٥

قوله عزَّ وجلَّ : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (٥)

(يُبْدِلَهُ)

وقرئت (يُبَدِّلَهُ) ، بتشديد الدال وفتح الباء ، وُيُبَدِّلَهُ للتَكْثِيرِ ، وَكِلَاهمَا جَيِّدٌ وقد قرئ به.

* * *

و (قَانِتَاتٍ).

جاء في التفسير مطيعاتٍ ، والقُنُوتُ القِيامُ بما يقرب إلى اللّه - عزَّ وجلَّ -.

__________

(١) قال السَّمين :

  إِن تَتُوبَآ  : شرطٌ وفي جوابِه وجهان ، أحدهما : هو قولُه « فقد صَغَتْ » والمعنى : إن تتوبا فقد وُجِدَ منكم ما يُوْجِبُ التوبةَ ، وهو مَيْلُ قلوبِكما عن الواجبِ في مخالفةِ رسولِ اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم في حُبِّ ما يُحِبُّه وكراهةِ/ ما يكرهه . وصَغَتْ : مالَتْ ، ويَدُلُّ له قراءةُ ابنِ مسعودٍ « فقد راغَتْ » . و

الثاني : أن الجوابَ محذوفٌ تقديرُه : فذلك واجبٌ عليكما ،  فتابَ اللّه عليكما ، قاله أبو البقاء . وقال : « ودَلَّ على المحذوفِ فقد صَغَتْ؛ لأن إصغاءَ القلبِ إلى ذلك ذنبٌ » . وهذا الذي قاله لا حاجةَ إليه ، وكأَنَّه زَعَمَ أنَّ مَيْلَ القلبِ ذنبٌ فكيف يَحْسُنُ أَنْ يكونَ جواباً؟ وغَفَلَ عن  الذي ذكرْتُه في صحةِ كَوْنِه جواباً . و « قلوبُكما » مِنْ أفصحِ الكلامِ حيث أوقه الجمعَ موقعَ المثنى ، استثقالاً لمجيءِ تثنيتَيْن لو قيل : قلباكما . وقد تقدَّم تحريرُ هذا في آيةِ السَّرِقةِ في المائدة ، وشروطُ المسألةِ وما اختلف الناس فيه . ومِنْ مجيءِ التثنيةِ

٤٢٧٨ فتخالَسا نَفْسَيْهما بنوافِذٍ . . . كنوافِذِ العُبْطِ التي لا تُرْقَعُ

والأحسنُ في هذا البابِ الجمعُ ، ثم الإِفرادُ ، ثم التثنيةُ ، وقال ابن عصفور : « لا يجوز الإِفراد إلاَّ في ضرورة ك

٤٢٧٩ حمامةَ بَطْنِ الواديَيْنِ تَرَنَّمي . . . سَقاكِ مِنْ الغُرِّ الغوادِي مَطيرُها

وتبعه الشيخُ ، وغلَّط ابنَ مالك في كونِه جَعَلَه أحسن من التثنيةِ . وليس بغلطٍ للعلة التي ذكرها ، وهي كراهةُ توالي تثنيتَيْن مع أَمْنِ اللَّبْس.

و  إِن تَتُوبَآ  فيه التفاتٌ من الغيبة إلى الخطابِ ، والمرادُ أُمَّا المؤمنين بنتا الشيخَيْن عائشةُ وحفصةُ رضي اللّه عنهما وعن أبوَيْهما.

  وَإِن تَظَاهَرَا  أصلُه تتظاهرا فأَدْغَمَ ، وهذه قراءة العامَّةِ ، وعكرمةُ » تتظاهرا « على الأصل ، والحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في روايةٍ عنهما بتشديد الظاء والهاء دون ألف وأبو عمروٍ في روايةٍ » تظاهرا « بتخفيف الطاء والهاء ، حَذَفَ إحدى التاءَيْن وكلُّها بمعنىً المعاونة مِن الظهر لأنه أقوى أعضاءِ الإِنسانِ وأجلُّها.

  هُوَ مَوْلاَهُ  يجوزُ أَنْ يكونَ » هو « فصلاً ، و » مَوْلاه « الخبرَ ، وأن يكونَ مبتدأً ، و » مَوْلاه « خبرُه ، والجملةُ خبرُ » إنَّ «.

  وَجِبْرِيلُ  يجوزُ أَنْ يكون عطفاً على اسمِ اللّه تعالى ورُفِعَ نظراً إلى محلِّ اسمِها ، وذلكَ بعد استكمالِها خبرَها ، وقد عَرَفْتَ مذاهبَ الناسِ فيه ، ويكونَ » جبريلُ « وما بعده داخلَيْن في الولايةِ لرسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم ، ويكونَ جبريلُ ظهيراً له بدخولِه في عمومِ الملائكةِ ، ويكونَ » الملائكة « مبتدأً و » ظهيرٌ « خبرَه ، أُفْرِدَ لأنه بزنةِ فَعيل . ويجوزُ أَنْ يكونَ الكلامُ تمَّ عند  » مَوْلاه « ويكونُ » جبريل « مبتدأ ، وما بعده عَطْفٌ عليه.

و « ظهيرٌ » خبرُ الجميع ، فتختصُّ الولايةُ باللّه ، ويكون « جبريل » قد ذُكر في المعاونةِ مرَّتين : مرةً بالتنصيصِ عليه ، ومرةً بدخولِه في عموم الملائكةِ ، وهذا عكس ما في البقرة مِنْ   مَن كَانَ عَدُوّاً للّه وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ  فإنه ذكر الخاصَّ بعد العامِّ تشريفاً له ، وهنا ذُكِر العامُّ بعد الخاصِّ ، لم يَذْكُرِ الناسُ إلاَّ القسمَ الأول.

و  وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ  الظاهرُ أنه مفردٌ ، ولذلك كُتب بالحاء دونَ واوِ الجمع . وجَوَّزوا أن يكونَ جمعاً بالواو والنون ، حُذِفَتْ النونُ للإِضافة ، وكُتِبَ دون واوٍ اعتباراً بلفظه لأنَّ الواوَ ساقطةٌ لالتقاء الساكنين نحو :  وَيَمْحُ اللّه الباطل  بالشورى : ٢٤ ] و  يَدْعُ الداع   سَنَدْعُ الزبانية  [ العلق : ١٨ ] إلى غيرِ ذلك ، ومثل هذا ما جاء في الحديثِ : « أهلُ القرآن أهلُ اللّه وخاصَّتُه » قالوا : يجوز أن يكونَ مفرداً ، وأن يكونَ جمعاً ك  شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا  [ الفتح : ١١ ] وحُذِفَتِ الواوُ لالتقاء الساكنين لفظاً ، فإذا كُتِب هذا فالأحسنُ أَنْ يُكتبَ بالواوِ لهذا الغرضِ ، وليس ثَمَّ ضرورةٌ لحَذْفِها كما مَرَّ في مرسوم الخط.

وجَوَّزَ أبو البقاء في « جبريلُ » أن يكونَ معطوفاً على الضمير في « مَوْلاه » يعني المستتَر ، وحينئذ يكون الفصلُ بالضميرِ المجرورِ كافياً في تجويزِ العطفِ عليه . وجوَّز أيضاً أَنْ يكونَ مبتدأ و « صالحُ » عطفٌ عليه . والخبرُ محذوفٌ أي : مَواليه.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

وقوله تعالى : (سَائِحَاتٍ).

جاء في التفسير عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - أن السائحين هم الصائمونَ ، وهو مما في الكتب الأولى.

وقال أهل اللغة : إنما قيل للصائم سائح لأن الذي يسيح متعَبِّدٌ

ولا زاد مَعَه ، فحين يجد الزاد يطعَمُ ، والصائم كذلك يَمْضِي النهار ولا يَطعَمُ

شيئاً فلشبهه به سُمِّيَ سَائِحاً.

* * *

﴿ ٥