٣وقوله عزَّ وجلَّ : (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّه الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) وقرئت يُوحَى ، وقرئت نُوحِي إِليك وإلى الذين من قبلك بِالنونِ (١). وجاء في التفسير أن " حم عسق " قد أوحِيَتُ إِلى كل نَبِي قبلَ محمد - صلى اللّه عليه - وعليهم أجمعين. وموضع الكاف من " كذلك " نصبٌ. مثل ذلك يوحى إِليك. فمن قرأ يوحِي بالياء ، فاسم اللّه عزَّ جل رفع بفعله وهو يُوحِي. وَمَنْ قَرأَ . يُوحَى إليك فاسم اللّه مبين عما لمَ يسم فاعله ، ومثل هذا من الشعْرِ. لِيُبْكَ يزيدٌ ضارِعٌ لخُصُومةٍ . . . ومُخْتبِطٌ مما تُطِيحُ الطَّوائِحُ فبين من ينبغي أن يبكيه. ومن قرأ نُوحي إليك بالتون جعل نوحي إخباراً عن اللّه - عزَّ وجلَّ -. ورفع (اللّه) بالابتداء وجعل (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) خبراً عن (اللّه) ، وإن شاء كان __________ (١) قال السَّمين : كَذَلِكَ يوحي : القُراء على « يُوْحي » بالياء مِنْ أسفلَ مبنياً للفاعلِ ، وهو اللّه تعالى . « والعزيزُ الحكيمُ » نعتان . والكافُ منصوبةُ المحلِّ : إمَّا نعتاً لمصدرٍ ، حالاً مِنْ ضميرِه أي : يوحي إيحاءً مثلَ ذلك الإِيحاءِ . وقرأ ابنُ كثير - وتُروى عن أبي عمروٍ - « يُوْحَى » بفتحِ الحاءِ مبنياً للمفعول . وفي القائمِ مَقامَ الفاعلِ ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : ضميرٌ مستترٌ يعود على « كذلك » لأنه مبتدأٌ ، والتقدير : مثلُ ذلك الإِيحاءِ يُوْحَى هو إليك . فمثلُ ذلك مبتدأٌ ، ويُوْحى هو إليك خبرُه . الثاني : أنَّ القائمَ مقامَ الفاعلِ « إليك » ، والكافُ منصوبُ المحلِّ على الوجهَيْن المتقدِّمَيْن . الثالث : أنَّ القائمَ [ مَقامَه ] الجملةُ مِنْ « اللّه العزيزُ » أي : يُوْحَى إليك هذا اللفظُ . وأصولُ البَصْريين لا تساعِدُ عليه؛ لأنَّ الجملةَ لا تكونُ فاعلةً ولا قائمةً مقامَه. وقرأ أبو حيوةَ والأعمشُ وأبانٌ « نُوْحي » بالنون ، وهي موافقةٌ للعامَّةِ . ويُحتمل أَنْ تكونَ الجملةُ مِنْ « اللّه العزيزُ » منصوبةَ المحلِّ مفعولةً ب « نُوْحي » أي : نُوحي إليك هذا اللفظَ . إلاَّ أنَّ فيه حكايةَ الجملِ بغيرِ القولِ الصريحِ . و « نُوْحي » على اختلافِ قراءاتِه يجوزُ أَنْ يكونَ على بابه من الحالِ الاستقبالِ ، فيتعلَّقَ وَإِلَى الذين مِن قَبْلِكَ بمحذوفٍ لتعذُّرِ ذلك ، تقديرُه : وأوحَى إلى الذين ، وأَنْ يكونَ بمعنى الماضي . وجيْءَ به على صورةِ المضارعِ لغَرَضٍ وهو تصويرُ الحالِ. « اللّه العزيزُ » يجوزُ أَنْ يرتَفِعَ بالفاعليةِ في قراءةِ العامَّةِ ، وأَنْ يرتفعَ بفعلٍ مضمرٍ في قراءةِ ابنِ كثير ، كأنه قيل : مَنْ يُوْحيه؟ فقيل : اللّه ، ك يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال [ النور : ٣٦ ] ، و ٣٩٦٤ لِيُبْكَ يزيدُ ضارِعٌ . . . . . . . . . . . . وقد مرَّ ، وأَنْ يرتفعَ بالابتداءِ ، وما بعدَه خبرُه ، والجملةُ قائمةٌ مَقامَ الفاعلِ على ما مَرَّ ، وأَنْ يكون « العزيزُ الحكيمُ » خبَريْن نعتَيْن . والجملةُ مِنْ لَهُ مَا فِي السماوات خبرٌ أولُ ثانٍ على حَسَبِ ما تقدَّم في « العزيزُ الحكيمُ ». وجوَّز أبو البقاءِ أَنْ يكونَ « العزيز » مبتدأً و « الحكيمُ » خبرَه ، نعتَه ، و لَهُ مَا فِي السماوات خبرَه . وفيه نظرٌ؛ إذ الظاهرُ تَبَعيَّتُهما للجلالة . وأنت إذا قلتَ : « جاء زيدٌ العاقلُ الفاضلُ » لا تجعلُ العاقل مرفوعاً على الابتداء . اهـ (الدُّرُّ المصُون). (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صفة للّه - عزَّ وجلَّ - يرتفع كما يرتفع اسم اللّه ، ويكون الخبر (لَهُ مَا في السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأرْضِ). * * * |
﴿ ٣ ﴾