٥

و (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (٥)

ويقرأ (إِنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ) (١) فمن فتحها فالمعنى أفنضرب عنكم الذكر

صفحاً لأن كنتم ، ومن كسرها فعلى معنى الاستقبال ، على معنى إن تكونوا

مسرفين نضرب عنكم الذكر ، ويقال : ضربت عنه الذكر وأضربت عنه الذكر.

والمعنى أفنضرب عنكم ذِكْر العذاب والعذابَ بأن أسرفتم.

والدليل على أن

__________

(١) قال السَّمين :

  صَفْحاً  : فيه خمسةُ أوجهٍ ، أحدها : أنَّه مصدرٌ في معنى يَضْرِب؛ لأنه يُقال : ضَرَبَ عن كذا وأَضْرَبَ عنه ، بمعنى أعرض عنه ، وصَرَف وجهَه عنه . قال :

٣٩٨١ اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها . . . ضَرْبَك بالسيفِ قَوْنَسَ الفرسِ

والتقديرُ : أَفَنَصْفَحُ عنكم الذِّكْرَ أي : أفَنُزِيْلُ القرآنَ عنكم إزالةً ، يُنْكِرُ عليهم ذلك .

الثاني : أنَّه منصوبٌ على الحالِ من الفاعل أي : صافِحين . الثالث : أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ المؤكِّدِ لمضمونِ الجملةِ ، فيكونَ عاملُه محذوفاً ، نحو :  صُنْعَ اللّه  [ النمل : ٨٨ ] قاله ابنُ عطية . الرابع : أن يكونَ مفعولاً من أجله . الخامس : أَنْ يكونَ منصوباً على الظرف . قال الزمخشري : « وصَفْحاً على وجهَيْن : إمَّا مصدرٍ مِنْ صَفَح عنه إذا أَعْرَضَ عنه ، منتصبٍ على أنَّه مفعولٌ له على معنى : أَفَنَعْزِلُ عنكم إنْزالَ القرآنِ وإلزامَ الحجةِ به إعراضاً عنكم . وإمَّا بمعنى الجانبِ مِنْ قولِهم : نَظَرَ إليه بصَفْحِ وَجْهِه . وصَفْحُ وَجْهِه بمعنى : أفَنُنَحِّيه عنكم جانباً ، فينتصبُ على الظرف نحو : ضَعْه جانباً وامْشِ جانباً . وتَعْضُدُه قراءةُ » صُفْحاً « بالضم » . قلت : يشيرُ إلى قراءةِ حسان ابن عبد الرحمن الضبعي وسميط بن عمير وشبيل بن عزرة قَرؤوا « صُفْحاً » بضم الصاد . وفيها احتمالان ، أحدهما : ما ذكره مِنْ كونِه لغةً في المفتوحِ ويكونُ ظرفاً . وظاهرُ عبارةِ أبي البقاء أنَّه يجوزُ فيه جميعُ ما جاز في المفتوح؛ لأنه جَعَله لغةً فيه كالسُّد والسَّد . و

الثاني : أنه جمعُ صَفُوح نحو : صَبور وصُبُر . فينتصبُ حالاً مِنْ فاعل نَضْرِب . وقَدَّر الزمخشري على عادته فِعْلاً بين الهمزةِ والفاءِ أي : أنُهمِلُكم فَنَضْرِب . وقد عَرَفْتَ ما فيه غيرَ مرةٍ.

 « أنْ كُنتم » قرأ نافعٌ والأخَوان بالكسر على أنها شرطيةٌ ، وإسرافُهم كان متحققاً ، و « إنْ » إنما تدخلُ على غير المتحقِّق ،  المتحقِّقِ المبهم الزمانِ . وأجاب الزمخشريُّ : « أنَّه من الشرط الذي يَصْدُر عن المُدِلِّ بصحةِ الأمرِ والتحقيق لثبوتِه ، كقول الأجير : » إنْ كنتُ عَمِلْتُ لك عملاً فَوَفِّني حقي « وهو عالمٌ بذلك ، ولكنه يُخَيَّلُ في كلامِه أَنَّ تفريطَك في إيصالِ حقي فِعْلُ مَنْ له شكٌّ في استحقاقِه إياه تجهيلاً له » . وقيل :  على المجازاةِ والمعنى : أفنضرِبُ عنكم الذِّكر صَفْحاً متى أَسْرَفتم أي : إنكم غيرُ متروكين من الإِنذار متى كنتم قوماً مُسْرفين . وهذا أراد أبو البقاء ب « وقرئ إنْ بكسرِها على الشرط ، وما تقدَّم يدلُّ على الجواب » . والباقون بالفتحِ على العلَّة أي : لأَنْ كنتم ، كقول الشاعر :

٣٩٨٢ أتَجْزَعُ أنْ بانَ الخليطُ المُوَدَّعُ . . . . . . . . . .

ومثله :

٣٩٨٣ أتَجْزَعُ أنْ أُذْنا قتيبةَ حُزَّتا . . . . . . . . . . . .

يُرْوَى بالكسر والفتح ، وقد تقدَّم نحوٌ من هذا أول المائدة ، وقرأ زيد بن علي « إذ » بذالٍ عوضَ النونِ ، وفيها معنى العلَّة . اهـ (الدُّرُّ المصُون).

﴿ ٥