١٠

(وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)

 إنا لا ندري بحدوث رجم الكواكب أَلِصَلاَحٍ في ذلك لأهل

الأرض  غيره.

__________

(١) قال السَّمين :

  وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا  : قرأ الأخَوان وابن عامر وحفص بفتح « أنَّ » وما عُطِف عليها بالواو في اثنتي عشرة كلمةً ، والباقون بالكسرة . وقرأ ابنُ عامر وأبو بكرٍ « وإنه لَمَّا قام » بالكسرة ، والباقون بالفتح ، واتفقوا على الفتحِ في   وَأَنَّ المساجد للّه  وتلخيص هذا : أن « أنَّ » المشددةَ في هذه السورةِ على ثلاثةِ أقسامٍ : قسمٍ ليس معه واوُ العطفِ ، فهذا لا خلاف بين القُرَّاءِ في فتحِه  كسرِه . على حسبِ ما جاءَتْ به التلاوةُ واقْتَضَتْه العربيةُ ، ك  قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ استمع  لا خلافَ في فتحِه لوقوعِه موقعَ المصدرِ وك  إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً  [ الجن : ١ ] لا خلافَ في كسرِه لأنه محكيٌّ بالقول.

القسم الثاني أَن يقترنَ بالواوِ ، وهو أربعَ عشرةَ كلمةً ، إحداها : لا خلاف في فتحِها وهي : قولُه تعالى :  وَأَنَّ المساجد للّه  [ الجن : ١٨ ] وهذا هو القسم الثالث والثانية :  وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ  [ الجن : ١٩ ] كَسَرَها ابنُ عامرٍ وأبو بكر ، وفتحها الباقون . والاثنتا عشرةَ الباقيةُ : فَتَحها الأخوان وابن عامرٍ وحفص ، وكسرها الباقون ، كما تقدَّم تحريرُ ذلك كلِّه . والاثنتا عشرةَ هي   وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا  ،  وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ  [ الجن : ٤ ]  وَأَنَّا ظَنَنَّآ  [ الجن : ٥ ]  وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ  [ الجن : ٦ ]  وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ  [ الجن : ٧ ]  وَأَنَّا لَمَسْنَا  [ الجن : ٨ ]  وَأَنَّا كُنَّا  [ الجن : ٩ ]  وَأَنَّا لاَ ندري  [ الجن : ١٠ ]  وَأَنَّا مِنَّا الصالحون  [ الجن : ١١ ]  وَأَنَّا ظَنَنَّآ  [ الجن : ١٢ ]  وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا  [ الجن : ١٣ ]  وَأَنَّا مِنَّا المسلمون  [ الجن : ١٤ ] . وإذا عَرَفْتَ ضَبْطَها من حيث القراءاتُ فالتفِتْ إلى توجيهِ ذلك.

وقد اختلف الناسُ/ في ذلك فقال أبو حاتم في الفتح : « هو معطوفٌ على مرفوعِ » أُوْحِيَ « فتكونُ كلُّها في موضعِ رفعٍ لِما لم يُسَمَّ فاعِلُه » . وهذا الذي قاله قد رَدَّه الناسُ عليه : مِنْ حيث إنَّ أَكثرَها لا يَصِحُّ دخولُه تحت معمولِ « أُوْحِي » ألا ترى أنه لو قيل : أوُحي إليِّ أنَّا لَمَسْنا السماءَ ، وأنَّا كُنَّا ، وأنَّا لا نَدْري ، وأنَّا منَّا الصالحون ، وأنَّا لمَّا سَمِعْنا ، وأنَّا مِنَّا المسلمون لم يَسْتَقِمْ معناه . وقال مكي : « وعَطْفُ » أنَّ « على  آمَنَّا بِهِ  [ الجن : ٢ ] أتَمُّ في  مِنْ العطفِ على » أنَّه استمعَ « لأنك لو عَطَفْتَ  وَأَنَّا ظَنَنَّآ  [ الجن : ٥ ]  وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا  [ الجن : ١٣ ]  وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس  [ الجن : ٦ ]  وَأَنَّا لَمَسْنَا  [ الجن : ٨ ] ، وشِبْهَ ذلك على  أَنَّهُ استمع  [ الجن : ١ ] لم يَجُزْ؛ لأنه ليس مِمَّا أُوْحِي ، إليه ، إنما هو أمرٌ  خبر ، وأنه عن أنفسهم ، والكسرُ في هذا أَبْينُ ، وعليه جماعة مِنْ القُراءِ.

الثاني : أنَّ الفتحَ في ذلك عَطْفٌ على مَحَلِّ » به « مِنْ » آمَنَّا به « . قال الزمخشري : » كأنه قال : صَدَّقْناه وصَدَّقْناه أنه تعالى جَدُّ رَبَّنا ، وأنَّه كان يقولُ سفيهُنا ، وكذلك البواقي « ، إلاَّ أنَّ مكيَّاً ضَعَّفَ هذا الوجهَ فقال : والفتحُ في ذلك على الحَمْلِ على معنى » آمَنَّا به « وفيه بُعْدٌ في ؛ لأنهم لم يُخْبِروا أنهم آمنوا بأنَّهم لَمَّا سَمِعوا الهدى آمنوا به ، ولم يُخْبِروا أنهم آمنوا أنه كان رجالٌ ، إنما حكى اللّه عنهم أنهم قالوا ذلك مُخْبِرين به عن أنفسِهم لأصحابِهم ، فالكسرُ أَوْلى بذلك » وهذا الذي قاله غيرُ لازمٍ؛ فإنَّ  على ذلك صحيحٌ.

وقد سَبَق الزمخشريَّ إلى هذا التخريجِ الفَرَّاءُ والزجَّاجُ . إلاَّ أنَّ الفَرَّاء استشعر إشكالاً وانفصل عنه ، فإنه قال : « فُتِحَتْ » أنَّ « لوقوع الإِيمانِ عليها ، وأنت تجدُ الإِيمانَ يَحْسُنُ في بعضِ ما فُتحَ دونَ بعضٍ ، فلا يُمْنَعُ من إمضائِهنَّ على الفتح ، فإنه يَحْسُنُ فيه ما يُوْجِبُ فَتْحَ » أنَّ « نحو : صَدَقْنا وشَهِدْنا ، كما قالت العربُ :

٤٣٤٧ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وزَجَّجْنَ الحواجبَ والعُيونا

فنصَبَ » العيونَ « لإِتباعِها الحواجبَ ، وهي لا تُزَجَّجُ . إنما تُكَحَّلُ ، فأضمر لها الكُحْلَ » انتهى . فأشار إلى شيءٍ مِمَّا ذكرَه مكيٌّ وأجاب عنه . وقال الزجَّاج : « لكنَّ وجهَه أَنْ يكونَ محمولاً على معنى » آمنَّا به «؛ لأنَّ معنى » آمَنَّا به « صَدَّقْناه وعَلِمْناه ، فيكون  : صَدَّقْنا أنه تعالى جَدُّ ربِّنا ».

الثالث : أنه معطوفٌ على الهاء به « به » ، أي : آمنَّا به وبأنه تعالى جَدُّ ربِّنا ، وبأنه كان يقولُ ، إلى آخره ، وهو مذهب الكوفيين . وهو وإن كان قوياً من حيث  إلاَّ أنَّه ممنوعٌ مِنْ حيث الصناعةُ ، لِما عَرَفْتَ مِنْ أنَّه لا يُعْطَفُ على الضميرِ المجرورِ إلاَّ بإعادةِ الجارِّ . وقد تقدَّم تحقيقُ هذَيْن القولَيْن مستوفىً في سورةِ البقرة عند   وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام  [ البقرة : ٢١٧ ] على أنَّ مكِّيَّاً قد قَوَّى هذا لمَدْرَكٍ آخرَ وهو حَسَنٌ جداً ، قال رحمه اللّه : « وهو يعني العطفَ على الضميرِ المجرورِ دونَ إعادةِ الجارِّ في » أنَّ « أجوَدُ منه في غيرها ، لكثرةِ حَذْفِ حرفِ الجرِّ مع » أنَّ «.

ووجهُ الكسرِ العطفُ على   إِنَّا سَمِعْنَا  [ الجن : ١ ] فيكون الجميعُ معمولاً للقولِ ، أي : فقالوا : إنَّا سَمِعْنا ، وقالوا : إنَّه تعالى جَدُّ ربِّنا إلى آخرِه . وقال بعضُهم : الجملتان مِنْ قولِه تعالى وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ  [ الجن : ٦ ]  وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ  [ الجن : ٧ ] معترضتان بين قولِ الجنِّ ، وهما مِنْ كلامِ الباري تعالى ، والظاهرُ أنَّهما مِنْ كلامِهم ، قاله بعضُهم لبعضٍ . ووجهُ الكسرِ والفتحِ في   وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللّه  [ الجن : ١٩ ] ما تقدَّم . ووَجْهُ إجماعِهم على فتح  وَأَنَّ المساجد  [ الجن : ١٨ ] وجهان ، أحدُهما : أنَّه معطوفٌ على  أَنَّهُ استمع  [ الجن : ١ ] فيكونُ مُوْحى أيضاً . و

الثاني : أنه على حَذْفِ حرفِ الجرِّ ، وذلك الحرفُ متعلِّقٌ بفعل النهي ، أي : فلا تَدْعوا مع اللّه أحداً؛ لأنَّ المساجدَ للّه ، ذكرهما أبو البقاء.

قال الزمخشري : » أنه استمع « بالفتح؛ لأنَّه فاعلُ » أُوْحي « و  إِنَّا سَمِعْنَا  [ الجن : ١ ] بالكسرِ؛ لأنَّه مبتدأٌ مَحْكِيٌّ بعد القولِ ، ثم تحملُ عليهما البواقي ، فما كان مِنَ الوحي فُتِحَ ، وما كان مِنْ قَوْل الجِنِّ كُسِرَ ، وكلُّهُنَّ مِنْ قولِهم إلاَّ/ الثِّنْتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ وهما :  وَأَنَّ المساجد  [ الجن : ١٨ ]  وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللّه  [ الجن : ١٩ ] . ومَنْ فتح كلَّهن فعَطْفاً على مَحَلِّ الجارِّ والمجرور في  آمَنَّا بِهِ  [ الجن : ٢ ] ، أي : صَدَّقْناه ، وصَدَّقْنا أنه «.

وقرأ العامَّةُ :  جَدُّ رَبِّنَا  بالفتح مضافاً ل » رَبِّنا « ، والمرادُ به هنا العظمةُ . وقيل : قُدْرتُه وأمرُه . وقيل : ذِكْرُه . والجَدُّ أيضاً : الحَظُّ ، ومنه قولُه عليه السلام : » ولا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ « والجَدُّ أيضاً : أبو الأبِ ، والجِدُّ بالكسرِ ضِدُّ التَّواني في الأمر.

وقرأ عكرمةُ بضمِّ باءِ » رَبُّنا « وتنوينِ » جَدٌّ « على أَنْ يكون » ربُّنا « بدلاً مِنْ » جَدٌّ « ، والجَدُّ : العظيم . كأنه قيل : وأنَّه تعالى عظيمٌ ربُّنا ، فأبدل المعرفة من النكرةِ ، وعنه أيضاً » جَدَّاً « منصوباً منوَّناً ، » رَبُّنا « مرفوعٌ . ووجْهُ ذلك أَنْ ينتصِبَ » جَدَّاً « على التمييز ، و » ورَبُّنا « فاعلٌ ب » تعالى « وهو المنقولُ مِنْ الفاعليةِ ، إذ التقديرُ : تعالى جَدُّ رَبِّنا ، ثم صار تعالى ربُّنا جَدَّاً ، أي : عَظَمةً نحو : تَصَبَّبَ زيدٌ عَرَقاً ، أي : عَرَقُ زيدٍ . وعنه أيضاً وعن قتادةَ كذلك ، إلاَّ أنَّه بكسرِ الجيم ، وفيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ ، و » رَبُّنا « فاعلٌ ب » تعالى « والتقدير : تعالى ربُّنا تعالِياً جدَّاً ، أي : حقاً لا باطلاً . و

الثاني : أنَّه مصنوبٌ على الحالِ ، أي : تعالى ربُّنا حقيقةً ومتمكِّناً قاله ابنُ عطية.

وقرأ حميد بن قيس » جُدُّ ربِّنا « بضم الجيم مضافاً ل » ربِّنا « وهو بمعنى العظيم ، حكاه سيبويه ، وهو في الأصل من إضافةِ الصفةِ لموصوفِها؛ إذ الأصلُ : ربُّنا العظيمُ نحو : » جَرْدُ قَطِيفة « الأصل قطيفة جَرْدٌ ، وهو مُؤَول عند البَصْريين وقرأ ابن السَّمَيْفَع » جَدَى رَبِّنا « بألفٍ بعد الدال مضافاً ل » ربِّنا « . والجَدى والجَدْوى : النَّفْعُ والعَطاء ، أي : تعالى عَطاءُ ربِّنا ونَفْعُه.

والهاءُ في » أنَّه استمعَ « » وأنَّه تعالى « وما بعد ذلك ضميرُ الأمرِ والشأنِ ، وما بعده خبرُ » أنَّ « وقوله  مَا اتخذ صَاحِبَةً  مستأنَفٌ فيه تقريرٌ لتعالِي جَدِّه.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

﴿ ١٠