناه لات حِينَ نِداءٍ يُنْجي.

ويجوز لات حِينُ مَنَاص.

والرفع جيِّدٌ ، والوقف عليها " لاَتْ " بالتاء ، والكسائىُّ يقف بالهاء

(لَاهْ) لأنه يجعلها هاء التأنيث.

وحقيقة الوقف عليها بالتاء ، وهذه التاء نظيرةُ التاء في الفعل

في قولكَ ذَهَبَتْ وجَلَسَتْ ، وفي قولك : رأيتُ زيداً ثمت عَمراً ، فَتَاءُ الحروف بمنزلة تاء الأفعال ، لأن التاء في الموضعين دخلت على ما لا يعرب ، ولا هو في طريق الأسماء

فإن قال قائِل : نجعلها بمنزلة قولهم : كان من الأمر ذيهْ وذيهْ ، فهذه هاء في الوقف وهذه هاء دخلت على اسم لا يعرب ، وقد أجازوا الخَفْضَ فقالوا : لاَتَ أَوَانٍ.

وأنشدوا لأبي زُبَيْدٍ :

طَلَبُوا صُلْحَنا ولات أَوانٍ . . . فأَجَبْنا أَنْ لَيسَ حِينَ بَقاءِ

والذي أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد ورواه :

طَلَبُوا صُلْحَنا ولات أَوانٌ

وذكر أنه قد روي الكسرُ.

فأمَّا النصب فعلى أنها عَمِلَتْ عمل ليس ،  وليس الوقت حين

مناص ومن رفع بها جعل حين اسم ليس وأضمر الخبر على معنى لَيْس حينُ

مَنْجًى لَنَا ومن خفض جعلها مبينة مكسورَةً لالتقاء السَّاكِنَين ، كما قالوا :

قَدلَكَ فبنوه على الكسر .

والمعنى ليس حين مناصنا وحين منجانا ، فلما قال : ولات أَوَان جعله

على معنى ليس حينَ أَوَانِنَا ، فلما حُذِفَ المضَافُ بُنِيَ على الوقف ثم كسِرَ

لالتقَاءِ السَّاكِنين ، والكسر شَاذ شبيه بالخطأ عند البصريين ، ولم يَرْوِ سيبويه

والخليل الكسر ، والذي عليه العمل النصب والرفع.

وقال الأخفَشُ : إن (لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) نصبها بـ (لا) كما تَقُولُ لَا رَجُلَ في الدار ، ودخلت التاء للتأنيث (١).

* * *

﴿ ٣