تفسير مقاتل بن سليمان

أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي بالولاء البلخي

(ت ١٥٠ هـ ٧٦٧ م)

_________________________________

 مقدمة المصنف

بسم اللّه الرحمن الرحيم

وبه نستعين

أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عقيل بن زيد الشهرزوري ، رضي اللّه عنه ، قال :

حدثنا القاضي أبو عبد اللّه محمد بن علي بن زادلج ، قال : حدثنا عبد الخالق بن الحسن ،

قال عبيد اللّه بن ثابت بن يعقوب الثوري المقرئ قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا الهذيل ابن حبيب أبو صالح الزيداني ، عن مقاتل بن سليمان ، عن ثلاثين رجلا ، منهم اثني عشر رجلا من التابعين ، منهم من زاد على صاحبه الحرف ، ومنهم من وافق صاحبه في

التفسير ، فمن الاثنى عشر : عطاء بن أبي رباح ، والضحاك بن مزاحم ، ونافع مولى ابن عمر ، والزبير ، وابن شهاب الزهري ، ومحمد بن سيرين ، وابن أبي مليكة ، وشهر بن حوشب ، وعكرمة ، وعطية الكوفي ، وأبو إسحاق الشعبي ، ومحمد بن علي بن الحسين ابن علي ، ومن بعد هؤلاء قتادة ونظراؤه ، حتى ألفت هذا الكتاب .

قال عبد الخالق بن الحسن : وجدت على ظهر كتاب عبيد اللّه بن ثابت ، عن أبيه تمام الثلاثين الذين روى عنهم مقاتل . قال : حدثنا الهذيل ، قال : رجال مقاتل الذين أخذ التفسير عنهم سوى من سمينا : قتادة بن دعامة ، وسليمان بن مهران الأعمش ، وحماد بن أبي سليمان ، وإسماعيل بن أبي خالد ، وابن طاوس اليماني ، وعبد الكريم وعبد القدوس صاحبي الحسن ، وأبو روق ، وابن أبي نجيح ، وليث بن سليم ، وأيوب ، وعمرو بن دينار ،

وداود بن أبي هند ، والقاسم بن محمد ، وعمرو بن شعيب ، والحكم بن عتبة ، وهشام بن حسان ، وسفيان الثوري ، ثم قال أبو محمد : قال أبي : فقلت لأبي صالح : لم كتب عن سفيان وهو أكبر منه ؟ فقال : إن مقاتل عمر ، فكتب عن الصغار والكبار .

قال أبو محمد : قال أبي : قال أبو صالح : بذلك أخبرني مقاتل . قال : حدثنا عبد اللّه ،

قال : وحدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : أنزل القرآن على خمسة أوجه :

أمره ، ونهيه ، ووعده ، ووعيده ، وخبر الأولين . قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : وحدثني أبي ،

قال : حدثني الهذيل ، عن المسيب ، عن الأعمش ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس ، رضي اللّه عنه ، قال : تعلموا التأويل قبل أن يجيء أقوام يتأولونه على غير تأويله .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبي قلابة ، عن ابن

عباس ، قال : ما أنزل اللّه عز وجل كتابا ، إلا أحب أن يعلم تأويله . قال : حدثنا عبيد اللّه ،

قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن إسماعيل بن عياش الحمصي ، قال : أخبرني

معاذ ابن رفاعة ، عن إبراهيم العذري ، قال : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ،

ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . قال : حدثنا عبيد اللّه ،

قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن سفيان الواسطي ، قال : إن مثل من قرأ القرآن

ولم يعلم تفسيره ، كمثل رجل جاءه كتاب أعز الناس عليه ، ففرح به ، فطلب من يقرؤه

له ، فلم يجده وهو أمي ، فهكذا من قرأ القرآن ولم يدر ما فيه .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن علي بن عاصم ، عن عطاء

ابن السائب ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود ، قال : كنا إذا علمنا رسول

اللّه صلى اللّه عليه وسلم العشر آيات من القرآن ، لم نجاوزهن إلى غيرهن حتى نعلم ما فيهن . قال : حدثنا

عبيد اللّه ، قال : وحدثني أبي ، قال : حدثني الهذيل ، عن ابن المسيب ، عن الكلبي ، عن أبي

صالح ، عن ابن عباس ، قال : القرآن على أربعة أوجه : تفسير يعلمه العلماء ، وعربية

تعرفها العرب ، وحلال وحرام لا يسع الناس جهله ، وتأويل لا يعلمه إلا اللّه عز وجل ،

قلت : وما التأويل ؟ قال : ما هو كائن .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : وحدثنا أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، أنه قال : في القرآن

خاص وعام ، خاص للمسلمين ، وخاص في المشركين ، وعام لجميع الناس ، ومتشابه ،

ومحكم ، ومفسر ، ومبهم ، وإضمار ، وتمام ، وصلات في الكلام مع ناسخ ومنسوخ ،

وتقديم وتأخير ، وأشباه مع وجوه كثيرة ، وجواب في سورة أخرى ، وأمثال ضربها اللّه

عز وجل لنفسه ، وأمثال ضربها للكافر والصنم ، وأمثال ضربها للدنيا ، والبعث ،

 

والآخرة ، وخبر الأولين ، وخبر ما في الجنة والنار ، وخاص لمشرك واحد ، وفرائض ،

وأحكام ، وحدود ، وخبر ما في قلوب المؤمنين ، وخبر ما في قلوب الكافرين ، وخصومة

مشركي العرب ، وتفسير ، وللتفسير تفسير .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثنا أبي ، عن الهذيل بن حبيب ، عن مقاتل ، قال : من

قرأ القرآن فلم يعلم تأويله ، فهو فيه أمي . قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن

الهذيل ، عن مقاتل ، عن عبد الكريم الجزوي ، قال : ما أجد أعظم أجرا يوم القيامة ممن

علم القرآن وعلمه .

وذكر مقاتل حساب الجمل ، فقال : يبدأ بحروف أبي جاد ، فألحقها بها ألف واحد ،

ب اثنين ، ج ثلاثة ، د أربعة ، ه خمسة ، و ستة ، ز سبعة ، ح ثمانية ، ط تسعة ، ي عشرة ،

ك عشرون ، ل ثلاثون ، م أربعون ، ن خمسون ، ص ستون ، ع سبعون ، ف ثمانون ، س

تسعون ، ق مائة ، ر مائتين ، ش ثلاثمائة ، ت أربعمائة ، باقي المعجم : ث خمسمائة ، خ

ستمائة ، ذ سبعمائة ، ض ثمانمائة ، ، ظ تسعمائة ، غ ألف .

قال : وحدثنا عبيد اللّه ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، قال : قال رسول

اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما أنزل اللّه عز وجل في القرآن سورة مثل فاتحة الكتاب ، ولا نزل في كتب

الأنبياء مثلها ، قال : وقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : أعطيت بالتوراة السبع الطوال وهن القرآن ،

وأعطيت بالإنجيل المثاني وهن هدى القرآن ، وأعطيت بالزبور المئين وهن ريحان القرآن ،

وفضلني بالمفصل .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني الهذيل ، عن المسيب بن شريك ، عن أبي روق ،

عن الضحاك ، في قول اللّه سبحانه وتعالى : الم ، قال : أنا اللّه أعلم . قال : حدثنا

عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبي جعفر الرازي ، عن أبي العالية

في قوله سبحانه : الم ، قال : هذه من الثمانية وعشرين حرفا التي دارت الألسن

كلها بها ، وليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسماء اللّه عز وجل ، وليس منها

اسم إلا وهو في الآية وبلا آية ، وليس منها حرف إلا وهو في مدة قوم وآجالهم ،

فالألف مفتاح اللّه جل جلاله ، واللام مفتاح اسمه لطيف ، والميم مفتاح اسمه مجيد .

الألف آلاؤه ، واللام لطفه ، والميم مجده .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : وحدثن أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن أبي بكر الهذلي ،

عن عكرمة في قوله عز وجل : ذلك الكتاب ، يعني التوراة والإنجيل ، قال أبو

روق : في قوله سبحانه : لا ريب فيه ، لا شك فيه ، و هدى للمتقين [ البقرة :

٢ ] ، قال : كرامة لهم هداهم إليه ، وأما قوله سبحانه : و الذين يؤمنون بالغيب ، يعني

بالغيب لا إله إلا اللّه ، وبما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم  ويقيمون الصلاة ، يعني الصلاة المكتوبة ويؤتون الزكاة [ المائدة : ٥٥ ] ، يعني المفروضة ومما رزقناهم

ينفقون [ البقرة : ٣ ] ، قال روق : هذه للعرب خاصة . قال : وقال أبو صالح ، قال

الكلبي : قالت اليهود : جدي وحيي ومن معهما نحن المتقون الذين يؤمنون بالغيب آمنا

بمحمد قبل أن يبعث . قال الكلبي : هاتان الآيتان نزلتا في اليهود .

سورة الفاتحة

١

بسم اللّه الرحمن الرحيم

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : قال : فاتحة الكتاب مدنية .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : وحدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن الضحاك ، عن إبن عباس ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : فاتحة الكتاب مدنية .

سورة فاتحة الكتاب سبع آيات كوفية ، وهي مدنية ، ويقال : مكية ١ .

٢

الفاتحة : ٢ الحمد للّه رب . . . . .

 الحمد للّه ٢ ، يعنى الشكر للّه رب العالمين [ آية : ٢ ] ، يعني الجن والإنس ، مثل قوله : ليكون للعالمين نذيرا [ الفرقان : ١ ] الرحمن الرحيم [ آية : ٣ ] ، إسمان رفيقان ، أحدهما أرق من الآخر

٣

الفاتحة : ٣ الرحمن الرحيم

 الرحمن ، يعني المترحم ،

 الرحيم ، يعني المتعطف بالرحمة ،

٤

الفاتحة : ٤ مالك يوم الدين

 ملك يوم الدين [ آية : ٤ ] ، يعني يوم الحساب ، كقوله سبحانه : أئنا لمدينون [ الصافات : ٥٣ ] ، يعني لمحاسبون ، وذلك

أن ملوك الدنيا يملكون في الدنيا ، فأخبر سبحانه أنه لا يملك يوم القيامة أحد غيره ، فذلك قوله تعالى : والأمر يومئذ للّه [ الانفطار : ١٩ ] .

٥

الفاتحة : ٥ إياك نعبد وإياك . . . . .

 إياك نعبد ، يعني نوحد ، كقوله سبحانه في المفصل : عابدات

[ التحريم : ٥ ] ، يعني موحدات وإياك نستعين ١ [ آية : ٥ ] على عبادتك ،

٦

الفاتحة : ٦ اهدنا الصراط المستقيم

 اهدنا الصراط المستقيم ٢ [ آية : ٦ ] ، يعني دين الإسلام ؛ لأن غير دين الإسلام

ليس بمستقيم ، وفي قراءة إبن مسعود : أرشدنا ،

٧

الفاتحة : ٧ صراط الذين أنعمت . . . . .

 صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ٣ ، يعني دلنا على طريق الذين أنعمت عليهم ، يعني النبيين الذين أنعم اللّه عليهم بالنبوة ، كقوله سبحانه : أولئك الذين أنعم اللّه عليهم من النبيين [ مريم : ٥٨ ]

 غير المغضوب عليهم ، يعني دلنا على دين غير اليهود الذين غضب اللّه عليهم ، فجعل منهم القردة والخنازير ولا الضالين [ آية : ٧ ] ، يقول : ولا دين المشركين ، يعني النصارى .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن الهذيل ، عن مقاتل ، عن مرثد ، عن أبي هريرة ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : يقول اللّه عز وجل : قسمت هذه السورة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال العبد : الحمد للّه رب العالمين ، يقول اللّه عز وجل :

شكرني عبدي ، فإذا قال : الرحمن الرحيم ، يقول اللّه : مدحني عبدي ، فإذا

قال : مالك يوم الدين ، يقول اللّه : أثنى علي عبدي ، ولعبدي بقية السورة ، وإذا

قال : وإياك نستعين ، يقول اللّه : هذه لعبدي إياي يستعين ، وإذا قال :

 اهدنا الصراط المستقيم ، يقول اللّه : فهذه لعبدي ، وإذا قال : صراط الذين أنعمت عليهم ، يقول اللّه : فهذه لعبدي ولا الضالين ، فهذه لعبدي ١ .

قال :

حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا الهذيل ، عن مقاتل ، قال : إذا قرأ أحدكم هذه السورة فبلغ خاتمتها ، فقال : ولا الضالين ، فليقل : آمين ، فإن الملائكة تؤمن ، فإن وافق تأمين الناس ، غفر للقوم ما تقدم من ذنوبهم .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني هذيل ، عن وكيع ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : لما نزلت فاتحة الكتاب رن إبليس .

قال : حدثنا عبيد اللّه ، قال : حدثني أبي ، عن صالح ، عن وكيع ، عن سفيان الثوري ، عن السدى ، عن عبد خير ، عن علي ، رضي اللّه عنه ، في قوله عز وجل : سبعا من المثاني [ الحجر : ٨٧ ]

قال : هي فاتحة الكتاب .

﴿ ٠