٤

وقوله عزَّ وجلَّ : (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤)

الأخدود : شق في الأرض ، ويجمع أَخَاديد (١).

وقيل أصحاب الأخْدُودِ قوم

كانوا يَعْبدُونَ صَنما ، وكان معهم قوم يكتمون إيمانَهم ، يعبدون اللّه عزَّ وجلَّ ويوحدونه ، فعلموا بهم فخدُّوا لهم أخدوداً وملأوه ناراً ، وقذفوا بهم في تلك النار فتقحموها ولم يَرْتَدُّوا عَنْ دينهم ثبوتاً على الإسلام ، ويقيناً أنهم يصيرون إلى الجنة.

فجاء في التفسير أن آخِرَ من ألقي منهم امرأة معها صَبِي رضيع.

فلما رأت النار صدت بَوَجْهِهَا وَأَعْرَضَتْ ، فقال لها الصبي : يا أمتاه قفي

__________

(١) قال السَّمين :

  قُتِلَ  : هذا جوابُ القسمِ على المختارِ ، وإنما حُذِفَتِ اللامُ ، والأصلُ : لَقُتِلَ ، كقولِ الشاعر :

٤٥٣٣ حَلَفْتُ لها باللّه حَلْفَةَ فاجرٍ . . . لَناموا فما إنْ مِنْ حديثٍ ولا صالِ

وإنما حَسُن حَذْفُها للطُّولِ ، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في   قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا  [ الشمس : ٩ ] . وقيل : تقديرُه : لقد قُتِلَ ، فحَذَفَ اللامَ وقد ، وعلى هذا ف « قُتِلَ » خبرٌ لا دُعاءٌ . وقيل بل هي دعاءٌ فلا يكونُ جواباً . وفي الجواب حينئذٍ أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه   إِنَّ الذين فَتَنُواْ  .

الثاني :   إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ  قاله المبرد . الثالث : أنه مقدرٌ . فقال الزمخشري : ولم يَذْكُرْ غيرَه « هو محذوفٌ يَدُلُّ عليه  قُتِلَ أَصْحَابُ الأخدود  ، كأنه قيل : أُقْسِمُ بهذه الأشياءِ إنَّ كفَّار قريشٍ مَلْعونون كما لُعِنَ أصحابُ الأُخدودِ » ثم قال : « وقُتِل دعاءٌ عليهم ، ك  قُتِلَ الإنسان  [ عبس : ١٧ ] ، وقيل : التقدير : لَتُبْعَثُنَّ.

وقرأ الحسن وابن مقسم » قُتِّلَ « بتشديدِ التاءِ مبالغةً  تكثيراً . و » الموعودِ « ، أي : الموعود به . قال مكي : » الموعود نعتٌ لليوم . وثَم ضميرٌ محذوفٌ يتمُّ الموعودُ به . ولولا ذلك لَما صَحَّتِ الصفةُ؛ إذ لا ضميرَ يعودُ على الموصوفِ مِنْ صفتِه « انتهى . وكأنَّه يعني أن اليومَ موعودٌ به غيرُه من الناس ، فلا بُدَّ مِنْ ضمير يَرْجِعُ إليه ، لأنه موعودٌ به لا موعودٌ . وهذا لا يُحتاج إليه؛ إذ يجوزُ أَنْ يكون قد تَجَوَّزَ بأنَّ اليومَ وَعَدَ بكذا فيصِحُّ ذلك ، ويكونُ فيه ضميرٌ عائدٌ عليه ، كأنَّه قيل : واليومِ الذي وَعَدَ أَنْ يُقْضَى فيه بين الخلائِقِ.

والأُخْدودُ : الشِّقُّ في الأرضِ . قال الزمخشري : » والأخْدودُ : الخَدُّ في الأرضِ ، وهو الشِّقُّ . ونحوُهما بناءً ومعنىً : الخَقُّ والأُخْقُوق ، ومنه : « فساخَتْ قوائمُه في أخاقيقِ جِرْذان » . انتهى . فالخَدُّ في الأصلِ مصدرٌ ، وقد يقعُ على المفعولِ وهو الشِّقُّ نفسُه ، وأمَّا الأخدودُ فاسمٌ له فقط . وقال الراغب : « الخَدُّ والأُخْدُوْدُ شِقٌّ في أرضٍ ، مستطيلٌ غائِصٌ.

وجمع الأخدود : أخاديدُ . وأصلُ ذلك مِن خَدَّيْ الإِنسان ، وهما ما اكتنفا الأَنْفَ عن اليمينِ والشمالِ ، والخَدُّ يُستعار للأرضِ ولغيرها كاستعارةِ الوجهِ ، وتخدُّدُ اللحمِ زَوالُه عن وجهِ الجسم » ثم يُعَبَّرُ بالمُتَخَدِّدِ عن المهزول ، والخِدادُ مِيْسَمٌ في الخَدِّ . وقال غيره : سُمِّيَ الخَدُّ خَدَّاً لأنَّ الدموعَ تَخُدُّ فيه أخاديدَ ، أي : مجاريَ.

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

ولا تنافقي ، وقيل إنه قال لها : مَا هِيَ إلا [غُميضة] ، فَصَبَرَتْ فألقِيتْ في النار.

وكان النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إذا ذكر أصحاب الأخدودِ تَعَوَّذَ مِنْ جَهْد البلاء.

فأَعلم اللّه - عزَّ وجلَّ - قِصًةَ قَوْم بلغت بصيرتُهم وحقيقة إيمَانِهِم إلى

أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في اللّه عزَّ وجلَّ.

* * *

﴿ ٤