٨

وقوله عزَّ وجلَّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّه تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللّه النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّه تَوْبَةً)

بفتح النون ، وتقرأ (نُصُوحاً) - بضم النُون -

فمن فتح فعلى صفة التوبة.

ومعناه توبة بالغة في النصح ، وفَعُول من أسماء الفاعلين

التي تستعمل للمبالغة في الوصف ، تقول رجل صبورٌ وَشَكُورٌ ، وتوبة نَصُوحٌ.

وَمَنْ قَرأ (نُصُوحاً) - بضَم النُّونِ - فمعناه يَنصَحُونَ بهذا نُصُوحاً.

يقال : نصحت له نُصْحاً ونصاحَةً ونصوحاً.

__________

(١) قال السَّمين :

  قوا أَنفُسَكُمْ  : أمرٌ من الوِقايةِ فوزنُه « عُوا » لأن الفاءَ حُذِفَتْ لوقوعِها في المضارع بين ياءٍ وكسرةٍ ، وهذا محمولٌ عليه ، واللامُ حُذِفَتْ حَمْلاً له على المجزوم ، بيانه أنَّ أصلَه اِوْقِيُوا كاضْرِبوا فحُذِفَتِ الواوُ التي هي فاءٌ لِما تقدَّمَ ، واستثْقِلَتِ الضمةُ على الياء فحُذِفَتْ ، فالتقى ساكنان ، فحُذِفَتْ الياءُ وضُمَّ ما قبل الواوِ لتصِحَّ . وهذا تعليلُ البَصْريين . ونقل مكيٌّ عن الكوفيين : أنَّ الحذفَ عندهم فرقاً بين المتعدي والقاصر فحُذِفت الواوُ التي هي فاءٌ في يَقي ويَعِدُ لتعدِّيهما ، ولم تُحْذَفْ من يَوْجَل لقُصوره . قال : « ويَرِدُ عليهم نحو : يَرِمُ فإنه قاصرٌ ومع ذلك فقد حذفوا فاءَه » . قلت : وفي هذا نظرٌ؛ لأنَّ يَوْجَل لم تَقَعْ فيه الواوُ بين ياءٍ وكسرةٍ لا ظاهرةٍ ولا مضمرةٍ . فقلت : « ولا مضمرة » تحرُّزاً مِنْ يَضَعُ ويَسَعُ ويَهَبُ.

و « ناراً » مفعولٌ ثانٍ . و  وَقُودُهَا الناس  صفةٌ ل « ناراً » وكذلك « عليها ملائكةٌ » . ويجوزُ أَنْ يكونَ الوصفُ وحدَه عليها و « ملائكةٌ » فاعلٌ به . ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً لتخصُّصِها بالصفة الأولى وكذلك  لاَّ يَعْصُونَ اللّه .

وقرأ بعضُهم « وأَهْلوكم » وخُرِّجَتْ على العطفِ على الضمير المرفوع ب « قُوا » وجَوَّزَ ذلك الفصلُ بالمفعولِ . قال الزمخشري بعد ذِكْرِهِ القراءةَ وتخريجَها : « فإنْ قلتَ : أليس التقديرُ : قُوا أنفسَكم ، ولْيَقِ أَهْلوكم أنفسكم؟ قلت : لا . ولكن المعطوفَ في التقديرِ مقارنٌ للواو ، و » أنفسَكم « واقعٌ بعده كأنَّه قيل : قُوا أنتم وأهلوكم أنفسَكم لمَّا جَمَعْتَ مع المخاطبِ الغائبَ غَلَّبْته [ عليه ] فجعَلْتَ ضميرَهما معاً على لفظِ المخاطبِ » . وتقدَّم الخلافُ في واو « وقود » ضماً وفتحاً في البقرة.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

وجاء في التفسير أن التوبة النَّصُوحُ التي لا يعاود التائب مَعَها المعْصِيةَ.

وقال بعضهم التي لا ينوي معها معاودة المعصية.

و (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللّه النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ).

(يَوْمَ) منصوبٌ ب (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللّه النَّبِيَّ).

أي في هذا اليوم.

والقراءة النصب في  (وَيُدْخِلَكُمْ) عطف على (أنْ يُكَفِّرَ)

ولو قرئت بالجزم لكانَ وَجْهاً ، يكون محمولا على موضع (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) لأن عسى من اللّه واجبة ، قال اللّه تعالى :

(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (٨٢).

* * *

و (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا).

أما إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يُطْفَأ سأَلوا اللّه أَنْ يُتَمِّمَ لهم نورهم.

* * *

﴿ ٨