٣(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (٣) معناه هديناه الطريق إما لِشَقوةٍ وإما لِسَعَادَةٍ. __________ (١) قال السَّمين : هَلْ أتى : في « هل » هذه وجهان ، أحدُهما : أنَّها على بابِها من الاستفهامِ المَحْضِ ، أي : هو مِمَّنْ يُسْأَلُ عنه لغرابتِه : أأتى عليه حينٌ من الدهرِ لَم يكنْ كذا ، فإنه يكونُ الجوابُ : أتى عليه ذلك ، وهو بالحالِ المذكورةِ ، كذا قاله الشيخ ، وهو مدخولٌ كما ستعرِفُه قريباً . وقال مكي في تقرير كونها على بابِها من الاستفهام . « والأحسنُ أَنْ تكونَ على بابِها للاستفهام الذي معناه التقريرُ ، وإنما هو تقرير لمَنْ أنكر البعثَ ، فلا بُدَّ أَنْ يقولَ : نعم قد مضى دهر طويل لا إنسانَ فيه . فيقال له : مَنْ أَحْدَثَه بعد أن لم يكُنْ وكَوَّنه بعد عَدَمِه كيف يمتنع عليه بَعْثُه وإحياؤه بعد مَوْتِه؟ وهو معنى وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ [ الواقعة : ٦٢ ] ، أي : فهلاَّ تَذَكَّرون فتعلَمون أنَّ مَنْ أَنْشأ شيئاً بعد أن لم يكُنْ قادرٌ على إعادتِه بعد مَوْتِه و عَدَمِه » انتهى . فقد جَعَلها لاستفهامِ التقريرِ لا للاستفهامِ المَحْضِ ، وهذا هو الذي يجبُ أَنْ يكونَ؛ لأنَّ الاستفهامَ لا يَرِدُ مِنَ الباري تعالى لاَّ على هذا النحوِ وما أشبهه . و الثاني : أنها بمعنى « قد » قال الزمخشري : « هل بمعنى » قد « في الاستفهام خاصة . والأصل : أهل بدليلِ ٤٤٣٠ سائِلْ فوارسَ يَرْبوعٍ بشَدَّتِنا . . . أهَلْ رَأَوْنا بوادي القُفِّ ذي الأَكَمِ فالمعنى : أقد أتى ، على التقريرِ والتقريبِ جميعاً ، أي : أتى على الإِنسان قبلَ زمانٍ قريبٍ حينٌ من الدهرِ لم يكنْ فيه شيئاً مذكوراً ، أي : كان شيئاً مَنْسِيَّاً غير مذكور » انتهى . ف « على التقريرِ » يعني المفهومَ من الاستفهامِ ، وهو الذي فهم مكيٌّ مِنْ نفسِ « هل » . و « والتقريب » يعني المفهومَ مِنْ « قد » التي وقع مَوْقِعَها « هل » . ومعنى قولِه « في الاستفهام خاصةً » أنَّ « هل » لا تكونُ بمعنى « قد » إلاَّ ومعها استفهامٌ/ لفظاً كالبيتِ المتقدِّم ، تقديراً كالآية الكريمةِ . فلو قلتَ : « هل جاء زيدٌ » تعني : قد جاء ، من غيرِ استفهامٍ لم يَجُزْ ، وغيرُه جَعَلَها بمعنى « قد » من غيرِ هذا القيدِ . وبعضُهم لا يُجيزه ألبتَّةََ ، ويَتَأّوَّل البيتَ : على أنَّ مِمَّا جُمِعَ فيه بين حرفَيْ معنىً للتأكيدِ ، وحَسَّن ذلك اختلافُ لفظِهما كقولِ الشاعِرِ : ٤٣٣١ فأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلنْنَي عَنْ بِما به . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . فالباءُ بمعنى « عن » ، وهي مؤكِّدةٌ لها ، وإذا كانوا قد أَكَّدوا مع اتفاقِ اللفظِ ك ٤٤٣٢ فَلا واللّه لا يُلْفَى لِما بي . . . ولا لِلِما بهمْ أبداً دَواءُ فَلأَنْ يُؤَكِّدوا مع اختلافهِ أَحْرى . ولم يَذْكُرِ الزمخشريُّ غيرَ كونِها بمعنى « قد » ، وبقي على الزمخشريِّ قيدٌ آخر : وهو أَنْ يقولَ : في الجملِ الفعليةِ؛ لأنَّه متى دخلَتْ « هل » على جملةٍ اسميةٍ استحالَ كونُها بمعنى « قد » لأنَّ « قد » مختصَّةٌ بالأفعالِ . وعندي أنَّ هذا لا يَرِدُ؛ لأنَّه تقرَّر أنَّ « قد » لا تباشِرُ الأسماءَ. لَمْ يَكُن في هذه الجملة وجهان ، أحدُهما : أنَّها في موضعِ نصبٍ على الحالِ من « الإِنسان » ، أي : هل أتى عليه حينٌ في هذه الحالةِ . و الثاني : أنها في موضعِ رفع نعتاً ل « حينٌ » بعد نعتٍ . وعلى هذا فالعائدُ تقديرُه : حينٌ لم يكُنْ فيه شيئا مذكوراً ، والأول أظهرُ لفظاً ومعنىً. اهـ (الدُّرُّ المصُون). |
﴿ ٣ ﴾