٩

(كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٩)

أي مكتوب.

__________

(١) قال السَّمين :

  لَفِي سِجِّينٍ  : اختلفوا في نون « سِجِّين » . فقيل : هي أصليةٌ . اشتقاقهُ من السِّجْنِ وهو الحَبْسُ ، وهو بناءُ مبالغةٍ ، فسِجِّين من السَّجْنِّ كسِكِّير من السُّكْر . وقيل : بل هي بدلٌ من اللامِ ، والأصلُ : سِجِّيْل ، مشتقاً من السِّجِلِّ وهو الكتابُ . واختلفوا فيه أيضاً : هل هو اسمُ موضعٍ ،  اسمُ كتابٍ مخصوصٍ؟ وهل هو صفةٌ  عَلَمٌ منقولٌ مِنْ وصفٍ كحاتِم . وهو مصروفٌ إذ ليس فيه إلاَّ سببٌ واحدٌ وهو العَلَمِيَّةُ ، وإذا كان اسمَ مكانٍ ، فقوله « كتابٌ مَرْقُوْمٌ » : إمَّا بدلٌ منه ،  خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ، وهو ضميرٌ يعودُ عليه ، وعلى التقديرَيْن فهو مُشْكِلٌ؛ لأنَّ الكتابَ ليس هو المكانَ فقيل : التقدير : هو مَحَلُّ كتابٍ ، ثم حُذِفَ المضافُ . وقيل : التقديرُ : وما أدراك ما كتابُ سِجِّين؟ فالحذفُ ، إمَّا مِنْ الأولِ ، وإمَّا مِنْ

الثاني : وأمَّا إذا قُلْنا : إنه اسمٌ ل « كتاب » فلا إشكال.

وقال ابن عطية : « مَنْ قال : إنَّ سِجِّيناً موضعٌ فكتابٌ مرفوعٌ ، على أنه خبرُ » إنّ « والظرفُ الذي هو » لفي سِجِّين « مُلْغَى ، ومَنْ جعله عبارةً عن الخَسارة ، فكتابٌ خبرُ مبتدأ محذوفٍ ، التقدير : هو كتابٌ ، ويكونُ هذا الكلامُ مفسِّراً لِسِجِّين ما هو؟ » انتهى ، وهذا لا يَصِحُّ ألبتَّةَ؛ إذ دخولُ اللامِ يُعَيِّنُ كونَه خبراً فلا يكونُ مُلْغى . لا يقال : اللامُ تَدْخُلُ على معمولِ الخبرِ فهذا منه فيكونُ مُلْغى؛ لأنه لو فُرِضَ الخبرُ وهو « كتابٌ » عاملاً  صفتُه عاملةٌ وهو « مرقوم » لامتنعَ ذلك . أمَّا مَنْعُ عملِ « كتابٌ » فلأنَّه موصوف ، والمصدرُ الموصوفُ لا يعمل . وأمَّا امتناعُ عملِ « مرقومٌ » فلأنَّه صفةٌ ، ومعمولُ الصفةِ لا يتقدَّمُ على موصوفِها . وأيضاً فاللامُ إنما تدخُلُ على معمولِ الخبر بشرطِه ، وهذا ليس معمولاً للخبرِ ، فتعيَّنَ أَنْ يكونَ الجارُّ هو الخبرَ ، وليس بملغى . وأمَّا قولُه ثانياً « ويكون هذا الكلامُ مفسِّراً لسِجِّين ما هو » فمُشْكِلٌ؛ لأنَّ الكتابَ ليس هو الخسَارَ الذي جُعِلَ الضميرُ عائداً عليه مُخْبِراً عنه ب « كتابٌ ».

وقال الزمخشري : « فإنْ قلتَ : قد أخبر اللّه تعالى عن كتاب الفجار بأنه في سِجِّين وفَسَّر سِجِّيناً ب » كتاب مرقوم « فكأنه قيل : إنَّ كتابَهم في كتابٍ مرقوم فما معناه؟ قلت : » سِجِّين « كتابٌ جامعٌ ، هو ديوانُ الشرِّ دَوَّن اللّه فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفَرَةِ والفَسَقَةِ من الجنِّ والإِنسِ ، وهو كتابٌ مَسْطورٌ بَيِّنُ الكِتابةِ ،  مَعْلَمٌ يَعْلَمُ مَنْ رآهُ أنه لا خَيْرَ فيه فالمعنى : أنَّ ما كُتِبَ مِن أعمالِ الفُجَّارِ مُثْبَتٌ في ذلك الديوانِ ، ويُسَمَّى سِجِّيلاً فِعِّيلاً من السَّجْلِ وهو الحَبْسُ والتضييق؛ لأنه سببُ الحِبْسِ والتضييق في جهنم » انتهى.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

﴿ ٩