١٠

( وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)

خابت نَفْسٌ دَسَّاهَا اللّه.

ومعنى (دَسَّاهَا) جعلها قليلة خَسِيسَةً.

والأصل دَسَّسَهَا ، ولكن الحروف إذا اجتمعت من لفظٍ واحِدٍ أُبدَل من أحدها ياء.

قال الشاعر :

تَقَضِّيَ البَازِي إِذا البَازِي كَسَرْ

__________

(١) قال السَّمين :

  وَمَا بَنَاهَا  : وما بعدَه ، فيه وجهان ، أحدُهما : أنَّ « ما » موصولةٌ بمعنى الذي ، وبه استشهد مَنْ يُجَوِّزُ وقوعَها على آحادِ أولي العلم؛ لأنَّ المرادَ به الباري تعالى ، وإليه ذهب الحسنُ ومجاهدٌ وأبو عبيدةَ ، واختاره ابن جرير . و

الثاني : أنها مصدريةٌ ، أي : وبناءِ السماء ، وإليه ذهبَ الزجَّاج والمبرد ، وهذا بناءً منهما على أنها مختصةٌ بغيرِ العقلاءِ ، واعْتُرِضَ على هذا القولِ : بأنَّه يَلْزَمُ أَنْ يكونَ القَسَمُ بنفسِ المصادر : بناءِ السماء وطَحْوِ الأرضِ وتَسْويةِ النفس ، وليس المقصودُ إلاَّ القَسَمَ بفاعلِ هذه الأشياءِ وهو الرَّبُّ تبارك وتعالى . وأُجِيب عنه بوجهَيْن ، أحدُهما : يكونُ على حَذْفِ مضافٍ ، أي : وربِّ -  باني - بناءِ السماء ونحوه . و

الثاني : أنه لا غَرْوَ في الإِقسام بهذه الأشياء كما أَقْسم تعالى بالصبح ونحوه.

وقال الزمخشري : « جُعِلَتْ مصدريةً وليس بالوجهِ لقولِه » فأَلْهمها « وما يؤدي إليه مِنْ فسادِ النظم . والوجهُ أَنْ تكونَ موصولةً ، وإنما أُوْثِرَتْ على » مَنْ « لإِرادة معنى الوصفية كأنه قيل : والسماءِ والقادرِ العظيم الذي بناها ، ونفس والحكيمِ الباهرِ الحكمةِ الذي سَوَّاها . وفي كلامهم : » سبحانَ ما سَخَّرَكُنَّ لنا « انتهى . يعني أنَّ الفاعلَ في » فألهمها « عائدٌ على اللّه تعالى فليكُنْ في » بناها « كذلك ، وحينئذٍ يَلْزَمُ عَوْدُه على شيءٍ وليس هنا ما يمكنُ عَوْدُه عليه غيرُ » ما « فتعيَّنَ أَنْ تكونَ موصولةً.

وقال الشيخ : » أمَّا  « وليس بالوجهِ لقولِه » فَأَلْهمها « يعني مِنْ عَوْدِ الضمير في » فَأَلْهمها « على اللّه تعالى ، فيكونُ قد عاد على مذكورٍ وهو » ما « المرادُ به الذي . قال : » ولا يَلْزَمُ ذلك؛ لأنَّا إذا جَعَلْناها مصدريةً عاد الضميرُ على ما يُفْهَمُ مِنْ سياق الكلامِ ، ففي « بناها » ضميرٌ عائدٌ على اللّه تعالى ، أي : وبناها هو ، أي : اللّه تعالى ، كما إذا رأيتَ زيداً قد ضرب عَمْراً فتقول : « عجبتُ مِمَّا ضَرَبَ عمراً » تقديره : مِنْ ضَرْبِ عمروٍ هو ، كان حسناً فصيحاً جائزاً ، وعَوْدُ الضمير على ما يُفْهَمُ مِنْ سياقِ الكلامِ كثيرٌ و « وما يُؤدِّي إليه مِنْ فسادِ النظم » ليس كذلك ، ولا يُؤدِّي جَعْلُها مصدريةً إلى ما ذُكِرَ ، و « وإنما أُوْثِرَتْ » إلى آخره لا يُراد بما ولا بمَنْ الموصولتين معنى الوصفيةِ؛ لأنهما لا يُوْصفُ بهما بخلاف « الذي » فاشتراكُهما في أنَّهما لا يُؤَدِّيان معنى الوصفيةِ موجودٌ بينهما فلا تنفردُ به « ما » دون « مَنْ » و : وفي كلامِهم « إلى آخره تَأَوَّله أصحابُنا على أنَّ » سبحان « عَلَم و » ما « مصدريةٌ ظرفيةٌ » انتهى.

أمَّا ما رَدَّ به عليه مِنْ كونِه يعود على ما يُفْهَمُ من السِّياق فليس يَصْلُح رَدَّاً ، لأنه إذا دار الأمرُ بين عَوْدِه على ملفوظٍ به وبينَ غيرِ ملفوظٍ به فعَوْدُه على الملفوظِ به أولى لأنَّه الأصلُ . وأمَّا  فلا تنفرد به « ما » دونَ « مَنْ » فليس مرادُ الزمخشري أنها تُوْصَفُ بها وصْفاً صريحاً ، بل مُرادُه أنها تقعُ على نوعِ مَنْ يَعْقل ، وعلى صفتِه ، ولذلك مَثَّل النَّحْويون ذلك ب  فانكحوا مَا طَابَ  [ النساء : ٣ ] ، وقالوا : تقديره : فانْكِحُوا الطيِّبَ مِنْ النساءِ ، ولا شكَّ أن هذا الحكمَ تَنْفَرِدُ به « ما » دون مَنْ . والتنكيرُ في « نفس » : إمَّا لتعظيمِها ، أي ، نفس عظيمة ، وهي نفسُ آدمَ ، وإمَّا للتكثيرِ ك  عَلِمَتْ نَفْسٌ  [ الانفطار : ٥ ].

اهـ (الدُّرُّ المصُون).

قالوا معناه تقضض.

وقيل : قد أفلح مَنْ زَكَّى نفْسَه بالعمل الصالح.

* * *

﴿ ١٠